استفقت من نومي كالعادة، شربت فنجان قهوة، ورحت أتجول بين عناوين صحافتنا بروح من التحدي، لأنني كنت متيقنا أن لا جريدة ستتجرّأ على نشر أي من المواضيع التي أرسلتها إليها مؤخرا والمتعلقة باستشراء الفساد المالي وهيمنة مافيا العقار والمخدرات على الساحة في الجزائر، وصدق حدسي فالكل أحجم عن نشر مواضيع الفساد المعشش في كل شبر من إداراتنا ووزاراتنا وبنوكنا، وغيرها، ولم يكن الإحجام بسبب الخوف من المواضيع التي أرسلتها لصحافتنا الجزائرية، وإنما بسبب تواطئ أصحاب بعض الجرائد مع مهندسي الفساد، والقابضين على رقاب الشعب، نفس هذه المواضيع بعث بها إلى بعض العناوين الصحفية والمواقع الصادرة خارج الجزائر، وكم كانت دهشتي أنها نُشرت في وقت قياسي مرفوقة بصوري الشخصية.. واصلت بالرغم من ذلك إرسال مواضيعي إلى صحافتنا الجزائرية، فكان أن إنتقت بعضها ونشرت بعض المواضيع التي لا تزعج مافيا المال ولكنها تقض مضاجع السياسيين، وعاودت المحاولة مرّات ومرات وانتهيت إلى النتيجة نفسها، أي أن بعض عناويننا الإعلامية في الجزائر لا يضرّها أن تنشر بعض الفضائع السياسية، لكنه من المحرّم عليها أن تتطاول على المافيا المالية التي تُحكم قبضتها على الشعب بأكمله، لا لشيء سوى لكون هذه العناوين تقتات من فُتات أموال الفساد التي تُلقي بها إليها جماعات الفساد، كما تُلقى بقايا الأكل للكلاب، وأكثرها حظا تُحجز لها المساحات الاشهارية ذات المردود الكبير، لدى الشركات الكبرى، التي تُسير من قبل مافيا الفساد دائما، وإن نجح أصحاب هذه العناوين في أداء مهمة التهريج الإعلامي كما ابتغاها بارونات الفساد، فإن مالكيها تُمنح لهم صفة المقاول، وصاحب المؤسسة، ويتم إشراكه في نهب الأموال في مربعات محدّدة، فبعض مدراء الجرائد ومُلاكها، ممّن فازوا برضا هؤلاء البارونات، سُمح لهم بالحصول على مشاريع في قطاع الأشغال العمومية، والصيد البحري والتصدير والاستيراد، وباتوا لا يسيرون جرائدهم إلا بالهاتف، يسألون في غالب الأحيان -من فوضوهم لتسيير هيأة التحرير- عن عدد الصفحات الاشهارية التي تحصلت عليها الجريدة، ويجددون أوامرهم بمنع نشر أي موضوع قد يقلق جماعاتهم وعصبهم، وازداد يقيني لما طالعت الصفحات الأولى لبعض جرائدنا غداة انتفاضة شعبية وقعت منذ أيام بعاصمة الغرب الجزائريوهران، حيث قطع الغاضبون من شعبنا حركة المرور في أحد أكبر شوارع وسط المدينة احتجاجا على انهيار إحدى العمارات، وبالفعل لم أر أثرا لهذه الانتفاضة في هذه الجرائد، لكن بعضها وحتى لا ينفضح أمرها أشارت لها في صفحاتها الداخلية، وواصلت متابعة اهتمام صحافتنا بما حدث من نهب علني لعقارات عاصمة الغرب الجزائري دائما، ولم أجد لذلك أثرا، علما هنا أن أهل هذه المدينة يرون بأم أعينهم كيف أن أصحاب المال وأقارب المسؤولين بمن فيهم من تولى مناصب "جدّ عليا" في هرم السلطة استحوذوا على أفضل العقارات وأقاموا عليها مشاريع عقارية بأموال البنوك العمومية، وبدون ضمانات، بل وقاموا بتهريب مبالغ ضخمة من العملة الأجنبية إلى الخارج، بفضل مشاريعهم هذه، ورغم انكشاف أمرهم، وسحب جوازات سفرهم، ووضع بعضهم تحت الرقابة القضائية، منذ أكثر من سنة، إلا أننا لم نر أحدا منهم يمثل أمام العدالة في جلسة علنية، وما حزّ في نفسي كثيرا هو رؤيتي لأبناء خونة الأمس ممّن ساندوا الاستعمار الفرنسي، يتحولون الى أكبر المقاولين والمستوردين، ورغم كل هذه الفضائح فإن صحافتنا "الجزائرية" غضت الطرف، رغم أنها شاركت في حملة التهريج الإعلامي لما قيل أنه عملية كبرى لقطع رؤوس المفسدين، فقد نشرت أخبار وضعهم تحت الرقابة القضائية، وسحب جوازات سفرهم، لكنها إلى يومنا هذا لم تخبرنا كيف أنهم لم يحاكموا كبقية صغار السُراق، الذين يُحالون يوميا على محاكمنا، بمجرد إلقاء القبض عليهم، ما يحدث عندنا وفي صحافتنا أنه يُكشف أمر السارق الكبير وتُقام عليه الدنيا، ليس بغرض كشف ألاعيبه وإنما لتمريره على الهيئات المعنية بالرقابة لتوفير حماية إضافية له، وشخصيا يحضرني ما قاله لي في سنة 1999 الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، قبل فوزه بالعهدة الرئاسية الأولى، حيث قال لي بالحرف الواحد:"الخونة يمرون علينا يوميا بسيارات المرسيدس ويستبدلونها يوميا" ومع استحضار هذه المقولة، أسأل السيد الرئيس، ماذا فعلت لوقف الكارثة، ولن أسمح لنفسي أن أوجه هذا السؤال لصحافتنا، لأنني أعلم أنها مأمورة، ولأتركها لحالها فهو يكفيها، ما دام أنها تُسير بضربات الكف.