تابعنا يوم الأحد الماضي هجمة الصهاينة الجديدة على المسجد الأقصى، والتي تشكل جزءاً من مخططات وممارسات ضد القدس وأقصاها ليس من السهل متابعتها، هي التي تحتاج إلى رصد يومي، الأمر الذي يتكفل به الشيخ رائد صلاح وإخوانه الذين كانوا ولا يزالون شوكة في حلوق الغزاة، لكنهم وحدهم لا يبدون قادرين على وقف العدوان، لاسيما ذلك المتعلق بالاستيطان في القدس، فضلا عن هدم المنازل واستهداف المدينة بالمزيد من التهويد، وإن كان جهدهم مميزا في حماية الأقصى. مع مجيء نتنياهو وإلى جانبه ليبرمان ومتطرفي «شاس» يتصاعد مسلسل الاستهداف ضد المدينة المقدسة وأقصاها، وبالطبع في سياق خلق المزيد من الوقائع التي ثبت أن الطرف الفلسطيني الرسمي غالبا ما يعترف بها (أليس واقعيا بطبعه؟!)، ومن أعلن الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي وما ينطوي عليه من موافقة على بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، تلك التي تسرق أهم الأراضي وأكثرها أهمية من حيث مصادر المياه، من يفعل ذلك يمكنه التعامل مع المعطيات الجديدة في القدس، حتى لو استمر في المطالبة بحصة هامشية في الجانب الشرقي منها تمنحه فرصة تسويق اتفاقه على الفلسطينيين (في الداخل طبعاً، لأن أهل الشتات خارج اللعبة). أياً يكن الجديد في ملف استهداف المدينة بالاستيطان ومسجدها بالتهويد، فإن المسلسل ليس في وارد التوقف، وبحسب بن غوريون «لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل». والنتيجة هي أن الإسرائيليين بعلمانييهم ويسارييهم ويمينييهم وحاخاماتهم يتوحدون خلف ملف «جبل الهيكل»، وعندما يرى يوسي بيلين، «حمامة السلام» الإسرائيلي المعروف، وصاحب وثيقة جنيف الشهيرة، أن جبل الهيكل بالنسبة لليهود، جميع اليهود، هو بمثابة مكة أو الكعبة بالنسبة للمسلمين، فذلك يعني أن أحدا ليس في وارد التنازل في هذا الملف، مع فارق في التفاصيل بين هذا الفريق وذاك. ما نتذكره دائما، وينساه أصحاب نظرية «الحياة مفاوضات» هو أن المرحلة الأهم في التاريخ الفلسطيني هي انتفاضة الأقصى 28/9/2000، وكانت انطلاقتها ردا مباشرا على زيارة شارون للمسجد تأكيدا على حق اليهود فيه (تكرر الأمر يوم الأحد الماضي 27/9، لكن شارونا آخر لم يأت في اليوم التالي)، وإن كانت الظروف الموضوعية الأخرى هي التي وفرت إمكانية استمرارها، لاسيما فضيحة المفاوضات في كامب ديفيد صيف ذلك العام، حين طالب الإسرائيليون بجزء من الشق العلوي للمسجد، مع سيادة كاملة على شقة السفلي، وبالطبع من أجل استمرار البحث عن الهيكل الذي يزعمون وجوده تحت المسجد. كما نتذكر انتفاضات أخرى سبقتها من أجل القدس أيضا (انتفاضة البراق، انتفاضة أبو غنيم، ردا على مستوطنة أبو غنيم في القدس التي أعلنها نتنياهو نفسه عام 96). إن أي حديث عن مواجهة المخططات الصهيونية بالصراخ والمفاوضات ومطالبة المجتمع لدولي بالتدخل لن يكون ذا قيمة، وقد ثبت أن مراحل المفاوضات هي الأكثر ازدحاما بالاستيطان والتهويد، أكان خلال أوسلو، أم خلال مرحلة القادة الجدد الذين ورثوا ياسر عرفات، لاسيما بعد أنابوليس، والآن في ظل سلام أوباما الموعود. لا مجال لمواجهة تلك المخططات سوى بوحدة على قاعدة المقاومة الشاملة بعنوان واضح هو دحر الاحتلال من دون قيد أو شرط، أما الوحدة على قاعدة التهدئة وأنابوليس وخريطة الطريق فمعروفة النتائج، بل يعلم العقلاء أنها نتائج لن تصل بحال من الأحوال سقف ما عُرض في قمة كامب ديفيد صيف العام 2000، فيما يتواصل على الأرض برنامج التهويد. اليوم يبدو المشهد بائساً، ففي ظل حكومة دايتون في الضفة الغربية، ليس للمسجد سوى الشيخ رائد وأنصاره، أما قادة تلك الحكومة، فهم مشغولون بمطاردة من يمكن أن يحموه، أعني رجال المقاومة من حماس وسواها، إلى جانب انشغالهم بترتيب أوضاع الاستثمار لأبنائهم وأصدقائهم، وكذلك لدولة الأمر الواقع التي ستقوم بعد عامين بحسب سلام فياض، والتي هي ذاتها الدولة المؤقتة على نصف الضفة الغربية التي ستغدو دائمة مع تغييرات طفيفة بعد عشرة أعوام أو أكثر. العرب 2009-09-30