رغم منعه من السفر : مبروك كرشيد يغادر تونس!    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    طقس اليوم: أمطار في هذه المناطق وانخفاض في درجات الحرارة    مدنين: حجز 4700 حبة دواء مخدر وسط الكثبان الرملية    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    اتحاد الشغل بجبنيانة والعامرة يهدد بالإضراب العام    نقل مغني فرنسي شهير إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري    الأمم المتحدة: آسيا أكثر مناطق العالم تضرراً من كوارث المناخ ب2023    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    أراوخو يكشف عن آخر تطورات أزمته مع غوندوغان    الجزائر.. القضاء على إره.ابي واسترجاع سلاح من نوع "كلاشنكوف"    البطولة الأفريقية للأندية الحائزة على الكأس في كرة اليد.. الترجي يفوز على شبيبة الأبيار الجزائري    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    البنك التونسي السعودي ... الترفيع في رأس المال ب100 مليون دينار    في اختتام المهرجان الدولي «إيتيكات» بسوسة.. شعراء وفنانون عرب بصوت واحد: «صامدون حتى النصر»    هذه أبرز مخرجات الاجتماع التشاوري الأول بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا    تغييرات مرتقبة في التركيبة العمرية    بيان أشغال الاجتماع التشاوري الأوّل بين تونس والجزائر وليبيا    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    المنستير.. الاحتفاظ بمدير مدرسة إعدادية وفتح بحث ضده بشبهة التحرش الجنسي    بوعرقوب.. عصابة سرقة الاسلاك النحاسية في قبضة الحرس الوطني    بنزرت: غلق حركة المرور بالجسر المتحرك في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء    الحشاني يشرف على جلسة عمل وزارية بخصوص مشروع بطاقة التعريف وجواز السفر البيومتريين    الإعلان عن تأسيس المجمع المهني للصناعة السينمائية لمنظمة الأعراف "كونكت"    بداية من يوم غد: أمطار غزيرة وانخفاض في درجات الحرارة    بوعرقوب: القبض على 4 أشخاص كانوا بصدد سرقة أسلاك نحاسية خاصة بشركة عمومية    مدنين: العثور على 4700 حبّة مخدّرة وسط الكثبان الرملية بالصحراء    استلام مشروع تركيز شبكة السوائل الطبية لوحدة العناية المركزة بقسم الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    قفصة: الإطاحة بشخص محل 10 مناشير تفتيش    عطلة طارئة في ليبيا تحسّبا لمنخفض جوي مرتقب    تونس: وفاة 4 أطفال بسبب عدم توفّر الحليب الخاص بهم    وزير الشؤون الاجتماعية يُعلن عن بعث إقليم طبي بالقصرين ..التفاصيل    تحذير هام/ بيض مهرّب من الجزائر يحمل هذا المرض!!    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 %    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    وصول محمد الكوكي الى تونس فهل يكون المدرب الجديد للسي اس اس    غوارديولا : لاعبو سيتي يعدون أنفسهم للمهام المقبلة    تقرير: شروط المؤسسات المالية الدولية تقوض أنظمة الأمان الاجتماعي    بعد ترشّحها لانتخابات جامعة كرة القدم: انهاء مهام رئيسة الرابطة النسائية لكرة اليد    دورة مدريد للتنس : انس جابر تفتتح مشاركتها بملاقاة الامريكية كينين او السلوفاكية سمليدوفا في الدور الثاني    حليب أطفال متّهم بتدمير صحة الأطفال في الدول الفقيرة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    عرض فرجوي بإعدادية القلعة الخصبة دعما للقضية الفلسطينية    ائتلاف صمود يدعو الى إطلاق سراح السياسيين المترشحين للرئاسية..    بغرض تهريبه: حجز كمية من مادة المرجان مخفية بأحد المنازل..!!    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الخامسة لمرحلة التتويج    رئيس غرفة القصّابين عن أسعار علّوش العيد: ''600 دينار تجيب دندونة مش علّوش''    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    حريق بمحل لبيع البنزين المهرب بقفصة..وهذه التفاصيل..    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    في سابقة غريبة: رصد حالة إصابة بكورونا استمرت 613 يوماً..!    أولا وأخيرا..الكل ضد الكل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال عبد الناصر تسعة وثلاثون عاماً على رحيل قائد تاريخي : محمود كعوش
نشر في الفجر نيوز يوم 28 - 09 - 2009

أن حدث غياب القائد العربي التاريخي جمال عبد الناصر كان ولم يزل وسيبقى دائماً أحد أبرز وأهم الأحداث العربية التي تفرض نفسها في أوقات استحقاقاتها على كل عقل أو قلب أو قلم عربي شريف وتستدعي منه التوقف عندها ملياً وطويلاً، إن لم يكن الحدث الأبرز والأهم بينها. فعبد الناصر كان ولم يزل وسيبقى أيضاً هو الزعيم العربي، بل العالمي، الوحيد الذي أتوقف في رحاب ذكراه ثلاث مرات كل عام، في ذكرى مولده المبارك في 15 يناير/كانون الثاني "1918" ويوم قيامه بثورته المجيدة في 23 يوليو/تموز "1952" وفي ذكرى رحيله المفجع في 28 سبتمبر/أيلول 1970. وبما أن الذكرى الثالثة استحقت الآن فإنني أرى أن مقاربتها والحديث عنها يستدعيان بالضرورة الحديث عن ثورة يوليو/تموز، بكل ما حفلت به من تجربة فكرية وسياسية غنية ومثمرة كان لها الأثر الأكبر والأقوى في تشكيل التيار الشعبي الناصري المتنامي بشكل متواصل في الوطن العربي حتى وقتنا الحاضر، كما يستدعيان بالضرورة أيضاً الربط المنطقي والعملي فيما بين هذه الثورة وبين شخصية قائد مسيرتها جمال عبد الناصر، الذي كان له ولنفر من ضباط مصر الأحرار فضل القيام بتفجيرها والإطاحة بالملكية البائدة وإعادة السلطة لأبناء الشعب، أصحابها الحقيقيين، لأول مرة في هذا القطر العربي العريق الضاربة جذوره الحضارية والعلمية والثقافية في عمق أعماق التاريخ.
فبرغم مرور واحد وتسعين عاماً على مولده وسبعة وخمسين عاماً على تفجر الثورة وتسعة وثلاثين عاماً على غياب القائد، لم تزل عقول وقلوب المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج مشدودة إليهما وتنبض بحبهما والوفاء لهما. ويدلل على ذلك التهافت الجماهيري المتنامي بشكل مدهش وملفت للنظر على أدبيات الثورة والفكر الناصري والدراسات والأبحاث التي تعرضت لسيرة عبد الناصر كقائد عربي تجاوز بفكره وزعامته الوطن العربي ومحيطه الإقليمي. كما ويدلل على ذلك أيضا تصدر شعارات الثورة وصور القائد جميع الحشود والتجمعات الشعبية التي تشهدها الأقطار العربية في المناسبات الوطنية والقومية والمظاهرات التي تنطلق بين الحين والآخر في هذه العاصمة العربية أو تلك للتعبير عن رفض الجماهير العربية للتدخلات الخارجية وفي مقدمها التدخلات الأميركية وعدم رضاها عن حالة الخنوع التي تتلبس النظام الرسمي العربي المسلوبة إرادته والمستسلم للمشيئة الأميركية الصهيونية المشتركة ورفضها القاطع للسياسات الاستعمارية – الاستيطانية التي تستهدف الأمة والتي تعبر عن ذاتها يومياً بشتى صور وصنوف العدوان، وبالأخص في فلسطين والعراق.
على ضوء ما تقدم أرى ضرورة طرح السؤال الهام التالي: ترى لماذا كل هذا الحب والوفاء لثورة يوليو/تموز وشخص القائد العظيم، برغم كل ما واجهاه من مؤامرات ودسائس وعمليات شيطنة وتلويث وتشويه متعمدة ومقصودة من قبل القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية وبرغم مضي ردح طويل من الزمن على ولادة الثورة وغياب القائد؟ ولماذا تسمرت جميع التجارب العربية الفكرية والسياسية عند أقدام أصحابها وانتهت مع انتهائهم، في حين بدل أن تنتهي تجربة يوليو/تموز الناصرية مع غياب صاحبها اتسعت رقعة مناصريها وتضاعف الزخم الجماهيري الذي يشد من أزرها ويطالب ببعثها من جديد في جميع الأقطار العربية بلا استثناء؟
في رحاب الثورة العظيمة، أظهر عبد الناصر تميزاً لافتاً فن محاكاة عواطف وأحلام الجماهير العربية في الإطار العام والمصرية في الإطار الخاص، وذلك من خلال عرضه للشعارات الرنانة التي رفعتها، تماما مثلما أظهر إتقانا مدهشاً لفن محاكاة أحلام وحاجات وضرورات هذه الجماهير على الصعيدين القومي والوطني وذلك من خلال عرض الأهداف التي حددتها. فقد كان عبد الناصر ابن تلك الجماهير والمعبر عن آمالها وآلامها، مثلما كانت الثورة حلما لطالما راود خيال تلك الجماهير ودغدغ عواطفها. فكل شعارات وأهداف الثورة التي تم عرضها والإفصاح عنها في العلن والتي تفاوتت بين المطالبة بالقضاء على الاستعمار والإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال وإرساء العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الإنتاج وإقامة جيش وطني قوي يتولى الدفاع عن مصر والأمة العربية، جاءت بمجملها متناغمة مع أحلام وحاجات وضرورات المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، خاصة وأن هؤلاء كانوا لا يزالون تحت وطأة الهزيمة العربية الكبرى التي تمثلت بنكبة فلسطين التي حدثت في عام 1948 والانعكاسات السلبية لتلك النكبة والإفرازات التي نجمت عنها. وإن لم يقيض للثورة أن تحقق جميع الشعارات والأهداف التي رفعتها وبالأخص في مجال ديمقراطية الأفراد والمؤسسات، لاعتبارات كانت بمعظمها خارجة عنإرادتها وإرادة القائد، مثل قصر عمريهما وتكالب القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية عليهما، إلا أنه كان لكليهما الفضل الأكبر في التحولات القومية والوطنية التي شهدها الوطن العربي عامة ومصر خاصة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية، وبالأخص في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث عرف المد القومي العربي أوج مجده.
من العدل والإنصاف أن نسجل لثورة يوليو/تموز وعبد الناصر نجاحهما في إعلان الجمهورية وإعادة السلطة لأصحابها الحقيقيين وتحقيق الجلاء وإرساء دعائم الاستقلال وتطبيق الإصلاح الزراعي وتقوية الجيش وتسليحه وإقامة الصناعة الحربية وتأميم قناة السويس وتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا وبناء السد العالي وإدخال مصر معركة التصنيع وتوفير التعليم المجاني وضمان حقوق العمال والضمانات الصحية والنهضة العمرانية. ولاشك أن هذه منجزات ضخمة وقيمة جدا، إذا ما قيست بالعمر الزمني القصير لكل من الثورة والقائد وحجم المؤامرات التي تعرضا لها. فالتجربة الثورية الناصرية لم تكن بعد قد بلغت الثامنة عشرة من عمرها يوم اختطف الموت على حين غرة عبد الناصر وهو يقوم بواجبه القومي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته وثورته. لكنها وبرغم ذلك تمكنت من إثبات ذاتها وفرض نفسها على الجماهير العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، من خلال طرحها المشروع النهضوي القومي العربي الحقيقي المنشود، الذي لطالما حلمت به وأحست بحاجتها الماسة إليه، ومن خلال حمل القائد أعباء قضايا الأمة والتعبير عن آمالها وآلامها وشجونها حتى لحظات حياته الأخيرة.
