تونس - في تطور جديد بمسلسل ملاحقة المحجبات في تونس، منعت مديرة أحد معاهد العاصمة طالبة من مواصلة دراستها، ولكن هذه المرة ليس بسبب ارتدائها للحجاب، بل بسبب لباسها الطويل والمحتشم. وقالت تقوى بن عمار الطالبة بالمعهد العلوي في تصريح ل"إسلام أون لاين.نت": إن المديرة ناجية العياشي قامت بطردها من المعهد، ومنعتها نهاية الأسبوع الماضي من مواصلة دراستها؛ بسبب لباسها "الطويل والمحتشم". وأوضحت تقوى أن المديرة وجهت لها كلمات قاسية ومستهزئة من لباسها قائلة لها: "ما هذا الذي تلبسينه وتكنسين به الشارع؟"، مؤكدة أن المديرة باتت تترك كل مشاغلها التربوية، و"تنتصب أمام الباب الرئيسي للمعهد لتراقب أزياء التلميذات، وخاصة من عُرفت منهن بارتدائها الحجاب". طالع أيضا: حملة نهاية العام الدراسي على الحجاب بتونس
ورفضت ناجية العياشي استقبال مراسل "إسلام أون لاين.نت للتعليق على الموضوع، مبررة ذلك بأن "التعليمات التي جاءتها من قبل جهات لم تسمّها أمرتها بعدم إتمام اللقاء". حملة جديدة ويأتي هذا التطور وسط حملة استهداف للمحجبات في المعاهد والكليات انطلقت مع بداية موسم امتحانات نصف العام، ويقوم عليها عدد من المسئولين التربويين. وفي هذا الإطار تعرضت الطالبتان آمال بن رحومة وهاجر بن محمد الملتحقتان بالسنة النهائية بالمدرسة العليا لمهندسي التجهيز الريفي بمنطقة مجاز الباب -50 كم شمال شرق العاصمة- للمضايقة من قبل مدير المدرسة بشير بن ثائر الذي حرمهما من حقهما في الالتحاق بالمرحلة الختامية لإعداد مشروع التخرج. واحتجاجًا على هذه الخطوة اعتصمت الطالبتان يوم الجمعة 15 فبراير الجاري أمام مكتب المدير لمدة تزيد عن نصف يوم، مما اضطره إلى محاولة شرح الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار قائلاً: إن السلطات الأمنية تدخلت بشكل مباشر لإلغاء قرار تمكين الطالبتين من إتمام مشروع ختم الدروس. وفي نفس السياق تعرضت التلميذات المحجبات الملتحقات بالسنة السابعة بالمعهد الثانوي بمدينة بوحجلة من ولاية القيروان (150 كم جنوب) إلى المنع من الدخول إلى المعهد يومي الأربعاء والخميس 13 و14 فبراير الجاري من طرف المدير العام المختار العيساوي، بدعوى ارتدائهن للحجاب، على الرغم من ارتدائهم للفولارة وهي وشاح تقليدي في تونس يغطي الرأس. كما قام صالح الجملي مدير معهد محمود المسعدي بنابل (60 كم شمال شرق العاصمة) يوم الخميس الماضي بمنع التلميذة نورس الجازي التي تدرس بالسنة الأولى من التعليم الثانوي من دخول المدرسة لمدة ساعتين، آمرًا إياها بنزع غطاء الرأس واستصحاب وليها. وفي ذات السياق، قامت عناصر من الشرطة التونسية بنزع حجاب فتاة من رأسها بالقوة في منطقة حي الخضراء بالعاصمة التونسية وإلقائه أرضًا الخميس الماضي، وذلك أثناء توجهها إلى الدراسة، علمًا بأنها كانت ترتدي "فولارة" تونسية. وفي الثالث عشر من هذا الشهر فقدت التلميذة هدى الأسمر وعيها بعدما منعت من الدخول إلى قاعة الدرس من الساعة الثالثة إلى الساعة الخامسة مساء من طرف مدير أحد معاهد منزل تميم من ولاية نابل؛ بسبب ارتدائها للفولارة التونسية. استنكار واسع واستنكرت العديد من المنظمات الحقوقية الحملة التي تتعرض لها المحجبات في تونس، واعتبرت الإجراءات المتخذة بحقهن "انتقامية، ولا تعبر إلا عن مشاعر التشفي والغلّ الذي تكنُّه بعض الأوساط التي تدّعي الديمقراطية والتقدمية للإسلام، وكل الرموز التي يمكن أن تحيل إليه في بلد ينص الفصل الأول من دستوره على أن تونس دولة حرة مستقلة الإسلام دينها والعربية لغتها". وعبَّرت "لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس" عن "سخطها على ما وصلت إليه بعض النفوس المريضة ممن يتقلدون مسئوليات إدارية وتربوية داخل المؤسسات التعليمية التونسية والتي أصبح همّهم استهداف الفتيات المحجبات، من أمثال المدعو بشير بن ثائر الذي تخلى عن أدواره التربوية وتحول إلى ملحق أمني لوزارة الداخلية التونسية داخل الحرم الجامعي". وأضافت: "بلغت القسوة في التعاطي مع فتيات صغيرات؛ بسبب إصرارهن على مجرد الاحتشام وعدم انصياعهن لما يراد لهن من مجون وتعرٍّ وتفسخ". واستنكرت اللجنة تدخل وزارة الداخلية في "شأن علمي صرف بحرمان الطالبتين آمال بن رحومة وهاجر بن محمد من مواصلة دراستهما"، واصفة التدخل بكونه "سافرًا وغير قانوني، ويكرس السطوة الغاشمة التي تعتمدها هذه الوزارة المتفلتة من عقال القانون والضمير الوطني". ومن جهتها دانت جمعية "حرية وإنصاف" التي يرأسها المحامي المحمد النوري المضايقات التي تتعرض لها المحجبات وطالبت بوقفها فورًا. ضد الدستور وفي تصريح ل"إسلام أون لاين.نت" أكد الدكتور زياد الدولاتلي القيادي بحركة "النهضة" أن "المنع الذي تتعرض لها المحجبات في تونس مخالفة صريحة لبنود الدستور والقانون، وهو ما استندت عليه المحكمة الإدارية في حكمها غير المسبوق العام الماضي، حين قضت بعدم قانونية ودستورية القرارات التي تتخذها وزارة التربية في هذا الإطار"؛ استنادًا للقانون 108 لسنة 1981 الذي يعتبر الحجاب زيًّا طائفيًّا. وأكد الدولاتلي أن قسوة المعاملة التي تلقاها "فتياتنا بسبب إصرارهن على لباس الحشمة والوقار دليل جديد على أن شعار مصالحة تونس مع هويتها العربية الإسلامية، وهو الشعار الذي رفعه النظام الحالي عشية تسلمه مقاليد السلطة في نوفمبر سنة 1978، لم يجد طريقه إلى أرض الواقع، وظل مجرد شعار يردد في المناسبات". ودعا الدولاتلي إلى مصالحة حقيقية بين التونسيين وهويتهم، وطالب بوضع حد فوري لمثل هذه الممارسات التي قال: "إنها تسيء إلى بلادنا، وتجعلنا استثناء في محيطنا العربي والإسلامي". وبدأ التشديد فعليًّا على ارتداء الحجاب بعد الانقلاب الذي قام به الرئيس زين العابدين بن علي ووصوله إلى الحكم عام 1988.