القاهرة:أكد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن العرب هاجروا من التاريخ، وتركوا “وجع رأس” فلسطين، محملين المسؤولية للفلسطينيين مع أن الأزمة في الأساس عربية، واعتبر أن السياسة العربية وصلت إلى مرحلة تستحق الرثاء، ووصف تقرير غولدستون حول جرائم الحرب في غزة، بأنه “غير عادي في ظرف غير عادي”، وقال إن المبادرة العربية للسلام لم تعدُ كونها رغبة في “علاقات عامة تستهدف الولاياتالمتحدة” . وقال هيكل، في حوار أجرته معه قناة “الجزيرة” الفضائية ليل الخميس/ الجمعة، إن العالم العربي هاجر من التاريخ إلى ملاذ الجغرافيا، بعدما غابت الدولة القائدة أو الرائدة، وأصبحنا شتاتاً، “انعزلت مصر وراء سيناء، وتركت سوريا التاريخ وذهبت إلى الجغرافيا حيث تركيا وإيران، والسعودية تركت العالم العربي وصنعت مجموعة الخليج، والقذافي ترك العرب وذهب إلى إفريقيا، واليمن خرجت من التاريخ وتطاردها حقائق الجغرافيا، أما الفلسطينيون فتحاصرهم لعنة الجغرافيا فمن حولهم “إسرائيل” والأردن ومصر” . ووصف الأزمة التي يمر بها العالم العربي بأنها أشبه بالهجرة من المستقبل، وقال إن “العرب يهاجرون اليوم من قضاياهم ومستقبلهم، لكنهم لا يدركون إلى أين سيذهبون” . وأوضح أن كل الخيارات في التعامل مع القضايا الكبرى تظل ممكنة، إذا ما دُرست على نحو جاد، لكن ذلك يتطلب منّا أن نضع دائماً العربة في مكانها الصحيح، وألا نضعها أمام الحصان، مؤكداً أن الموقف العربي “إذا ما بقي على ما هو عليه فلن ننجح في شيء” . وحذر هيكل من حالة الإحباط التي يعاني منها العالم العربي الآن، في ظل غياب فكرة التنمية والاستقلال، وشدد على أن “الصورة القاتمة التي تبدو عليها الأمور اليوم في منطقتنا العربية تدعو المواطن العربي البسيط إلى الإحباط في عالم لا صوت يسمع فيه ولا قبلة يتجه إليها”، معتبراً أن السياسة العربية وصلت إلى مرحلة تستحق الرثاء . وأكد المفكر العربي أن تقرير غولدستون غير عادي وجاء في ظرف غير عادي، وأن ما قامت به “إسرائيل” في غزة استفز الجميع، حتى يهود العالم استُفزوا، وقال “علينا أن نسأل لماذا العالم كله مستفز من تقرير غولدستون؟ ولماذا قلبت “إسرائيل” الدنيا ضده؟” . وأضاف أن “هذا التقرير جاء في لحظة مهمة، المحققون وغولدستون تلقوا تهديدات بالقتل، لعدم إكمال المهمة، ومع ذلك أكملوها وأعدوا التقرير، ثم جاء صاحب الحق ليتنازل عنه . وتابع “للأسف التعبئة التي كانت في الفترة السابقة لمصلحة التقرير غيرها الآن، ولهذا فإن العمل السياسي لحظة، فرصة، نافذة، يجب استغلالها في وقتها، معتبراً أن العرب فقدوا الفرصة في إمساك زمام المبادرة . وقال هيكل “أنا زعلان جداً على فلسطين، ومن هذا التساهل الفلسطيني، وهذا التساهل نتيجة حصار شديد جداً على الطرفين، وفي مرات عديدة يصعب عليّ محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية رغم أني لست معجباً به، وأعرف أنه لم يرغب في الذهاب إلى نيويورك (للقاء أوباما ونتنياهو)، ولكن قيل له اذهب من جانب شخص يستطيع أن يقول له . . اذهب فيذهب، اسحب التقرير فيسحب التقرير، وهو يذكرني بأحمد زيور باشا رئيس الوزراء المصري الأسبق الذي اشتهر برضوخه للإنجليز، وقيل عنه “شالوه فانشال وحطوه فانحط” . وأضاف محمود عباس هكذا . . يقول “نصحني” ولا يقول من نصحه ويغلق فمه . وشدّد الكاتب الكبير على أن الأزمة في الأساس عربية وليست فلسطينية، وقال “لكنهم (العرب) يضعون الحق والمسؤولية على الفلسطينين، لأنهم لا يريدون وجع رأس . مؤكداً أن الموضوع ليس فلسطين فحسب، بل يمتد إلى الاعتبار ما قاله بن جوريون “لا يحدد حدود “إسرائيل” أحد، فحدود الدولة اليهودية حيث تتمركز دبابات الجيش “الإسرائيلي”” . في السياق وصف هيكل مبادرة السلام السعودية (العربية) بأنها لا تعدو كونها أكثر من رسالة علاقات عامة تستهدف مغازلة الولاياتالمتحدة ولا تخدم القضية الفلسطينية، وقال إن مرحلة ما بعد السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973 هي مرحلة “الحل في يد أمريكا”، حيث اعتمدنا على الرؤساء الأمريكيين، وهي المرحلة التي سقطت فيها مقدسات وموانع وارتكبنا خلالها خطأ ترك سلاح المقاطعة ل “إسرائيل” . وأضاف، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول اعتبرنا الأمريكان العدو الأول، ومن ثم لم يعد باستطاعتنا أن نطلب شيئاً، فلم نجد أمامنا سوى الاعتماد على “إسرائيل” لدرجة أن دولاً عربية لجأت إلى “إسرائيل” حتى تتوسط لها عند أمريكا، وهو ما أسميه المرحلة “الإسرائيلية” . وأرجع الكاتب العربي الاقتتال الفلسطيني بين السلطة وحركة “حماس” إلى حالة الضغط والحصار العنيف المفروض على الطرفين، وقال إن “القضية الفلسطينية في مجمل الأمر إما محاصرة أو محتجزة كرهينة” .