جرت العادة في شهر رمضان الفضيل من كل عام وبخاصة في القدس على اقامة عدد من مآدب الافطار الجماعية والتي يدعى اليها الشخصيات والرموز ورجالات المدينة .. ومن ضمنها افطار اعتاد رؤساء الكنائس على اقامته في كل عام كتعبير عن التآخي والوحدة مع الأخوة المسلمين في القدس .. ولكن هذا العام كان لرؤساء الكنائس رأي آخر.. فبدل اقامة الافطار الجماعي المعتاد رُصد مبلغ الافطار لدعم عائلتين من القدس طردتا من بيتيهما وقُدم لهما في زيارة تضامنية شعوراً منهم مع العائلات التي شردت من بيوتها، وتضامناً مع وقفتها البطولية في صمودها واصرارها على عدم التنازل عن حقها في استعادة بيوتها.. خطوة يجب أن تكون نموذجاً للجميع في وطننا .. فمعظم عائلات الوطن تعاني الأمرين ولا تجد ما تسد به رمق وجوع أطفالها، ليس في رمضان فحسب، وانما في كل أيام السنة.. عائلات فقدت المعيل، وأخرى فقدت مورد الرزق ، وأخرى تعاني من الحصار ، وأخرى طردت من بيتها .. وأخرى هدم مسكنها .. فكم من مصائب وويلات حلّت بهذا الشعب وجعلته يعاني الفقر والتشرد والألم والحزن والحسرة.. ان مآدب الافطار التي تقام كل عام في رمضان تكلف مبالغ باهظة، ويا ليتها تقام للمحتاجين من هذا الوطن الا فيما ندر ، وأشير هنا كمثال الى تلك التي تقام في المسجد الأقصى والتي تقدم الافطار للعائلات المحتاجة.. نعم ان حفلات الافطار ربما تهدف الى اللقاء الأخوي والتواصل وتوطيد أواصر المحبة والتآخي، ولكن في ظل الظروف التي يعيشها شعبنا فمن الأولى لتلك الافطارات أن تقام لمن هم بحاجة، أو ترصد قيمتها لمساعدة العائلات المحتاجة والمتضررة، فبهذا يكتمل روح هذا الشهر الفضيل الذي هو شهر الخير والبركات والرحمة والمحبة والتآخي والتضامن مع الآخرين.. ان شعبنا، وبخاصة في القدس، يتعرض لكل أنواع القهر والتهجير والطرد والتهويد ولذلك فهو بحاجة الى وقفة جماعية للمساهمة في دعم الأسر التي تعاني الظلم والقهر والتشريد وعلى الأقل في شهر رمضان المبارك ، فاذا كان العديد قد تخلوا عن القدس وتركوا سكانها يعانون لوحدهم فان بامكاننا كمقدسيين أن نساهم في الوقوف مع هذه العائلات كلٌَ قدر استطاعته، ولا يحتاج هذا الى الكثير .. فاليوم نكبت عائلة وغداً ربما يأتي الدور علينا .. واذا وقفنا مع المنكوبين والمظلومين فسنجد من يقف معنا في نكبتنا فيما لو لا سمح الله أُصبنا بها. في القدس آلاف المحلات التجارية ومئات الأطباء والمهندسين والصيادلة و.. فماذا يضير الواحد منهم لو تبرع بمبلغ زهيد ولو حتى بعشرة شواقل كل شهر تجمع لتوزع على الأسر المتضررة .. فبهذا نساعد في دعم صمود مواطنينا في مواجهة محاولات التهجير والطرد والتهويد.. صندوق القدس من أهل القدس لأهل القدس هو اقتراحي، ربما يظن البعض أنه صعب التحقيق أو أنه لن يساهم كثيراً في مساعدة ودعم صمود أهل القدس، ولكن كما يقول المثل "صرارة تسند حجراً" وهنا لن تكون صرارة بل حجراً يسند صخرة .. فبحسبة بسيطة نجد أن مبلغ العشرة شواقل الذي لن "يكسر" من يتبرع به شهرياً ومثله الآلاف من أهل القدس فسيجمع عشرات الآلاف من الشواقل شهرياً.. وبشاقل واحد بين فترة وأخرى من طلاب المدارس المقتدرين يجمع آلاف الشواقل.. فكم من طالب في مدارسنا أوضاعهم لا بأس بها.. والشاقل في الشهر الذي يتبرع به الطالب عدا عن مساهمته في دعم صمود الآخرين فانه ينمي فيه روح المحبة والأخوة والتعاضد والتعاون والتكافل .. فسيعلم هذا الطالب بأن هناك أطفالاً آخرين لا يجدون لقمة العيش وبحاجة الى مساعدته .. سيعلم أن هناك عائلات مشردة طردت من بيوتها أو هدمت منازلها وأصبحت بلا مأوى.. سيعلم أن هناك وطناً بحاجة الى أن يقوم بواجبه تجاهه .. سيدرك أن هناك مسؤولية يجب أن يتحملها تجاه شعبه، وبأننا يجب ان لا نظل ننتظر المساعدة والمعونة من الآخرين، فبامكاننا أن نساهم ولو باليسير، فاليسير سيصبح كثيراً لو تجمّع من أجل تحقيق هذا الهدف السامي .. اقتراح هو حل من أحد الحلول التي أظن أنها مجدية وستساهم في دعم صمود مواطنينا في القدس، فلا يكفي أن نتضامن بالشعارات والزيارات والخطابات، فالقدس بحاجة الى أفعال لا الى أقوال كما قلتها سابقاً وكما سأظل أقولها .. القدس في خطر ومواطنوها في خطر ومقدساتها في خطر .. القدس بحاجة الى أهلها ليتضامنوا مع أهلها بالفعل وعلى أرض الواقع .. واني لعلى ثقة تامة بأن أهل القدس لم ولن يتخلوا عن واجبهم تجاهها .. ويقومون بالمستحيل من أجل الصمود فيها .. * كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية