معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الخبر المبحث الثاني : دكتور أحمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 01 - 2010


دكتور أحمد محمد المزعنن الفجرنيوز
(ثقافة الخبر الإعلامي)
الدور الثقافي لوسائل الإعلام
تمهيد
العلم والإعلام والتعليم والمعرفة والتربية والثقافة والخبركلها مفاهيم بنائية وظيفية متكاملة متداخلة ، وفصلها فقط يكون لغرض الدراسة وجعلها قابلة للتحليل على مستوى النظر والتطبيق ، وإلا فقد تمايز كل ميدان من هذه الميادين بشخصية محددة وميدان متميز ، وأهداف وأغراض خاصة به ، وتشعبت الكثير من المجالات وتحولت إلى تخصصات دقيقة لكل تخصص منهجه وآلاته ودارسوه وعلماؤه ، وقد جعل تقدم العلوم وتخصصها الدراسة التحليلية لهذا الميادين أشبه بالخوض في الكليات الذي شغل العقل الإنساني قرونًا عدة حتى حسم خبر الوحي الكثير من القضايا بتوجيهه العقل الإنساني المؤمن إلى الاتباع، وإحالة الكثير من الجهد العقلي إلى إعمار الأرض وأداء واجب الاستخلاف
إن الوضع الثقافي الراهن يلح على ضرورة مراجعة معرفية لثقافة عصرنا الحاضر وخاصة مع تقدم التقنية واحتلال آليات التحول الثقافي من قبل أدوات هذه التقنية ، ويظهر ذلك في الطوفان الإعلامي لوسائل ملاحقة ومتابعة وجمع الأخبار التي تكون شبكات معلومات توشك أن تؤسس لفوضى ثقافية عارمة في ظل انهيار الحواجز بين الأمم ، والإصرار على اقتحام الخصوصيات الوطنية ، وغياب المعايير ، ويوشك الميدان الحالي أن يتشكل على هيئة صراع بين الأقوياء والضعفاء ، وفي النهاية بين ثقافات متغلبة سائدة وثقافات منهزمة منزوية ، وأخطر ما في حلبة الصراع هذه أن مقياس الغلبة والهزيمة لا تحدده قوانين قوة الصدق والحق في مقابل ضعف الكذب والباطل ، بل تقرره قوانين أشبه بقوانين الصراع المادي حيث تتقرر النتيجة في ضوء الكثرة التي تغلب الشجاعة ، وقوة السلاح في أيد فئة باغية .
أولاً:الثقافة والعلم والخبر
تعرفنا في المبحث الأول على بعض ما تعنيه كلمة ثقافة،فماذا يعني العلم في مقابلها ؟ وما العلاقة بين العلم والثقافة ؟ وما علاقتهما بالخبر ؟
1. العلم ضد الجهل ، والعلم الحق هو العلم الضروري ، وهو الذي يخبر عن حقيقة : النفس والعالم والخالق ، ويقدم إجابات شافية عن التساؤلات الأولى حول الكليات ، والتي أثارها الإنسان منذ بداية الحياة ، ولا تزال تشغله في عصرنا الحاضر ، وستبقى كذلك ما دامت الحياة مستمرة ، حتى تتكشف الحقيقة الكاملة عندما ينعقد الحساب ، وتوضع الموازين ، ويأتي كل إنسان يحمل كتابه
2. " والعلم يعني المعرفة والدراية وإدراك الحقائق ، والعلم يعني الإحاطة والإلمام بالحقائق وكل ما يتصل بها ".(بوحوش والذنيبات ، 1989م)([1])
3. والعلم هو " ذلك النشاط الذي نحصل به على قدر كبير من المعرفة عن حقائق الكون بواسطة التفكير العلمي،ويمكن تعريفه:بأنه المعرفة المنظمة المصاغة بشكل قواعد وقوانين تَمَّ التوصل إليها بواسطة الأسلوب العلمي السليم ".(سلطان والعبيدي ،1404ه )([2] )
4. والعلم هو عمل الفكر ونشاطه في فهم الظواهر الطبيعية والإنسانية ، ودراستها وتفسيرها بطريقة منهجية منظمة تمكن من ضبطها والتنبؤ بها
والظواهر توجد في الطبيعة خارج الذات وفي داخلها، انشغل التفكير الإنساني منذ القدم بالحصول على المعرفة عن موضوعات ثلاث شكلت الهم الأكبر للعقل الإنساني في جميع مراحل التطور الفكري والثقافي للإنسان عامة ، وهذه المواضيع هي:الذات أو النفس والعالم الخارجي أو الكون والخالق المبدع لكل من الإنسان وما هو خارجه من مظاهر الوجود.
ولا نصادر على المطلوب إذا قلنا إن الحقيقة الكاملة والإجابات الشافية عن هذه الأمور الثلاثة التي تشكل المواضيع المركزية للفكر الإنساني يقدمها بكل وضوح الخبر العلمي الإسلامي الذي نجده في القرآن الكريم والحديث الشريف ، فقد برهنت رحلة الإنسان في البحث عن الحقيقة أن الأمر متوفر عندما يعرض القرآن الكريم لقضايا توحيد الله وصفاته والقدر واليوم الآخر والحساب والجزاء وغيرها من مسائل العقيدة ، وأخبار الأمم وموضوعات عالم الغيب والشهادة ، فهذه كلها موضوعات حسمها العلم الإسلامي الذي جاء عن طريق الوحي ، وأصبحت عقيدة ثابتة
ولكن قد يسأل سائل : هل من الضروري أن تكون للإنسان عقيدة ؟
والجواب عن السؤال يكون بسؤال أوليٍّ:ما معنى العقيدة ؟ وما جدواها للإنسان ؟
· العقيدة من :عقدَ الشيءَ إذا أحكمه ووثقه،ومن العزم والعهد والميثاق،وكلها تفيد الربط والتثبيت،وهذه الصفات هي ما تتصف به أجهزة الأفكار أو ما يسمى بالأيديولوجيات،والفكر هو الميزة الأساسية للإنسان على الجمادات والحيوانات،ولا يزعم عاقل أن الحياة الإنسانية بما فيها من ثقافات وآداب وإبداع وحضارات قد بنيت على غير الفكر
· وللفكر وظيفة أخرى وهي الاستعداد لتلقي العلم الإلهي الذي يرسم المنهج الصحيح للحياة لينتقل الإنسان بسلام وأمان منها إلى الحياة الآخرة،وكلما اتصفت الأفكار بالتناسق والترابط والتكامل وسلامة المقدمات التي تؤدي إلى نتائج صحيحة كلما كونت العقيدة المترابطة القوية التي تصلح لحماية الحياة،وتشييد الحضارات الراشدة،والعقيدة الإسلامية،أي مجموعة الأفكار والمسلمات الثابتة التي لا يجادل فيها العقل الإنساني في حال سلامته واتساقه وصحته تقوم بهاتين الوظيفتين،وما تبقى للعقل البشري من عمل بعد ذلك هو التوجه إلى آيات الله في الإنسان والكون فيدرسها ، وينفعل انفعالاً موضوعيًا إيجابيًا منظمًا ، وينشغل بها لتحقيق غرضين الأول :الاستدلال العلمي الذي يوصله إلى خالقها ومبدعها فيكون ذلك وسيلة لزيادة الإيمان،والتقرب إلى الله بالعبادة والطاعات،والثاني دراستها بكل الطرق العلمية المتاحة لحسن استثمارها واستغلالها في تأمين ما يحتاج إليه مما يعينه في الحياة الكريمة،ليتفرغ للعبادة وشكر المنعم وتوحيده ، ويكون ذلك وسيلة لرفع الدرجات .
وبهذا الشكل فالعقيدة أمر محتم التكوين والتشكل في الإنسان من خلال انشغال العقل وقواه بالموضوعات المتعددة في عملية متصلة،فهي بذلك أمر ضروري.
والعلم بهذا المفهوم وفي مجال دراسة الظواهر عامة لا يختلف عما يذهب إليه من يقصر العلم على دراسة الظواهر الكونية في الإنسان والمادة ، كما ورد في الموسوعة البريطانية في تعريف العلم بأنه:أي نظام معرفة يتعلق بالعالم الطبيعي وظواهره ، ويكون نتيجة للملاحظات غير المتحيزة أو التجريب المنهجي .
Science is any system of knowledge that is concerned with the physical world and its phenomena and that entails unbiased observation and systematic experimentation .
ويستبعد هذا التعريف بالضرورة كل الظواهر التي لا تقع تحت طائلة الملاحظة والتجريب،وهما الأداتان الرئيستان في دراسة الطبيعة،وأول ما يستبعده الموضوعات التي جاء بها الخبر الديني،وهي مواضيع ما يطلق عليه الفلاسفة الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة،تلك المواضيع التي تعرف في العلم الديني بخبر الوحي،فميدان العلم حسب التعريف يقتصر على الظواهر القابلة للملاحظة والتجريب في الإنسان والطبيعة والكون،أي النشاط العقلي والحسي الملتزم بالنظر في المواقف التجريبية التي تصمم للبحث والدراسة في مجال الظواهر والموضوعات القابلة للتثبيت والتجزيء والتحليل وإعادة التركيب،وكثير من موضوعات خبر الوحي غير قابلة لهذا العمل لأنها موضوعات جاهزة تفترض وجود العقل المدرك الذي يتلقاها ويتقبلها بلا نقاش أو مراجعة ثقة مطلقة في صدق مصدرها ومبلغها ؛ ولهذا فإن هذا التعريف وأمثاله تعريف قاصر لا يفي بالغرض المطلوب .
· والحقيقة أن العلم هو كل معرفة منهجية منظمة تعتمد على عملية التفكير الاستدلالي المنظم التي أُودِعت مبادئها في فطرة الإنسان ، حيث يتبع العقل في حال صحته واكتمال نموه ، وفي زمن محدد ، واحدة من ثلاث طرق في الوصول إلى المعرفة : أولها : الاستقراء وهو انتقال العقل في عملية التفكير من الجزء إلى الكل ، أي استنتاج قانون أو قاعدة عامة من الخصائص المشتركة الموجودة في الحالات الفردية . وثانيها القياس وهو انتقال العقل من الكل إلى الجزء ، أو ما يطلق عليه الاستدلال القياسي ، وذلك عندما ينتقل العقل من القاعدة أو القانون المتفق على صحته والذي تمَّ تكونه مثمرة لعمليات الاستدلال الاستقرائي ، فيطبقه على حالات جزئية مشابهة غير معروفة الحكم فيستنتج لها حكمًا ، وثالثها التمثيل وهو انتقال العقل في عملية الاستدلال من حالة جزئية معروفة الحكم إلى حالة جزئية أخرى مجهولة الحكم بواسطة حالة ثالثة تربط بينهما بعلاقة شبه أو تماثل ، ومثالها : أ يشبه ب ، وَ ب يشبه ج ، إذن أ يشبه ج
يدَّعي أصحاب المنهج الرياضي الحديث ( الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (1872 – 1970م) وتلاميذه )أنهم توصلوا بالبرهان الرياضي إلى نوع من المنطق المستقل عن هذا المنهج الذي عرضناه ببساطة ، والحقيقة أن البرهان الرياضي يستخدم هذه الأشكال الثلاثة في إثبات مقولاته وتقدمه فهو يستخدم الاستقراء في بناء النظرية ، ثم يستخدم القياس في بناء البرهان قياس على النظريات المكونة من البدهيات ، ويستخدم التمثيل في مراحل مختلفة من الاستنتاج . ولا داعي للخوض أكثر في تفاصيل الخلاف بين العلماء لأن مكانه ميدان آخر من ميادين البحث العلمي .
ويستند العلم الديني كما سيأتي على استخدام أدوات العقل وقواه المدركة في تقبل الخبر الأوليِّ الذي جاء به رجال أمناء ثقاة صادقون مصطفون هم ( الأنبياء والرسل ) صلوات الله وسلامه عليهم،الذين لم يعهد عليهم الكذب،ولم تكن لهم مصلحة شخصية في ادعاء ما جاؤوا به تلقيًا ووحيًا وتكليفًا من الله ، بالكيفية التي عرضها القرآن الكريم والسنة النبوية بأصح الأخبار وأدق التفاصيل عن عملية الوحي ، وكان دور الرسل عليهم السلام في أممهم هو مجرد البلاغ،ونقل الأوامر الإلهية بأمانة ودقة وموضوعية مطلقة؛لأنهم يعرفون يقينًا أنهم مراقبون من خالقهم الذي كلفهم بهذا الأمر،ويعلمون كذلك أن علم الله سبحان وتعالى مطلق الشمول والاتساع والإحاطة،ولهذا فإن العلم الذي مصدره الوحي هو علم صادق بالضرورة ؛ لإنه علم استمد من أوثق مصدر بأكثر الطرق صدقًا وحيدة ودقة وموضوعية.
وهكذا نرى أن العلم يؤسس وينمي المعرفة بالطريقين المعروفين في التاريخ البشري:الوحي الإلهي والنشاط العقلي الاستدلالي،والخبر النزيه يتابعه وينقله وينشره وينقده ويفسره ويبسطه ويعممه ويدعو إليه ، وعملية تأسيس العلم ونموه وتطوره تستفيد من كل العمليات المتعلقة بالخبر بطبيعته العلمية الموضوعية ذات المصداقية ، بينما يتسبب الخبر المضلل الكاذب في التخلف العلمي،وتضليل الاستدلال الذي يضر بالمعرفة الإنسانية في سعيها الحثيث للبحث عن الحق والعدل والمساواة والخير،سعيًا إلى السعادة النسبية الممكنة في الدنيا،والفوز برضا الله والجنة في الآخرة
كان الخطاب الإسلامي أول خطاب ثقافي إنساني يعبر عن قضايا العلم وميادينه بل ومادته بمصطلح جديد وهو مصطلح الخبر ، ورَسَّخت الدراسات الإسلامية المتخصصة منذ القرن الثاني الهجري وخلال القرون التي بعده هذا المصطلح الجديد ، وإذا كان الخبر الإعلامي قد استقل بخصائص طورها رواد صناعة الأخبار الأوائل في العصر الحديث ، فإنه لا يزال تنقصه الخصائص الأصيلة للخبر الإسلامي الذي كان له فضل السبق في التأكيد على الموضوعية والصدق والأمانة والدقة ، ولقد طالت القيود التي حددها الخطاب العلمي الإسلامي للخبر شخصية الراوي أو ناقل الخبر إلى جانب اهتمامها بتوثيق النصوص ، وطبق على النصوص معايير وموازيين أدق من ميزان الذهب والأحجار الكريمة ؛ فأخضع لعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال كل من ولج ميدان الخبر، وذلك إلى جانب مجموعة القيود والضوابط التي حددها العلماء للخبر المقبول تمييزًا له عن الخبر المردود ، واستقرت تلك الضوابط والقيود العلمية وأصبحت سورًا منيعًا حفظ الله بها الدين وصان الشريعة من كل تحريف أو تغيير
وفي الوقت الحاضر وبتأثير الاتجاه المعاصر في التأكيد على التخصص الدقيق في العمل ، ونتيجة للتقدم الهائل في أدوات البحث العلمي والعمل الإعلامي فقد تشابكت الميادين التي تظهر فيها أهمية كل من العلم والخبر في التقدم الإنساني ، وفي تصميم وإدارة الإصلاح والتغيير الاجتماعي ، مع احتفاظ كل منهما بميدانه وذاتيته ، ويعكس ذلك الطابع التكاملي لعمل البحوث التي تسهم في الحضارة والتقدم والبناء ، والطبيعة التكاملية لعمل ميادين الفكر في بناء الحضارة ، ورقي الإنسان.
ورغم الآثار العملية المذهلة للمعرفة العلمية ( الإمبيريقية empirical ) ، ودورها الكبير في بناء حضارة عصرنا ، إلا أنه يجب التنبيه إلى عيوب التجربة ذاتها وخطورة الاعتماد المطلق على نتائجها ، رغم الدقة المتناهية التي تضبط بها عادة العوامل المؤثرة فيها ، والتحكم في عناصر المجال الذي تجرى فيه ، ولا يعرف بالتحديد العدد الحقيقي للضحايا الذين قضوا في مراكز الأبحاث التابعة للمستشفيات والجامعات والشركات والمؤسسات الحكومية والأهلية ، ولكن المؤكد أن ولع الإنسان بالتجربة التي يسمونها التجربة العلمية كان له ثمن باهظ ، ومهما بلغت التجارب من الدقة وضبط العوامل والتحكم في المجال فلا يغيب عن البال المآسي التي انتهت إليها الأعمال التي وصفت بكل صفات الكمال كما حدث لمكوك الفضاء الأميركي شالنجر الذي تفجر بعد انطلاقه بدقائق معدودة ، ثم فيما بعد لمركبة الفضاء كولومبيا ، كما ينبغي التنبيه إلى الخصائص السالبة للخبر الإعلامي الكاذب أو المتحيز في ظل طوفان المعلومات الذي تعيش في ظله البشرية في الوقت الراهن .
والخيار الواقعي الواعي للبشرية يكون في التناول المتوازن الذي ينقاد للعلم الإلهي أو علوم الوحي كما أُصْطُلِحَ عليها ولا يهمل العلم التجريبي الضروري الذي تقوم عليه مصالح الدين والدنيا ، وتستقيم به الحياة ، بما يوفره من وسائل إشباع الحاجات العضوية والنفسية للإنسان ، وتأمين العيش المناسب الذي يساعده على الإبداع والرقي ، والقيام بالواجبات الدينية والدنيوية .
ومن ناحية أخرى فلو أن الإنسان رجع إلى نفسه في لحظة ما من لحظات الحياة الاصطناعية المتسارعة التي نعيشها هذه الأيام ، وفكر تفكيرًا صافيًا بعيدًا عن كل المؤثرات ، وحاول أن يتعرف على حقيقة ما يحتاجه في رحلة الحياة ، فلن يجد خيرًا من علم ومعرفة مأمونين واضحين صادقين ينظمان حياته ويكبحان جماح الاندفاع في سيل الشهوات الجارف ، ويقدمان تفسيرًا واضحًا ومقبولا للقضايا التي خلق الإنسان مفطورًا على التفكير فيها والانشغال بتفاصيلها ، ويقدمان حلا لإشكالية الفرد والجماعة ، والحياة والموت ، ولن يجد هذا العلم وتلك المعرفة إلا فيما يقدمه الدين الخاتم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه دعوة مخلصة صادقة للدخول إلى ميدان العلم الحق ، العلم الصادق الذي يناسب الفطرة الطاهرة النقية ، ويناى بالإنسان عن ركوب الهوى ، ومتابعة النفس القاصرة في التجديف في دروب الضلال فيضيع العمر دون أن تنضج التجربة الإنسانية بدرجة كافية تضيف فيها إلى الموروث البشري شيئًا ذا بال.
لقد حاول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596 - 1650 م)هذه المحاولة المنهجية ، ولكنه بدأ بداية مفتعلة عندما اتخذ الشك بداية منهجية يبدأ منها لإعادة بناء المعرفة عن الموضوعات الثلاثة الرئيسة : الله ( أوالألوهية ) والعالم ( أوالوجود المستقل عن الذات ) والنفس ( أو وجود الذات ) ، وبالغ في تطبيق مقولات المنطق وطرق الاستدلال في الوصول إلى الهدف النهائي ؛ مما أضاع الفرصة عليه وعلى من تأثروا بفلسفته ، على الرغم من كونه من رجال الدين المسيحيين وعلمًا من أعلام الرياضيات في زمانه وفي نفس السياق يمكن تفسير أي محاولة من المحاولات الإنسانية التي تدعي اصطناع طرق بشرية لبناء المعرفة كالمدارس الوجودية والماركسية والذرائعية وغيرها من الاتجاهات الفكرية والمذاهب البشرية ، التي تدعي الوصول بالفكر البشري المجرد إلى العلم والمعرفة الصحيحين ، وإذا كان هذا ممكنًا في مجال دراسة المادة حيث توصل الإنسان إلى نتائج باهرة في كل المجالات ، فلا يزال الأمر بعيد المنال في مجال دراسة الإنسان ، بل إن الإغراق في استخدام المنهج التجريبي بنتائجه المنطقية الشاملة قد أوقع الكثير من الأضرار في الحياة الفردية والاجتماعية في كل ميدان لم تتوافر فيه الضوابط التي تمنع الإنحراف والتطرف والفوضى الفكرية والعملية
ثانيًا :ثقافة الخبر :الوضع الراهن
كيف تتشكل ثقافة الخبر الإعلامي ؟
ليس ما نعيشه من سيطرة الخبر وطغيانه على فكر وسلوك الإنسان في الوقت الحاضر أمرًا جديدًا ، وليس استغراق اهتمام الناس في دوامة الأخبار في الحياة المعاصرة بالحالة الطارئة ، وما نتعرض له جميعًا من طوفان المعلومات على مدار الساعة ليس أمرًا مستغربًا ، فقد كانت الأخبار همًا دائمًا للإنسان ، ووظيفة اجتماعية لا يُسٍتَغْنَي عنها ، ووسيلة لصنع السلوك ، والتأثير فيه وتوجيهه ، والتنبؤ به ، ودعامةً هامة لا تستقيم الحياة إلاَّ بها
والأخبار:المفرح منها والمحزن،العام والشخصي تعبر في العادة عن الأحداث والوقائع بأسلوب تقريري ، وبمعزل عن العواطف والمشاعر الشخصية والانفعالات ، التي قد تبدع أشكال التعبير القصصي والشعري والأدبي والفني ، إذ أنَّ هذه جميعًا تنتمي إلى الجانب الوجداني في الإنسان ، إن الأخبار ليست شعرًا ، كما أنها ليست تعبيرًا عن وجهات النظر الشخصية ، أو الآراء الخاصة التي تنتمي إلى الجانب الذاتي ، وليست هي فلتات اللسان ، أو الأحلام والرؤى والرغبات والأمنيات ، وإن كانت ذات صلة بكل ما ذكر من جوانب الشخصية الإنسانية ومكنون النفس البشرية التي تتصرف ككلٍ واعٍ متكاملٍ .
وطريقة التعبير عن الحدث بالخبر عن أمرٍ من الأمور طريقة عامة في النوع البشري بلا استثناء ، مهما كانت اللغة التي يستخدمها الإنسان ، أو الوسيلة المستعملة ، أو الهدف الذي يسعى إليه ، ويتشكل الخبر تبعًا لغرض الباحث عنه أو ناقله أو مذيعه أو الحريص على تتبعه وجمعه ، فبعض الأخبار يأتي موجزًا مختصرًا ، وبعضها يساق بأسلوب رمزي معين ، والبعض يأتي على شكل قصة طويلة ، وما نعيشه في واقع اليوم من تنافس شديد في صناعة الخبر هو السبب المباشر في هذا الطوفان من المعلومات الذي يتدفق على مدار الساعة بحيث أصبح الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا في عملية الاختيار والانتقاء من هذا الكم الهائل من المعلومات الذي يكون الخبر النسبة الكبرى منه .
