قبل المرور إلى التاس.. الكاف يصدر قراره في مباراة إتحاد العاصمة ونهضة بركان    المرسى.. الاطاحة بمروج اقراص مخدرّة بمحيط مدرسة إعدادية    طقس الليلة.. سحب كثيفة وامطار ببعض المناطق    توقيع عقود تمويل مشاريع الباعثين الشبان بولايتي توزر وقبلي    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    حامة الجريد: تعطّل الدروس بإعدادية ابن شرف بعد وفاة تلميذ في حادث سير    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    صعود ركاب المترو عبر باب مهشّم: شركة نقل تونس توضّح    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    فاطمة المسدي: ''هناك مخطط ..وتجار يتمعشوا من الإتجار في أفارقة جنوب الصحراء''    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    خلال 24 ساعة فقط.. وفاة 21 شخصًا    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    سيارة أجرة تنهي حياة شيخ ال66 سنة بباجة..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    أمام وزارة التربية: معلمون نواب يحتجون حاليا ويطالبون بالتسوية العاجلة لوضعيتهم.    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الخمسين لوفاة العلامة التونسي محمد الخضر حسين شيخ الأزهر السابق (1-2)
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 02 - 2008

في الذكرى الخمسين لوفاة العلامة التونسي محمد الخضر حسين شيخ الأزهر السابق (1-2)
بقلم: محمد مواعدة
مرت خلال الأسبوع الأول من فيفري 2008، الذكرى الخمسون لوفاة العلامة التونسي محمد الخضر حسين، شيخ جامع الأزهر السابق (2 فيفري 1958 2 فيفري 2008).
وفي هذا الإطار، تعتزم الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي بإشراف رئيسها المثقف والجامعي المتميز الدكتور كمال عمران، تعتزم تنظيم ندوة علمية خلال هذه السنة بمشاركة باحثين تونسيين وجزائريين ومشارقة للتعريف بهذه الشخصية العلمية التي تجاوزت الحدود وبلغت أوج الشهرة والمجد العلمي والثقافي خلال النصف الأول من القرن الماضي.
ولا يحتاج إلى تأكيد أهمية منصب علمي مثل مشيخة جامع الأزهر الشريف، هذه المؤسسة الدينية والعلمية التي كان مجرد الدراسة فيها والتعلم بها يعتبر شهادة امتياز وتقدير.
ومما يستحق الإشادة في هذا المجال أن الشيخ محمد الخضر حسين لم يطلبها ويعمل من أجلها بل جاءته هذه الخطة ساعية إليه من خلال الوفد الوزاري الذي أرسله إليه الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر 1952 بقيادة الوزير الشيخ الباقوري عارضا عليه تولي هذه الخطة، فاعتذر فألحّ عليه وهو صديقه القديم بما معناه : إن الثورة تهدف إلى بناء مجتمع جديد وهو أحد جنودها ولا يمكن له أن يعتذر عن المساهمة في هذا البناء...
فقبل عندئذ تولي مشيخة الأزهر وبقي يباشرها إلى سنة 1954، ثم استقال منها متعللا بكبر سنه... لكن السبب الحقيقي كان اختلافه مع مجلس قيادة الثورة في قضايا عديدة منها وضع المحاكم الشرعية. ومما يذكر عنه في هذه المرحلة من حياته، أن اللواء محمد نجيب قد زاره في بيته بحكم العلاقة القائمة بين الرجلين قبل الثورة ثم طلب منه بعض الأصدقاء القيام بزيارة اللواء نجيب في مقر مجلس قيادة الثورة، فكان جوابه : شيخ الأزهر لا ينتقل إلى مقر السلطة... بل على السلطة أن تنتقل إليه لأنها هي التي تحتاجه...
حياة ثرية ونشيطة
إن كل من تعرف على هذه الشخصية من خلال البحث والدراسة يتبين مدى غزارة حياتها وثرائها، إذ هو العالم في القضايا الشرعية وفي اللغة والأدب، وهو الشاعر... والمحاضر... والرحالة... وكاتب المقالة... والمناضل المغاربي السياسي...
فقد قال عنه أحد علماء الأزهر الكبار الشيخ اللبان عند إلقائه درسا في " القياس في اللغة العربية " وهو البحث الذي تأهل به للدخول إلى هيئة كبار العلماء... وهي أعلى هيئة علمية بالجامع الأزهر. قال الشيخ اللبان : " هذا بحر لا ساحل له فكيف نقف معه في حجاج ".
