لندن: في الوقت الذي تحاول الجالية المسلمة في بريطانيا تثبيت معالم خصوصيتها ضمن مجتمع متعدد الثقافات كالمجتمع البريطاني، تسعى جهات أخرى الى تقويض تلك المساعي التي تتذرع بالخصوصية الدينية أو غيرها من الدوافع، وتطرح المظلة المدنية العلمانية الموحدة كبديل يلتزم به الجميع دونما استثناء.وجسدت مسيرة حاشدة خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضي صورة الصراع بين الفريقين، حيث خرج المئات من سكان مدينة لندن للمطالبة بوضع حد لانتشار ما يسمى ب'قانون الشريعة' الذي لوحظ خلال السنوات الاخيرة أن الجالية المسلمة في بريطانيا تنزع الى الاحتكام اليه عوضاً عن القانون المدني أكثر من أي وقت مضى وذلك بحجة الخصوصية التي ينفرد بها المسلمون عن الآخرين والمفروضة عليهم بحكم الدين. وخاطب الجماهير الحاشدة أكثر من 20 شخصية تمثل وجهة النظر الرافضة لفكرة الاحتكام لقوانين مستمدة من الاديان عموماً بما فيها المحاكم الاسلامية التي تعتمد الشريعة سنداً لها. وبين هؤلاء مسلمون من مذاهب وبلدان عدة أجمعوا على أن الشريعة لا يجب أن تكون حكماً فيما بين المسلمين في بلدانهم وليس في تجمعاتهم في بريطانيا أو غيرها من الدول الغربية فحسب. وتتمحور دوافع هؤلاء لرفض القوانين المستمدة من الشريعة حول مبادئ العلمانية والايمان بحقوق وواجبات متساوية للمواطنين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم ولكن قسما غير قليل منهم يؤمن بأن أحكام الشريعة الاسلامية على وجه الخصوص لا تكفل حقوقاً متساوية بين الافراد بل انها تعمد الى التمييز الواضح ضد النساء. وفي هذا الصدد ضرب الناشط الحقوقي من أصل صومالي اسماعيل اناشي مثلاً على تمييز المحاكم الشرعية ضد النساء بما حدث مع احدى قريباته التي لجأت الى واحدة من هذه المحاكم في بريطانيا لطلب الطلاق من زوجها بعد سنوات من زواج غير ناجح كانت فيه ضحية لأشكال عدة من العنف. وقال اناشي للجمهور الذي احتشد في حديقة الهايد بارك وسط العاصمة ان قريبته هذه ما تزال تعيش في جحيم من العنف اليومي المتواصل لأن المحكمة خيرتها بين أن تحوز الطلاق وتفقد حق الحضانة لأطفالها أو أن تستمر برعايتهم وتظل زوجة لزوجها الذي يرفض تطليقها. وعقب اناشي بعد أن روى القصة بأن المحكمة الشرعية لم تتح المجال لاختيار حقيقي وان مصير قريبته فرض عليها بطريق غير مباشر من خلال هذه المحكمة وبطريقة لا تمت بصلة للعدالة. وأيدت الناشطة النسوية مريم نمازي ما ذهب اليه اناشي وزادت بأمثلة أخرى تشهدها أروقة محاكم الشريعة في بريطانيا كل يوم حاصةً فيما يتعلق بالزواج الاجباري والطلاق وحضانة الاطفال. وأضافت في خطابها أمام الحشد ان المؤيدين لتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية يضللون العامة بترويجهم لمزاعم أنها مطلب لكل المسلمين بينما هي في الحقيقة ليست الا امتدادا لحركة اسلامية سياسية لا تمثل سوى وجهات نظر بعض الشخصيات الاسلامية غير المنتخبة. من ناحيته تحدث الناشط الحقوقي العراقي عصام شكري عن أمثلة فظيعة وقعت في العراق على خلفية فرض أحكام الشريعة بالقوة على أيدي الميليشيات التابعة لمقتدى الصدر حيث قتلت العديد من النساء اللواتي رفضن ارتداء الزي الشرعي الكامل. وأحيا العالم أمس اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة وانبرت العديد من الجهات الناشطة في حقلي العمل النسوي والحقوقي الى ابراز الحقائق حول ظاهرة العنف ضد النساء في مختلف أرجاء العالم حتى قبل حلول المناسبة بأسابيع. وبدا واضحاً خلال حشد نهاية الاسبوع أن كلمات بعض من خاطبوا المتظاهرين أو حتى آرائهم غير معزولة عن الهالة التي فرضتها مناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة. ومن جهته قال الكاتب والفيلسوف البريطاني آي سي غرايلينغ ان حملة 'قانون واحد للجميع'، التي أشرفت على تنظيم المسيرة، جاءت لتقدم العون والدعم اللازمين من أجل حماية النساء اللواتي يتوارين مكرهات خلف حجاب الشريعة ويعانين الاهانة والعنف وانعدام العدالة. وتعد المسيرة التي وصفت بالناجحة من قبل منظميها واحدة من سلسلة فعاليات تعتزم حملة 'قانون واحد للجميع' تنفيذها في المستقبل القريب من أجل تحقيق أهدافها بالقضاء على محاكم الشريعة في بريطانيا. وحتى اللحظة، يظهر القائمون على الحملة سعادتهم مما تحققه من نجاحات ترددت أصداؤها في عدة بلدان من العالم بلغ عددها حسب القائمين على الحملة نحو 23 دولة بينها دول عربية وشرق أوسطية. وكشفت الحملة عن أن المسيرة التي شهدتها لندن في نهاية الاسبوع كان يقابلها العديد من الانشطة والفعاليات التي تم تنفيذها في بلدان أخرى للغرض نفسه مثل توزيع مئات النسخ من منشورات تحرض على رفض الاحتكام للشريعة الاسلامية في العراق. القدس العربي