لندن :مأساة غزة ومعاناتها في ظل الحصار المفروض عليها والظلم الواضح الذي تتعرض له بسبب المواقف المتخاذلة للدول العربية والمجتمع الدولي في مواجهة العربدة الاسرائيلية كلها أسباب تدعو لليأس والاحباط وربما الحزن، ولكن عدداً غير قليل من سكان العاصمة البريطانية لندن كانوا على موعدٍ مع الدموع قبل أيام لا لسبب الا غزة وما تتعرض له من ظلمٍ فادح كفيل بأن يهز ضمير الانسانية ولو طالت غفوته.وسط الانشغالات بالحياة اليومية ومستحقاتها المادية الدنيوية لا تكون الدموع أمراً سهل الحدوث حتى وان كان الداعي لها أرواح مئات الابرياء ومآسي آلاف الضحايا في غزة، ولكن الدكتور النرويجي مادس غلبرت أظهر قدرة خارقة على استدرار الدموع من أكثر القلوب صلابةً وهو يتحدث عن المأساة في غزة ضمن جولته التنويرية حول المنطقة التي زارها في أصعب أيامها مطلع العام الجاري. ألقى الدكتور غلبرت محاضرات عدة في بريطانيا مؤخراً ويعتزم أن يعيد الكرة في مناطق أخرى من العالم أبرزها الولاياتالمتحدةالامريكية حيث المهمة أكثر صعوبة مع قوة وفعالية اللوبي الصهيوني هناك، وقد أفلح حتى الآن في ابكاء المئات! وتأتي نشاطاته هذه في خصوص التوعية بالاوضاع في غزة في اطار جهد اعلامي يعتبره جزءاً لا يتجزأ من مهمته الانسانية بل ويسميه بانه: 'واجب منزلي يجب أن نؤديه عندما نغادر غزة عائدين الى ديارنا في الشق الغني المرفه من العالم'. في ختام محاضرته في (يونفرسيتي كوليدج لندن) الاسبوع الماضي، توجهت اليه وقلت بلهجة فيها شيء من اللوم: لقد بكيت بشدة خلال محاضرتك كما لم أبك منذ زمنٍ طويل، رد قائلاً: لقد حذرتكم مسبقاً، أليس كذلك؟!. بعد أيام كان معه هذا الحوار: الجمهور العربي يعرف الكثير عن غزة ومأساتها ولكنه ينظر بعين الفضول الى أمثالك ممن يتركون حياتهم الهانئة في الغرب ويحجون الى غزة في رحلاتٍ لا تخلو من المتاعب والصعاب وقد تطالهم بالاذى الشخصي والتشهير أيضاً مثلما حدث معك. من أنت؟ أنا صديق للفلسطينيين والعرب وكل من يقاوم الظلم والوحشية في هذا العالم. ولقد أتيت من دولة صغيرة ولكنها غنية ورائعة اسمها النرويج وقد نالت استقلالها منذ زمن طويل، في العام 1905. لقد كنا محتلين من قبل الدنماركيين طيلة أربعة قرون ثم جرى احتلالنا من السويد مدة مئة سنة ثم من الالمان مدة خمس سنوات وقد كنا نقاوم من أجل الاستقلال طيلة هذه السنوات. ولقد قاومنا أيضاً محاولات الدفع بنا بقوة الى عضوية الاتحاد الاوروبي، لقد استلزم الامر اجراء استفتاءين عامين وفي كل مرة أكد الشعب النرويجي بقوة رغبته في الاحتفاظ باستقلاليته. وبالنظر الى هذه الحقائق أجدني متعاطفاً بقوة مع الشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلاليتها. أعتبر أن هذا هو الجزء الاهم في شخصيتي. أنا من عائلة عادية لي شقيق وشقيقة وقد تربيت على تقاليد المشاركة في المجتمع وأن أكون فاعلاً في محيطي وأن أتخذ موقفاً واضحاً. اعتادت أمي أن تقول لي اذا اتخذت موقفك لصالح المهمشين والمضطهدين فكن مطمئناً أنك لن تتورط في أخطاء مستقبلاً. وقد علمتنا أيضاً أنه يجب أن يكون لنا رأي وموقف رغم أنها لم تفرض يوماً علينا أن نتخذ موقفاً أو رأياً بعينه. أؤمن بأن ما علمتنا اياه أمي كان من الامور الضرورية والجيدة التي رضعناها في طفولتنا. لقد ضرب والديَ مثلاً حياً لنا في