كان عالم الإنسان في الماضي محصورًا في قريته أو الحي الذي يقيم فيه من المدينة ، وكانت المدن محدودة جدًا بالقياس إلى التوسع الهائل في المدن الحالية ، وعندما كان نشاط الإنسان محدودًا بالعالم الضيق الذي حددته القرية أو المدينة الصغيرة في السابق ، كانت الأخبار تدور حول الموضوعات التقليدية المتعلقة بالأسرة وأحوالها وعلاقاتها ، أو المهنة ومتطلباتها ومشاكلها ، وقليل من الناس من كان يخرج اهتمامه بالأخبار عن نطاق عالمه المحدود ذاك ، نتيجة لصعوبة المواصلات وعدم توفر وسائل النقل ، وقد صبغت تلك الحياة المحدودة ثقافة الناس واهتماماتهم ، فالكثيرون كانوا يولدون ويعيشون حياتهم ويموتون ولا يعرفون أحوال الناس في المدن المجاورة ، ولا يقاس حال الناس في الوقت الحاضر على حالهم قبل مائة سنة مثلاً ، فقد وفَّرَ التقدم الهائل في شتى الميادين أوضاعًا ثقافية جعلت العالم كله مسكنًا لكل فرد من البشر ، وفي ظل هذه الظروف طرأ على ثقافة الإنسان الفرد والمجموع تغيرات بعيدة المدى كان لوسائل الاتصال الحديثة الدور الأكبر فيها . وما تقدمه هذه الوسائل في العادة أخبار في جوهرها مهما كان نوعها ومستواها ، وعملت هذه الأخبار على تشكيل الثقافة والعقل بطريقة فريدة لم يعهدها الإنسان من قبل ، ويمكن اعتبار هذه الأخبار في وضعها الراهن من حالة التعرض الإعلامي على مدار الساعة سببًا مباشرًا لكل الظواهر النفسية والاجتماعية الجديدة في الحياة المعاصرة
وفي العادة فإن ما يتوقعه متلقي الخبر من ناقله هو مجموعة من الوقائع والحقائق والمعلومات التي تنتمي إلى الجانب الإدراكي المعرفي ، وليس إلى الجانب الوجداني أو الخيال ، وكلما أشبعت الأخبار هذا الجانب وأثْرَتْ الجانب المعرفي ، كانت ذات قيمة على المستويين : الخاص والعام ، وربما تتجاوز الأخبار هذه الطبيعة وتلك الحدود نتيجة لتسخير وسائل التعبير التي تخدم الغرض الإعلامي ، وتزيد من تأثير المؤثرات المصاحبة في عملية نقل الخبر ؛ بهدف تعزيز الفكرة التي يريد ناقل الخبر لها أن تسبق ، ويهدف مرسل الرسالة الإخبارية إلى أولويتها في الرسوخ لدى المستقبل ، وذلك يكون باستخدام الصور والرسوم بأنواعها ، فما كان ينتظره شيخ قبيلة عربية جاهلية من النذير العريان الذي كان يُكََلف بالمراقبة الدائمة للبيئة المجاورة ومتغيراتها ، ثم الانطلاق بأقصى سرعة لإشعار القبيلة بالخطر الداهم طبيعيًا كان أو بشريًا ليس قصيدةً شعرية أو وصفًا أدبيًا ، ولكنه مجرد معلومة موجزة سريعة ، وبأوضح أسلوب ، وأصدق تعبير ، وهذا أيضًا ما كان يُطْلَبُ من أي مراقب على شجرة في غابة من غابات إفريقية أو في غابات الأمازون ، أو من هندي من هنود أميركا الأصليين يرصد البيئة المحيطة من فوق صخرة مشرفة ، أو من على صهوة جواده ، ثم ينطلق من فوره إلى قبيلته ، فعلى هذه المعلومات يتوقف أمن ومصير الجماعة البشرية مهما كان حجمها وموطنها ، وهذا نفسه ما ينتظره المسؤول عن الأخبار في أي مؤسسة إعلامية تستخدم الطرق البشرية التقليدية ، أو توظف آخر ما وصل إليه العلم من وسائل الاتصال كالأقمار الصناعية ، ومن وسائل الطباعة والنشر أو الإذاعة ، وهو نفسه ما يطلبه المسؤول في أي جهاز يعمل في مجال المعلومات كأجهزة المباحث أو الاستخبارات من العملاء في أي مكان من العالم . وكون الأخبار منفصلة عن الأمور الشخصية أمر اكتسبته من سيطرة المنهج الرياضي الرمزي على الفكر الإنساني في الحياة المعاصرة ، وذلك على حساب التعبير الأدبي ، لأن الرياضيات تلح على التجريد في صياغة المعرفة ، وبناء المدركات ، وزادت سيطرة هذا الاتجاه مع زيادة التأكيد الإنساني العام على الناحية الاقتصادية في القيمة ؛ بحيث صار الزمن يحسب بالجزء من ألف من الثانية ، وتُقَوَّمُ الأعمال بمقياس الربح والخسارة ، وأدت إلى ذلك أيضًا سيطرة الميكانيكا والاقتصاد على الفكر الإنساني ، وتحكم قوانين الرياضيات والفيزياء وعلوم الفضاء التي تدرس الإنسان والمادة وفق مقاييس ومعايير وقيم جديدة ليس أقلها التخلص من تأثير قوانين الجاذبية وما تمثله من بعد فسيولوجي ، وما توفره من انتماء بيوفيزيقي للأرض التي تؤكد المشاهدة والتجربة الحية والفطرة وسائر الأديان السماوية على أنها البداية والمآل ، ومنها تبدأ الرحلة الختامية للدراما الإنسانية ، حيث يتحدد المصير النهائي للإنسان بعد البعث ، وعلى هذا نص خبر آخر الكتب السماوية وأصدقها وأوثقها علمًا وخبرًا قال الله تعالى : {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }طه55 ، أدى كل ذلك إلى ظهور نمط آلي من الحياة الرتيبة المسيطرة ، مفرغة المضمون ، خاوية المحتوى ، وصارت الأخبار جزءًا جامدًا من الآلة المعرفية الميكانيكية الجديدة التي استبدت بإنسان اليوم ، فلا يجد فكاكًا من هذه السيطرة وذلك الاستبداد .
