أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 5 إلى 11 جويلية 2025)    ندوة صحفية بمقر النقابة الوطنية للصحفيين لكشف وتوضيح ما يحدث من اجرام بيئي في خليج المنستير    عاجل/ السجن 20 عاما ضد كاتب عام سابق بنقابة الحرس الوطني من اجل هذه التهم    60 نائبا من حزب العمال البريطاني يطالبون بالاعتراف الفوري بفلسطين    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات: المنتخب الوطني يواجه اليوم منتخب جمهورية الدومينيكان    الترجي الجرجيسي: تربصات بالجملة .. ومواجهتين وديتين في البرنامج    عاجل/ نشرة متابعة: أمطار غزيرة بهذه الولايات ورياح قوية بالجنوب    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    عاجل – للتونسيين: ''يوم عطلة'' في جويلية للموظفين في القطاعين العام والخاص    ليفربول يودّع جوتا: حجب القميص رقم 20 وتكريم غير مسبوق    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    وزارة التعليم العالي تعلن عن موعد الحصول على كلمات العبور الخاصة بالناجحين في دورة المراقبة للبكالوريا    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    عاجل/ فرنسا ترحّل تونسيا محكوم بالسجن 132 عاما    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    بالقفطان والبرنس.. نجل زيدان وزوجته يحييان التراث المغربي    كارلسون لا يستبعد احتمال عمل إبستين مع الموساد وممارسة الابتزاز لصالح إسرائيل    المنستير: توسعة ميناء الصيد البحري بطبلبة وانجاز مركّب تقني وتأهيل مركز التكوين محور اجتماع اللجنة الجهوية للتسريع في المشاريع العمومية    عاجل/ البنتاغون: صاروخ إيراني أصاب قاعدة "العديد" في قطر    جلسة بوزارة التجهيز لمتابعة تقدم تنفيذ مشاريع الجسور والطرقات لسنة 2025    ترامب يكشف عن طريقة جديدة لتسليح أوكرانيا    عاجل/ اليوم: أمطار غزيرة ورياح تتجاوز سرعتها 80 كلم/س بهذه المناطق    مخطط التنمية 2026 – 2030: اقتراح 132 مشروع بمدينة الحمامات    النصر السعودي يسعى لخطف نجم ميلان الإيطالي    مصادر دبلوماسية: مؤتمر الأمم المتحدة لحل الدولتين سيعقد في 28 و29 جويلية    معالم وآثار: توزر... دار بن عزوز .. منارة داخل المدينة العتيقة    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    تونس – القلعة الكبرى: العثور على فتاة ميتة في منزلها بحبل ملتف حول رقبتها    بالمناسبة .. .مهازل مهرجان قرطاج وفضائحه    في ظلّ غياب الخصوصية والتميّز والإمكانيات: ما الهدف من كثرة المهرجانات في سوسة؟    قرطاج لا يُغَنَّى فيه مجانًا... تصريح رسمي يحسم الجدل حول مشاركة الفنانة أحلام    الحكومات العربية باتت مهتمة بالاستخدمات السلمية للتكنولوجيات النووية    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    الكولستيرول الجيد والكولستيرول الضار: هل تعرف ما هو الفرق؟    للناجحين في دورة المراقبة للبكالوريا: هكذا تتم عملية التوجيه الجامعي 2025    الاسباني كارولوس ألكاراز يتأهل الى الدور النهائي لبطولة ويمبلدون    تلامذة من تونس يلمعو عربياً في تحدي كبير! شكونهم؟    الجزائر: حمود بوعلام يشتري رُويبة ويُقصي الفرنسي ''كاستيل'' من السوق    تاكل تُن وانت مريض سكر؟ إنت في الأمان ولا تغالط في روحك؟    تونس: البنك الأوروبي للإستثمار مستعد لتمويل مشاريع ذات النجاعة الطاقية ومكافحة الهدر المائي والنقل الحديدي    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية " تتضمن دراسات وفتاوى لأعلام الزيتونة    توزر: تواصل التدخلات لإزالة آثار العاصفة الرملية    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    البنك الإفريقي للتنمية: النمو الاقتصادي في تونس سيبلغ 1.9% في 2025...    العجز التجاري لتونس يتفاقم بنسبة 23،5 بالمائة    موفى جوان 2025: عجز تونس التجاري يتفاقم إلى 9،900 مليار دينار..    القصرين: حجز 11 طناً من البطاطا المخزنة خارج المسالك القانونية بمدينة بوزقام    ما ترقدش بكري؟ المخ، القلب، والمعدة يدفعوا الثمن!    أزمة ديون جديدة تهدد انطلاقة النادي الإفريقي قبل موسم 2025-2026    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار مع تساقط البرد بهذه الجهات    ترتيب المندوبيات الجهوية للتربية حسب نسب النجاح في امتحانات الباكالوريا 2025 عمومي    مقداد السهيلي: أنا ما نيش هاوي وإلا جيت لبارح باش نوري وجهي ونستنى باش يشجعني الجمهور    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منظمة الصحة العالمية تمنح رئيس الجمهورية درع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    سعيّد: كلّ تظاهرة ثقافيّة أو فنيّة يجب أن تتنزّل في إطار قضايا الحريّة والتحرّر    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام الامريكي.. والغباء العربي :عبد الباري عطوان
نشر في الفجر نيوز يوم 01 - 09 - 2009

يعكف مساعدو الرئيس الامريكي باراك اوباما على بلورة مبادرة سلام جديدة للصراع العربي الاسرائيلي، من المتوقع إماطة اللثام عنها اثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلث الاخير من شهر ايلول (سبتمبر) المقبل.
السيناتور جورج ميتشل المهندس الحقيقي لهذه المبادرة يفضل العمل بسرية مطلقة، بعيداً عن وسائل الاعلام، لكن ما تسرب عن هذه المبادرة حتى الآن من تقارير يوحي بأنها سترتكز في معظم بنودها على مبادرة السلام العربية مع بعض التعديلات الجوهرية، اي اسقاط حق العودة وايجاد صيغة 'ملتبسة' لوضع القدس المحتلة بجعلها عاصمة للدولتين، اي ابقاء وضعها الحالي مع تغييرات تجميلية طفيفة.
التدرج في التطبيق سيكون سمة المرحلة المقبلة، حيث من المتوقع ان يتم قلب المبادرة العربية، بحيث يصبح التطبيع مقدمة للانسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية المحتلة، تلبية لشروط بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي. وهذا ما يفسر الضغوط الامريكية المكثفة على الدول العربية، خاصة في منطقة الخليج والمغرب العربي، من اجل الاقدام على خطوات تطبيعية 'أولية' مقابل تجميد نتنياهو لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وليس القدس المحتلة، مثل فتح مكاتب تجارية، والسماح لطائرات 'العال' الاسرائيلية بعبور الاجواء العربية بكل حرية.
ضغوط ادارة اوباما هذه يمكن ان تعطي ثمارها في الاسابيع المقبلة، ومن غير المستبعد ان نرى مصافحات واجتماعات وتبادل ابتسامات بين مسؤولين وزعماء عرب ونتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكسر الجليد، تتلوها خطوات عملية دبلوماسية.
التحضيرات في الجانب الفلسطيني تسير على قدم وساق في هذا الاطار، وبطريقة مدروسة بعناية فائقة، ووفق توجيهات امريكية اوروبية، بمباركة اسرائيلية غير مباشرة، بحيث يكون البيت الفلسطيني الداخلي مهيئاً للمبادرة الجديدة بشكل جدي ومتكامل.
' ' '
ويمكن تلخيص هذه التحضيرات في مجموعة من النقاط، جرى استقراؤها من تطورات الاشهر القليلة الماضية:
أولاً: اقدم السيد محمود عباس رئيس السلطة في رام الله على عقد المؤتمر العام لحركة 'فتح' و'انتخاب' لجنة مركزية جديدة تضم أربعة من القادة الامنيين السابقين، وتستبعد معظم رموز الحرس القديم المعارض لنهج اوسلو، بطريقة او بأخرى، مع الاقرار بأن بعض الاعضاء الجدد يتمتعون بسمعة وطنية جيدة واستقلالية في الرأي، ولكنهم يظلون اقلية.
ثانياً: نجاح السيد عباس في عقد جلسة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني 'بمن حضر' من اجل استكمال شرعية اللجنة التنفيذية للمنظمة، بانتخاب ستة اعضاء جدد. واللافت انه تم اضافة ابرز شخصيتين مسؤولتين عن ملف المفاوضات الى عضوية اللجنة، وهما السيدان احمد قريع (ابو علاء) وصائب عريقات. وهذا يعني انهما سيتفاوضان في المستقبل على اساس خطة السلام الجديدة، ليس على انهما يمثلان حركة 'فتح'، وانما باسم منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
ثالثاً: اعلان السيد سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني عن خطته الجديدة لانجاز البنى التحتية للدولة الفلسطينية التي توقع قيامها في غضون عامين، وهذه البنى من شقين: الأول امني يتمثل في بناء قوات امن فلسطينية وفق المواصفات الامريكية وباشراف الجنرال الامريكي دايتون، ومباركة اسرائيلية أردنية مصرية فلسطينية. والثاني اقتصادي يركز على كيفية تحسين الظروف المعيشية لأهل الضفة الغربية بحيث ينسون الانتفاضة ويبتعدون بالكامل عن المقاومة باعتبارها مصدر عدم استقرار ومعاناة للمواطنين.
' ' '
ان اخطر ما نجح فيه المحيطون بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبتخطيط من قبل توني بلير 'مبعوث السلام' الاوروبي، هو حصر القضية الفلسطينية في 'الضفة الغربية' فقط واسقاط جوهرها الرئيسي، الا وهو 'قضية اللاجئين'، وتحويلها الى مسألة اقتصادية صرفة محكومة بمعدلات الاحوال المعيشية لسكان الضفة.