الفعالية والمشاركة أما أنا فقد بدأت نشاطي السياسي عندما كنت في السابعة عشرة من عمري. لقد كانت حركة التضامن الدولي الفرصة الأمثل لأن أمارس ما تعلمته وقد كانت بداياتي مع نشاطات الحركة في النرويج لدعم شعب فيتنام من أجل التحرر من نير الاستعمار. لقد تعلمت الكثير آنذاك عن الامبريالية والقوى العظمى والعواقب الوخيمة التي يتركها الاستعمار على شعوب الجنوب عندما ينهب مقدراتها ومصادرها وقد ترسخ في ذهني منذ ذلك الوقت أنه واجبنا نحن في الدول الثرية المتقدمة في الغرب أن نعمل على تحقيق العدالة ومعالجة آثار ما بعد الحقبة الكولونيالية من خلال تقاسم المصادر والمقدرات. بالنسبة لي أرى أنني يجب أن أقدم شيء مما أتوافر عليه من المعرفة ومهاراتي الخاصة ومهنتي وتجاربي في الحياة وهذا ما أحاول أن أفعله حالياً فأنا أحاول أن أوزع وقتي ومقدراتي بين عملي في النرويج ضمن جهاز الصحة المتقدم جداً في بلدي من جهة والمساعدة في تحسين الوضع الصحي في دول الجنوب خاصةً بالنسبة للشعب الفلسطيني المحتل من جهة أخرى. نستنتج من حديثك أن بداياتك في دعم الشعب الفلسطيني لم تكن في غزة، لقد بدأت قبل ذلك بسنوات. أعتبر أن زيارتي الى بيروت في العام 1981 كانت البداية بالنسبة لي. لقد لبيت نداء الدكتور فتحي عرفات الذي كان مسؤولاً عن القطاع الصحي في منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن أصدر نداء طبياً موجهاً للشخصيات الطبية الدولية للمشاركة في تقديم العون الطبي عندما كانت اسرائيل تشن عدواناً على حي الفاكهاني في بيروت من أجل القضاء على أبو عمار. أعتقد أنهم قدروا ذلك الوقت أن اسرائيل سوف تقوم بهجمة شنيعة على الشعب الفلسطيني في لبنان. ولقد تم توجيه دعوة لي من اللجنة الفلسطينية النرويجية التي تعد من أكبر حركات التضامن الدولية في أوروبا وقد سألت زميل جراح آخر وممرضة ممن أعرفهم اذا ما كانوا يوافقون على مرافقتي ضمن فريق الى بيروت فوافقوا وذهبنا وكانت هذه هي المرة الاولي التي أتعرف فيها على اللاجئين الفلسطينيين وبعض القيادات في منظمة التحرير الفلسطينية. لقد كنت سعيداً بالتعرف على أبو جهاد وأتذكر محادثة مؤثرة دارت بيني وبينه ذلك الوقت ولقد خرجت منها بانطباع جيد عن الفلسطينيين، انهم متعلمون، جادون ولهم معرفة جيدة بالتاريخ وقدرة عالية على التحليل والتنبؤ السياسي. لقد تعرفت على أبو جهاد خلال تقديمي للخدمات الطبية للضحايا في احد المستشفيات. أما ابو عمار فقد أرسل في طلبنا ذات ليلة وقد جاء عدد من المقاتلين واصطحبونا في ساعات منتصف الليل الى حيث كان يتواجد ولديه رغبة في التعرف على الدكتور النرويجي وفريقه ممن لبوا النداء الانساني. لقد كنت محظوظاً بمعرفته ومأخوذاً بكاريزميته وحضوره القوي وأذكر قوله: انني لست رئيساً هنا بل أنا مقاتل. كان هذا اللقاء الاول معه وقد تعرفت على شخصيات أخرى وتعلمت أكثر عن القضية الفلسطينية. لقد عدت الى النرويج لأواصل عملي هناك ولكني اضطررت للعودة الى بيروت مرة أخرى في العام 1982 عندما بدأ الحصار والهجوم الاسرائيلي للعاصمة اللبنانية. لقد كانت أياماً صعبة شهدت الكثير من التفجيرات الرهيبة وشكلت بالنسبة لي تجربة صادمة، جعلتني أشعر بنفسي محطماً من هول ما شهدته بأم عيني. عملت في مستشفى اللاهوت في حي الحمرا في بيروت الى جانب أطباء لبنانيين وسوريين