هذه بعض ملامح صورة أزمة ثقافة الخبر في المجتمعات المعاصرة ، والتي يقاس فيها التقدم بدرجة تقدم العلم التجريبي ، وتطبيقاته في الحياة ، بدأ ذلك في الحضارة الأوروبية الحديثة منذ أن كُفَّتْ يدُ الدين السماوي عن التدخل في بناء وتوجيه الحياة ، وعزلته عن أجهزة بناء الأحكام على السلوك الشخصي ، وسمحت له بنطاق ضيق في عملية التربية وتكوين القيم العامة ، وصارت المقاييس مقاييس تجريبية شخصية أو عملية نفعية ، تقدس الفردية بدعوى الحرية ، وتعلي من شأن العقل المطلق كما صوره الحكماء والفلاسفة في مقابل النص الإلهي الذي أفقدت القيادات السياسية المتتابعة الثقة في جدواه ، وتكاد تفسد الوظيفة الإنسانية لهذا الجانب الهام من الحياة العقلية والعملية ، وبلغت هذه العملية أقصى غاياتها أثناء الثورة الفرنسية ( 1789 م ) والسنوات التي تلتها ، وبلغت الأحداث ذروتها في الدين الجديد الذي تبنته تلك الثورة ، وهو عبادة العقل ، والافتتان بهذه البدعة في غيرها من البلاد ، ثم في الأحداث التي أعادت تشكيل أوروبا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، حتى أجهزت الثورة الشيوعية في روسيا ( 1917م ) على آخر قلاع الفكر الديني بتبنيها للإلحاد منهجًا صريحًا للدولة والمجتمع ، وموجهًا لعمليات البناء الخلقي ، ونقطة بداية لكل عملية تفكير ، وسمحت فقط وبكل قسوة للعقل أن يبدع منطلقًا من هذه البداية الفكرية التي انتهت بهذا الكيان الكبير إلى التفكك بعملية اختيارية في العام الميلادي 1992 م ، كما أنشيْ في بداية الثورة البلشفية عام 1917 م ، ونتيجة للقوة والنفوذ اللذين اكتسبهما الاتحاد السوفييتي السابق على مدى القرن العشرين الماضي انتقلت عدوى هذه الآفات الفكرية إلى غيره من الأقطار الأوروبية ، وفيما بعد إلى جميع أنحاء العالم ، وساعد على ذلك خروجه منتصرًا على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية متحالفًا مع الغرب ، وتشجيعه للحركات الثورية المناوئة للاستعمار الغربي في البلاد المستعمرة في آسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية في سنوات الحرب الباردة ، وقد تشكلت الثقافة الإنسانية إلى حد كبير بتأثير هذه التعاليم الجديدة التي تحرسها القوة ، وتضحي بملايين الأبرياء في سبيل إكراه الناس على اتباعها وطاعتها ، والخضوع لها ، من أدنى طبقات المجتمع إلى أعلاها ، وخضعت الأمم التي تبنت تلك المنطلقات الفكرية والأساليب التطبيقية لثقافة خبرًا من نوع جديد عاد بالإنسانية إلى مراحل سابقة صودرت فيها كل إنجازات الثقافات والحضارات التي ترعرعت بتأثير التعاليم الدينية والقيم التي جاءت بها ، وما بشر به حكماء الشرق ، وأبدعته عقول فلاسفة الغرب .
ولعمري فإن ظلال التعريف اللغوي العربي تفرض نفسها على واقع مفهوم الثقافة عند كل من الفرد والمجتمع ، فإن حالة الوعي هي التي يعبر عنها بالثقاف والثقافة والفطنة والذكاء والأخذ . ولما كانت الأخبار هي الرافد الأساس الذي يربط الإنسان ببيئته وعالمه ويجعله على وعي بنفسه وبمن حوله ؛ فقد اتضحت لنا الآن العلاقة الوثيقة بين الأخبار وبين الحالة العقلية الفردية والاجتماعية التي تسمى الثقافة ، فالأخبار بمعناها العلمي تشمل كل معرفة تصلنا عمَّن وعمَّا نجهله وهي الأداة الرئيسة التي تكون الثقافة وتشكلها وتوجهها ، إنَّ ما يملأ عقولنا ويشحن مخزون مدركاتنا وذاكرتنا في الحقيقة ليس إلا مجموعة من الأخبار والتقريرات التي تصنع أحكامنا ، وتتحكم في عمليات اتخاذ القرار لدينا ، وفي استجاباتنا للظروف التي نتعامل معها ونعيش وسطها ، وسوف يتضح ذلك جليًا عندما نعالج موضوع الخبر الديني ، وكما كشفت بحوث العلماء في الفيزياء بعد تجزيء الظاهرة البحثية وتحديدها بالتوصل إلى أصغر مكونات المادة والطاقة والذرة كالإلكترون والفوتون ، فإنه آن الأوان لتصور مكونات الثقافة من الوحدات المعرفية التي نطلق عليها : الخبر ، وتتوحد هذه الوحدات ، وتظهر في كلٍِ تراكميٍ يتسع ويضيق بتأثير عوامل النمو والتربية والعمليات المقصودة وغير المقصودة التي توظف في عمليات تشكيل الشخصية في البيئتين : الطبيعية والاجتماعية
وعودة إلى الخبر كما نتعامل معه في الواقع ففي حقيقته هو ما تتوقعه أمٌ انقطعت أخبار ابنها المسافر عنها ، فهو مجموعة المعلومات والوقائع عن مكان وجوده ، وعن حالته الصحية والمادية وعن خططه في العودة ، وغير ذلك من التفاصيل التي تثيرها غريزة الأمومة ، وتستدعيها الدوافع الأخرى ، مع أنها تتحرق شوقًا إلى ضمه إلى صدرها مرات ومرات ، وقد تفعل ذلك مع رسالة وصلت منه تحمل صورته ، ويظهر تأثير الخبر على صوتها وحركاتها وكلامها ووظائف أعضائها ، ودرجة انفعالها
كذلك الحال بالنسبة لأسرة دخل عائلها غرفة العمليات ، أو طالب ينتظر نتيجة الامتحان ، أو أسرة جندي وقع في الأسر ، أو المشاهدين لعملية إطلاق مركبة فضائية ، أو المستمعين لنشرة الأخبار ، أو هواة كرة القدم والألعاب الرياضية عامة والمتابعين للمسابقات والمباريات ، أو الذين يقضون ساعات طويلة أمام أجهزة الحاسب أو يدفنون رؤوسهم في الصفحات الاقتصادية للصحف يتابعون حركة أسهم الشركات والبنوك والمؤشرات الاقتصادية في كل مكان في العالم ، ونفس الشيء يقال عن حالة شاب تقدم لخطبة فتاة ، وينتظر خبر الموافقة أو الرفض ، والأخبار هي ما يَنشُدُه أهل بلد انقطع عنهم المطر ؛ بحيث تهددت حياتهم وحياة حيواناتهم ومزارعهم ؛ فاتجهت اهتماماتهم نحو أخبار الطقس والنشرات الجوية ، وتشكلت انفعالاتهم وتركزت طاقاتهم العقلية وقواهم الإدراكية نحو طرق البحث عن الماء الضروري للحياة ، أو أولئك الذين يتعرضون للفيضانات المدمرة ، فإن ما يعنيهم هو المعلومات الدقيقة التي تنقلها لهم نشرات الأخبار ، وكذلك فإن الأخبار هي ما ينتظره أقارب ركاب طائرة مخطوفة أو غواصة تعطلت محركاتها واستقرت في قاع المحيط ولا يعرف أحد مصير من بداخلها ، وهي أيضًا ما تحتاج إليه أسر عمال منجم وقع فيه انفجار أو انهيار ، أو أبناء مغامر متسلق للجبال حاصره الطقس الرديء ، أو ذوو ركاب طائرة سقطت في حادث وتحطمت ، وبالتحديد هي أهم ما يتطلع له من تطلع لظلم أو عمليات القهر مثل الشعوب التي تكافح من أجل حريتها وانعتاقها ، إنه الخبر الذي يحمل إليهم بصيص أمل في حركة فعل من نصير أو منجد ، والخبر نفسه هو ما تتابعه أسرة تعرضت لحادث أمني في أي مكان من محيطها الذي ساقتها الأقدار إليه ، وهذا الخبر هو ما يوحد الحياة الإنسانية في فلسطين مع الإنسان في التبت أو الأرجنتين أو الريف الإنجليزي أو فنلندا أو مجاهل سيبيريا أو غابات الأمزون مثلا ، المهم في كل هذه الأمثلة هو المعلومات أو المعرفة ، وما يضيفه بعض المراسلين أحيانًا من أدبيات قد تفقدهم مصدر لقمة عيشهم عندما تلح الوسيلة الإعلامية على عزل شخصية المراسل عزلاً تامًا عن الحدث الذي يقوم بتغطيته أو الخبر الذي ينقله إلى مرجعه ، سواء أكان التعبير بالصوت أو الصورة ، أو بهما معًا في النقل الحي المباشر الذي تتنافس الوسائل الإعلامية في تطويره ، فإن الإخباري أو المندوب أو المراسل ليس جزءًا من الحدث ولكنه وسيلة نقل أمينة له، شأنه شأن الآلات التي تكمل دوره ، ونادرًا ما تسمح الوسيلة الإعلامية لمراسل مثل بيتر إرنت مراسل شبكةCNN الأمريكية من استخدام ثقافته وصفاته الشخصية ومهاراته من التدخل في عمله مع الثقة في عدم انحيازه تحت أي ظرف من الظروف وما يجري للإنسان في كل يوم وكل مكان هو الحياة كما قُدِّرَ لنا أن نحياها ، أحداث وأخبار من كل نوع ، إن الأخبار يجب أن تحمل حقائق عن وقائع محددة تتعلق بحدث ما وهذه الأخبار ذات تأثير على التكوين النفسي والحالة العقلية للفرد ، تنام معه ، وتستيقظ معه ، في دوامة تشكل حياته ، وتستأثر باهتمامه ، وربما شكلت أحلامه ، وطغت على دخيلة نفسه ، فتتدخل في صياغة الحوار الداخلي الشخصي ، وتصبه في قالب لا خلاص منه . والأخبار هي ما كان يتوقعه وينتظره الإنسان الذي عاش قبل عشر سنوات ، أو قبل مائة سنة ، الذي عاش في العصور القديمة أو القرون الوسطى ، أو العصر الحديث ، في الأمريكتين وأستراليا قبل اكتشافها أو بعد أن أصبحت معروفة ، في قارات العالم القديم ، أو في جزر المحيط الهادي ، هي ما كان ينتظره في كفاحه لبناء حياته وتأمين نفسه وأسرته وممتلكاته ، وذلك في عملية صراعه مع ظواهر الطبيعة أو مع غيره من بني جنسه ، وفي مواجهته لمتغيرات بيئته ، إنها باختصار أصدق تعبير عن دراما الحياة الإنسانية في أوضح معانيها ، إنها تَعَلُقُ الإنسان المعاصر بالحقائق والأرقام التي قد تجلب الرضا والسرور للبعض ، وقد تسبب للبعض الشعور بالتعاسة والألم ، وأحيانًا تجلب معها الموت المفاجيء ، أو تكون من أسباب انتقال الإنسان إلى طبقة اجتماعية فوق أو تحت طبقته في المجتمع المحلي ، أو على مستوى العالم أجمع ، وكثير من الأخبار قد تقود بسرعة إلى المقبرة ، وأحيانًا تسبب مآسٍ شديدة التأثير على الفرد والجماعة ، وفي كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام بأخبار من هذا النوع على مستوى العالم أو في داخل كل قطر أو حتى في المدينة أوالقرية ؛ على الرغم من العمليات الانتقائية التي تخضع لها الخبر وفق المعايير والمباديء التي تتحكم عادة في نقله ونشره وإذاعته
إن الخبر إنتاج عقلي واعٍ يصاغ في قالبٍ تعبيريٍ ، وهو عمل اللسان ، وتوظيف للقدرة على الإفصاح والبيان ، واستثمار للمواهب والقدرات العاقلة التي ميَّزَ الله بها هذا الجنس البشري على غيره من المخلوقات ، ووسيلة لنقل المدركات في المجال السلوكي في لحظة زمنية معينة ، وفي بيئة محددة ، ثمَّ نقلها عبر وسائل الاتصال المتاحة لحظيًا ، أو تسجيلها ، ثمَّ إذاعتها وبثها ونشرها على أكبر مساحة ممكنة طبيعيًا وإنسانيًا ، الخبر هو وسيلة لتثبيت الزمان والمكان ، وتحويل مكوناتهما من طبيعتها إلى شيٍْ آخر ينتمي إلى نوعً مجردٍ من المدركات ، وهذه تُكَوِّنُ ما يعرف بحالة الوعي التي تسمى الثقافة .
