ليس هناك وضع سئ يمكن أن يشبه به الوضع الفلسطيني ، ولا سيما في قطاع غزة ، في الذكرى السنوية ليوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ( 28 نوفمبر من كل عام ) ، حيث أنه الأسوأ على الإطلاق . بينما يمكن أن نطلق على ما يجري داخل الخط الأخضر ، ما ينبغي وصفه بأنه أشبه ما يكون بوضع المورسكيين في الأندلس ، ويمكن بدون أي تردد وصف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بأنهم "الموركسيون الجدد ". وقد يجد جميع سكان فلسطين بما في ذلك الضفة الغربيةوغزة أنفسهم في نفس هذا الوضع ، بعد أن كشفت أمريكا والاتحاد الأوروبي الأقنعة عن وجهيهما الحقيقي من خلال رفض إعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد ، في تماهي واضح مع رفض الكيان الصهيوني ، ومحبطين في الوقت ذاته مساعي اللجوء إلى مجلس الأمن للحصول على حق اعلان الدولة الفلسطينية على حدود 1967 م . وفي الوقت الذي حققت فيه جميع حركات التحرر من أقاصي آسيا وحتى أدغال افريقيا ، ومن أميركا اللاتينية وحتى أوربا الشرقية ، أماني الاستقلال . تظل قضايا مثل كشمير، والشيشان ، وتركستان ، وفلسطين بدون حل . بل إن الاتحاد الأوروبي لم تكفه على ما يبدو 60 سنة من الاحتلال والاضطهاد والمعاناة التي لا يزال يتجرعها الشعب الفلسطيني ليرد على مطلب الاستقلال بالقول إنه " من السابق لأوانه طلب الاعتراف بدولة فلسطينية من جانب واحد " . كما عبرعن ذلك وزير خارجية السويد ، كارل بيلد ، الذي تترأس بلاده الاتحاد الاوروبي . وكان الموقف الأميركي كعادته منحازا للكيان الصهيوني ، عندما ربط الاعتراف بدولة فلسطينية بموافقة الكيان " أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي المفاوضات بين الطرفين " رغم رفض الكيان الصهيوني وقف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة سنة 1967م ، ورفض تقسيم القدس والاستمرار في تقويض المسجد الأقصى من خلال الحفريات . بل أن وفدا من الكنغرس زار فلسطينالمحتلة في منتصف نوفمبر ، أكد على أن واشنطن ستستخدم حق النقض ، الفيتو ، في مجلس الأمن ضد أي اعلان فلسطيني للدولة في مجلس الأمن . ووصف السيناتور " الديمقراطي " تيد كوفمان ، المبادرة الفلسطينية بأنها " مضيعة للوقت " وأن اعلان الدولة الفلسطينية " سيكتب له الموت لحظة وصوله " أما السيناتور اليهودي جوزيف ليبرمان فقد أكد على أن أي اعلان " منفرد هو الشئ الوحيد الذين لن يحرك عملية السلام .. آمل وأفترض أن الولاياتالمتحدة ستستخدم حق النقض ضد مثل هذا الاجراء إذا حول إلى مجلس الأمن " ولم تتأخر فرنسا أحد أكبر المنافقين الدوليين في الانضمام لهذا الحلف ، الرافض حتى لما يزعمون أنهم يقبلون به وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 م . وبدا ذلك في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنارد فاليرو الذي ذكر بأن بلاده تعكف على اجراء ما وصفها بالمناقشات العميقة مع شركائها في الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة بهذا الشأن ، محذرا السلطة الفلسطينية ( المقبولة لديهم ) من أي اجراء آحادي ناصحا إياها بما وصفه " توخي الحذر " .. ودعك من التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير التي ذكر فيها أن الكيان الصهيوني " لم يهتم بالسلام " وأن " الرغبة اختفت تماما والناس لم تعد تؤمن بها " .. كل هذا التداعي على الحق الفلسطيني من قبل الغرب ، هو صدى لما قاله رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ، من أن " أي اعلان لقيام الدولة الفلسطينية من جانب واحد سيعد خرقا للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين " وهدد باتخاذ اجراءات مضادة قد تشمل ضم المزيد من أراضي الضفة