وفلسطينيين ونرويجيين. كانت تجربة صادمة وفظيعة قطعوا الكهرباء والماء وفجروا المستشفيات وسيارات الاسعاف وقتلوا بوحشية لم أتخيلها أو أعايشها من قبل بل لم أعتقد أنني سأعيشها يوماً في حياتي. لم أرغب في مغادرة بيروت ولكن الخطة المتبعة كانت أن كل فريق يمضي أسبوعين الى ثلاثة أسابيع ثم يحل فريق آخر مكانه. لقد اقتنعت لاحقاً ان الخطة كانت حكيمة فالعمل على خط الاسعاف كان صعباً ومستنزفاً. منذ ذلك الحين لم أعد أنا الشخص ذاته. لقد تركت فيَ التجربة أثراً كبيراً، ولم يكن من السهل أن أنسى ما شهدته وعايشته وبدأت أفكر في الفلسطينيين كاخوة وأخوات أما القضية الفلسطينية فأصبحت فتحولت لتكون جزءا من حياتي. الا تشعر بالاحباط أحياناً لأن ما تحاول أن تفعله مع كثيرين غيرك لا يؤتي ثماره على النحو المأمول بسبب المقاومة الشرسة التي تبديها أجهزة الدعاية الاسرائيلية؟ يجب أن نكون صبورين. التاريخ يعلمنا أن هناك الكثير من الامبراطوريات التي دامت قروناً ولكنها انهارت في نهاية المطاف. يجب أن نكون صبورين ومتفائلين في الوقت نفسه لأننا اذا تخاذلنا فان هذا يعني في جوهره خيانة للشعب الفلسطيني. أنا أؤمن بأن السفر والحديث للناس وجهاً لوجه مع الناس من الممكن أن يؤثر بفعالية في تغيير الرأي العام وأنا على استعداد لأن أفعل ذلك كلما أتيح لي الوقت لذلك وفي كل مكان مفتوح لي. لا مانع عندي من التحدث لأي شخصية من أي مكان أو من أي خلفية ثقافة عن معاناة الشعب الفلسطيني ولا أستثني من ذلك الشعب والمسؤولين الاسرائيليين. ولذلك أتمنى لو أن كتابي الاخير الذي نشرته عن معاناة غزة يترجم للعبرية بحيث نكسر حلقة الصمت ونقرب صورة الواقع الاليم في غزة الى أذهان الشعب الاسرائيلي. هل من محاولات جدية تجري حالياً لترجمة الكتاب الى العبرية.. نعم، لقد فاتحني أحدهم في أعقاب احدى المحاضرات مؤخراً بأنه سيعكف على ايجاد ناشر اسرائيلي ومترجم كي تصل النسخة العبرية من الكتاب الى الاسرائيليين. بمناسبة الحديث عن الانفتاح على اسرائيل والحديث معها. لقد قرأت شيئاً غريباً عنك يزعم بأنك قمت بالعمل التطوعي في أحد الكيبوتسات الاسرائيلية ما مدى دقة ذلك؟ لا ليس صحيحاً، أنا لم أتطوع يوماً في أي كيبوتس اسرائيلي ولكن ما حدث هو أنني في 1967 كنت فاعلاً في حركة التضامن مع الفيتناميين وقد كنت شاباً ككل أبناء جيلي من الشباب الاوروربيين الذين تعلموا في المدارس ان اسرائيل كانت تجربة اشتراكية عظيمة بمزايا التفكير الجماعي والكيبوتسات وأنها نموذج يحتذى في تجاوز مأساة انسانية فظيعة هي 'الهولوكست' ولقد نشأنا في النرويج الى ايلاء احترام خاص للقادة الاسرائيليين أمثال مناحيم بيغن وغولدا مائير الذين نقلوا شعبهم من أزمة الهولوكست الى تجربة العمل الاشتراكي المتضامن وما الى ذلك. وكان التعاون بين حزب العمال النرويجي ونظيره الاسرائيلي وكذلك النقابات في كلا البلدين تعكس هذه الحالة من الاحترام والتبجيل التي تعلمناها في مدارسنا. تلك المدارس التي كانت تعلمنا أيضاً ان اسرائيل دولة ضعيفة تصارع من أجل البقاء وسط وحوش الدول العربية التي تريد القضاء عليها. عندما حلت حرب العام 67 أصدرت السفارة الاسرائيلية في أوسلو نداء للشباب النرويجي من أجل التطوع في الكيبوتسات وتغطية العجز الذي خلفه خروج المزارعين الاسرائيليين للتصدي للعرب من أجل