ذكرت تقارير إخبارية أن قرار اغتيال قائد الجناح العسكري في حزب الله عماد مغنية "الحاج رضوان" ليس بجديد، مؤكدةً أن أجهزة استخبارات عالمية، وعلى رأسها جهازا "سي آي إيه" و "الموساد" كانت تسعى للنيل منه، نظراً لدوره الكبير في دعم الحركات الفلسطينية ومدّها بالسلاح وكذلك الإشراف على تدريب ودعم فصائل عراقية، فضلاً عن تاريخه الحافل في قتل الإسرائيليين والجنود الأميركيين والفرنسيين المحتلين للأراضي اللبنانية. وأضافت التقارير أن التحقيقات الجارية الآن تعمل على الإجابة على عدة أسئلة، أولها وأهمها معرفة كيف كشفت شخصية "الحاج رضوان" وأنه هو عماد مغنية والذي كان يتخفى ليس فقط عبر استخدام اسم حركي، ولكن أيضا عبر تغيير ملامح وجهه بواسطة أكثر من عملية جراحية، لم تجر لغايات التجميل، وثانيها التمحيص حول الجهة المخترقة التي رصدت تحركه وأبلغت به أجهزة الاستخبارات المعنية، وثالثها قدرة المنفذين على التسلل إلى حي كفر سوسةالدمشقي ذي الإجراءات الأمنية العالية. في هذه الأثناء، نقل موقع "الحقيقة" الالكتروني عن السيدة سعدى بدر الدين أرملة عماد مغنية قولها للسيدات اللواتي كن حولها يوم أمس في إحياء أسبوع المقاومة: " إن الخيانة والغدر هما سبب قتل الحاج ( عماد مغنية) ، ولولا أنه كان مطمئنا إلى أنه في أرض صديقة لكان احتاط لنفسه أكثر". وتؤكد التقارير أن قليلين جدا، داخل حزب الله، من كانوا يعلمون حقيقة الشيخ رضوان، رغم أنه كان يشغل مواقع غاية فى الأهمية..فهو رئيس المجلس الجهادى فى الحزب، وقائده العسكري، وعضو مجلس الشورى فيه، والرأس المدبّر والمخطط والمشرف على عملياته منذ انطلاقته الفعلية فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى وحتى يوم استشهاده فى 12 فبراير/ شباط الماضى فى دمشق، مروراً بحرب يوليو/ تموز 2006 والتحرير فى مايو/ أيار2000. ونقلت جريدة "الحقيقة الدولية" الأردنية عن مصادر مطلعة على سير التحقيقات قولها: " أن مغنية شخص لا يبقى في المكان ذاته ليومين متتاليين وهو يحمل جوازات سفر إيرانية وسورية ولبنانية ويتنقل بين هذه البلدان دون أن يخبر سلطاتها بحركته، فضلاً عن أنه يستخدم أسماء حركية عدة ولا يحتفظ لنفسه بخط هاتف خاص دائم" . وأسرّت المصادر أن مغنية توجه إلى كفر سوسة للقاء قيادات فلسطينية، وذلك لبحث سبل توفير الدعم لقطاع غزة وإمداده بالسلاح والعتاد والصواريخ، إضافة إلى كيفية إدخال كوادر مدرّبة إلى القطاع للقيام بتدريب مقاومين فلسطينيين. وكان مغنية قد وصل إلى دمشق بحسب المصادر قبل أيام من اغتياله قادماً من طهران، دون معرفة السلطات السورية ولا حتى السلطات الإيرانية، ما عدا القيادات الموكل إليها التنسيق مع دمشق وحزب الله والفلسطينيين. وأكدت المصادر أن كل التحقيقات حتى ساعة إعداد هذا التقرير لا تشير إلى خرق داخل حزب الله الذي بقي عصياً على استخبارات العالم كله منذ ما بعد اغتيال أمينه العام السابق السيد عباس الموسوي في 16 فبراير/شباط 1992، مشددةً على أن الخرق هو فلسطيني على الأرجح دون أي جزم بانتظار التحقيقات في الأجهزة الأمنية بحزب الله وسوريا وإيران. واستندت المصادر في توقعاتها الى ان مغنية اغتيل بعد لقائه مع قيادات فلسطينية وهو مهندس للعلاقات مع مختلف القيادات العليا في الأراضي المحتلة والشتات، بما في ذلك الرئيس ياسر عرفات بحسب ما أكد أمين سر