القدس مدينة الحضارة والتاريخ والتراث القديم الرافضة لكل أشكال التزوير والتزييف والنهب والاستيلاء التي تتعرض لها منذ أن وقعت في أيدي الاحتلال الإسرائيلي بعد انكسار الجيوش العربية وانهزامها أمام المجموعات الصهيونية آنذاك والتي استطاعت أن تدخل المدينة المقدسة وتسيطر عليها مثلما سيطرت على مساحة الأرض المتبقية من فلسطين لتصبح بذلك فلسطين كل فلسطين تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي الذي اتخذ من المدينة المقدسة عاصمة له ولكيانه الغير شرعي لما تتمتع به المدينة من مكانة دينية وسياسية وتاريخية ، ولتصبح قبلة الحق وقدس السماء عاصمة للكيان اللقيط المسمى(إسرائيل) ولتبدأ محاولات التزوير والتنقيب والحفر والهدم والتزييف التي سعت إسرائيل منذ اليوم الأول وعملت عليها من اجل تغيير الطابع الجغرافي والديني والإنساني في المدينة المقدسة ليصبح الحال كأن التاريخ يبدأ على أعتاب حقبة الاحتلال الإسرائيلي ، فهم يريدون لكل شيء سواهم في القدس أن يندثر و يتلاشى ويجاهرون بعدائهم وكراهيتهم المتعصبة ، يتنكرون لكل ما في فيها في شكلهم وقبعاتهم ، ويعملون من اجل ترسيخ واقع هزلي في المدينة المقدسة وتغييب طابعها العربي (الإسلامي والمسيحي ) على حد سواء بشتى السبل والأساليب . القدس التي تتعرض الآن لهجوم من نوع مختلف ، اشد قسوة وهمجيةً وأكثر دراماتيكية ونحن نشهد الأحداث وتسارعها وتتابعها ومراحل اشتدادها وتعاظمها بإمعان المحتل على تنفيذ مخططاته العقائدية المزيفة المستكِبرة واقترابه من المساس الحقيقي ليس فقط بقدسية المكان وما يرمز له بل بتغييب أولى القبلتين بشكل كامل والقفز فوق حضارة المدينة الروحية والتاريخية العريقة وسرقة تراثها وما تحمله من قيم سماوية تمتد الى نشوء زمن التكوين البشري الأول ، من اجل زرع جسم غريب ليس منها في شيء ، نشهد ويشهد معنا العالم العربي والإسلامي مراحل التمادي الإسرائيلي وكيفية الاستهداف التي تتعرض له المدينة المقدسة والقسوة التي يتبعها لتنفيذ مشروعة الكبير الذي أعلن عنه وجاهر به الكيان الإسرائيلي بينما اكتفى العرب والمسلمين بالشجب والاستنكار وتعليق الأمنيات على أبواب البيت الأبيض الأمريكي.
إن عملية النسيان التي تتعرض لها مدينة القدس من عمقها العربي والإسلامي وأصحاب العدالة الإنسانية في الأرض يزيد من الظلم الواقع عليها ويثقل كاهلها بفعل هذا الصمت المريب ، حيث انه يجعل الفرصة أمام الاحتلال قائمة بان يفعل ما يحلوا له وان يقوم بتنفيذ مخططاته دون أي واعز أخلاقي أو إنساني في الوقت الذي تبقى فيه المدينة المقدسة وحدها في المواجهة بينما اسقط العرب جميعاً خيار القوة لاستعادتها ورفعوا شعارات السلام وأطلقوا مبادرات التسوية ثم تركوها وحدها تدافع عن تاريخها العربي والوطني وتراثها الطويل ، تحاول أن تحافظ على صمودها بأبسط مقومات الصمود التي تملك ، وحدها في وجه الطغاة والظلم الواقع عليها جراء الاحتلال الذي يكيد المكائد لها وتسعى بما لديها من مقومات أن تُبَطِئ من عمليات التهويد وتُعجّل من قدوم المخلص الذي طال انتظاره ولم يأتي بعد ، وكأنه لن يأتي أبدا أو انه ليس زمانه المنتظر . لقد عجلت حكومة الاحتلال الإسرائيلي من مخطط التهويد في القدس بشكل متسارع حيث أنها بدأت بعزل المدينة المقدسة وتفريغها من السكان الفلسطينيين ومصادرة بيوتهم وحقوقهم الواقعة في البلدة القديمة أو في الضواحي المحيطة لها والاستيلاء على ممتلكاتهم الى جانب هدم البيوت تحت ذرائع متعددة و بحجج مختلفة من اجل تفريغ المدينة من سكانها الأصليين، الأمر الذي هو ليس بجديد لكنه الأكثر خطورة منذ احتلال المدينة المقدسة حيث أن التهديدات الإسرائيلية لا تتوقف وهي متزامنة مع الإجراءات على الأرض التي اشتدت وتيرتها في الآونة الأخيرة وكأنها تعلن معركة الاجتثاث العربي من القدس كاملاً وأنها ستمضي بإجراءاتها ولن تلتفت الى الأصوات المطالبة إياها بالتوقف عن ممارساتها وعدولها عن تنفيذ مخططاتها واحترام الأماكن المقدسة ودور العبادة والصلاة فكل شيء في القدس مهدد وكل شيء في القدس مستباح على الطريقة الإسرائيلية و يدور حوله خطر الاحتلال والقدس وحدها تبحث عن طريق النجاة مما يحاك ضدها وما تتعرض له من عمليات يومية على الأرض وهي تسموها بقدرها ،وتفتش عن مخلص حقيقي يحفظ لها مقدساتها وتاريخها ومكانتها الدينية ويعيد إليها ابتسامة الربيع . القدس قَرعت الأجراس لتنبأ القريبين والبعيدين بما يهدد مصيرها ومستقبلها الذي يريد له الاحتلال أن يكون ، وقد اقترب الوقت ، ونادت على ملوك وحكام الزمان واستوقفتهم قائلةً: أنبأكم بأنهم يقتربون مني أكثر ، ويتشددون أكثر ، وتخرج الأصوات من داخل كيانهم وتعلوا ويتعالون أكثر ، هم منشغلون في حفرياتهم وعمليات التزييف القائمة داخل الأنفاق الآن ، ويتباكون قريباً مني ويلامسون قداستي ، ويفكرون ويتأملون ويتوعدون ، أنبأكم ودورة الزمان تمضي فلا وقت يتسع للصمت أكثر ولا وقت للانتظار والتباكي خجلاً وممارسة العادات القديمة بالشجب والاستنكار والتباكي على عتبات البيض الأبيض والاستجداء من هذا الرجل الأسود الذي يتربع على عرشه ، لا وقت ، ترفعون أيديكم بالدعاء لي تارة وأخرى بالرجاء لأجلي ، بينما هم ماضون في سياساتهم وقسوتهم لأنهم لا يفهمون إلا لغة واحدة هي لغة القوة.