ونظرا إلى أن هذا العلامة هو كما قال عنه أحد زملائه " هو رجال في رجل "، فإننا في هذه المناسبة الذكرى الخمسين لوفاته سنكتفي بالإشارة بإيجاز إلى بعض الجوانب (1):
1) إن جذور هذه الشخصية وأصول عائلته هي أصول جزائرية من بلدة طولقة من منطقة الزاب على الحدود الجزائرية التونسية... وهي منطقة واحات النخيل المجاورة لمنطقة الجريد بالجنوب التونسي... وهو ما يجعل المتجول في إحدى هذه الواحات لا يستطيع التفريق بين هاتين المنطقتين : نخيلا، بشرا، عادات، أنواع الأطعمة والمأكولات... إلخ.
2) انتقل جده للأم الشيخ مصطفى بن عزوز إلى بلدة نفطة خلال النصف الأول من القرن 19م، واستقر بها، وبنى بها زاويته الشهيرة القائمة إلى اليوم... وانطلاقا منها قام بنشر الطريقة الرحمانية.
وقد أشار الشيخ إبراهيم خريف (والد الأديبين البارزين مصطفى خريف والبشير خريف) في كتابه " المنهج السديد في التعريف بقطر الجريد " (مخطوط) إلى الحظوة الكبيرة والعناية الفائقة التي استقبل بها علماء نفطة ورجالها الشيخ مصطفى بن عزوز.
وكان لهذا الشيخ مكانة خاصة ومتميزة لدى العلماء والشيوخ في مختلف أنحاء البلاد التونسية وكذلك لدى سلطة البايات وهو ما أهله للقيام بدور فاعل للوساطة بين باي تونس وعلي بن غذاهم أشار إليها بتفصيل ابن أبي الضياف في ج5 من كتاب الإتحاف.
3) كان أيضا جد محمد الخضر حسين للأب علي بن عمر من علماء طولقة وشيوخها، وله حاليا زاوية باسمه في هذه المدينة، هي من أكبر الزوايا التي زرتها أخيرا بمنطقة الزاب... وبها مكتبة ثرية جدا بالمخطوطات العلمية والأدبية النادرة... ويشرف على شؤونها عالم جليل هو الشيخ عبد الرحمان العثماني.
4) إذن كانت العائلة التي ينتسب إليها علامتنا من أعظم العائلات وأعرقها علما وورعا... إذ إضافة إلى ما ذكرنا، فإن الشيخ محمد بن عزوز والد الشيخ مصطفى بن عزوز... هو العالم والورع المتصوف المعروف ب " نور الصحراء " وزاويته الشهيرة قائمة إلى اليوم.
ومن أبرز أبناء هذه العائلة أيضا الشيخ المكي ابن عزوز (خال محمد الخضر) الذي كان من علماء جامع الزيتونة وأحد قضاة مدينة نفطة... والذي ارتحل فيما بعد إلى الأستانة واستقر بها للتدريس... وكان من أبرز وجهائها إلى أن توفي بها ودفن هناك.
5) ولد الشيخ محمد الخضر حسين بمدينة نفطة يوم 26 رجب سنة 1293 ه/21 جويلية سنة 1873م. واسمه الأصلي : محمد الأخضر بن حسين، وقد حدث تحوير في الاسم على مرحلتين :
- الأولى: منذ طفولته، عندما أبدل لفظ " الأخضر " ب"الخضر"، تيمنا ب"الخضر" الذي رفعه القران الكريم إلى درجة الأنبياء ويحظى عند رجال التصوف بمكانة خاصة.
- أما التحوير الثاني الذي حدث في صيغة الاسم فبحذف لفظ " الابن " وذلك عندما هاجر إلى المشرق العربي واستقر به (دمشق ثم القاهرة) مسايرة لأسلوب المشارقة في التسمية مثل: طه حسين...
6) تلقى تعلمه الابتدائي بنفطة على يد خاله خاصة الشيخ محمد المكي ابن عزوز، وعلى مؤدبين وشيوخ من أبرز مؤدبي وشيوخ نفطة في ذلك العهد.
وتجدر الإشارة إلى أن مدينة نفطة التي كانت تسمى بالكوفة الصغرى (في كتب الرحالة العرب)، ومنطقة الجريد عامة : توزر، دقاش، كانت كلها زاخرة بالعلماء والأدباء والشعراء.