حركة فتح في لبنان اللواء سلطان أبو العينين. وأظهرت التحقيقات والمعلومات أن اغتيال كل من القادة في حزب الله: علي حسن ديب "أبو حسن سلامة" عام 1999، وعلي حسين صالح عام 2003 ، وغالب محمد عوالي 2004، جاء نتيجة خرق فلسطيني نظراً لأن كلا من هؤلاء القادة كان مكلفا بالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية على مختلف الصعد. قبل الاغتيال سبق تنفيذ عملية الاغتيال زيارة لوكيل وزير الدفاع الأمريكي مايكل إدلمان على رأس وفد عسكري رفيع الى بيروت التقى خلالها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وقائد الجيش، ترافقت مع رسالة دعم قوية من الرئيس الأمريكي جورج بوش نقلها الوفد، إضافة إلى تحذير من السفارة الأميركية لرعاياها بضرورة توخي الحذر في لبنان. وكان زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد وصف، في وقت سابق وخلال برنامج تلفزيوني مغنية ب "الإرهابي الكبير الذي يشرف على عمليات الاغتيال في لبنان" وأنه هو من يدير حزب الله وليس حسن نصر الله، وبعد اغتياله، أعرب جنبلاط عن شماتته إذ قال في إحياء الذكرى الثالثة لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري "هاهم ينهشون لحم بعضهم البعض ويأكلون بعضهم" في إشارة لا تقبل المواربة ناحية مغنية والنظام السوري. هذه المعطيات أفرزت عدة أسئلة تحاول التحقيقات الاجابة عليها وهي: لماذا حرض جنبلاط على مغنية، هل هو حدس شخصي أم نتيجة معطيات علم بها خلال زيارته لواشنطن ولقائه مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ومساعده اليوت ابرامز، وما هو سر هذه الشماتة، وهل من دور له في هذه الجريمة ولو معنوي. كيف تمت عملية الاغتيال؟
تقول المصادر أن خلايا تابعة للموساد تضم فلسطينيين وسوريين تعمل في دمشق مهّدت لدخول مجموعة أخرى من عملاء الموساد الإسرائيليين وتوفير الأمور اللوجستية لهم، مشيرةً إلى ان المجموعة الصهيونية دخلت بجوازات سفر مزورة، قادمة من عاصمة دولة أوروبية مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وقد رصدت حركة "الحاج رضوان" ووضعت له عبوةً ناسفة في سيارة رباعية الدفع من طراز "ميتسوبيشي باجيرو بيضاء اللون" وانتظرت خروجه من الاجتماع المذكور في حي كفر سوسة، وبعد أن قطع الطريق متجهاً نحو الرصيف المقابل، انفجرت العبوة الموجهة والمضادة للأفراد وقتلت عماد مغنية. ومعلوم أن مغنية يعتمد، في إجراءاته الأمنية على التخفي والتمويه من دون أي حماية لصيقة أو مرافقة، وإنما الأمر يقتصر على تكوين معلومات استخبارية يقوّمها بنفسه نتيجة خبرته الطويلة في هذا المجال والتي باتت جزءاً من حياته اليومية منذ العام 1983. وأكدت المصادر شديدة الإطلاع، أنه من المرجح جداً أن يكون من نفذ الاغتيال لا يعلم أن مغنية هو "الحاج رضوان" وأن الأخير هو رئيس المجلس الجهادي في حزب الله، إلا بعد تنفيذ العملية، إلا أن المنفذين كانوا يدركون أنهم يحضرون لاغتيال قيادي كبير. دلالات اغتيال عماد مغنية في دمشق في غضون ذلك، رأت المصادر أن استهداف مغنية في دمشق له دلالات كبرى، أولها عدم قدرة الموساد على اختراق حزب الله في لبنان، وثانيها الإعلان الصهيوني الواضح والصريح عن مواجهة مفتوحة مع حزب الله تتعدى الساحة اللبنانية، وثالثها أن سوريا هي مقر وملاذ للمطلوبين دولياً وكل ما يعني ذلك من ضغوط دولية