الغربيةالمحتلة . لقد مر على احتلال فلسطين 61 سنة ، ويبدو أنها غير كافية للغرب ليعترف بحق فلسطين في تقرير المصير ، بينما قضايا أخرى كتيمور الشرقية مثلا لم تأخذ سوى سنتين فقط ؟!!! لقد كان الرفض الصهيوني المدعوم أوروبيا وأمريكيا صفعة لمعسكر ، الاعتدال العربي ، وصفعة لمحمود عباس الذي فقد جميع فرص المناورة ، بعد أن وصلت المفاوضات العبثية إلى طريق مسدود مع الاحتلال الصهيوني باعترافه . وأنه لم يترك أمامه خيارا سوى التقدم لمجلس الأمن بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة . وقد سمع محمود عباس الرد الغربي فما هو فاعل ؟! وما قيمة دعم معسكر الاعتدال للمبادرة الفلسطينية الداعية لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية ، بعد رفض واشنطن وبروكسل للمبادرة مما يؤكد على وجود مؤامرة على القضية الفلسطينية بتصفيتها من خلال الانقسام ، وتقسيم الفلسطينيين بين راديكاليين ( حماس ) ومعتدلين ( عباس ) للعب على وتر الخلافات ، وتضييع الوقت في مفاوضات عبثية لا طائل من ورائها . إن الموقف الغربي ، والصمت العربي على إفشال المبادرة الفلسطينية ، يؤكد صحة توجهات حماس والجهاد الاسلامي ، وفصائل المقاومة الأخرى ، وهو ما عبر عنه خالد مشعل " الفكرة التي اقترحتها السلطة الفلسطينية غير مجدية طالما أنها مستمرة في العمل ضد المقاومة والتعاون مع العدو عندما يتعلق الأمر بالأمن " . ولا بد من التأكيد أيضا على إن أي انتقادات غربية للكيان الصهيوني لن تغير الوضع على الأرض طالما لم يتخذ موقف دولي حازم مدفوع بواقع المقاومة على الأرض ، وبتضحيات الشعب الفلسطيني . إذ أن المفاوضات لم تحقق أي شئ للشعب الفلسطيني ، وسط استمرار الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات ، ومنها 900 وحدة استيطانية جديدة شرقي القدس . ولم تتخذ واشنطن أي اجراء ضد الكيان الصهيوني ، فضلا عن تحرك الأممالمتحدة ، ومجلس الأمن في هذا الاتجاه . فعندما ظهر الجد ، كشر الغرب عن أنيابه لمحمود عباس ، ولمعسكر ( السلام العربي ) . وإذا كان الغرب يرفض المقاومة ، وفي نفس الوقت يرفض إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 م ، فما الحل الذي يراه مناسبا للقضية الفلسطينية ؟ إن المواقف الأخيرة للدول الغربية تؤكد على أنها متواطئة مع الكيان الصهيوني ، وأنها تريد تصفية القضية دون أن يحقق الفلسطينيون أي من أهدافهم بما في ذلك دولة على حدود 67 عاصمتها القدسالشرقية . بل إن الدولة التي يرونها في حالة وجود نية لاقامة دولة فلسطينية ، هي دولة الجزر المعزولة والمنزوعة السلاح ، وربما بدون القدس فضلا عن ( إلغاء ) عودة المهجرين . وحتى هذه الدولة وكما يبدو أيضا مجرد رسم على الماء ، ونفخ في الهواء لإلهاء عباس ومعسكر السلام العربي . هذا إن لم يكن جميع هؤلاء شركاء في المؤامرة الكبرى . وإلا بماذا نفسر هذا الدوران في حلقة مفرغة ، وطحن الماء ، وحتى الهواء ، منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى اليوم . إن رفض الغرب الاعلان عن دولة فلسطينية عبر مجلس الأمن التابع للامم المتحدة ، على طريقة اعلان دولة الكيان الصهيوني في نهاية أربعينات القرن الماضي يؤكد على وجود نية مبيتة لتصفية القضية واستمرار ما يسمى بالمفاوضات الملهاة إلى ما لا نهاية . وأن يتعايش المسلمون عربا وغيرهم مع ذلك ، شاؤوا أم أبوا . في حين يواصل الكيان الصهيوني بناء المستوطنات بعد موافقة حكومة نتنياهو على ذلك كما لو أنها أرض بدون شعب ، وهناك نية لاقامة 4 آلاف وحدة أخرى في القدسالشرقية . وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هذه الحقيقة إذ كشفت عن تغيير في الموقف الاميركي الذي عبر عنه الرئيس باراك أوباما في بداية ولايته