الاستيطان والمستوطنات .. حديث الساعة هذه الأيام وكل الأيام من قبل .. نبكي على أرضنا التي تحولت الى عمارات فارهة ومستوطنات كبيرة أحاطت بقدسنا وتناثرت على جميع أرض فلسطين.. نعم هو حديث الساعة، ولكن ألم نتساءل يوماً بأيدي من تبنى هذه المستوطنات .. ومن الذي يقيم حجارتها حجراً فوق حجر فوق حجر لتتحول الى عمارات شاهقة .. على أرضي وأرضك وأرض آبائي وآبائك وأجدادي وأجدادك.. حسرة في نفسي، وجرح في قلبي، وأنا أكتب حول هذا الموضوع، رغم انها ليست المرة الأولى التي أتطرق فيها اليه .. يبكون على القدس وعلى الأراضي التي سلبت منا.. وما أشده من بكاء لمواطن أفنى عمره وهو يعمل ويكد ليستطيع شراء قطعة من الأرض ليبني عليها بيتاً لعائلته.. لأطفاله.. فيأتي الاحتلال ومزيفو الأراضي الذين يتاجرون بدماء شعبنا ليسلبوه حقه في هذه الأرض، ولتتحول ملكيتها ما بين يوم وليلة الى شركة اسرائيلية لتحولها مع أراض أخرى كثيرة مثلها الى مستوطنات ليستوطن فيها غرباء عن هذه الأرض وهذا الوطن .. ما أشد قسوة التجربة عندما يضطر هذا المواطن الى أن يساهم في بناء المستوطنة ليستطيع اطعام أفواه جائعة تنتظره في البيت .. فيبكي بدل الدمع دماً وهو يبني لعدوه مستوطنة على أرضه.. وما أجبرك على المر الا الأمر منه !!. مفارقة عجيبة غريبة أن نبكي على الاستيطان الذي يهود أرضنا وقدسنا، وفي الوقت نفسه نساهم نحن في اقامة المستوطنات ، بل نحن من نبنيها بعرقنا ودمنا .. أليس هذا بعجيب غريب؟! نحن هنا لا نوجه اللوم الى العامل المسكين الذي وجد نفسه مجبراً على العمل في تلك المستوطنات وفي جدار الفصل العنصري ، لا نلومه لأن هذا العامل لا يجد أمامه من مصدر آخر للدخل رغم النداءات المتكررة منذ بداية الانتفاضة الأولى وحتى الآن لايجاد فرص عمل لهؤلاء العمال ليمتنعوا عن الذهاب للعمل في المستوطنات والجدار.. في عدد سابق كنت قد نوهت الى هذه النقطة وبخاصة فيما يتعلق بمستوطنات القدس وتهويد القدس فقلت : "الوقت لم يفُتْ بعد، وما دمنا نقول يجب أنْ نحارب تهويد القدس فيجب إذاً أنْ نتصرّف.. فمن أموال الدعم التي تصل إلى القدس يجب إقامة مشاريع تستوعب عمّالنا، فلا يضطرون إلى اللجوء للعمل في المستوطنات وفي الجدار.. فإنه لعيْبٌ، بل أكبر عيْبٍ، أنْ نترك الوضع على ما هو عليه الآن... فهذا أحد أسلحة مواجهة التهويد بل هو أهمّها، فهل نستعمله أم نظلّ نبكي على حالنا ،ولا نفعل شيئاً إلا الكلام ورفع الشعارات؟!" نعم هذا هو أهم سلاح نستطيع أن نستعمله في مواجهة تهويد القدس، وفي مواجهة الاستيطان الذي استنزف أرضنا وبيوتنا وعقاراتنا .. ولكن للأسف، لغاية الآن لم يهتم أحد بهذه القضية، ولم يعملوا من أجل وقف هذه المهزلة التي باتت مصدر خجل وحسرة وألم في نفوسنا .. قرأت في احد المواقع تعليقاً على هذا الموضوع حيث تقول كاتبته بالحرف الواحد "العمال الذين تراهم مضيق عليهم بشكل يفوق التصور .. قد تمر على العامل عشرات الايام لا يجد فيها اين يعمل وبالتالي ليس هناك قوت لأولاده وعائلته، وزيادة على ذلك بيته مهدد كل يوم بالهدم ، ثم اسرائيل ستبني المستوطنات بهم او بغيرهم حتى لو اضطرت الى استيراد عمال من دول افريقيا كما تفعل عندما يقل مواطنيها تقوم باستيراد مواطنين من اثيوبيا وغانا وغيرها من دول افريقيا ، اما أولئك العمال العرب فالمطلوب منهم كل المطلوب هو ان يبقوا صامدين على الارض قدر ما استطاعوا، وان اضطروا للعمل في بناء المستوطنات".. كم هو مؤسف هذا الكلام فلماذا نضع العامل في هذا الموقف، بل لماذا نضع شعبنا بهذا الموقف ونحن بأيدينا نستطيع أن نضع حداً لهذا الوضع الذي يدمي القلب بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى.. نعم فالاحتلال يستطيع أن يحضر عمالاً من أي مكان في العالم، وقد سبق وفعل ذلك أثناء الانتفاضة الأولى عندما صدر قرار للقيادة الوطنية الموحدة بعدم توجه العمال الى سوق العمل الاسرائيلي.. فليحضروا العمال.. ولكن من العار أن نكون نحن اليد التي تبني المستوطنات التي ندعو الى ازالتها والى ايقافها .. ومن العار أيضاً أن يكون ثمن صمودنا على أرض وطننا وأرض القدس هو بناء المستوطنات التي تهود أرضنا .. فأي صمود هذا والمستوطنات هي احدى الطرق التي تتبعها اسرائيل لترحيلنا عن أرضنا .. نعم لنصمد ولكن ليس بهذا الثمن ، بل ليس بهذا العار الذي نجلبه لأنفسنا .. صناديق القدس كثيرة ونسمع عنها كثيرا ومنها صندوقا القدس والأقصى اللذان أقرا مؤخراً خطة 2009-2010 لتمويل مشاريع فلسطينية بقيمة 129 مليون دولار، والقدس تستحوذ على 20% منها ً وغيرها وغيرها من الميزانيات .. فلماذا لا تستعمل من أجل هذا الهدف السامي .. من أجل أن نفتح مشاريع تستوعب عمالنا فلا يضطرون الى العيش في تناقضات ومفارقات غريبة عجيبة.. مشكلتنا هنا أننا ننظر الى القشور وننسى القضايا الأساسية .. نعمل على الكماليات وننسى الأساسيات.. لا نحاول حل المشكلة من جذورها، وكل ما نفعله هو الحلول الآنية التي لا تجدي نفعاً.. القدس أمانة في أعناقنا وخطر المستوطنات يهدد كيانها، ويدمر تراثها وتاريخها وحتى مقدساتها .. الحل الأول يجب أن يكون بايقاف هذه المهزلة ، مهزلة بناء المستوطنات بأيدينا، والأهم من كل ذلك هو تحرير القدس من نير الاحتلال وبشكل يضمن أن تظل القدس عربية، وأن لا نرضى بمجرد شوارع وحواري، ونسلّم الباقي على طبق من ذهب لأعدائنا .. * كاتبة وصحافية في مجلة البيادر المقدسية