حماية دولتهم الناشئة كما زعموا. وكنت ما أزال تحت تأثير الدعاية الاسرائيلية كغيري من الشباب النرويجيين لذلك لم أتردد في تلبية النداء وقد خضعت للفحوص الطبية وتأكدت لياقتي البدنية والصحية من أجل التطوع. وفي اليوم الذي أنهيت فيه الاجراءات اللازمة في أوسلو تلقيت مكالمة من صديقة لشقيقتي أسميها ملكة العمل التضامني الدولي في النرويج واسمها 'اببا وارغولاند'، وقد طلبت مني أن أزورها لمناقشة الامر الذي اعتزمته ودارت محادثة بيننا في هذا الامر استمرت لنحو ست الى سبع ساعات مستمرة وقفت في ختامها على حقيقة الامر وعرفت الكثير عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين والاحتلال والكثير من الخبايا التي لم أكن أعرف شيئا عنها من قبل فقد كان مغرراً بي مثل الكثيرين. ونتيجة لذلك الحوار الطويل توجه طالب كلية الطب الذي كنته الى السفارة الاسرائيلية وطلب ازالة اسمه من لائحة المتطوعين. انها قصة مكررة، الكثير من النرويجيين كانت بداياتهم مع دعم اسرائيل وقد ذهب معظمهم الى اسرائيل في الخمسينات واهمين بها ولكن 99' منهم عادوا منها داعمين للحق الفلسطيني ولذلك أعود وأقول ان السفر الى المناطق المحتلة له عظيم الأثر في تغيير المواقف لصالح القضية الفلسطينية. لقد قرأت بعد تجربة الكيبوتس هذه عن فلسطين وعرفت أن جدتي كانت مضللة عندما قيل لها أن اسرائيل قامت في الصحراء الخالية وليست على أنقاض الآلاف من الفلسطينيين، وقد تغيرت مواقفي الى الابد منذ ذاك الوقت. ولكن ما تزال هناك أعداد غير قليلة من الاوروربيين تدعم اسرائيل ونرى انعكاسات ذلك في السياسات الخارجية للحكومات الاوروبية تجاه القضية الفلسطينية؟ ان أعدادهم تتناقص يوماً بعد الآخر. في النرويج هناك تغيير دراماتيكي ضد اسرائيل وخلال شهر يناير الماضي كان هناك أكبر تظاهرة في التاريخ ضد الاحتلال والحصار. يقال ان مليون نرويجي على الاقل شاركوا في نشاط دعماً للفلسطينيين وهذا يشكل 25' من سكان النرويج. الوضع لا يشبه ما كان عليه في العام 67، نحن نشكل الاغلبية الان. الارسالية النرويجية الطبية الى غزة خلال العدوان الاسرائيلي الاخير كانت مدعومة من الحكومة النرويجية مثلاً. ولذلك فانني أستغرب أن يتهمني الاسرائيليون وأنصارهم بأنني ارهابي وكاذب فالامر أشبه ما يكون باتهام الحكومة النرويجية نفسها بأنها ارهابية وكاذبة. لقد نالك الكثير بالفعل من الدعاية الاسرائيلية المضللة ومحاولتها الحثيثة لتفنيد كل ما تدلي به من شهادات. هل أثر ذلك على عملكم؟ لا أبداً. أنا وزميلي الدكتور ايريك فووس الذي رافقني في رحلتي الى غزة توقعنا ذلك من اسرائيل. لقد توقعنا الكثير من الاشاعات والاتهامات والتضليل ومحاولة التشكيك بمصداقيتنا وهذا مرة أخرى يؤكد أهمية الدور الذي يقوم به شهود العيان. اتهامنا بالكذب أقصر الطرق للتشويش علينا ولكنه حجة الضعيف، فاسرائيل لم تقدم دليلاً واحداً يبرهن على كذب ما قدمناه من أدلة وشهادات. أما اتهامنا بأننا ارهابيون لأننا تعاملنا مع حماس وقادتها فأرد عليه بالقول انني واضح كل الوضوح في موقفي فأنا لا أؤيد حماس أو فتح ولكني أدعم حق الشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه تماماً مثلما أدعم حقه في التصدي لمن يحتل أرضه. ومن بين كل اللغط الذي أثارته اسرائيل للتشويش على عملنا الانساني في غزة أستطيع القول انها دولة ارهاب ودولة فاشلة بقادة فاشلون ومكانهم الصحيح يجب أن يكون محكمة العدل الدولية لمواجهة الجزاء الذي يستحقون عن الجرائم التي ارتكبوها. البعض يعترض على الصور التي تقوم بعرضها للضحايا الفلسطينيين ويعتبر أن عرض هذه الصور يجب أن يبقى محصوراً في أضيق الحدود؟ 