الرباط - في الوقت الذي تشهد فيه المغرب تطورات ساخنة بعد إعلان السلطات الكشف عن خلية إرهابية واعتقال قيادات أحزاب سياسية إسلامية بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية، انطلقت محاكمة إحدى الصحف بعد أيام قليلة من اعتقال صحفي مغربي، وهو ما أثار مخاوف في أوساط صحفية من وجود نية لدى السلطات المغربية للتضييق على الصحافة المستقلة. وبدأت الجمعة 22-2-2008 محاكمة صحيفة "المساء" اليومية المغربية بتهم سب وقذف رفعها ثلاثة قضاة بمدينة القصر الكبير، على خلفية تداعيات زواج الشواذ الذي شهدته المدينة شهر نوفمبر الماضي وشهد تغطية على صفحات "المساء" أثارت جدلا كبيرا.
وطالب المدّعون برد الاعتبار لهم من خلال دفع الصحيفة تعويضا ماديا يقدر بحوالي 651 ألف دولار، وهو ما اعتبره مدير نشر الجريدة رشيد نيني "مطالبة برأس الجريدة وليس بالتعويض عن الضرر". وكانت المساء قد نشرت مقالا إبان أحداث القصر الكبير في نوفمبر الماضي تضمن تصريحا لمسئول أمني اتهم قاضيا بالمدينة - دون ذكر اسمه - بأن علاقة مصالح تربطه مع الشواذ، وهو ما اعتبره ثلاثة قضاة قذفا في حقهم. رسالة سياسية ومن جهته قدم توفيق بوعشرين، رئيس تحرير "المساء" الذي تعذر الاتصال به، في مقال نشره اليوم السبت باليومية نفسها اعتذار الجريدة عن أي ضرر غير مقصود تسببت به الجريدة للقضاة الثلاثة، مؤكدا أن هؤلاء لا علاقة لهم بما تناولته المساء. وعلق بوعشرين على ذلك بقوله: "إذا كانت القضية ذات طابع قانوني فهنا ستنتهي (يقصد بالاعتذار)، وإذا كانت ذات طابع سياسي يراد منها تغريم المساء ب651 ألف دولار فهذا موضوع آخر". واختتم بوعشرين مقاله بالتأكيد على أن "المساء هي جريدة ملك لقرائها، وسندافع عن صوتها بكل الوسائل القانونية التي بين أيدينا لأننا ندافع عن الحرية". وكان رشيد نيني مدير نشر يومية المساء - الأولى من حيث المبيعات في المغرب والمعروفة بتحقيقاتها الجريئة - قد تعرض لاعتداء من جانب مسلحين مجهولين بالقرب من محطة قطار وسط العاصمة الرباط يوم 3-2- 2008. ولم يستبعد بوعشرين أن يكون الاعتداء على نيني رسالة سياسية تعكس الاستياء من تنامي تأثير الصحافة المستقلة، لكنه لم يتهم أي جهة بالوقوف وراء الحادث، بحسب وكالة قدس برس. اعتقالات ومما زاد من التخوفات حول مستقبل حرية الصحافة بالمغرب، اعتقال السلطات الأمنية مساء الثلاثاء 19-2- 2008 مصطفى حرمة الله الصحفي بصحيفة "الوطن الآن" الأسبوعية من أمام منزله بالدار البيضاء واحتجازه بسجن عكاشة بالدار البيضاء. ويأتي الاعتقال على خلفية نشر "الوطن الآن" ملفا في عددها 253 حول "التفاصيل السرية التي حركت حالة الاستنفار الأمني بالمغرب في الآونة الأخيرة"، حيث أدانت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء مدير نشر الجريدة عبد الرحيم أريري وحرمة الله بالسجن والغرامة، بعد أن اتهمتهما بتسريب وثائق خطيرة تتعلق بالجيش وأمن الدولة. كما يأتي الاعتقال بعدما رفض المجلس الأعلى للقضاء (أعلى هيئة قضائية بالمغرب) يوم 13-2- 2008 طعن "حرمة الله" على حكم محكمة الاستئناف القاضي بمراقبته بعد الإفراج عنه مؤقتا لحين الفصل في قضيته التي من المنتظر أن يقضي بسببها عقوبة بالسجن لمدة 5 أشهر. وفي هذا السياق عبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن دهشتها لهذا القرار في الوقت الذي كانت تنتظر فيه إنصاف الصحفيين وطي هذا الملف نهائيا. وطالبت النقابة بإطلاق سراح "حرمة الله" مؤكدة أن هذه المتابعة فارغة من أي سند قانوني. ويشير مراقبون إلى أن السلطات المغربية تلجأ إلى وسائل أخرى للتصدي لكتابات الصحفيين المستقلين من خلال تحريك دعاوى قضائية عبر أطراف ثالثة يزعمون أنهم مستقلون عن الحكومة، لإجبارهم على دفع تعويضات نقدية باهظة تهدد بإفلاس صحفهم. وفي مطلع فبراير الجاري، اضطر أبو بكر الجامعي، ناشر المجلة الإخبارية البارزة "لو جورنال إبدومادير"، لمغادرة البلاد بينما كانت السلطات القضائية تعد لمصادرة ممتلكاته بعد أن أصدرت حكما ضده بدفع تعويض بدل أضرار بلغ 3 ملايين درهم (395 ألف دولار). وفي السنوات الأخيرة، أصدرت المحاكم أحكاما أخرى بدفع تعويضات باهظة جدا بدل أضرار في قضايا تشهير ضد صحف مستقلة مثل المجلة الأسبوعية الرائجة "تلكيل". عقوبات الحبس! وتأتي هذه الاعتقالات والمضايقات في الوقت الذي أكد فيه الوزير الأول عباس الفاسي في لقاء مع بعض رؤساء تحرير صحف مغربية بداية الشهر الجاري أن مشروع قانون الصحافة الذي من المرتقب أن يصادق عليه البرلمان في الربيع المقبل سيتضمن عقوبات بالحبس، غير أنه شدد على أنها "لن تطبق على الصحفيين". وسبق ل"خليل العلمي الإدريسي"، مدير الدراسات والتخطيط والتوثيق بوزارة الاتصال أن قال في حديث نشرته يومية الأحداث المغربية الإثنين 19 مارس 2007 أنه "تم حذف عقوبة الحبس في حق الصحفيين من 16 مادة، ولم يتم الاحتفاظ بها إلا في 6 مواد تتعلق أساسا بجرائم تمس إما بثوابت الأمة أو بالسلامة الداخلية أو الخارجية للبلاد". "أو تلك التي تتعلق بالتحريض على الإرهاب والعنف والكراهية والتمييز العنصري، إلى جانب تلك المواد التي تتضمن عناصر مرتبطة بالقذف والسب والمس بكرامة الأشخاص وبحياتهم الخاصة". وينتظر أن يتضمن المشروع نفسه بند تأسيس المجلس الأعلى للصحافة، حيث "سيتولى المهنيون مهمة تدبير شئونهم، وسيكونون ممثلين بقوة في هذا المجلس"، بحسب الرواية الرسمية. أما المهنيون، فقد عبر كثير منهم عن تحفظهم الشديد إزاء القانون المرتقب، ويرون أنه سيمارس "التسلط نيابة عن الحكومة". وكانت السلطات المغربية قد اعتقلت الثلاثاء الماضي أربعة قياديين ينتمون لثلاثة أحزاب إسلامية، بينها العدالة والتنمية، ضمن 23 معتقلا بتهمة تكوين "شبكة إرهابية خطيرة كانت تستعد لتنفيذ أعمال إرهابية بالتراب الوطني"، والتخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال لقيادات سياسية وعسكرية في البلاد بدعم من حزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة.