المغرب:سجل عام 2009 دخول العام العاشر لحكم الملك محمد السادس، وقد تحققت خلالها بعض الإنجازات إلا أنها شهدت إخفاقات في مجالات حيوية. وقد تميز عهد الملك الشاب منذ بدايته بشيء من الانفراجة بالإفراج عن المعتقلين وتوسيع هامش الحرية السياسية، وتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة للتحقيق في قضايا ضحايا حقوق الإنسان في الحقبة الملكية السابقة أو ما عرف ب "سنوات الرصاص". وكذلك إفساح حرية أكبر لوسائل الإعلام ومعالجة بعض القوانين المخلة بحقوق المرأة. بيد أن جذراً ينتاب تلك الإصلاحات قد بدأ منذ نحو عامين، بالإضافة إلى انتهاكات أخرى أو حقوق مسلوبة لم يتم معالجتها.. ففي مجال الحرية السياسية الحزبية حلّت السلطات حزب "البديل الحضاري" بتهم لم تثبت حتى الآن، وفاز حزب صديق الملك "الأصالة والمعاصرة" ب 80% من الأصوات في انتخابات 2009، كما شهدت حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير تدهوراً دراماتيكياً وارتفاعاً غير متوقع في الانتهاكات وغلق ومصادرة الصحف والقنوات، والقضايا المرفوعة ضد الصحفيين والمدونين . وعلى الصعيد الاجتماعي طفت على السطح مشاكل عالقة منذ سنوات، دللت عليها مظاهرات غير حزبية كتلك التي قام بها أهالي مدينة سيدي أفني، وكذلك تظاهرات واعتصامات خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا الذين يعانون البطالة في بلد تشير إحصاءات حديثه أن عدد سكانه تجاوز 31 مليون نسمة. قطاع الاتصالات والإنترنت تعد المغرب إحدى الدول العربية المتقدمة نسبياً في تنفيذ إصلاحات كبيرة في ذلك المجال، خاصة من الناحية الكمية، وتباشر تنظيم عمل ذلك القطاع "الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات" ANRT، وهي جهة مستقلة عن وزارة الاتصال تأسست عام 1998 للإشراف على تحرير القطاع من الاحتكار الحكومي. وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة من الوكالة في يونيو 2009 إلى وجود نحو 3,27 مليون مشترك في الهاتف الثابت، لتقارب نسبة نفاذه 10% من السكان في مقابل نحو 4,4% عام 2004، وهي النسبة التي تظهر نمواً مُرضِياً بعد تحرير الهاتف الأرضي من الاحتكار الحكومي. مع ملاحظة أن الرقم يشمل ما يسمى الهاتف "ذي التنقل المحدود" الذي بدأ عام 2007. أما بالنسبة للهواتف المحمولة فقد بلغ مشتركوها 23,5 مليون مشترك، تتوزع على الشركات كالتالي (اتصالات المغرب) 14,3 مليوناً، (ميدي تيل) 8,63 مليوناً وأخيراً (ونا) 612 ألف مشترك. و قد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في المغرب في نهاية شهر سبتمبر 2009 نحو 10.3 مليون مستخدم ، وهو ما يعني زيادة ثلاثة أضعاف عن عدد المستخدمين في عام 2006. ويعاني مستخدمي الإنترنت بالمغرب الأسعار المرتفعة للإنترنت ، حتى بعد انتهاء احتكار شركة "اتصالات المغرب" لسوق الإنترنت، وبالإضافة إلى ذلك فإن ثمة شكاوى كثيرة بخصوص جودة الخدمة المقدمة، خاصة من شركة (اتصالات المغرب) وقد تحدثت العديد من التقارير الصحفية والمدونات عن بطئ الخدمة وانقطاعها أحياناً . ويفسر بعض الخبراء عدم انتشار الإنترنت فائق السرعة ADSL بالمغرب إلى ارتفاع سعره بالإضافة إلى اهتمام الشركات بالربح السريع، وهو ما يراه الخبير التقني يحيى اليحياوي . متعلقا بطريقة خصخصة القطاع التي كانت خاطئة إذ أنها نقلت القطاع من احتكار الدولة إلى "احتكار الشركات"، وإن الوضع بحاجة للمزيد من تعزيز قيم المنافسة .. في حين انتقد البعض انتقال القطاع إلى رأس المال الأجنبي. وقد صدر بالمغرب قانون ينظم مسائل التوقيع الإلكتروني والعقود الإلكترونية وهو قانون 53 – 05 الذي صدر عام 2007، ويعد سبقاً للمغرب لتلحق بدول عربية قليلة جداً أصدرت تشريعات تخص التوثيق الإلكتروني. وبشكل عام، فإن الدستور المغربي – على عوراته – قد كفل حق "حرية الرأي وحرية التعبير بكافة أشكاله، وحرية الاجتماع" كما نص على أنه "لا تنتهك سرية المراسلات". لكن لا تزال قوانين الصحافة وقانون الاتصال السمعي البصري الصادر حديثاً يتيح ثغرات كثيرة يمكن من خلالها ترهيب ومحاكمة الأقلام والقنوات والصحف. وقد تمت محاكمة بعض المدونين بالفعل تحت طائلة العقوبات الواردة بقانون الصحافة. مقاهي الإنترنت لاتزال مقاهي الإنترنت في المغرب تجد رواجاً لدى الشباب من الجنسين، مع استمرار الارتفاع النسبي في أسعار الاشتراك بالإنترنت، بالإضافة للسهولة النسبية والتكاليف البسيطة التي تمكن الشباب الباحث عن عمل من افتتاح مصدر رزق ولو بشكل مؤقت. ويتوافد بعض الشباب على المقاهي بالساعات، وهم يفضلون تلك المقاهي التي تمنحهم مزيداً من الخصوصية، خاصة بالنسبة للفتيات اللاتي يرصد تقرير صحفي إن المقاهي أتاحت لهن الخروج من المنزل مساءً على خلاف التقاليد الاجتماعية . وتتنوع أسباب إقبال الشباب على المقاهي، فإذا كان البعض يستخدم المقاهي لأبحاثه الدراسية أو التواصل مع الأصدقاء والأهل أو الترفيه، إلا أن زيارة المواقع الإباحية لازالت تمثل هاجساً لدى قسط منهم . لكن تقارير ترصد اتجاه لدى البعض من أصحاب المقاهي في منع الزوار من الولوج لهذه المواقع . وبرغم تمتع زوار المقاهي بالحرية وعدم تعرضهم لأي محاولات للتعرف على هوياتهم أو المواقع التي يزورونها إلا أن مقاهي الإنترنت في الدارالبيضاء شهدت رقابة أمنية كثيفة عقب التفجيرات الانتحارية التي شهدتها في عام 2007 مما أثر بشدة على ارتياد المقاهي في تلك الفترة.. لكن الإقبال على المقاهي في باقي المدن المغربية بدا منعزلاً عن تلك الأحداث . الرقابة والحجب تعد المغرب واحدة من الدول العربية المنفتحة على الإنترنت، والتي لا تمارس الحجب بشكل منهجي، كما رصدت تقارير توقف حجب بعض المواقع التي تؤيد استقلال الصحراء المغربية أو تدعم جبهة البوليساريو والتي كانت محجوبة تقليدياً . لكن ومع ذلك شهدت الأشهر الماضية تصاعداً في انتهاكات الحكومة لتعهداتها بحرية الرأي والتعبير، ومحاكمة العديد من الصحفيين والمدونين. وبشكل عام فإن ثمة خطوط حمر، لا يتقبل الحكومة المغربية الاقتراب منها ، أهمها هي النظام الملكي والأسرة المالكة، وقضية الصحراء والبوليساريو، والإسلام. لكن انتهاكات السلطات للحريات تخطت مؤخراً حتى تلك القضايا المحظورة للنقاش تقليدياً. ويمكن أن نلحظ تذبذب الحكومة المغربية إزاء تلك القضايا في حالة حجب موقع اليوتيوب www.youtube.com عام 2007، حيث ساد اعتقاد كبير لحظتها إن الحجب جاء على خلفية بث مقاطع فيديو مؤيدة لاستقلال الصحراء، لكن "اتصالات المغرب" عادت لتقول إن الحجب المؤقت كان بسبب خلل فني ! وبالإضافة للحجب والمحاكمات، لازالت هناك بعض المواقع المحجوبة في المغرب مثل منصة المدونات www.livejournal.com وبعض مواقع البروكسي والتصفح المُجّهل مثل www.anonymizer.com. كما وجهت جماعة العدل والإحسان المعارضة اتهامات للسلطة بتكرار حجب موقعها في 2009، وقالت إن السلطات لم تحجب فقط الموقع الرئيسي للجماعة www.aljamaa.com ولكن كذلك موقع المرشد عبد السلام ياسين www.yassine.net ، وابنته ندية ياسين، وموقع القسم النسائي للجماعة . سجناء الإنترنت في مطلع 2008 استيقظ المجتمع المغربي على خبر اعتقال المهندس "فؤاد مرتضى" الذي اتهمته السلطات بانتحال شخصية شقيق الملك "مولاي رشيد" على الموقع الاجتماعي الشهير فيس بوك، Facebook.com ، وحُكم عليه بالغرامة والسجن 3 سنوات في حكم اعتبرته الغالبية قاسياً وغير متناسب . صحيح أنه تم الإفراج عن "مرتضى" بعد 43 يوماً بموجب عفو ملكي بعد نداءات إنسانية بإطلاقه، لكن القضية لازالت تسجل صفحة سوداء في سجل النظام المغربي، ليس هذا فحسب ولكنها أعادت للأذهان أن الحرية النسبية في الفضاء العنكبوتي ليست بعيدة عن أعين الأجهزة الأمنية، وثارت تساؤلات حول كيفية معرفتها بصاحب الحساب وكيفية وصولها لمنزله وبياناته. القضية الأخرى الشهيرة بدورها هي اعتقال المدون "محمد الراجي" والحكم عليه بالسجن عامين مع الغرامة ، كأول مدون مغربي يعتقل بسبب ما يكتب، وذلك بتهمة انتقاد الملك، وكان الراجي قد انتقد "تشجييع الملك المغاربة على الاتكال" في مقال له بصحيفة هسبريس الإلكترونية http://hespress.com/article-erraji.html ، ثم عادت محكمة الاستئناف لتفرج عنه، في سبتمبر 2008 . وفي قضية تظهر توسع الخطوط الحمر عن الأمور التقليدية السابقة، نال الصحفي والمدون "حسن برهون" حكماً بالسجن 6 أشهر في مارس 2009، بسبب نشره عريضة تندد بالفساد وتطالب بمحاكمة متورطين في هروب أحد كبار تجار المخدرات من مدينة تطوان. وقد حظي "برهون" بعفو ملكي قبل أشهر قليلة من انقضاء محكوميته . التدوين في المغرب يعد الفضاء التدويني في المغرب أحد أنشط الفضاءات من تلك النوع في العالم العربي، ولعل ذلك يعود في المقام الأول لما يتمتع به المجتمع المغربي من حيوية اجتماعية ومكانة ثقافية، بالإضافة إلى هامش من الحرية والتعددية السياسية لا تحظى به معظم الدول العربية الأخرى. وتشير بعض التقارير إلى كون عام 2006 نقطة الانطلاق الأكبر للتدوين في المغرب، مع بدأ انتشار الإنترنت السريع ADSL، ولعل محاولات القمع وإخراس الأصوات أدت أيضاً إلى مزيد من الاتساع للتدوين بالمغرب. ولعل المدونات الاجتماعية التي تتمحور حول الأمور الشخصية، والحياة الاجتماعية للمدونين كانت هي السائدة في البداية، كما هو في بعض الدول العربية – خاصة الخليج – إلا إن المدونات العامة والسياسية أخذت موقع الصدارة مؤخراً، وامتدت مساحات الاهتمام لتشمل "تقريبا" كل القضايا والموضوعات العامة والسياسية الموجودة على الساحة ، وإن كان غالبية المدونين – كما الصحفيين – يمارسون الرقابة الذاتية على أنفسهم فيما يتعلق بالنظام الملكي واستقلال الصحراء الغربية. ومن المدونات الشهيرة التي انطلقت مبكراً وكان لها اهتمام واضح بالشأن العام، مدونة "محمد سعيد أحجيوج" www.mshjiouij.com التي أسسها في مطلع 2006 وقد أعلن مؤخراً – في سابقة عربية - تفرغه بالكامل للتدوين الاحترافي عبر نطاق جديد هو ميولوج http://miolog.com. وهناك كذلك مدونة الصحفي والقاص الشاب مصطفى البقالي www.elbakkali.com والتي حظيت بعدد كبير من الأصوات في مسابقة البوبز العالمية للمدونات. كما أسس نفس المدون مدونة "رفضنا" المعروفة rafdona.wordpress.com لرفض التطبيع مع إسرائيل في العالم العربي. وقد تمثل مدونة الشابة ليلى lailalalami.com/blog مثالاً على تزاوج الخاص بالعام في المدونات. قناص تارجست كما تلحظ التنوع الثقافي واستقلالية المدونات في المغرب وعدم قدرة التيارات السياسية على تحزيبها.. فحتى هذه اللحظة – على سبيل المثال – لا يعرف أحد ماهية شخصية المدون "قناص تارجيست" الذي حاز شهرة عالمية بسبب مقاطع فيديو بثها على اليوتيوب تظهر رجال الدرك "الشرطة" وهم يتلقون رشاوي من مواطنين في عرض الطريق، وقد وصلت عدد مرات مشاهدة بعض أفلامه أكثر من مليون مشاهدة . وقد شنت السلطات حملات دهم وتحقيق في مدينة "تارجيست" التي ينتمي لها المدون، في محاولة لاعتقاله، لكنها باءت بالفشل . وإن كان البعض يقف ضد محاولات تنظيم أو تأطير التدوين، إلا أن المدونين المغاربة وبعد فترة طويلة من الإعداد ، قرروا تكون جمعية تنظمهم ، وقد كان ، حيث تم عقد أول اجتماع تأسيسي ل " جمعية المدونين المغاربة" في ابريل 2009 ، ورأسها المدون المخضرم سعيد بنجبلي ، صاحب مدونة "تحية نضالية". وقد ساهم تكوين الجمعية في تطوير دفاع المدونين عن حرية الصحافة في المغرب ، ورغم عمرها القصير فقد بدأت جمعية المدونين تكتسب أهمية ومصداقية بسبب نشاط أعضائها وقدرتها على التواصل مع الجمهور المغربي.