80' من الصور التي نملكها والتي حصلنا عليها من مستشفى الشفاء بغزة خلال فترة العدوان على غزة لا نستطيع عرضها لسببين مراعاةً لكرامة الضحايا والتزاماً بمبدأ الخصوصية والثقة الذي نعمل به ونطبقه في غزة كما في النرويج. نعرف تأثير هذه الصور على المتلقى ولكن معظم الاهالي في غزة قالوا لي انت لست مخولاً فقط باستخدام هذه الصور بل انه واجب نحملك اياه من أجل ايصال صوتنا الى العالم الخارجي، وهو ما أحاول بالضبط أن أفعله. الاعلام الغربي لم يعرض ما يكفي من صور الضحايا التي تعكس حجم المأساة في غزة بسبب الرقابة الداخلية والرغبة في تجنب غضب اسرائيل أما السبب الثاني فيعود الى حقيقة ان الصحافيين الاجانب كانوا ممنوعين من العمل في غزة خلال العدوان. أما بالنسبة للاعلام الامريكي فنلاحظ انه يحرص على عرض صور الضحايا البيض بلا تحفظ ولكنه يتعامل بمعايير أخرى عندما يتعلق الامر بالفلسطينيين انها هناك ازدواجية في المعايير اذن، وهو ما نحاول تلافيه وأن نوصل الحقيقة كلها الى من لا يعروفونها. أنت صاحب القول: 'القليل من الادوية تخلو من السياسة' ماذا تعني بذلك؟ أقصد بذلك أن الصحة والسياسة مرتبطان ببعضهما البعض. وحظ الناس عموماً من الصحة تحدده عوامل عدة منها الجودة في الطعام والماء والعمل والتعليم والامن والسكن وحقوق الانسان، وجميعها عوامل يحددها توزيع الثروات والقوة السياسية أي السياسة. وفي غزة تتجلى هذه العلاقة على أوضح ما يكون، مستشفى الشفاء مثلاً أكبر المستشفيات التي توفر الخدمات الصحية لم يكن من الممكن أن يعمل على نحو جيد وعادي لأن الكهرباء غير متوفرة بقدرٍ كافٍ والسبب وراء ذلك انعدام الوقود الذي تمنع اسرائيل وصوله بكميات كافية تطبيقاً لأحكام الحصار الذي تفرضه وهكذا دواليك. لا يمكن فصل الصحة عن السياسة في غزة، ولا يمكن لطبيب أن ينحصر دوره في اعطاء حقنة لمريض أو وصف الدواء له وهو يعلم أن العوامل السياسية لا تتيح له أن يؤمن الخدمة الطبية لمرضاه على النحو الواجب ، من هنا يكون الموقف السياسي للطبيب الذي يتعدى مجرد وصف الدواء أو اعطاء الحقنة، فالطبيب يجب أن يدافع عن حق مرضاه في صحة جيدة وهذا يعني بالضرورة أن يتخذ موقفاً سياسياً. ألهذا السبب كان موقفك من 'أطباء بلا حدود' وخلافاتك معها في الرأي حول دور الاطباء؟ الحيادية ممكنة في انقاذ حياة المرضى وتقديم الخدمات الطبية لكل المرضى بلا استثناء ودونما تمييز لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية أو غيرها من الاسباب. أنا حيادي في هذا الشأن، ولكني لا أستطيع أن أكون حيادياً اذا ما تعلق الامر بالاحتلال ولذلك فقد اخترت الذهاب الى غزة وليس الى أشكلون لأنني أريد أن أكون بجانب من احتلت أراضيهم. ان نظرة واحدة على الضحايا الفلسطينيين الذين جاءوا يطلبون الخدمة في مستشفى الشفاء تظهر الفرق الشاسع بين المحتل والضحية. لقد اخترت أن أكون في صف المضطهدين والضعفاء ولذا أذهب لأقدم المساعدة في غزة وليس اسرائيل. 'القدس العربي' من هيام حسان