المغرب: تناقص الكفاءة التعليمية المصطفي صوليح أولا الإشهاد علي التردي سواء تعلق الأمر بتوصيات صادرة عن اليونسكو أو عن مؤسسات دولية للدعم المالي أو التقني في مجال التعليم والتربية المدرسيين، أو بغيرها من التقارير، فإن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي يضع المغرب في المرتبة 126 من أصل 177 بلدا علي صعيد التنمية البشرية والتعليم المدرسي، وإن التقرير الأخير للبنك الدولي يصنف المغرب مقارنة مع بلدان تنتمي إلي شمال إفريقيا والشرق الأوسط في الرتبة 11 من أصل 14 دولة شملها التقرير، أي في أضعف خانة إلي جانب جيبوتي والعراق وبقياس يبدو فيه قطاع غزة في درجة أفضل. وهكذا، فرغم توارد المزاعم الرسمية خلال العقدين الأخيرين، وخاصة خلال الفترة الحالية المسماة ب العهد الجديد في شأن الإعمال لإرادة سياسية حقيقية لإصلاح قطاع التربية والتعليم المدرسيين تقطع مع استراتيجية دعه يلق مصيره المتبناة سابقا من قبل الملك الراحل، والتي توجت بإصدار ميثاق التربية والتكوين (توافقي دون سند قانوني)، وإقامة المجلس الأعلي للتعليم (مؤسسة دستورية)، فإن الحالة لا تزداد إلا سوء. ورغم أن عشرية الميثاق إياه تسير نحو خاتمتها ورغم أن هذه الخاتمة تتزامن الآن مع خطة ملكية تسمي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فإن التردي، كما تؤكده التقارير، هو الذي يطبع كل الميادين المستهدفة بهما. ثانيا مدي الكفاءة الداخلية للتعليم والتربية المدرسيين في المغرب
إذا كان اكتساب المعرفة يعتبر حجر الزاوية في التنمية البشرية، فإن التعليم يحتل الصدارة في مجال بناء القدرات البشرية لاكتساب المعرفة ولذلك فإن جودة التعليم تعني حسن الكفاءة الداخلية للمنظومة التربوية التعليمية ولإدارتها وتقويمها، واتساق ناتج هذه المنظومة مع سوق العمل ومستوي التنمية، وقدرتها علي توفير متطلبات تنمية المجتمع. وفي هذا الصدد، هناك ثلاثة أسئلة رئيسية هي: سؤال الكفاءة الداخلية للمنظومة التربوية التعليمية في بلدنا، وسؤال التدبير المالي والإداري لهذه المنظومة، ثم سؤال تقويم مدي اتساق المنظومة إياها مع باقي عناصر التنمية البشرية للبلاد بما فيها التنمية القيمية للأفراد والمجموعات. باستثناء المعطيات الرقمية التي دأب وزراء التربية الوطنية علي تقديمها عند مطلع كل موسم دراسي، وخاصة منذ الشروع في تطبيق ميثاق التربية والتكوين، وبموازاة مع الغياب التام للوكالة الوطنية للتقويم، يجب التأكيد علي قلة الدراسات الوطنية ذات المصداقية التي تخص منظومة التربية والتعليم والتكوين من الداخل لكن الدراسات القليلة المتوفرة تمكن، مع ذلك، من توفير دلائل، إلا أنها كلها تشير إلي تناقص الكفاءة الداخلية للتعليم في المغرب، منها: أ أنه في غياب الأرقام المدققة حول مزاعم وزراء القطاع بخصوص تجاوز نسبة تسجيل الأطفال الذين هم في سن التمدرس 90%، يكفي الإشارة إلي التقلص السنوي في عدد الحجرات الجديدة وفي عدد الخريجين الجدد من المعلمين، كما تكفي الإشارة إلي عشرات الآلاف من أولئك الأطفال الذين لا يلتحقون بالمرة بالمدارس، وخاصة منهم الأطفال الإناث، وغيرهم الذين يعيشون بالمجموعات أو فرادي في الشوارع، أو يتم تشغيلهن في البيوت كخادمات أو يعملن ك متعلمات أو أجيرات وأجراء في المشاغل والأوراش المهيكلة أو غير المهيكلة أو يجوبون المقاهي والحانات والمطاعم الشعبية والأسواق والساحات العمومية كباعة متجولين أو ماسحي أحذية أو كمتسولين أو مرافقين لمتسولين.
ب أن عدد الأميين، أي الذين لا يقرأون ولا يكتبون، يبلغ 10 ملايين، 36% منهم ذكور، و64% من مجموعهم إناث، وذلك علما بأن هذه الأرقام ترتفع بشكل كبير إذا ما تم احتساب الذين يرتدون نحو الأمية من مجموع الذين تمدرسوا أو هم في عداد المتمدرسين، كما أن ال 10 ملايين أمي تتجاوز ثلاثة أضعافها إذا ما تم احتساب الأمية التكنولوجية.
ج أن نسب الرسوب في ارتفاع مسترسل، وكذا الحال بالنسبة لنسب تكرار المستويات التعليمية، الأمر الذي يؤدي إلي إهدار فترات زمنية أطول في مراحل التعليم المختلفة، وذلك رغم سياسة الانسياب التي اعتمدت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
د أن الشكاوي المتعلقة بتردي نوعية التعليم كثيرة ولا تتوقف، وهو التردي الذي يجد تشخيصه في ثلاثة سمات تطبع ناتج هذا التعليم، هي تدني التحصيل المعرفي، ضعف القدرات التحليلية والابتكارية، واطراد التدهور في هذه القدرات. أما النتيجة، وعلي أعلي المستويات، عدد ضئيل جدا من علماء البحث، مقابل 466211 في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإن الأمر هنا كما هو معلوم لا يتعلق فقط بالإمكانات المالية الهائلة لهذه القوة العظمي، فالمملكة العربية السعودية هي أيضا وفيرة المال لكن عدد علماء البحث فيها لا يتجاوز 1915 ولا يفوت 362 في الجزائر، بينما يصل إلي 11617 في الدولة الصهيونية. ه أن الخلل بين سوق العمل ومستوي التنمية، من جهة، وبين ناتج التعليم، من جهة أخري، تزداد هوته اتساعا، مما يؤدي، من ناحية، إلي تفشي البطالة بين المتعلمين عموما كما بين حاملي الشهادات بدء بالبروفيه، ثم البكالوريا، مرورا بالدراسات المعمقة والإجازات، وصولا إلي الدراسات العليا، والدكتوراه. ويؤدي، من ناحية أخري، إلي تدهور الأجور الحقيقية للغالبية العظمي من هؤلاء المعطلين كلما أمكنهم إيجاد شغل.
ز أن الجانب الأكثر إثارة للقلق من جوانب أزمة نظام التربية والتعليم في المغرب هو عدم قدرته علي توفير متطلبات تنمية المجتمع المغربي، إذ بالإضافة إلي كونه لم يعد يوفر مدخلا للارتقاء الاجتماعي، فإن نوعيته أضحت تعمق عزلة البلاد عن المعرفة والمعلوميات والتكنولوجيا العالمية، الأمر الذي قد تكون له عواقب وخيمة علي مستوي التنمية الإنسانية والاقتصادية إذا لم يتم تداركه بالإصلاح، وذلك بشكل مبكر، وبالاستناد إلي آليات التفكير الاستراتيجي. كاتب من المغرب