القاهرة دشن وزراء الإعلام العرب مرحلة جديدة في التعامل مع البث الفضائي الذي اخترق الفضاء العربي والدولي بشكل غير مسبوق، بعد أن أعلنوا الثلاثاء في العاصمة المصرية القاهرة عقب اجتماع قمة طارئ لهم وثيقة تحدد ضوابط السماح بالبث الفضائي وعمل مراسلي القنوات الفضائية في الدول العربية. وتنص الوثيقة التي أعلنها وزير الإعلام المصري أنس الفقي عقب اجتماع وزراء الإعلام العرب في القاهرة، وحركتها القاهرة والرياض بشكل أساسي على الامتناع عن التحريض على العنف الكراهية والتمييز، واحترام كرامة الانسان وحقوق الاخر، والامتناع عن بث أشكال التحريض على العنف وما يسمى الارهاب، والامتناع عن تناول قادة الدول العربية والرموز الوطنية والدينية بالتجريح، وحماية امن المجتمع وقيمة ومبادئة والامتناع عن كل ما يسئ للاديان السماوية. وحسب وزير الفقي فإن مصر ستكون اول من يطبق بنود هذه الوثيقة على الفضائيات المصرية وستحول هذه الوثيقة الى ملحق ملزم لكل العقود السابقة سواء ما يتعلق بالبث عبر النايل سات أو عقود استغلال الاستوديهات فى مدينة الانتاج الاعلامي. لكن الإعلامي المصري سليم عزوز شكك في قدرة مصر في فرض بنود هذه الاتفاقية على كل الفضائيات العربية، وأشار إلى أن المستهدف الأساسي من هذه الوثيقة هو قناة "الجزيرة" تحديدا، وقال: "فكرة هذه الوثيقة هي مصرية بالأساس، ذلك أن القاهرة تعتقد أنه بإمكانها أن تسيطر على الإعلام العربي من خلال المدينة الإعلامية التي تمتلكها ومن خلال امتلاكها لقمر النايل سات، وهي امكانيات محدودة لا أعتقد أنها تمنح مصر امكانية السيطرة على الفضائيات العربية والعودة بالإعلام العربي إلى المربع الأول، فأرض الله واسعة، حيث يمكن البث من أي بلاد أخرى غير مصر، هذا فضلا عن أن الجزيرة المقصودة بهذه الوثيقة تبث من بلد عربي تحفظ على هذه الوثيقة، ولا أعتقد أن قناة "الجزيرة" مهتمة كثيرا بالبث عبر النايل سات، ولا أعتقد أيضا أن قنوات من مثل الجزيرة والبي بي سي العربية أو الحرة ستلتزم بميثاق وزراء الإعلام العرب الذي يريد العودة بالزمن إلى الوراء، وهو أمر غير ممكن من جميع النواحي"، على حد تعبيره. وأشار عزوز إلى أن المملكة العربية السعودية كانت شريكة في التخطيط لهذه الوثيقة التي تحد من الحريات الإعلامية لتقاطع مصالحها مع مصر، وقال: "الدافع الأساسي لهذه الوثيقة هو دافع سياسي، بالنظر إلى الحراك السياسي الذي تشهده كل من القاهرة والرياض، ففي مصر يجري الإعداد للتوريث على قدم وساق، بينما تريد المملكة العربية السعودية التغطية على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان فيها، وهما معا يرفضان أي دور للإعلام في الإشارة إلى هذه الملفات، وينظران إلى بقية الدول العربية كما لو أنها شقيقات صغيرات، هذا ما يفسر وقوف السعودية ومصر خلف هذه الوثيقة". واعتبر الإعلامي المصري أن الوثيقة الإعلامية العربية غير المتفق عليها تمثل إعلانا رسميا عن أن الأنظمة العربية قد تراجعت نهائيا عن مشاريع الإصلاح التي كانت وزير الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد أعلنتها يوم تم احتلال العراق، بعدما كانت مشاريع الإصلاح السياسي قد طويت، يأتي الآن دور الإعلام، كما قال. وفي الدوحة وصف الإعلامي السوري المعروف صاحب برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي غاكس الأنظمة العربية لسنوات طويلة، الدكتور فيصل القاسم وثيقة وزراء الإعلام العرب بأنها إعلان طوارئ جديد لتكبيل الإعلام العربي، وقال: "أعتقد أن المقصود بوثيقة وزراء الإعلام العرب هو مواجهة كل الأصوات الحرة في العالم العربي، وإخراس كل صاحب رأي حر، لكنها محاولات فاشلة، حيث أن