7) عندما بلغ محمد الخضر سن 13 من عمره انتقلت العائلة سنة 1307ه/1886م إلى العاصمة تونس لتمكينه وإخوته من مواصلة الدراسة بجامعة الزيتونة... وكان خاله الشيخ محمد المكي ابن عزوز مدرسا متطوعا بالجامع الأعظم وصاحب منزلة وتقدير لدى أبرز شيوخ هذه المؤسسة العلمية.
8) تخرج محمد الخضر حسين من جامع الزيتونة بنجاحه في شهادة التطويع سنة 1316ه/1898م. وكان لهذه المرحلة الزيتونية من حياته شديد التأثير في مساره العلمي والفكري والأدبي أشاد به في عديد المناسبات (انظر كتابه " تونس وجامع الزيتونة ") وخاصة انبهاره وتعلقه بشيوخه الكبار:
- الشيخ سالم بوحاجب (ت: 1343ه/1925م).
- الشيخ عمر بن الشيخ (ت: 1329ه/1911م).
- الشيخ محمد النجار (ت: 1329ه/1911م).
المرحلة التونسية
أشار العلامة محمد الخضر حسين إلى مراحل حياته في مناسبات عديدة وهي ثلاثة :
I- المرحلة التونسية :
وقد امتدت طيلة 40 سنة، من ولادته بمدينة نفطة بالجريد سنة 1873م إلى هجرته النهائية إلى المشرق العربي سنة 1912م.
وقد قال العلامة محمد الفاضل بن عاشور عن هذه المرحلة التأسيسية لشخصية صاحبنا:
"تميزت هذه المرحلة الأولى من حياته التي قضاها بتونس بالتعلم والتثقف، فتكونت شخصيته ونضجت أفكاره، واشتهر في الأوساط العلمية باعتداله وهدوء طبعه وخلوص نيته وسعة علمه وبراعة قلمه".
ولئن باشر التدريس بالجامع الأعظم خلال هذه المرحلة، وكذلك بالمعهد الصادقي، وتقلد خطة القضاء بمدينة بنزرت تلبية لطلب صديقه الحميم العلامة محمد الطاهر ابن عاشور ثم استقال منها سريعا لعدم تلاؤم شخصيته وبيئته العائلية والعلمية مع ضوابط الوظائف الرسمية وحدودها، وانشغاله الأساسي بالعلم والأدب والثقافة درسا وتدريسا وتعلما وتعليما.
لئن قام بكل ذلك وبغيره خلال هذه المرحلة التونسية، فإننا نعتقد تأكيدا لما قاله العلامة محمد الفاضل بن عاشور أن من أهم ما يستحق الإشادة والذكر في هذه المناسبة الخمسينية :
أ) بداية بروزه في مجال الدعوة إلى إصلاح المجتمع الإسلامي من خلال المسامرات والمحاضرات والتي من أشهرها:
- "الحرية في الإسلام": التي ألقاها بنادي "جمعية قدماء الصادقية" سنة 1906م ونشرت سنة 1909م، ونالت اهتمام جميع الأوساط العلمية والثقافية في ذلك العهد.
- "حياة اللغة العربية": والتي ألقاها بنادي الجمعية نفسها خلال سنة 1909م.
ب) إصدار مجلة "السعادة العظمى" (2) والتي هي في نظرنا أهم إنجاز قام بتحقيقه في مرحلته التونسية والتي قال عنها العلامة محمد الفاضل ابن عاشور :
"... كان ظهورها في معمعة تلك الخلافات كطلوع الحكم العادل تنزهت به المجادلات عن الفحش، وتطهرت من الهمز واللمز وتسامت عن التشهير والأذى الشخصي".
ويقصد شيخنا ابن عاشور بهذا القول محاولة مجلة " السعادة العظمى " وبالتالي صاحبها الشيخ محمد الخضر حسين التعامل بهدوء ورصانة مع الخلاف الذي كان وقتها محتدما بين الإصلاحيين والمحافظين حول قضايا فكرية ودينية عديدة مما جعل أصحاب التيارين وأنصارهم " المتطرفين " يخاصمون المجلة وصاحبها (وهو موضوع يحتاج إلى بحث خاص)... باستثناء صديقه الوفي العلامة محمد الطاهر بان عاشور. وقد كانت بينهما مودة استمرت طيلة حياتهما... هذه المودة التي تبرز في الرسائل التي كان يوجهها إمام الجامع الأزهر إلى إمام الجامع الأعظم، جامع الزيتونة...