فالمقارنة لا تتم حالياً بين اوضاع الشعب الفلسطيني في ذروة انتفاضيته الاولى والثانية، او المرحلة التي سبقتهما وتمثلت في اطلاق الرصاصة الاولى عام 1965 عندما كانت الضفة الغربية والقطاع في أيد عربية، وانما المقارنة الآن بين كيفية تدهور الاوضاع الامنية والمعيشية في قطاع غزة تحت حكم 'حماس'، وازدهارها في الضفة الغربية تحت حكم السلطة.
الأوضاع في غزة متدهورة اقتصادياً، منضبطة امنياً، التدهور الاقتصادي بسبب الحصار الخانق الذي نسيه العالم بطريقة تآمرية متعمدة، والانضباط الامني جاء بسبب القبضة الحديدية لشرطة 'حماس'، وشاهدنا بعض جوانبها في اقتحام مسجد ابن تيمية في مدينة رفح 'لاجتثاث' حركة انصار جند الله، بطريقة دموية غير مسبوقة، ومنع اي عمليات فدائية او اطلاق صواريخ من القطاع.
اما الازدهار الاقتصادي في الضفة فمرده تدفق المليارات على السلطة من امريكا واوروبا والدول العربية، والاخيرة 'تسخو' في العطاء استجابة لتعليمات امريكية وليس تلبية لنداء الواجب. ولكن هذا الازدهار هو تطبيق حرفي لخطة نتنياهو، ومن قبله توني بلير لما يسمى ب'السلام الاقتصادي'. وهو السلام الذي يعني عملياً نسيان ثوابت القضية الفلسطينية ولو بشكل مؤقت.
السؤال الذي يرفض اي طرف الاجابة عليه هو كيفية وشكل الدولة الفلسطينية الموعودة في ظل وجود 249 مستوطنة اسرائيلية يقيم فيها نصف مليون مستوطن، علاوة على ستمائة حاجز اسرائيلي تحت ذريعة حفظ الامن؟
الجدل 'البيزنطي' الدائر حالياً ليس حول ما اذا كانت هذه المستوطنات شرعية او غير شرعية، وانما حول النمو الطبيعي فيها وما اذا كان هذا النمو شرعياً مقبولاً كلياً او جزئياً، والثمن الذي يجب ان يدفعه العرب 'تطبيعاً' مقابله.
' ' '
التطور الأبرز الآخر الذي يتبلور حالياً هو نجاح 'الابتزاز' الاسرائيلي في فرض شروطه، ليس على صعيد اسقاط حق العودة، و'تمييع' قضية القدس المحتلة فقط، وانما بربط اي 'تجميد مؤقت' للاستيطان بفرض حصار بحري وجوي وأرضي يشل ايران كلياً، تجاوباً مع هذا 'التنازل' الاسرائيلي الكبير.
اي مثلما جرى استخدام مؤتمر مدريد للسلام للتغطية على ضرب العراق وتدميره وحصاره عام 1991، يريدون ربط المبادرة الامريكية الجديدة للسلام بقضية المفاعل النووي الايراني. اي تفكيك هذا المفاعل بالحصار او العمل العسكري مقابل وعود، مجرد وعود بحل امريكي للقضية الفلسطينية وفق معادلة عدم إغضاب اسرائيل واسترضاء عرب الاعتدال.
الربط هنا ليس بين مفاعل نووي اسرائيلي ينتج 300 رأس نووي حتى الآن، ومفاعل ايراني ما زال 'جنيناً' لم يولد بعد، وانما بين المفاعل الأخير وحزمة من التنازلات العربية عن ثوابت فلسطينية مقابل وعود بالتسوية، سمعنا الكثير مثلها في السابق، تبخرت تباعاً بعد تحقق الاهداف الامريكية من جراء اطلاقها.
المشكلة الكبرى تكمن حالياً في ضعف معسكر الممانعة العربي، وتآكل معسكر الممانعة الفلسطيني، فسورية مشغولة حالياً في كيفية تحييد امريكا من خلال الانفتاح عليها واستقبال وفودها، والانشغال في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية، وكأنه قمة الملفات الاقليمية المصيرية. اما حركة 'حماس' فباتت غارقة في 'مصيدة' قطاع غزة، وكيفية توفير لقمة العيش لمليون ونصف مليون فلسطيني، وفتح قنوات مع الغرب تحت عنوان اطلاق سراح الاسير الاسرائيلي شاليط.
حركة 'حماس'، وللأسف الشديد، لم تعد ترفع راية المعارضة بالقوة المتوقعة منها كحركة اسلامية مجاهدة، واساء اليها كثيرا احد اجنحتها الذي يسعى لاعتراف الغرب، ويجري اتصالات معه، بل ويشارك في مؤتمرات تضم اسرائيليين في جنيف للايحاء بان الحركة واقعية معتدلة يمكن التعامل معها وتسليمها الحكم.
القضية الفلسطينية بشكلها الذي نعرفه موضوعة حالياً على مشرحة طبيب 'التجميل' الامريكي، لكي يعيد رسم ملامح جديدة لها، يقوم خبراء التسويق العرب، والفلسطينيين خاصة، ببيعه الى المخدوعين بالسلام الاقتصادي والأمن المنضبط والاقتصاد المزدهر في الضفة الغربية.
القدس العربي
01/09/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.