تونس – في رسالة حملتها زوجته من محبسه، توجه الرئيس السابق ل"حركة النهضة" المحظورة رسميا، الدكتور "الصادق شورو"، إلى علماء الأمة الإسلامية، وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، يطالبهم فيها بأن "يكونوا شهداء على ما يتعرض له من قمع داخل السجن وحرمان من أبسط الحقوق". وفي حوار مع "إسلام أون لاين. نت" شدّدت السيدة شورو على أن إدارة سجن "الناظور" منعت عن زوجها، المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة من عام 1992، الكتب والمجلات المرتبطة بتخصصه، حتى تلك الكتب التي تتناول قضايا فقهية بسيطة، "وهو ما دعاه إلى توجيه هذه الرسالة بهدف وضع الرأي العام الإسلامي وعلماء الأمة أمام التناقض الصارخ بين الشعارات التي ترفعها السلطة التونسية عن حمايتها للدين الإسلامي وشعائره، وبين ما تمارسه على أرض الواقع". كما توجه شورو برسالة ثانية خصصها لشكر وتحية وتقدير كل المنظمات والشخصيات والهيئات الحقوقية المحلية والدولية على وقفتها معه في محنته، وعلى ما بذلته من جهد في التعريف "بالمظلمة التي وقعت عليه". وهذا نص الحوار: * كيف هي الحالة الصحية للدكتور الصادق الآن؟ - بعد الزيارة الأخيرة التي أديتها له نهاية الأسبوع الماضي أستطيع أن أؤكد لكم أن صحة الدكتور متدهورة بشكل كبير، فقد علت وجهه صفرة واضحة، وبات يجد صعوبة في التنفس عندما يتكلم، إضافة إلى أنه أصبح يصاب بالإعياء الشديد خلال فترة الزيارة على قصرها؛ فيعمد إلى الاتكاء على الحاجز الفاصل بيننا. * سمعنا أن الدكتور برغم تدهور صحته يقتصر في طعامه على الخبز والزيت، فلماذا؟ - هذه حقيقة معاناة إنسانية لا أظن أن الكثيرين يدركون حجمها وعمق الألم الذي تسببه للدكتور ولنا نحن عائلته، فإدارة السجون لم تراعِ حرمة الشهر الكريم ولا طول الفترة التي قضاها الشيخ في السجن، علاوة على وضعه الصحي، فمنعته من مكان لحفظ الطعام في هذه الأجواء الحارة جدا التي تعيشها بلادنا. وكانت القصة بدأت مع بداية فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة.. فأصبح الطعام الذي نأخذه إلى الدكتور يفسد بسرعة؛ فطالب بأن يحفظ الأكل الذي نحمله له في براد، وتقدمنا بطلب في هذا الأمر إلى الإدارة. ولكن الإدارة رفضت هذا الطلب وسمحت له بحفظ طعامه في براد جماعي مع بقية المساجين، فوافق الدكتور على ذلك، ولكن في كل مرة كان الشيخ يسترجع فيها "قُفَّتَهٌ" (القفة كناية عن سلة الطعام باللهجة التونسية) إلا ويجدها مقلوبة رأسا على عقب، فرفض الدكتور أن يعامل بهذه الطريقة المهينة، وطلب مني عدم إدخال "القفة"؛ لأنها إن لم تفسد بسبب الحرارة فإنها ستفسد خلال حفظها في البراد الجماعي، وظل إلى الآن يقتات على الخبز والزيت فقط. * لو تركنا "قصة" الخبز والزيت هل يعاني الدكتور من مضايقات أخرى؟ - نعم.. فإضافة إلى ما يلاقيه من تعنت في حفظ الطعام الذي نأخذه إليه، منعت إدارة السجن عنه أيضا الكتب الفقهية والمجلات العلمية على غرار مجلة "science et vie" التي يحاول الدكتور الاطلاع من خلالها على آخر الاكتشافات العلمية، وهو كثير التأمل والنظر في هذا الجانب بحكم اختصاصه العلمي. (الدكتور أستاذ لمادة الكيمياء في كلية الطب بتونس). * وماذا عنك أنت.. كيف تعيشين مثل هذه الظروف؟ - حالي أنا هي حال من فارقت زوجها منذ عام 1992، وحال من وجدت نفسها بلا مُعيل ولا مُقيل، لقد كان عليّ خلال كامل هذه الفترة أن أتدبر أمور أبنائي لوحدي بدءا من تربيتهم وتعليمهم إلى مواساتهم في غياب أبيهم، كما كان علي أن ألعب دور الأم والأب والأخت والأخ في نفس الوقت. كل ذلك إلى جانب الاهتمام بشئون الصادق من حيث زيارته: طعامه وملابسه بما يعنيه ذلك من تنقل طوال عشرين سنة بين سجون البلاد في معاناة لن يدرك حجمها إلا من عاش مثلها، حتى أصابتني الأمراض من كل نوع، وفقدت طعم الحياة وبات كل همي أن تمر الأيام بأسرع ما يمكن. وكما تعلم فنحن الآن في رمضان وهذه السنة ال 18 التي يقضيها الصادق بعيدا عن عائلته، وهي فترة طويلة جدا فقدنا بسببها طعم الفرح؛ فلا أعيادنا أعياد، ولا مواسمنا مواسم، ولا أفراحنا أفراح، بل إني بت أخشى من مثل هذه المناسبات إذا أَقْبَلتْ؛ لأنها تذكر أبنائي بغياب أبيهم، وتزيد في معاناتهم، حتى أصيبوا بالإحباط والاكتئاب، وبرغم ذلك فإننا نقول الحمد لله رب العالمين. * أنت نقلت الرسالة التي يريد الدكتور شورو أن يوصلها للأمة، فهل لك أنت رسالة خاصة تريدين نقلها؟ - لا أنا ولا الدكتور نريد أن نختصر القضية المهمة والعادلة والمصيرية التي سجن من أجلها في مجرد حرمان الدكتور من بعض الطعام أو كتب ومجلات، فكفاحه هو من أجل إقرار الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والتوزيع العادل للثروة وإعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية في حياتنا. ولكن... من جرب السجون وخاصة لفترات طويلة يعلم أن كثيرا من مثل هذه الجزئيات والتفاصيل تؤثر بشكل كبير على وضعية السجين الصحية والنفسية، وبالتالي على قدرته على الصمود ومواجهة سنوات السجن الطويلة، ولهذا فأنا خائفة جدا على الشيخ، وأطمع أن يهب من يستطيع إلى نجدته سبيلا. اسلام اون لاين