كلمة هيثم مناع في إفطار - حوار اللجنة العربية لحقوق الإنسان في 10/10/2009 في مالاكوف في ندوة بهذا العنوان. هيثم مناع نجتمع اليوم تحت سقف تعبيرين هما الإصلاح الإسلامي والاعتقال التعسفي. ولا شك بأن كل تعبير منهما يحتاج وحده لندوات، فالإصلاح في صلب فكرة البحث الدائم عن الأفضل للإنسان والحياة، وأذكر أن الفقيد حسن الهويدي استوقفني في نقاش حول فكرة الإصلاح البروتستنتي ليقول: "بخلاف تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، القصص الديني كما الواجب الديني في القرآن قائم على فكرة الإصلاح، أنظر كيف أوجز النبي شعيب رسالته لقومه بالقول: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" (هود 88) كذلك الآية القرآنية التي تصّدر ثلاثة أعمال لكل إنسان: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" (النساء 114)". باختصار، الإصلاح ليس مجرد لاحقة أو كمالية في الإسلام، لذا كان حصر المعنى والمبنى في سجن التقليد برأينا شكل من أشكال التجني على الدين كذلك نعتبر اختزال الحركة الإصلاحية بالتحلل من أصول الدين عند عدد من شيوخ السلفية، أو على العكس من ذلك اختزال بعض الإسلاميين الإصلاح الإسلامي في مناهضة العلمانية واستعادة الوصل بين الدين والحياة وقيادة الدين للحياة (1)، فيما نعتقده توظيفا سياسيا لمفاهيم الإصلاح الإسلامي المعاصرة أكثر منه دراسة تأملية في عطائها الخصب للإسلام والإنسانية. من هنا مركزية دور المصلحين في الدين والدنيا، والمغزى العميق لخوف النظم التسلطية، وليس فقط القوى الدينية المحافظة، من كل نويات الإصلاح وشخصياته. ولعل من الضروري التذكير بأن القرآن يعطي اسم المفسد في مواجهة المصلح (والله يعلم المفسد من المصلح-البقرة 220)، ولا يتسع المجال للتوقف عند جسامة مفهوم الفساد في الإسلام. أما الاعتقال التعسفي فهو الصيغة المخالفة للأعراف والقواعد الدولية لحقوق الإنسان لحرمان الأشخاص من الحرية لأسباب تعود لممارستهم حقا غير قابلٍ للتصرف في القواعد الدنيا للوجود المدني الإنساني في الأزمنة الحديثة. والاعتقال التعسفي بتعبيره السعودي أشهر بل سنوات دون محاكمة، كما هو حال الاثني عشر مصلحا المعتقلين في جدة منذ شباط/فبراير 2007، وبتعبيره المصري، الاعتقال الإداري المتكرر لتقطيع أوصال العلاقة بين الإنسان وعمله ومحيطه وقدرته على المشاركة في الشأن العام، كما أصاب عصام العريان من قبل ويصيب الصديق عبد المنعم أبو الفتوح اليوم، والمحاكمات العسكرية لإرهاب الناس من التعامل من تنظيم محظور. أما في المغرب فقد تم توريط القضاء في ملفات الاعتقال التعسفي وصار قضاء التعليمات يحوّل السياسيين إلى مجرمي حق عام أو إرهابيين حسب الطلب. في سورية وبعد أن تكفلت محكمة أمن الدولة بترهيب الطبقة السياسية والمدنية المعارضة، دخل تقليد المحاكمات العادية بمصطلحات حالة الطوارئ كوهن الأمة وزعزعة الأمن القومي وإثارة النعرات الطائفية ومن سخريات القدر أن يكتشف الناس التيار الإسلامي الديمقراطي عند اعتقال ياسر العيتي وزملائه بعد المؤتمر الوطني لإعلان دمشق في ديسمبر 2007.. في تونس لا يشفع قاضي السلطان لأي متطاول يتعرض بالنقد لأنموذج الدكتاتورية الباردة بامتياز. وبالتالي لا تتأخر التهم عن تحويل الموقوف السياسي إلى سجين حق عام محكوم من قبل قاضٍ عادي.. لقد جرى اختيار هذه الأمثلة ليس لأن وضعها أسوأ أو أحسن من بلدان عربية أخرى، فالمحكمة الجنائية العليا في العراق من أعلى أشكال التوظيف السياسي بل الحزبي للقضاء، ومن ينسى كيف كانت تصدر أحكاما بالإعدام على أكثر من ثلاثين شخصا في جزائر التسعينيات في أقل من ثلاثين دقيقة. كل هذا للقول بأن المواطن في العالم العربي ما زال في القرون الوسطى لاستقلال القضاء ونزاهته، وأن الإصلاح الثقافي والأخلاقي جزء لا يتجزأ من المعركة الإصلاح السياسي، بل كما يقول أنطونيو غرامشي وجمال الدين الأفغاني ضرورة أساسية من ضرورات أي تغيير في المجتمعات البشرية. نتعرض للإصلاح الأخلاقي، ليس لأننا من أنصار فكرة أحادية التعريف وثبات الهوية للأخلاق في الزمان والمكان، بل لأننا نعتبر أن ثمة مبادئ أخلاقية إنسانية تبلورت عبر القرون والحضارات وشكلت مع الوقت عهود ذمة عامة في وجود لا ذمة له. قيم عليا مثل التكريم الإنساني والأمانة واحترام الآخر والتزام العهد صارت اليوم مبادئ بلا حدود قومية أو مذهبية أو قارية. ومن وجهة نظري، تتأسس عالمية الأخلاق على قاعدة التساوي في الذات الاعتبارية والتساوي في مفهوم الشخص وسلامة نفسه وجسده. هي إذن نبذ طوعي للمحاباة، ورفض لمنطق الترهيب والتخويف في العلاقات بين البشرية، وصراع مع العصبية والتعصب ومناهضة للفساد والاستبداد. وبهذا المعنى يجتمع مناضل حقوق الإنسان مع المصلح الإسلامي في جبهة واحدة. الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أعطى المثل، من خلال الجمع بين النضال السياسي والنضال النقابي والعمل المدني اليومي، بأن الكائن السياسي هو ابن المجتمع الأوسع وليس فقط المجتمع الحزبي، ولهذا كان أنصاره في العمل النقابي من كل الاتجاهات السياسية والثقافية. لم نشعر خلال تجربة عمل نقابية وحقوقية طويلة معه يوما بأنه ابن حزب سياسي، دون أن يكون ذلك على حساب برنامج وتصور سياسي شفاف وواضح. كذلك نقف بكل إجلال واحترام أمام رواد الإصلاح المعتقلين في المملكة العربية السعودية، الشميري والهاشمي والرشودي وزملائهم المعتقلين منذ عامين ونصف دون محاكمة أو قضاء لأن سبب وجودهم الوحيد هو الدفاع عن حرية الآخرين. وأخيرا وليس آخرا، نطالب كل المدافعين عن حقوق الإنسان بتحويل قضية المعتقلين السياسيين الستة في المغرب، إلى قضيتهم، باعتبارهم ضحايا آلة جهنمية لتحطيم قواعد العمل السياسي الطبيعية في المجتمع عبر عقوبات قاسية. لعل من المفيد استعادة صيحة مصطفى المعتصم أمام القاضي: "نحن سيدي القاضي أمام مؤامرة يقودها أوفقيريون جدد أو فوضويون جدد ضد أبناء الحركة الإسلامية فهم لايرون الإسلامي إلا مقتولا، مفجرا نفسه، أو مسجونا. هم لا يعتبروننا شركاء في المواطنة.". أخيرا، ونحن نناضل من أجل حرية كل المعتقلين السياسيين في العالم العربي، نطالب كل رواد الإصلاح الإسلامي المعاصرين، بأن يكونوا معنا في مقدمة جبهة الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان، باعتبار ذلك في صلب مشروعهم الحضاري. أشكر باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان كل من تحمل مشاق السفر في هذا الشهر الكريم وكل من جاء يشاركنا سهرة الافطار بعد الحوار التي صارت تقليدا نعتز به. وأهدي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان هذه السهرة لأخي وصديقي محمد السيد سعيد الذي حرمه المرض من أن يكون معنا الليلة.