وباعتبار أن ثورة 23 يوليو/تموز كانت نتاج مرحلة تاريخية بالغة التعقيد، عصفت بمتغيرات إقليمية ودولية فرضتها نتائج الحرب الكونية الثانية مثل بروز الولايات المتحدة وروسيا "الاتحاد السوفيتي في حينه" كقوتين عظميين وحدوث نكبة فلسطين وولادة "إسرائيل" قيصريا في قلب الوطن العربي، كان بديهياً ومنطقياً أن تتشكل معها الحالة النهضوية القومية الوحدوية البديلة للواقع العربي القطري المفكك والمشرذم. وكان بديهيا ومنطقياً أن تتشكل معها الحالة الثورية الوطنية التقدمية البديلة لحالة التخلف والإقطاع والاستبداد والرأسمالية الغربية والشيوعية الشرقية، من خلال بروز عبد الناصر كقطب من ثلاثة أقطاب عالميين كان لهم شرف تشكيل معسكر الحياد الإيجابي الذي تمثل بمجموعة دول عدم الانحياز.والقطبان الآخران كما نعلم كانا زعيم الهند الأسبق الراحل جواهر لال نهرو وزعيم يوغوسلافيا السابقة الراحل جوزيف بروز تيتو. فعلى امتداد تسعة وثلاثين عاما أعقبت رحيل عبد الناصر، مُنيت جميع التجارب الفكرية والسياسية العربية بالفشل الذريع، لأنها بدل أن تشكل البديل الذي يحظى بثقة الجماهير العربية وتأييدها قادت الأمة من خيبة إلى خيبة أخرى أكبر وأدهى وأمر. وقد أخذ على تلك التجارب منفردة ومجتمعة أنها بدل أن تتناول التجربة الناصرية بحالتها الثورية وشخصية صاحبها الفذة بالتقييم المنطقي المجرد والنقد الموضوعي البناء على ضوء ما حققته من إنجازات وما وقعت به من سقطات وعلى ضوء الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لغرض تصحيحها والبناء عليها، اختارت مصادمة الجماهير من خلال طرحها مفاهيم جديدة اتسمت بروحية انقلابية عدائية وتغيرية، الأمر الذي أدى إلى لفظ الجماهير لها ولتلك المفاهيم وبقائها على وفائها للثورة والتجربة والقائد.
بعد أربعة عقود تقريباً، وبعد كل ما نزل بالأمة من مصائب وكوارث وبعد أن أصبح الخطر يتهدد كل قطر وبيت ومواطن في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه في وجوده واستمراره، أعود وأطرح ذات السؤال الذي واضبت على طرحه في كل ذكرى سابقة لحدث غياب القائد والزعيم الكبير جمال عبد الناصر: ترى ألا تقتضي الحكمة أن يُقر الحكام العرب بحالة التميز التي شكلتها ثورة 23 يوليو/تموز، بتجربتها وشخص قائد مسيرتها، بحيث نتوقع في قادم الأيام أن يخطوا هؤلاء خطوة إيجابية على طريق تقييم التجربة ونقدها بشكل بناء وموضوعي لأخذ العبر من مواقع نجاحها وتصحيح مكامن إخفاقها، ووضعها موضع التطبيق العملي والبناء عليها لانتشال الأمة من أوحال وأردان التفكك والوهن والضعف والاستكانة التي وللآسف باتت صفات ملازمة لها ؟ أجيب جازماً بأن الحكمة تقتضي ذلك...وبسرعة!!
محمود كعوش
كاتب وباحث بقيم بالدانمارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.