الرسوم الدنماركية وأزمة المرجعية عبدالعزيز محمد الخاطر ثمه فرق بين توافق الدين مع السياسة وبين أن يكون الدين حلاً سياسياً، توافق الدين مع السياسة له بعد ثقافي ومجال أرحب ويتطلب عقلاً منفتحاً يعي الأبعاد السياسية والواقع المعاش بمعنى أنه يتطلب ثقافة ولا يتطلب حدية العقيدة كما يفهمها البعض. أما أن يكون الدين حلاً لمشاكل العالم السياسيه المتجددة فذلك مستحيل لأنه في ذلك الحال لم تعد هناك سياسة أصلاً في هذا التصور، والسياسة في الحقيقة تقوم على الواقع ومعايشته في حين أن الدين في معظمه مطلق لدى فهم الأكثرية الإسلامية بالذات على الاقل، وتزيد من حدته في هذا الاتجاه ما يشهده العالم اليوم من آثار خطيرة للعولمة جعلت الإنسان يفقد ذاته ويرتد إلى مرجعياته الأولى في مواجهة طغيان المادة والشركات العالمية التي قد لا تمثل حالة ذات أبعاد إنسانية واضحة أمام هاجس وحمى الربح. لذلك فالأمر يتطلب منا كمسلمين التنبه إلى هذه المحاور بشكل أكبر، فخلاصة ما يريده العدو هو أن يجعلنا نتمركز حول فهم معين لديننا يتمثل في اتجاه المطلق الذي لا يحتمل العصر المعاش إلا على صورة واحدة ماضوية سابقة ويجعل من همنا الأول والأخير ليس النظر إلى الأمام بقدر العودة إلى الوراء. حرب لبنان الأخيرة هذه كشفت أن للأمة قدرة على المقاومة والصمود مجتمعة وتحت شعار يحتضن الجميع . من الاجدر للأمة أن تحارب تحت شعارات إنسانية لا دينية ضيقة حتى لا تنكمش التفسيرات العقائدية لدى النفوس إلى أقصى درجة لتبدو وكأنها حالة خلاصية فردية. فعبثية الحروب الدينية تتناقض وتكريم الخالق لانسان هذه الاديان بكونه انسانا يملك قراره ونظرته للكون ويأتي أمره عن بصيرة واقتناع، ولكن من يغتصب الأرض يجب أن يقاوم، ومن يعتد على الحقوق ولا يعمل معياراً للقيم الإنسانية يجب أن يوقف، ومن يقتل الأطفال والشيوخ والنساء يجب أن يقاوم ويحارب كونه اخل بميزان هذا التكريم الالهي واتى على حدود الخالق. حرمة الدم والعرض والمكان وحرية المعتقد جميعها مسلمات إنسانية تتوافق معها جميع الديانات بلا استثناء. يجب التنبه إلى أهمية خروجنا إلى العصر بثقافة تتعامل معه بثقة بل وتتجاوزه لا إلى سحب العصر إلى ما نعتقد أنه خاص بنا دون غيرنا وهو ما تقوم به إسرائيل وستفشل في ذلك حتماً لاحقاً اليوم المسلمون بالذات أمام اختبار كبير يتمثل في تريب أو تشكك البعض في صلاحية دينهم للعصر وهم يشاركون مع الأسف في ترسيخ ذلك في فتحهم لجبهات داخلية تشققية تاريخية كان من المفروض تجاوزها. فالمسؤولية كبيرة أمام الله لأن الشعار الإلهي واضح وضوح الشمس «ان هذه أمتكم أمة واحدة» ومدلولاته كذلك، لقد ابتلي الإسلام بنا كمسلمين نريده كسباً في دنيا فانية. إن التيقن بأن الدين الإسلامي كثقافة يحتمل السياسة بأبعادها ولذلك جاء النص القرآني حمال أوجه وذا طبقات للفهم واحدة فوق الأخرى فالحلول اليوم دائماً سياسية ويحتملها الإسلام لأنه