التوقيع المنتظر لإتفاق تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا بمدينة زيورخ يوم السبت 10 اكتوبر 2009 يؤكد دور الوساطة الذي لعبته سويسرا، ونسجت على منواله الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكن الغالبية العظمى من الأرمن المتواجدين بسويسرا يرفضون هذا الإتفاق.قدر كبير من الشجاعة، ذلك الذي أبدتاه ولا يزالا الحكومتان التركية والأرمينية، واللتان يستعدان لإعادة علاقاتهما الدبلوماسية المنقطعة منذ سنة 1993. ومن المرتقب، بمقتضى هذا الإتفاق أن تغلق تركيا حدودها التي كانت ممرا لدعم آذربيجان في نزاعها مع أرمينيا من اجل السيطرة على إقليم قره باغ الذي تقطنه اقلية أرمنية. هذا التنازل من الجانب التركي، يعتبر خطوة كبيرة جدا: فسابقا لم يحصل أي تقدّم في تسوية هذا النزاع، لأن انقره جعلت من حل هذا النزاع شرطا مسبقا لا تنازل عنه قبل أي انفتاح على أرمينيا. اما بالنسبة للأرمن، فالإتفاق يطالبهم بقبول ترسيم الحدود طبقا لمعاهدة كارس لسنة 1921، وهي المعاهدة التي ظلت مرفوضة ومختلفا حولها، وبذلك يقبلون ما كانوا يعترضون عليه لزمن طويل: إنشاء لجنة فرعية من خبراء للبحث في اختفاء أرمن الأناضول سنة 1915، بعد عمليات طرد ومذابح، ترفض تركيا وصفها بالإبادة الجماعية. دبلوماسية كرة القدم سيعقب مباشرة الإحتفال الدبلوماسي ليوم السبت في زيورخ لقاء شعبي ورياضي: إذ تجري مباراة الإياب بين أرمينيا وتركيا، في إطار منافسات كرة القدم للترشح لمونديال جنوب إفريقيا، بمدينة بورسا التركية يوم 14 اكتوبر حيث سيسافر الرئيس الأرميني لتشجيع منتخب بلاده. كما يتم لاحقا مصادقة البرلمانيْن على هذه الإتفاق، ولا يتوقّع ان تواجه هذه الخطوة علاقيل، باعتبار ان الحزبيْن الحاكمين في تركيا وأرمينيا يحظون بالأغلبية كل في بلده. لكن الإنتقادات العنيفة الصادرة عن المعارضة ، في تركيا أو في أرمينيا على السواء، تهدد بزعزعة الرأي العام. الكلمة للمعارضين يتهم زعيم اليمين القومي المتطرف في تركيا الحكومة بالإضرار بالمصالح الوطنية وبمصالح آذربيجان ، الدولة الشقيقة، فتركيا وأذربيجان، بحسب الشعار الذي كان يرفعه القوميون في تركيا في التسعينات: "دولتان، وأمة واحدة". اما في ارمينيا، فيتهم القوميون في هيئة "داشناخ" الحكومة بالخيانة: فهذا الإتفاق، بحسب زعمهم، لا يقدّم أي ضمانات لأرمينيا للخروج من الحصار الذي فرضته عليها تركيا منذ 16 سنة من خلال غلق حدودها، وقد صرّح رئيس الوزراء التركي أخيرا، بأن الحدود لن تفتح قبل جلاء القوات الأرمنية عن إقليم قره باغ، وفي تعارض تام مع مفردات البروتوكول الأوّل من هذا الإتفاق، يرى البعض. الجالية الأرمنية في سويسرا، تقول لا! تتوجّه الإنتقادات كذلك لهذا الإتفاق من خارج تركيا وأرمينيا، حيث ترفض الغالبية العظمى من الرعايا الأرمن في الخارج تطبيع العلاقات مع تركيا. ولقد نشرت العديد من الإعلانات المدفوعة في الصحف الغربية لتقول لا للإتفاق. وهذا الأسبوع، حزم الرئيس الأرميني سيرج ساركيسيان أمره، وقام بزيارة الجالية الأرمنية في فرنسا، والولاياتالمتحدةالأمريكية، ولبنان، والإتحاد الروسي، ويعتبر أفراد هذه الجاليات الرئيس الأرمني "خائنا". كذلك لا يخفي ساركيس شاهينيان، رئيس جمعية "سويسرا- أرمينيا" سخطه على الطريقة التي يقول أنهم: "يهينوننا بها، في آخر لحظة". وإذا كان هذا الأخير يعتبر ان البروتوكوليْن (أنظر الخانة على اليسار)، "ينقصهما النضج السياسي"، فإن الإنتقادات التي يوجهها لهذا الإتفاق ذات طابع قانوني. ويضيف رئيس جمعية "سويسرا - أرمينيا": "الإتفاق المتوصل إليه يلغي صلاحية التحكيم بشان حدود 1920،وهو لا يشير في ما يتعلق بالنزاع في إقليم قره باغ، لا إلى حق تقرير المصير لسكان هذه المنطقة، ولا إلى دور الوساطة المنوط بأرمينيا". ومما يقلق كذلك هذا الأرميني الذي فقد عدد من افراد عائلته خلال الإبادة التي تعرض إليها أهله سنة 1915 ، والذي يتزعّم اليوم جمعية تضم 2000 أرمني يعيشون في سويسرا: "أخشى ان يقع التعامل مع هذه القضية كمجرد حدث تاريخي، وليس بوصفها جريمة تستوجب التعويض". ويقول ملخصا موقفه: "لقد سقطت ارمينيا في الفخ الذي نصبته لها تركيا، وسوف تزداد الهوة الفاصلة بين أرمينيا، ورعاياها في الخارج اتساعا". ثقة شارل أزنافور امام هذه المعارضة، من الصعب سماع أصوات الأرمن المؤيدين للإتفاق. يذكر هنا ان شارل أزنافور، سفير أرمينيا الجديد بسويسرا قد نادى بضرورة: "منح الثقة إلى الرئيس سيرج ساركيسيان". ورغم ان نسبة المؤيدين لهذا الإتفاق لا تتجاوز 20% في الحد الأقصى، فإن البعض لا يخفي سعادته بهذا التقدم الدبلوماسي كهذا الأرمني الذي يقيم بجنيف، ويفضّل عدم الكشف عن هويّته: "أشعر نسبيا بالسعادة، كان يجب القيام بهذه الخطوة التصالحية التركية –الأرمنية، والتي هي نتيجة تنازل من الطرفيْن". قبل أن يضيف: "ما يصدم حقا الأرمن الموزّعين في العالم هو أن الحكومة الأرمنية قد همّشتنا بالكامل، وسمحت لنفسها التكلّم بإسمنا، في حين اننا نحن الذين ورثة ضحايا عملية الإبادة". هذا هو ما يخشاة الأرمن في سويسرا، وفي فرنسا، والولاياتالمتحدة، ولبنان: أن يتم تطبيع العلاقات التركية- الأرمنية من دون الإلتفات إلى المظلمة التاريخية التي كانوا وقودها. أريان بونزون - swissinfo.ch (ترجمه من اللغة الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)