وأغتنم هذه المناسبة لأشير إلى أن هذه المودة والوفاء والتقدير قد لمستها شخصيا خلال إعداد كتابي عن الخضر حسين والجلسات العديدة التي خصصها لي المرحوم العلامة محمد الطاهر ابن عاشور ببيت ابن عاشور العامر بالمرسى... وتمكيني من معلومات وتدقيقات علمية وتاريخية نادرة لم تكن متوفرة لغيره من العلماء والشيوخ والمؤرخين... فله منا رحمه الله كامل الثناء والتقدير، ولهذه العائلة آل ابن عاشور التي مكنت تونس والعالم الإسلامي وما زالت من خيرة العلماء والباحثين في عديد المجالات العلمية والثقافية والفكرية والقانونية... إلخ.
ج) العناية البارزة بمجال الإصلاح الديني والاجتماعي والتربوي.
وقد تجلى ذلك بالدعوة إلى الإصلاح من خلال المحاضرات والمسامرات والمقالات...
أما في الميدان التربوي فقد كان منشغلا بإصلاح التعليم الزيتوني، منذ حياته الطالبية... وبعد تخرجه من الجامع الأعظم كان من بين شيوخ الزيتونة وعلمائها العاملين على تطوير التعليم مضمونا وأسلوبا ومنهجا.
وفي هذا الإطار، شارك في تكوين جمعية " تلاميذ جامع الزيتونة " سنة 1324ه/1906 م إضافة إلى نخبة من العلماء في مقدمتهم العلامة محمد الطاهر ابن عاشور... وخلال سنة 1325ه/1907م انحلت هذه الجمعية وتكونت جمعية جديدة باسم " الجمعية الزيتونية "، تولى رئاستها الشيخ ابن عاشور وعضويتها العلماء : الطاهر النيفر، محمد رضوان، محمد النخلي، محمد الخضر حسين، أبو حسن النجار...
وفي هذا الإطار الإصلاحي التربوي يتنزل كتاب " أليس الصبح بقريب " لشيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر ابن عاشور.
IIالمرحلة السورية :
وهي المرحلة الثانية من حياة العلامة محمد الخضر حسين والتي امتدت طيلة 8 سنوات، من سنة 1912م إلى سنة 1920م.
وقد كانت حسب تعبير العلامة محمد الفاضل ابن عاشور مرحلة التنقل والترحال والاكتشاف... والنضال السياسي.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن أسبابا عديدة دفعت بالشيخ الخضر حسين إلى الهجرة إلى المشرق العربي منها انتقال عائلته إلى دمشق والاستقرار بها سنة 1911م، وهي حاليا من أشهر العائلات علما وورعا وقيمة ثقافية وفي مقدمة هذه الأسرة التونسية السورية الأستاذ الكبير والمحامي المتميز والأخ العزيز علي رضا الحسين التونسي الذي سخر جهوده العلمية والمعرفية وكل إمكانياته المادية لتحقيق وجمع ونشر آثار عمه العلامة الخضر حسين وكذلك آثار والده الشيخ زين العابدين بن الحسين وأعمال آل عزوز والحسين، وهي الجهود التي من أجلها قلده الرئيس زين العابدين بن علي وساما ثقافيا متميزا، ومن أجلها استحق كامل التقدير من أبرز الجامعيين والمثقفين العرب والمسلمين المعنيين بتراث هذه الأمة وبرجالها الأجلاء مثل علامتنا محمد الخضر حسين.
وقد كانت هذه المرحلة السورية مليئة بالنشاط العلمي والثقافي والتنقل والترحال وبالخصوص بالنضال السياسي.
ونظرا إلى ضيق المجال، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى أبرز ما تميزت به هذه المرحلة :
1) منذ حلوله بالعاصمة السورية دمشق واستقراره عند اخوته وعائلته، واصل نشاطه العلمي والثقافي بالتدريس بالمدرسة السلطانية، وهي من أبرز المعاهد العلمية ومن أشهر من درّس بها الإمام محمد عبده.
كما واصل إلقاء المحاضرات في الجامع الأموي، وكتابة المقالات بالصحف السورية.
ومن الجدير بالذكر أن قدومه إلى الشام وجد حظوة كبيرة لدى العلماء والمثقفين السوريين.
2) كان من أبرز الداعين إلى تمتين الروابط بين العرب والأتراك في إطار الأمة الإسلامية، وسخر جهده الإعلامي والثقافي في هذا الإطار، وهو ما عبر عنه في قصيدته الشهيرة " بكاء على مجد ضائع".
