جاء تقرير الإصلاح العربي الصادر عن مكتبة الإسكندرية، ليؤكد أن أجواء الإصلاح في المنطقة العربية لا تزال تسير بِخُطًى بطيئة، لا تشهد نموًّا مضطردًا، فضلًا عن السلبيات التي يشهدها العالم العربي في مختلف المجالات. ويأتي التقرير لكشف ما هو مستور في العالم العربي من خبايا الإصلاح، والتباطؤ في تطبيقه، على المستويات كافة، ليؤكد أن ما يحدث في العالم العربي ما هو إلا إجراء شكلي، يرفع شعار الإصلاح وأن المعنى الأساسي بريء تمامًا من شعاره. وجاء إصدار التقرير ضمن مرصد الإصلاح العربي بالمكتبة، لقياس حالة الإصلاح في العالم العربي، استنادًا إلى عدة مؤشرات قياسية دقيقة ساعدت على متابعة جهود الإصلاح، وفقًا لقياسات معيارية تسمح بمقارنة مستوى الإصلاح عبر الدول المختلفة. وعلى الرغم من التفاوت في جهود الإصلاح بالدول العربية، فإن الثابت الذي كشفه التقرير في هذه الدول ما وصفه بسلبية الإعلام العربي، وحاجته إلى الإصلاح في المستقبل، مما يستلزم إعادة صياغة لنظام الإعلام العربي والتخلي عن ترديد سياسات الحكومات. وزادت نتائج التقرير على ذلك بتأكيده على ظهور أشكال الفساد المختلفة، مما دعاه إلى المطالبة بمكافحته، على خلفية أن مكافحته شرط أساسي لإنجاح جهود الإصلاح. وذكر التقرير أن أغلب إجابات عينة النخبة العربية التي تناولها، كانت تميل إلى عدم الحسم ومواقف الحياد، وهو ما يشير إلى استمرار وجود البلاد العربية في المرحلة الانتقالية التي تمهِّد للدخول في مرحلة الإصلاح. والتقرير تَمَّ التوصل إلى نتائجه على عينة من الخبراء والسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي، بحوالي 5000 مبحوث بلغ حجم الاستجابات الفعلية منهم 1367 مستجيبًا من 22 دولة عربية. هذا العدد اعتبره التقرير أكبر بوضوح من عدد الاستجابات الفعلية في تقرير مرصد الإصلاح العربي لعام 2007 التي بلغت حوالي 494 استجابة من مجموع عدد المبحوثين الذين تمت مخاطبتهم وعددهم 3740. وانتهى التقرير إلى أن أغلب إجابات النخبة العربية تميل إلى عدم الحسم ومواقف الحياد، وهو ما يشير إلى أن البلاد العربية لم تصل بعدُ إلى حالة الإصلاح الحقيقي. وخلص إلى أن الاستمرار في مسيرة الإصلاح للدول العربية أصبح أكثرَ ضرورة في ضوء الأزمة المالية العالمية، وذلك من خلال برامج وسياسات تمكِّن من بناء اقتصاد مجتمع ما بعد الأزمة. ويشير التقرير إلى تفاوت نسب الاستجابة للإصلاح من دولة لأخرى، وحظيت اليمن بأعلى نسبة استجابة للإصلاح بلغت 53%، تلتها الأردن بنسبة استجابة بلغت 46%، بينما جاءت العراق في المرتبة الثالثة، فيما احتلت مصر الترتيب الرابع في مجال الإصلاح بنسبة 39%. واحتلت الجزائر المرتبة التالية بنسبة 38%، وفلسطين بنسبة 34%، غير أنه لم تكن هناك أي استجابة من جانب جيبوتي وجزر القمر رغم إصرار فريق العمل على زيادة عدد الاستجابات من البلاد التي كان عدد استجاباتها ضعيفًا للغاية، وهو ما أدى إلى إطالة الفترة الزمنية للدراسة. وفيما يتعلق بالإصلاح الثقافي، والذي اعتبره التقرير محدودًا، بعدما تعرَّض لمطالب النخبة العربية لوجود برامج الإصلاح الثقافي، وتعميق مصادر التأثير الثقافي، سواء تعلَّق الأمر بثقافة القراءة وأدواتها من كتب ومكتبات عامة وصحف ودوريات، أو بثقافة المشاهدة وأدواتها. وبتحليل نتائج توزيع العينة وفقًا للنوع بلغت نسبة تمثيل الذكور 73.9%، مقابل 24.2 للإناث، أما بالنسبة للتحليل فوفقًا للفئة العمرية فقد بلغت نسبة تمثل الفئة العمرية (50 سنة فأكثر) أعلى نسبة (29.8%) تليها الفئة العمرية (أقل من 35 سنة) بنسبة 29%. أما تحليل نتائج توزيع العينة وفقا للحالة التعليمية للعينة فقد بلغت نسبة الحاصلين على الدكتوراة 46.8%، يضاف إليها نحو 20% من حملة الماجستير. أما نسبة توزيع العينة وفقًا لقطاع العمل، فقد بلغت نسبة تمثيل المراكز البحثية أعلى نسبة حوالي 50%، يليها القطاع الحكومي حيث بلغت نسبة تمثيله حوالي 15%. وبلغت نسبة تمثيل كل من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في العينة بحوالي 5% من العينة، يُضاف إلى ذلك 23.7% لم تصنف نفسها باعتبارها تنتمي إلى أي من هذه المؤسسات. شملت العينة 584 من مصر، و159 من اليمن، 117 من العراق، و116 من الأردن، و94 من الجزائر، و86 من فلسطين، و63 من المغرب، وتراوحت الاستجابات من البحرين، والسعودية، والسودان، وموريتانيا، وسوريا بين 13 و31 استجابة، أما باقي الدول فقلت الاستجابات الواردة من كل منها عن 10 استجابات. وتناول التقرير المشكلات الاجتماعية والسكانية، والمشكلات النوعية من تعليم وصحة وقيم سلبية ومشكلات الريف وتأثيرها في إعداد المواطن العربي، والتفاوتات الاجتماعية في الدخول، والمشكلات المتعلقة بالشباب والمرأة. وعلى مستوى الإصلاح الاقتصادي، رصد التقرير إدراك النخبة لما تم تحقيقه من برامج للإصلاح الاقتصادي وتقييمها لتلك البرامج، واستقراء الأثر المتوقع للأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد العربي. يشار إلى أن مكتبة الإسكندرية كانت قد أطلقت العام الماضي الإصدار الأول لتقرير مرصد الإصلاح العربي على هامش منتدى الإصلاح العربي والذي جاء تلبية لتوصيات مؤتمر الإصلاح العربي الأول الذي عُقد بمكتبة الإسكندرية في مارس 2004، والذي تمخَّض عن وثيقة الإسكندرية. الاسلام اليوم الاثنين 30 شوال 1430 الموافق 19 أكتوبر 2009