وأميركية، ورابعها أن القيادات الفلسطينية المقيمة في دمشق هي في مرمى الاستهداف الصهيوني المباشر، وتحديداً خالد مشعل ورمضان شلح وأحمد جبريل، وخامسها أن كل الإجراءات الأمنية المتخذة في دمشق لم تمنع من تحقيق اختراق صهيوني واضح وكبير يتطلب التحسب في الأيام المقبلة منعاً لأي "عملية أخرى". واعتبرت ما أشيع عن أن سوريا قدّمت مغنية "عربون صلح" مع الولاياتالمتحدة، مجرد هذيان لا أساس له من الصحة لأن قيمة مغنية لدى سوريا وإيران أكبر بكثير من هذا الكلام المغرض. نبذة عن عماد مغنية ولد عماد مغنية في بلدة طير دبا – قضاء صور جنوب لبنان، في تموز من العام 1962، والده فايز ووالدته ناشطة في صفوف الجمعيات النسائية الدينية وتتولى الآن مهام في الهيئات النسائية في حزب الله. انتقلت عائلته إلى الضاحية الجنوبيةلبيروت، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي انتسب للجامعة الأميركية في بيروت ولم يتابع دراسته. انتمى إلى حركة فتح، عند بلوغه 18 عاماً، والتحق بقوة "17" وبالحماية الخاصة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وكان على معرفة قوية بكل من القياديين أبو جهاد وأبو إياد. وانتقل بعد خروج قادة منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى صفوف حركة أمل التي انشقّ عنها حزب الله في العام 1982، وساهم في نقل السلاح الفلسطيني إلى تنظيمات المقاومة اللبنانية. عمل مرافقاً شخصياً للمرشد الروحي لحزب الله آنذاك محمد حسين فضل الله ومن ثم خلفه في منصبه شقيقه جهاد الذي قضى في محاولة اغتيال فضل الله عام 1987. سافر إلى إيران في مطلع شبابه وقاتل على الجبهة العراقية الإيرانية، ومن ثم عاد إلى بيروت ليخطط لعمليات ضد القوات الأميركية والفرنسية. وتصدر اسم عماد فايز مغنية، الذي حددت الولاياتالمتحدة جائزة لرأسه بمبلغ 5 ملايين دولار عادت ورفعتها الى 25 مليون دولار، قائمة المطلوبين في 42 دولة بالعالم. تزوّج مغنية من قريبته سعدى بدر الدين، وله منها ثلاثة أولاد، فاطمة (23 عاماً) ومصطفى (21 عاماً) وجهاد (17 عاماً). وينقل الصحافي المقرب من حزب الله إبراهيم الأمين عن مغنية قوله "لقد رأينا الموت في عيونهم، لقد رأينا الهزيمة أيضاً، وعندما أطلقنا الدفعة الأولى من الصواريخ على حيفا، قلت لمن كان إلى جانبي: خسرت إسرائيل الحرب". وقال مغنية "أعرف أن الأميركيين ينسجون الحكايات من حولي، ويرمون علي بالمسؤوليّة عن كثير من الأعمال التي تحصل ضدهم في أكثر من مكان من العالم، وللحظات يصوّرون الوضع كأنّي أملك مفتاح الكون. كان صعباً عليهم الاقتناع بأنني جزء من مؤسسة، تدرس خطواتها بهدوء، تصبر وتفكّر وتخطّط لتحقيق ما يجب تحقيقه، ولا تقوم بذلك انفعالاً ولا غضباً آنياً، وهم يعرفون جيداً أنّ جدول أعمالنا محصور ببند واحد اسمه التخلص من الاحتلال، ودعم المقاومة الفلسطينية، لأن فلسطين سوف تظل مسؤولية الجميع ولو خرج من أهلها من يقول عكس ذلك". وتابع "من منا كان يتصوّر هذه القدرة الهائلة عند قلة من مقاومينا استخدمت ضدهم كل وسائل القتال، لم يبق شيء في جعبة الجيش الإسرائيلي إلا استخدم، ومع ذلك، لم يخرج هؤلاء من مواقعهم، لم يهربوا ولم يدفنوا سلاحهم في الأرض”. لكنه كان أكثر اطمئناناً إلى ما هو آتٍ: "إذا جرّب الإسرائيليون حظّهم معنا مرة جديدة، فسوف يجدون ما لا يخطر لهم في بال ولا في عقل".