3) كان حاكم سوريا في تلك المرحلة التركي جمال باشا المعروف بتعسفه وجبروته. وقد أدخل العديد من العلماء والمفكرين السجن منهم الشيخ الخضر حسين.
وعند إطلاق سراحه بعد ثبوت براءته، عاد إلى التدريس والمحاضرات العلمية والثقافية.
4) سافر إلى عاصمة الخلافة العثمانية الأستانة حيث عمل منشئا عربيا بوزارة الحربية.
5) كان استقرار خاله وأستاذه الشيخ محمد المكي بن عزوز بالأستانة والمكانة التي كان يتمتع بها لدى الباب العالي ولدى أبرز العلماء والساسة بعاصمة الخلافة الإسلامية وقتئذ، كل ذلك ساعد الخضر حسين على حصوله على ثقة الباب العالي مما جعل السلطة التركية تعهد له بمهمة في ألمانيا التي كانت في الحرب العالمية الأولى حليفة لتركيا ضد فرنسا.
6) سافر الخضر حسين إلى ألمانيا واستقر ببرلين صحبة عدد من العلماء المسلمين منهم الشيخان صالح الشريف وإسماعيل الصفائحي. وكان الهدف من هذه البعثة العلمية تحقيق رغبة السلطة العثمانية في تكوين تنظيمات ثورية شعبية من المغاربة المقيمين بألمانيا ضد الاستعمار الفرنسي في بلدان شمال إفريقيا.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى صلة الشيخ الخضر حسين بالأخوين المناضلين محمد وعلي باش حامبة واتفاقهم مع بقية المغاربة المقيمين وقتها بالأستانة وبرلين على ضرورة الدفاع عن الخلافة الإسلامية ومجابهة الاستعمار الفرنسي.
وفي هذا الإطار، يندرج تكوين " اللجنة التونسية الجزائرية " التي وجهت إلى مؤتمر الصلح المنعقد بباريس سنة 1917م تقريرا مفصلا تحت عنوان " مطالب الشعب الجزائري التونسي " وبإمضاء مجموعة من المناضلين المغاربيين منهم : محمد باش حامبة، محمد الخضر حسين ، صالح الشريف...
7) عندما سقطت تركيا في أيدي الحلفاء، عاد الشيخ الخضر صحبة عدد من زعماء الحركة الإسلامية من ألمانيا إلى الأستانة ومنها إلى دمشق. وقد أثر هذا الحدث في نفسه التأثير البالغ لما كان يعلقه من آمال عريضة على الباب العالي في مساعدة القضايا الوطنية التحريرية بالعالم العربي وخاصة بشمال إفريقيا، وكذلك لما كان يؤمن به من ضرورة تدعيم الخلافة الإسلامية وتقويتها لما في ذلك من دعم للدين الإسلامي وتقوية له.
8) عند عودته إلى دمشق واصل نشاطه العلمي والثقافي والإعلامي. كما وقع تعيينه عضوا مؤسسا للمجمع العلمي العربي بدمشق الذي عقد جلسته الأولى يوم 30 جويلية 1919م. وبقي عضوا عاملا بهذا المجمع مدة إقامته بالعاصمة السورية ثم أصبح عضوا مراسلا عند انتقاله إلى القاهرة واستقراره بها سنة 1920م.
9) عند احتلال الجيش الفرنسي لسوريا إثر معركة ميسلون يوم 24 جويلية 1920م، أصبحت إقامة الخضر حسين بدمشق معرضة للخطر، وهو المتابع من السلطات الفرنسية من تونس، ثم لنشاطه السياسي بالأستانة وبرلين. ولذلك رغم حنينه إلى وطنه تونس، فقد قرر الانتقال إلى مصر والاستقرار بها. فقد كانت القاهرة مقر الجامع الأزهر وكعبة العلماء والباحثين، ولذلك قال في مقدمة كتابه " نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم":
" وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وأخذت البلاد العربية والتركية هيأة غير هيأتها، هبطت مصر فلقيت على ضفاف وادي النيل علما زاخرا وأدبا جمّا ".
(يتبع)
(1) محمد مواعدة: "محمد الخضر حسين: حياته وآثاره" ط1 تونس 1974، قريبا طبعة جديدة مفصلة في جزئين.
(2) نجاة الحامي بوملالة: مجلة "السعادة العظمى"، بحث جامعي متميز عن هذه المجلة وظروف صدورها وتوجهاتها الدينية والفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.