سعيّد: "مأجورون وعملاء وخونة.. وهذا مكانهم".. #خبر_عاجل    سعيّد: "وزير سابق متحيّل يتحدّث عن المناولة وهو مطلوب للعدالة".. #خبر_عاجل    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    عاجل: موسكو تتوعّد برد قاسٍ إذا استُخدمت أسلحة نووية ضد إيران    اتحاد الشغل يدعو إلى فتح جولة مفاوضات جديدة في القطاع العام والوظيفة العمومية    عبد المجيد العبدلي : الصواريخ الإيرانية أربكت إسرائيل وحيّرت أمريكا.. وما يحدث ليس حربًا بل عدوان مسلح    طقس الجمعة: أمطار بالشمال والوسط وارتفاع طفيف في درجات الحرارة    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    منظمة الأطباء الشبان تؤكد نجاح إضرابها الوطني ب5 أيام وتلوّح بالتصعيد    طقس اليوم: أمطار بهذه السواحل.. رياح والبحر مضطرب..    إيران: هاجمنا عاصمة إسرائيل السيبرانية    أول فريق يحجز بطاقة التأهل في كأس العالم للأندية    بوتافوغو يُلحق بباريس سان جيرمان هزيمة مفاجئة في كأس العالم للأندية    باريوس يقود أتليتيكو للفوز 3-1 على ساوندرز في كأس العالم للأندية    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    إيران تحبط مؤامرة اسرائيلية لاستهداف وزير الخارجية عباس عراقجي    إيران تطلق موجتين صاروخيتين جديدتين وارتفاع عدد المصابين بإسرائيل    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    المنار.. بطاقات ايداع بالسجن لمتورطين في تحويل مركز تدليك لمحل دعارة    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    المنتخب التونسي أصاغر يحقق أول فوز في الدور الرئيسي لمونديال كرة اليد الشاطئية    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    أمام بالميراس...الأهلي المصري ينقاد للهزيمة الأولى في كأس العالم للأندية    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    بوتين وشي: لا تسوية في الشرق الأوسط بالقوة وإدانة شديدة لتصرفات إسرائيل    انقطاع مياه الشرب عن نفزة المدينة ونفزة الغربية ونفزة الشرقية واستئناف تزويدها ليل الخميس بدءا من س 23    عاجل/ الخطوط البريطانية تُلغي جميع الرحلات الجوية الى اسرائيل حتى شهر نوفمبر    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    تحذير للسائقين.. مفاتيح سيارتك أخطر مما تعتقد: بؤرة خفية للجراثيم!    أزمة لقاحات السل في تونس: معهد باستور يكشف الأسباب ويُحذّر    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    رئيس الجمهورية يؤكد ضرورة إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى يكفّ العرب عن تكرار سيرة ملوك الطوائف؟:راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 12 - 2009

للأسف لا يزال العرب الرسميون في معظمهم يكررون ما دأب على اقترافه ملوك الطوائف في الأندلس وعدد من الإمارات في المشرق العربي زمن الاجتياح الصليبي، التي والت أعداء الأمة، فحاربت في صفوفهم أو بدعمهم جهات عربية أو إسلامية أخرى، بما وفر لأولئك الفرصة للإجهاز على الجميع، فهل من سبيل لوقف تكرار التقدم إلى الوراء؟
1- في العقد الثاني من القرن الماضي كرر عرب آخرون القصة نفسها فوقف من يسمون بالأشراف، حكام الحجاز يومئذ، إلى جانب البريطانيين في حربهم على الأتراك مخدوعين بوعد كاذب بإمبراطورية عربية بديلا عن الخلافة العثمانية التي تمردوا عليها وحاربوها تحت لواء بريطاني حتى أجلوا جيوشها من بلاد العرب ومنها فلسطين لتقع هذه تحت الانتداب البريطاني. وتحت حمايته ومساعدته بدأت الهجرات اليهودية وبدأ زرع السرطان في قلب الأمة.
"
أخطر ما في الحرب العراقية الإيرانية أنها فجرت أمواجا من الكراهية بين أجزاء الأمة الواحدة بين طوائفها، وكانت في مصلحة أعدائها، وحربا بالوكالة عنهم
"
2- لم يبرأ بعض العرب من داء الغباء بإدمانهم على الولاء لغير الأمة والحرب بالوكالة لمصلحة العدو، فكانت الحرب المدمرة التي شنها حكام العراق -بدعم غير مجذوذ من دول عربية- على الجمهورية الإسلامية الوليدة في إيران، وكانت لتوّها قد نقلت أعظم أقطار الخليج من قلعة إمبريالية ومرتكز للكيان الصهيوني وشرطي مرعب لأهل المنطقة، إلى قوة رئيسية من قواها وشوكة في حلق قوى الهيمنة وقاعدة إسناد رئيسية لقوى المقاومة للصهيوني العدو الألد للأمة، كانت حقا حربا مدمرة لملايين من النفوس والمنشآت. وأخطر من ذلك أنها فجرت أمواجا من الكراهية بين أجزاء الأمة الواحدة بين طوائفها وأعراقها، فهل كانت للأمة مصلحة فيها؟ بل كانت مصلحة خالصة لأعدائها، فكانت موضوعيا حربا بالوكالة عنهم.
3- ولقد خرج العراق من تلك الحرب بجيش قوي مسلح تسليحا حديثا، فبدأ الكيد له من أجل تدمير قوته هو الآخر من خلال استغلال أخطائه الشنيعة، فانقلب حلفاؤه بالأمس متعاونين مع أعداء الأمة على تدميره إلى حد إخراجه من توازنات القوة في المنطقة، وهي مصلحة غربية إسرائيلية نفذت مرة أخرى بيد غربية ومشاركة عربية فاعلة.
4- ولأن إيران قد أفادت مما فعله التحالف الدولي وحلفاؤه العرب من إزاحة حكم العراق المعادي لها وتوفير الفرصة لها أن تتغلغل وتقوّي نفوذها داخل العراق وأفغانستان، فقد حرك الأخطبوط الإسرائيلي آلة حربه الممتدة في العالم بكل فعاليتها ونفوذها لشيطنة نظام الجمهورية وتكثيف الضغوط عليه من أجل عزله وخنقه وحتى تفكيكه من الداخل، كل ذلك من أجل تجريده من قدراته العلمية وبخاصة تصميمه على امتلاك التقنية النووية القابلة للتحول سلاحا نوويا يجعل من إيران قوة إقليمية قادرة على موازنة الكيان الصهيوني بما يضع حدا لتفرده بالقوة في المنطقة، وهو خط أحمر ممنوع على أي دولة من دول المنطقة تخطيه.
وهكذا كما جردت السياسة الغربية محمد علي حاكم مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر من مشروعه النهضوي الذي أوشك أن يجعل من مصر قوة كبرى في المنطقة، تكرر نفس الكيد الغربي مع مصر الناصرية، وتكرر مع عراق صدام، ومع محاولة القذافي. وها هي السنوات الأخيرة تتكرر في مواجهة نظام الجمهورية الإسلامية، والكيد لباكستان.
5- واضح من التجارب المتكررة أن اكتساب القدرة العلمية التقنية المتقدمة وكذا الوحدة، خطوط حمراء، وسياسة غربية ثابتة منذ القرن التاسع عشر، في مواجهة محاولات الأمة النهضوية لإجهاضها، بصرف النظر عن فريق الأمة الذي يقود هذه المحاولة، عربيا أم أعجميا، إسلاميا أم علمانيا، سنيا أم شيعيا. هذه تفاصيل لا يلقي لها بالا الإستراتيجي الغربي الذي يضع على طاولة التخطيط خريطة العالم الإسلامي، فتنصبّ خططه على هدف واحد هو ضمان استمرار وضع يده على موارد المنطقة وعناصر القوة فيها، فكل ما يحقق هذا الهدف مشروع ومطلوب لشلّ محاولات النهوض والتوحد، والدفع إلى المزيد من التمزق والتخلف. وفي هذا السياق جاء زرع الكيان الإسرائيلي في قلب الأمة لتفتيت الجسم وشل عوامل نهوضه وعناصر المقاومة فيه.
"
على شباب الأمة ودعاتها أن لا يذهلوا لحظة وهم يتعاملون مع الخلافات والتناقضات في صفوف الأمة مهما عظمت، عن المخططات الغربية الثابتة, بما يوجب علينا أن نرتفع فوق خلافاتنا
"
6- نصيحتي لشباب الأمة ودعاتها أن لا يذهلوا لحظة وهم يتعاملون مع الخلافات والتناقضات في صفوف الأمة مهما عظمت، عن هذه المخططات الغربية الثابتة في نظرتها الشمولية للأمة، بما يوجب علينا أن نرتفع فوق خلافاتنا، "فالخلاف مركوز في أصل الخلقة" (في ظلال القرآن) ونفكّر بمنطق الأمة لا بمنطق الطائفة أو القبيلة أو القطر أو الحزب، منطق الأمة الواحدة هو الترجمة العملية لعقيدة التوحيد التي تنص على أن من نطق بالشهادتين فقد اندرج في سلك الأمة، والباقي تفاصيل تتبع.
منطق الأمة هو الذي يترجمه مؤتمر الحج، حيث لا يسأل أحد عن طائفته ومذهبه، منطق الأمة على الضد تماما من سكرات المونديال ومعاركه الهامشية المضللة. ثم لك بعد ذلك أن تقول ما شئت في نقد موضوعي لهذا المذهب أو ذاك كالتشيع أو غيره، إلا أنك ما ينبغي أن تذهل قط أن هذا ليس بمذهب حديث ولد البارحة حتى تكدّ ذهنك في البحث عن فتوى فيه، فقد فرغت الأمة من هذا الأمر.
وفي كل كتب الفرق الإسلامية يحتل التشيع بمختلف مذاهبه مكانا بين فرق الأمة، فهل من حاجة لأن يستفتى فيه أحد؟ بالتأكيد ليس هو في اعتقادنا التعبير الأفضل عن الإسلام، ولكنه لون من ألوانه وفرع من شجرته، والدليل القاطع أن أحدا من أئمة الإسلام وحكامه عبر أربعة عشر قرنا لم يتنطّع فيصادر حق فرقة من الناطقة بكلمة التوحيد، ومنها فرق التشيع من حقها في الانتساب للإسلام وحجّها بيت الله الحرام، فلمَ التنطع اليوم وكأن التشيع مذهب جديد؟ ولم كانت إيران الشاه وهي شيعية علمانية متأمركة مقبولة مرحّبا بها في محيطها، بينما إيران الجمهورية الإسلامية الشيعية مرفوضة؟ ألأنها طردت النفوذ الصهيوني الأميركي؟ أم لأنها دعمت المقاومة العربية الإسلامية ضد الكيان الصهيوني لتحرير أرض عربية، وكانت الحكومات "السنية" العربية ذات الثروات العظام أولى بذلك الواجب المشرّف؟
7- وما الذي يضيرنا من تقنية إيران النووية حتى ولو طورتها إلى سلاح عسكري -ويا ليتها تنجح في ذلك-؟ كيف يمكن لحاكم عربي أو لمحكوم أيضا أن ينام قرير العين وفوق رأسه أكثر من مائتي رأس نووي إسرائيلي موجهة لكل العواصم العربية؟ وبدل أن يفعل ما فعل بوتو حاكم باكستان السابق عندما صمم على امتلاك القنبلة النووية للدفاع عن بلده في مواجهة الهند قائلا "سنفعل ذلك ونحن الفقراء حتى لو اضطررنا لأكل الأعشاب" نرى هذا العربي المسكين يبذّر ثرواته الطائلة في غير موضعها متخذا من إيران عدوا بدل إسرائيل، مشتركا في الضغوط الغربية عليها لتجريدها من مشروعها النووي، بدل أن ينافسها أو يتركها وشأنها.
8- إن هناك فراغا قد تركه الانسحاب العربي من قضايا الأمة الكبرى مثل دعم المقاومة، تقدمت جهات إقليمية لملئه مثل تركيا وإيران، فلمَ تلام إيران وهي تتصرف كدولة ذات مصالح قومية، قد تتفق أحيانا مع مصالحنا كما هو الحال في القضية الفلسطينية وفي مواجهة السيطرة الغربية على المنطقة وقد تختلف كثيرا أو قليلا كما الحال في مسألة العراق. ويبقى اللوم على العرب المستقيلين أو المتواطئين، لم يتقدموا لملء الفراغ بدل أن يلوموا من تقدم لملئه من فرس وترك وغيرهم؟
"
أي قراءة منصفة لمراكز القوة في المنطقة تكشف أن العرب رغم الأهمية الإستراتيجية لموقعهم وإسهامهم العظيم في إنتاج الطاقة المحركة للعالم، قد تضاءل وزنهم في التأثير في مجريات الأحداث والصراعات التي تشق المنطقة
"
9- واضح في أي قراءة منصفة لمراكز القوة في المنطقة أن العرب رغم الأهمية الإستراتيجية لموقعهم وإسهامهم العظيم في إنتاج الطاقة المحركة للعالم، قد تضاءل وزنهم في التأثير في مجريات الأحداث والصراعات التي تشق المنطقة، فاللاعبون الإقليميون ثلاثة: تركيا وإيران والكيان الصهيوني. وذلك راجع إلى تشرذم صفهم وضعف شرعية وتماسك أنظمتهم بسبب قمعها لشعوبها، وهو ما يجعلهم تابعين لا متبوعين منفعلين لا فاعلين.
10- ومقارنة بسيطة بين الأدوار التي تلعبها تركيا في محيطها وبين دولة مساوية لها في الحجم مثل مصر تكشف عن تقدم الأولى وتراجع الثانية على كل صعيد وبالخصوص في مستوى استقلال القرار، حتى على صعيد القضية الفلسطينية وهي قضية عربية أساسا، لم تستطع مصر أن تفعل شيئا لا في رفع الحصار عن غزة والمفتاح بيدها، ولا في جمع كلمة الفلسطينيين وهو ميسور لو أرادت.
جل ما يفعله النظام العربي على صعيد المنطقة محاولة إعاقة أدوار اللاعبين الآخرين مثل الدور الإيراني أو إعاقة بعضهم بعضا، والإعاقة عمل سلبي وليس إيجابيا، من مثل المشاركة في التصدي للمشروع النووي الإيراني والتحسس من دعم إيران لفصائل المقاومة، وكان أجدى للعرب البحث عن شراكة إستراتيجية أمنية واقتصادية مع إيران وتركيا، شراكة هي مصلحة لكل الأطراف وللأمة الإسلامية مجتمعة، بدل دور المناكفة والتعويق للمشاريع الأخرى.
11- غير أنه من أجل ذلك، مطلوب من الطرف الإيراني بذل جهد أكبر في تطمين العرب وخصوصا عرب الخليج على أمنهم وعدم التدخل في شؤونهم أو احتلال أرض لهم.
12- وفي هذا الصدد يمكن لتركيا القيام بدور إيجابي في تقويم الضلع العربي المعوج من خلال توظيف مكانتها التي تتمتع بها لدى كل الأطراف سواء على صعيد المساعدة على تيسير مصالحة عربية، أم على صعيد المصالحة بين العرب وإيران، وهو مشروع أولى بالرعاية من مساعي المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين غير المنتجة، أو بين إيران والغرب، ذلك أن النجاح في هذا المسعى من شأنه أن يغير موازين القوة في المنطقة لصالح أممها الكبرى: العرب والترك والفرس، بما يشكل تحولا إستراتيجيا يضع المنطقة بل العالم على أبواب تاريخ جديد، ويضع حدا للحرب داخل الأمة تلك التي بدأ وأعاد مؤسس هذه الأمة عليه السلام في التحذير منها، ترجمة لتوجيهات الكتاب الخالد الذي عظّم حرمة المسلم ودمه وعرضه وماله، ولم يبلغ تفظيعه لجريمة كتفظيعه جريمة قتل المسلم "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" النساء/الآية: 93.
"
يمكن لتركيا القيام بدور إيجابي في تقويم الضلع العربي المعوج من خلال توظيف مكانتها التي تتمتع بها لدى كل الأطراف سواء على صعيد المساعدة على تيسير مصالحة عربية، أم على صعيد المصالحة بين العرب وإيران
"
ولقد انتهى جمهور الفقهاء -من قراءتهم لنصوص الوحي المتعلقة بتدبير الاختلاف بين المسلمين في ضوء تجارب استخدام القوة سبيلا للإصلاح الداخلي- إلى سد هذا الباب جملة، بسبب ما تأدّت له معظم تلك التجارب من كوارث وفتن كادت تأتي على خضراء الأمة، قاصرين وسائل الإصلاح مهما بلغت المظالم على الوسائل السلمية التي تبدأ بالكلمة وتنتهي في أقصاها إلى تحشيد الجماهير بقيادة زعمائها، في وجه الظالم لحمله على الكف عن ظلمه أو حمله على التنحي، مع التدرع بالصبر والمصابرة والمثابرة وموالاة البذل والتضحية في غير كلل ولا ملل، بينما قصروا الجهاد القتالي على التصدي للكافرين الصائلين على دار الإسلام، وهو ما يجعل الحروب الدائرة اليوم في أنحاء متفرقة في دار الإسلام بين حكومات إسلامية سواء أكانت حروبا باردة كالتي بين دول عربية وإيران، أم كانت ساخنة كالتي بين دول إسلامية وجماعات (في اليمن وفي الصومال والسودان والجزائر وأمثالها..) حروبا لا هي مشروعة ولا هي نافعة، ولا يفيد منها غير أعداء الإسلام الذين كثيرا ما يكونون موقديها عبر تزويد الأطراف الإسلامية المتقاتلة بالسلاح، هم يعلمون أن هذا هو السبيل الأقوم لإضعاف هذه الأمة وإجهاض مشاريعها النهضوية، فيكون بأسها بينها، وهو ما حذر منه صاحب الدعوة عليه السلام.
13- أهل الغرب يعلمون يقينا أن أوروبا نفسها قد تجرعت عبر مئات السنين مرارة هذا العلقم ولم تأخذ طريقها إلى القوة والتمدن والسيطرة العالمية حتى وضعت في القرن السابع عشر حدا للتحارب داخلها، تاركة خلافاتها المذهبية وراءها، ناقلة آلة حربها إلى الخارج، متواطئة على طرائق سلمية حضارية لتدبير اختلافاتها داخل كل وطن من أوطانها أو فيما بينها، فالديمقراطيات كما يقال لا تتقاتل.
14- ورغم ما يمكن للحكام أن ينجزوه في النهوض بالأمة في الزمن السريع لو صلحوا، "وقليل ما هم"، فإن التعويل عليهم أقرب إلى التمني منه إلى الواقع، وكيف يعوّل عليهم وقد كاد سباق كروي أن يضع بلدين عظيمين على شفا الحرب؟ التعويل بعد عون الرحمن يجب أن يحمل على الأمة وقواها الرشيدة الفاعلة، أن تستيقن أن وحدة الصف واجب ديني وضرورة وجودية وحضارية لا يرجى لأقطارها تحقق فلاح في أي مجال في غيابها، وأن السبيل إليها هو تعبئة قوى الأمة من أجل وضع حد لهذه الأنظمة البائسة من التجزئة المتسلطة المنغلقة عن بعضها لحد التحارب، المنفتحة على العدو لحد التبعية، والدفع لإرساء أنظمة ديمقراطية بديلة تعبر عن إرادة الأمة وتحقق آمالها وعقائدها في الوحدة والتحرر والعدل.
إن كلا من الفرس والترك قد حقق دولته القومية، خلافا للعرب الذين فرضت عليهم السياسة الدولية التجزئة والتشرذم، فركنوا إليها وطفقوا يعمقونها ويمجدونها ويصطنعون لها تاريخا وثقافة من عدم، ويعلون الأسوار الفاصلة بين أقطارهم ويجذرونها في الأرض من فولاذ، وأسوأ ما في الأمر أمام فشل تجارب الوحدة شيوع اليأس منها، وقبول حتى أصحاب المشاريع الوحدوية من القوميين العرب والإسلاميين بالقطرية المقيتة قدرا ومصيرا.
في حين يتجه العالم من حولهم وخصوصا أوروبا التي صدرت لنا هذه القطريات وفرضتها علينا صوب تكتل عملاق، وهي تعلم يقينا أن هذه الكيانات القزمية لا تصلح إطارا لا للتنمية ولا لتحرير فلسطين ولا حتى للديمقراطية، فقد فشلت في كل ذلك، هي لا تصلح إلا لتكريس التبعية والتذيل للقوى الدولية والتقاتل فيما بينها وخنق شعوبها، بما لا يبقي مجالا حتى لإصلاحها، شيء واحد تصلح له وتستأهله التخلص منها في عالم الأذهان والنضال من أجل ذلك حتى يصبح ذلك ممكنا في عالم الأعيان.
"
في المنطقة العربية فراغ من أي مشروع ولذلك هي هامدة ميتة مضطربة خارجة من التاريخ, والوحدة هي المشروع الوحيد الكفيل بملء هذا الفراغ وبث الروح في هذا الجسم العربي الخامل
"
مطلوب من كل التيارات الوطنية والقومية والإسلامية أن تتخذ من مشروع الوحدة مشروعها الأعظم الذي تلتقي حوله. في المنطقة فراغ من أي مشروع ولذلك هي هامدة ميتة مضطربة خارجة من التاريخ. والوحدة المشروع الوحيد الكفيل بملء هذا الفراغ وبث الروح في هذا الجسم العربي الخامل وتعبئة طاقاته حتى ينهض ويستقيم ضلعه إلى جانب أخويه التركي والفارسي.
الحركة الإسلامية رغم أنها تجاوزت نظريا محنة الخصومة العارضة مع العروبة فإنها مطالبة بتفعيل هذا الخيار حتى يتحول المشروع الأساسي لها وللمنطقة على أساسه ترسم البرامج وتعقد التحالفات وتعبأ الصفوف. هذا قلب الأمة الإسلامية ما لم يتوحد وينهض بدوره سيظل الإسلام روحا بلا جسد.
15- وإلى أن يحدث ذلك سيظل السؤال الغاضب المتحسر يتردد على كل لسان: إلى متى تتواصل حرب الإسلام على الإسلام؟ إلى متى تواصل أطراف إسلامية الحرب على أطراف إسلامية أخرى نيابة عن عدو الجميع معيدة إنتاج السيرة العفنة لملوك الطوائف؟ ألا ترتعد فرائص المقاتلين وهم يضغطون على زناد مدافعهم أو يطلقون صواريخهم الموجهة لإخوانهم في الدين وهذا الوعيد النبوي يتردد على مسامعهم "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" (صحيح البخاري)، يستوي في ذلك من أمر ومن نفّذ ومن بارك وشجّع. الجميع شركاء في الجريمة والوعيد "وقفوهم, إنهم مسؤولون" الصافات: 24.
المصدر: الجزيرة
24/12/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.