دين الإنسانية. تبقى مسألة القوة والضعف فالمسلمون اليوم ضعفاء وقد اضعفوا الإسلام كذلك فهذه المعضلة حياتية تتطلب ثقافة دنيوية ذات أبعاد دينية وليس العكس بمعنى أن تكون هناك ثقافة إسلامية واحدة تحتضن الجميع تقوم على حب العمل والانجاز والريادة في الدنيا والآخرة، لا أن تتطاحن المفاهيم والمذاهب داخل الدين الواحد من أجل أهداف ومكاسب دنيوية. ثمة أمل للمسلمين داخلياً إذا ما سادت ثقافة التسامح الإسلامية بينهم واعتقدوا أن تنوع المذاهب نوع من الثراء للهدف المشترك الإنساني بالضرورة نحن كمسلمين مجبرون على أن نصل إلى نقطة التقاء تنبذ العنف فيما بيننا لنواجه بالتالي إرهاصات العصر الجديدة المتنوعة فالإدارة الأميركية اليوم تعيد إلى العالم الطور الديني التاريخي لما قبل الحداثة فإذا كانت الحداثة في أحدى تجلياتها زياحة سلطة الدين كمرتكز وسيادة العقل وما بعد الحداثة تزيح العقل وتسيد العدم فإن ما تقوم به الإدارة الأميركية اليوم هو نفي النفي بالتعبير الماركسي وإعادة العالم إلى نقطة البداية من جديد ولكن من محاسن العملية الديمقراطية الغربية أو النموذج الغربي منها فقط أنها لا تؤبد الأشخاص او الإدارات أكثر مما يحب وهنا يكمن الأمل ولكن بعد صياغة العالم الإسلامي لبنيته الداخلية بشكل يجعل منه قادرا على مواجهة تقلبات العصر وإرهاصاته. اشرت في مقال سابق حول ازمة الرسوم الدنماركيه المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لايمكن مواجهتها إلا بنفس المرجعية ذاتها التي انطلقت منها وهي المرجعية المدنية الدنيوية الزمنية التي يؤمن بها الغرب اذا اردنا ان نخلق وعيا حقيقيا لديهم بقضايانا وثقافتنا والإشكال ان معظم ان لم يكن جميع دولنا العربية تفتقر لمثل هذه المرجعية التي تنصب القضاء المدني حارسا وامينا على التاريخ والثقافة. فالحروب اليوم والمجابهات تقودها المجتمعات المدنية والسلطات القضائية المستقلة الحامية لمكتسباتها عبر التاريخ، اما مجابهة مثل هذه القضايا بمرجعيات اخرى لا تعتمدها تلك المجتمعات كالدين و ردود الائمة والمشايخ فإن الثأثير بذلك سيكون داخل هذه المجتمعات فقط ولن يصل ولن يؤثر في الخصم موقع الضرر وهذا ما لمسناه منذ فتاوى اهدار الدم الشهيرة لمن اساء لديننا ورسولنا العظيم. ففي حين يؤجج الشارع الاسلامي ويثور يزداد هؤلاء المسيئون تألقا ويقفزون مجددا إلى بؤرة الذاكرة.انها اشكالية ثقافية خلطت اوراق هذه الامة بين الزمان والمكان والماضي والحاضر والتخصص والتاريخ فلم يبق سوى الشارع المسكين الذي يثور حينما يستثار ليعود ادراجه بعد ذلك يشكو ضياع حقوق الامة فرفقا بالعباد يا شيوخنا الافاضل فالقضية اكبر من مجرد دفع الدماء في العروق ليستشيط الجسم ويبدو في الانفعال انها اشكالية امة نشزت عن سنن الله في الكون فتقدمت إلى الخلف وهي تظن كل الظن انها تملك زمام وبرهان امرها. عبدالعزيز محمد الخاطر عن صحيفة الوطن القطرية