الأنظمة العربية استخدمت في البداية وسائل إعلامها لتشويه سمعة معارضيها وأصحاب الرأي المخالف لكنها لم تزدها إلا شعبية، وبعد أن وصلت إلى طريق مسدود في هذا المجال لجأت إلى القوانين، ولا أعتقد أن الدول العربية ستوافق على هذه القوانين، لا سيما ونحن نعلم أن قرارات القمة تؤخذ بالإجماع، ولذلك فإن هذه القوانين لن تمر، وأتمنى ذلك لأن مرورها يعني صفعة لحرية الرأي والتعبير وعودة لقوانين الطوارئ التي تكبل الإعلام"، كما قال. وربط فيصل القاسم، الذي كشف النقاب عن أنه بصدد إعداد برنامج عن هذه الوثيقة، بين قرارات وزراء الإعلام العرب وقرارات نظرائهم في الداخلية في اجتماعهم قبل أيام في تونس، وقال: "لقد جاء اجتماع وزراء الإعلام العرب الطارئ بناء على الاجتماع الذي كان قد عقده وزراء الداخلية العرب قبل أيام في تونس وعدلوا قانون الإرهاب، وهو ما يوحي بأن مؤامرة مشتركة بين وزراء الداخلية والإعلام في العالم العربي للإخراس الإعلام الحر بينما يتم الغتاضي عن الكباريهات الفضائية الموجهة خصيصا للعالم العربي"، على حد تعبيره. وفي الكويت نفى مدير عام قناة "الرسالة" الفضائية الدكتور طارق سويدان أن يكون الإعلام الإسلامي هو المستهدف من وثيقة وزراء الإعلام العرب، وقال: "نحن من دعاة الحرية وعدم التضييق عن الرأي، ولكننا أيضا من دعاة الانضباط الأخلاقي ومحاربة الإرهاب، وإذا كان المقصود بوثيقة وزراء الإعلام العرب هذا الأمر فنحن بالتأكيد نؤيدها، ونحن كقناة "الرسالة" لا تزعجنا هذه القرارات إذ أننا من دعاة وضع ميثاق شرف للإعلاميين العرب لمحاربة الإرهاب والشعوذة والانحلال الخلقي، لكن إذا تبين أنها وثيقة لتكميم الأفواه، فأعتقد أن مصيرها سيكون الفشل، لأنه لا عودة إلى الوراء وذلك الزمن الذي كان فيه بإمكان الحكومات العربية أن تسيطر على الإعلام لم يعد ممكنا في الوقت الراهن مع الفتوحات الإعلامية المتواصلة". ولفت سويدان الانتباه إلى عدم النظر إلى الدول العربية على قدم المساواة فيما يتعلق بموقفها من الحريات الإعلامية، وقال: "لا شك أن الحريات الإعلامية في العالم العربي تشكو من مصاعب كثيرة، ولكن الأمر ليس عاما، فنحن في الكويت مثلا نتمتع بهامش كبير من الحريات الإعلامية، لكن في غالبية الدول العربية الإعلام مسيطر عليه بالكامل من قبل الحكومات العربية، ويخضع لتأثيرها"، كما قال. وفي العاصمة المغربية الرباط اعتبر المدير العام لصحية "المساء" اليومية رشيد نيني أن وثيقة وزراء الإعلام العرب بشأن عمل الفضائيات في العالم العربي محاولة فاشلة للسيطرة على الفضاء بعدما سيطر الحكام على الأرض، وقال: "الوثيقة التي تم إقرارها في مصر والتي تحفظ لبنان وقطر عليها، بشأن عمل الفضائيات العربية، هي محاولة جديدة من الحكام العرب لحماية أمنهم المادي وضمان مصالحهم في الاستمرار في الحكم ولمجال نفوذهم، ولا أعتقد أنها محاولة ناجحة لأنها تستهدف التغطية على نقائص سياسية وحقوقية يشهدها الإعلام العربي، وهم يجتمعون لا لإيقاف القنوات الجنسية الموجهة للعالم العربي بل لتكبيل قنوات الرأي"، كما قال. وأشار نيني، وهو صاحب أشهر عمود صحفي في أكثر الصحف المغربية توزيعا، وقد تعرض لاعتداء بالسلاح الأبيض مؤخرا، إلى أن محاولة وزراء الإعلام العرب اكتشاف الفضاء على طريقتهم لا تستهدف محاربة الإرهاب وسموم الفتنة، وقال: "من حيث المبدأ لا أحد يتفق مع نشر الفتنة، وأنا أعتقد أن المستهدف هو الرغبة في تكميم الأفواه لعدد من الإعلاميين العرب في قنوات فضائية بعينها، وهي تأتي للأسف من وزارات إعلام لم يعد لها وجود إلا في بلداننا الشمولية المتخلفة على اعتبار أنها أحد الآليات الدعائية لها لا أكثر ولا أقل ( قدس برس)".