"لا عدواة دائمة ولا صداقة دائمة ولكن مصالح دائمة"مبدأ يحكم الساسة و السياسة ولا خيار لأحد في تجاوزه إذا أراد ممارسة الدبلوماسية مع الكبار ، مناورة بقليل من الأوراق في كثير من الاتجاهات ، شرط ألا تضع في سلة واحدة ، بيان عملي متميز مارسته الدبلوماسية الإيرانية بقليل من الكلام وكثير من العمل و المناورات بل والمغامرات المحسوبة ، تميزت بالعمق وطول النفس ، تمسكت بحقوقها العادلة والمشروعة وأعلنت رفضها لمرض الازدواجية الذي أصيب به ما يسمى بالمجتمع الدولي ، قابلت سياسة العصا والجزرة بحنكة الساسة لا قبول ولا رفض ، ولنكن جميعاً في منطقة الوسط ، وصلت بالجميع للخطوط الحمراء ثم عادت بمهارة للمربعات الآمنة التي تريد ، وبعد طول سجال بسياسة الإعياء التي انهكت الخصوم وحيرت الأصدقاء ، أرسلت في كل وقت رسالته المناسبة ، التصريحات تارة الإمكانات العسكرية تارة ، بل و المفاجآت تارة أخرى ، حين أعلنت الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء الموافق 30 سبتمبر / 2009 عن زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي لواشنطن ، زيارة أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول مغزها ، لكنها مناورة نجحت في إحباط أية عقوبات جديدة متوقعة في حال فشلت محادثات جنيف ، بل وإحراج أوباما والغرب بأنها تسعى للحوار ، حتى لقاءات جنيف خرج الإيرانيون فيها فائزين حيث التوصل إلى اتفاق بعقد لقاءات ثانية قبل نهاية الشهر الحالي والأهم من ذلك توظيف المنبر الإعلامي الدولي لشرح وجهات نظرهم مباشرة حول العديد من القضايا، أبرزها ضرورة معالجة مسألة أسلحة الدمار الشامل على مستوى العالم بأسره، وجعل هذا العالم خاليا من الأسلحة النووية تماما، في إشارة واضحة إلى إسرائيل ورؤوسها النووية ، ثم نجح الإيرانيون باستخدام المفاعل الجديد في 'قم' لتحويل الأنظار عن المفاعل الأهم في 'نطنز' ، على الطرف الآخر وجدت أمريكا أنها أمام مأزق كبير خلقته لنفسها، وأكبر خطأ ارتكبته أنها أشركت الدول الست في المفاوضات الجارية في جنيف، لان هؤلاء باتوا شهوداً على الرغبة الإيرانية 'المرنة' في التعاون مع وكالة الطاقة الذرية، وفتح مفاعل 'قم' أمام التفتيش الدولي، وبالتالي لم تعد أمريكا قادرة على اتخاذ قرار العقوبات أو الحرب بمفردها، مثلما حدث مع العراق كما نجح الإيرانيون في تنفيس الجهود الأمريكية الجبارة التي بذلت من أجل حشد تأييد دولي للعقوبات الاقتصادية ضد إيران، مثل إلغاء مشروع الدرع الصاروخي في أوروبا لإرضاء موسكو، وإبعادها عن طهران، وتجييش الدول العربية المعتدلة لاستخدام أذرعها الاقتصادية والنفطية، وفوائضها المالية الضخمة لشراء أسلحة وتقديم عقود تجارية مغرية للصين وروسيا للهدف نفسه. كما نجح الدكتور جليلي المفاوض الإيراني والذي أحرز هدفاً في مرمى الأنظمة العربية المعتدلة، عندما تجاهل في مؤتمره الصحافي الإجابة على سؤال لمندوب صحيفة 'معاريف' الإسرائيلية حول تصريحات الرئيس احمدي نجاد بمحو إسرائيل عن الخريطة، ومدى استعداده لطمأنة الإسرائيليين، الأمر الذي دفع الصحافي الإسرائيلي للانسحاب خجلاً أو غضباً ، وعندما أعادت صحافية أوروبية تكرار السؤال رواغ في الإجابة وتجاهل السؤال وتناول المأساة الفلسطينية وعدم تجاوب الغرب في حل هذه القضية مؤكداً حق الشعب الفلسطيني في حقوقه العادلة والمشروعة مما أدى في الأخير لأعلان مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن بلاده مستعدة لإجراء حورارات مباشرة متعددة الأطراف وجها لوجه مع إيران الإسلامية وعلى الطرف العربي تحول يتفق والسياق حين قال أبو الغيط في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البولندي رادوسلاف سكوروسكي: 'نقولها بأكبر قدر من الصراحة والاستفاضة، إيران ليست دولة معادية لمصر، فهي دولة صديقة وإسلامية، وعلى الطرف الصهيوني أعلن واضعوا الاستراتيجيات لديهم وفي لهجة مخففة وهادئة حيال إيران "الدولة العبرية تحاول مساندة الجهود الدولية لثني ايران عن تصنيع سلاح نووي مفترض " وأخيراً هل ستعيد أنظمة الاعتدال العربي النظر في علاقاتها مع إيران الاسلامية ؟ هل تستطيع هذه الأنظمة الإجابة على هذا السؤال استثماراً للمناخ العام وتجاوباً مع إجماع جماهير الأمة؟! أم أن الإجابة تحتاج الاتصال بصديق ؟! كاتب مصري ، مدير مركز الفجر للدراسات والتنمية