وهو وقف الاستيطان " الاستيطان يجب أن لا يعوق استئناف المفاوضات " . أي يجب استمرار المفاوضات العبثية ، بينما يقوم الكيان الصهيوني بتغييرالحقائق على الأرض ، ويفرض الأمر الواقع الذي لا يمكن تغييره بعد فترة طويلة ، حيث يمنع الفلسطينيون من دخول الأراضي المحتلة سنة 1948 م بل يمنع الفلسطينيون الذين يحملون جنسيات أجنبية من دخول أراضيهم المحتلة . وينشئ الكيان الصهيوني مدينة أخرى تحت القدس لتنسجم مع المعتقدات اليهودية ، مع الاستمرار في تغيير ملامح المدينة معماريا وديمغرافيا ، وهو ما أشار إليه مديرة دائرة الخرائط في " جمعية الدراسات العربية " في القدس خليل تفكجي فالكيان الصهيوني " خلق واقعا سياسيا وديمغرافيا جديدا في مدينة القدس على حساب الجغرافيا الفلسطينية من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وهدم البيوت ورفض منح تراخيص البناء للسكان العرب " وأن " هذا الواقع أدى إلى حدوث انتهاكات بحق الأرض والشعب الفلسطيني ، وإلى احداث خلل ديمغرافي " ولا شك من يعمل على هكذا تغييرات هيكلية ليست له النية البتة في ما يوصف بالسلام . لا سيما وأن التغيرات التي أحدثها الكيان الصهيوني قلصت الوجود الديمغرافي الفلسطيني فلم يبق من الفلسطينيين في البلدة القديمة أكثر من 12 في المائة من المجموع العام للسكان . ومنذ 1967 وحتى هذا العام 2009 م سحب الكيان الصهيوني ما يزيد عن 10 آلاف هوية من عائلات فلسطينية ، إلى جانب هدم 876 منزلا منذ 1994 م وحتى منتصف هذا العام 2009 م وطرد سكانها خارج حدود المدينة حيث أصبحوا بدون مأوى . فعن أي مفاوضات وعن أي سلام يتحدثون ؟! إنها المفاوضات الملهاة والسلام الملهاة منذ ما يزيد عن 60 سنة . ولا شك فإن الأهداف الصهيونية النهائية ترمي للسيطرة على القدس والمسجد الأقصى وهدمه وإقامة هيكل سليمان بزعمهم ، وما الاقتحامات المتكررة سوى تمهيد لذلك . مما يستدعي التداعي لنجدة المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ، بكل ما يمكن تقديمه وعلى كافة المستويات ، فمعركة الأمة بأسرها قد اقترب أوانها واستعر أوارها . فالمعركة في عنوانها الكبير صراع وجود وليس صراع حدود ، وهي معركة مفروضة علينا بمواصفاتها تلك ولم نخترها ، فالعدو للأسف هو من يبادر في هذا الاتجاه . وهناك كما رأينا تحالف بين أمريكا وأوربا مع الكيان الصهيوني وتواطئ واضح ، وتعتبر أضحوكة المفاوضات وسراب السلام جزء لا يتجزأ منه . وضحايا الحصار في غزة تجاوزوا 355 ضحية إضافة لأكثر من 1400 شهيد و6 آلاف جريح في العدوان الماضي .ولا تزال التقارير تتحدث عن استعدادات صهيونية لحرب جديدة في غزة . لذلك نحمل الحكومات الاسلامية عربية وغيرها مسؤولية ما يجري في فلسطين . فالأمة والتاريخ والأجيال لن ترحمهم .وندعو البرلمانات في البلاد الاسلامية للتحرك على المستوى العالمي للتعريف بمظلمة العصر وكذلك الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام بمختلف اللغات . ولعل مسيرة عالمية نصرة لغزة تنطلق في بداية العام الميلادي الجديد ، تكون بداية لتسلم الأمة قضية فلسطين من المتواطئين ، والسذج والعاطلين ، ومن يشعرون بأن لا حول ولا قوة لهم . فلا بد من الاستعداد في جميع أرجاء العالم لاحياء محرقة غزة بداية من 27 ديسمبر القادم وحتى يوم 3 يناير 2010 م . وجميع المسيرات تنطلق نحو السفارات الغربية لايقاظ الراي العام العالمي . ولا عذر لمن يراقب ولا يشارك ولا يساهم ولو بالقليل ، في أكبر تحدي نضالي منذ 1948 م يهدف لرفع الحصار الذي وصفه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية بحق في رسالته ، لبان كي مون ، بأنه " جرائم ضد الانسانية " وتشارك الميآت من المنظمات الاسلامية والعالمية في هذه التظاهرة الكبرى .