وأحيانًا تكون الأخبار غير حقيقية عندما يتعلق الأمر بعوالم خارج قدراتنا الإدراكية ، أو يكون فيها قصد الكذب أو التدليس أو التضليل ، أو يتعمد صانعها أو ناقلها أو مذيعها أو ناشرها التهويل والتضخيم ؛ لتحقيق أغراض خاصة يفرضها موقف معين ، ولسوء حظ الإنسانية فإن مثل هذه الأخبار تدخل في تكوين جهاز المعلومات للإنسان ، ولكنها لا تدخل في الحالة التي نطلق عليها الثقافة ، والتي تتضمن فقط الجوانب الإيجابية من المكونات العقلية والسلوكية ، فمن الخطأ أن نتحدث عن ثقافة تميز على أساس مقاييس باطلة ، أو ثقافةٍ تملؤها المعتقدات المشوشة ، أو التصورات الفجة أو الأفكار الكاذبة الباطلة المضللة ، فكل ذلك ليس ثقافة ، وإنما هو النقيض الحقيقي لها ، فعندما تقول : ثقافة فإنك بالضرورة تعني الوعي والأدب والتهذيب والفكر السديد والعدل والسلوك الذي يصدر حال الشعور ، ونتيجة للتوسع الهائل الذي حدث في حقول التعليم وميادين التأثير المعنوي على الإنسان في جميع مراحل عمره ، ونظرًا لتضخم المجتمعات البشرية فإنه يمكن بصعوبة القبول بإدخال الأنماط الثقافية السالبة في مفهوم الثقافة ، ونتج ذلك من التوسع في مفهوم الثقافة في علاقتها بالخبر بحيث صار واردًا تكون ثقافات تبتعد عن المفهوم المثالي الذي يفيده المعنى اللغوي ، فالقيم المنحطة والأحكام التي تصدر عنها وجدت لها مكانًا في المفهوم العام للثقافة ، وفي واقع الممارسة العملية للناس نتيجة للتوسع في مفهوم اصطلاح الثقافة .
ويمكن أن نسوق مئات الأمثلة للتدليل على أن ما يشغل الإنسان في حياته اليومية هو مجموعة أخبار، من أقل شؤون حياته أهمية إلى أخطرها وأعظمها وأجلها ، وأن ثقافته في حقيقتها مركبة من أنساق معرفية تعتمد على الأخبار التي تسهم إلى حد كبير في صناعة استجاباته لكل الظروف والمتغيرات التي يعيش وسطها ، ويتعامل معها، ويقع تحت تأثيرها ما دام حيًا ، وتسهم إلى حد كبير في تكوين وتشكيل وتغيير اتجاهاته نحو الأشياء والأشخاص والقيم . وفي أوقات الأزمات والحروب وأشكال الصراع المختلفة تكون المتغيرات ذات علاقة بالبقاء والوجود ؛ ولذلك فإن السلوك والحياة عامة ، والفكر والثقافة تصطبغ بصبغة خاصة ، بحيث تصبح الحاجات اليومية كالأكل والنوم والشرب والزواج والتعليم والزيارات والعلاقات الاجتماعية وكل أشكال السلوك النمطي اليومي في المنزلة الثانية من اهتمام الإنسان ، وتتوجه طاقاته المعرفية نحو متابعة الأخبار ذات العلاقة بالأمن الشخصي وأمن الجماعة التي ينتمي إليها ، وبمستقبله القريب والبعيد
وأيًا كانت الأخبار التي ننتظرها أو نتوقعها فإنها لا تنفصل عن الواقع الذي نعيشه ، ولها نفس نوع التأثير والوظيفة في حياة الناس مع الأخذ في الاعتبار أثر العوامل الشخصية والبيئية ، وتلعب نفس الدور مهما كانت درجة التطور أو التحضر للفرد والجماعة ، يستوي في ذلك حال الشعوب الفقيرة والغنية ، والبلاد المتحضرة والجماعات البدائية ، بل لعلنا نجد أحيانًا أن دور الخبر في الجماعات البدائية أشد تأثيرًا في السلوك اليومي وفي العلاقات مع الجماعات الأخرى في غياب الوسائل الثانوية التي جاءت بها حضارة عصرنا
وهذا كله جعل فئات من الناس يشكلون من أنفسهم رجال أخبار مستغلين حاجة الإنسان إليها في كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية ، وقد نُظِّمَتْ الوظيفة الإخبارية على مرِّ العصور بدرجة تتناسب مع أحوال كل جماعة بشرية من حيث الحجم والمعتقدات والظروف الطبيعية التي تتوافر في بيئتها ، ومن حيث أهدافها وسبل معيشتها ، وفي الوقت الحاضر فقد اوقفت على الوظائف الإخبارية في الصحافة وأجهزة المعلومات العلنية والسرية معاهد وكليات متخصصة زادت من قيمة الخبر ، ومن دوره وتاثيره في الحياة بكل تفاصيلها وجوانبها ، الخبر والحدث هو حياة الإنسان في الزمان والمكان ، والثقافة حالة عقلية من الوعي بما يكتنف الحياة من أحداث وأخبار وتتشكل هذه الحالة من عمليات تراكمية يقوم فيها العقل بعمليات الانتقاء والعزل والاختيار والترشيح ، بواسطة القوى المدركة التي اودعها الله في الإنسان وجعلها ميزة له على بقية الكائنات التي تشاركه العيش في البيئة أو على مستوى ما يقع تحت إدراكه من الكون الواسع ، وهي عمليات دائمة تصاحب عملية الوعي وتكون نتيجة لها ، ولقد فرض كل ذلك ثقافة خاصة في التعامل مع المتغيرات تتناسب مع المعلومات التي توفرها الأخبار والاتجاهات التي تعمل على بنائها وتصلبها ، وتتدخل إلى درجة كبيرة في سلوك الإنسان واستجاباته لمؤثرات بيئته وأحوالها .

ثالثًًا:الصدق والكذب في مصادر المعلومات
خبر صادق وخبر كاذب
ثنائية وجدلية الصدق والكذب إحدى الثنائيات الأساسية المادية والمعنوية التي تأسست عليها الحياة الإنسانية ، (الحق والباطل ، آدم وإبليس ، الإنس والجن ، الخير والشر ، الظلمة والنور ، الذكر والأنثى ،الفضيلة والرذيلة ، الحياة والموت ، ثم السلسلة الطويلة من التقسيمات والتصنيفات المتقابلة ودرجاتها اللامتناهية في الطبيعة وفي الحياة الإنسانية بكل أبعادها وجوانبها وحالاتها ، والتي تشكل تفاصيل تلك الحياة ، وتحدد الوظائف والأدوار ، وتوفر عناصر المجال السلوكي للفرد والجماعة ) ، وظاهرة الثنائيات هي التجلي الأصلي للسنة الإلهية في خلق الإنسان في دائرة الابتلاء والاختبار وصولاً إلى يوم الاختبار النهائي (يوم القيامة ).
ثنائية الصدق والكذب مجال واسع من الأنشطة المادية والمعنوية التي تتطابق أحيانًا مع ثنائية الحق والباطل ، وأصبحت الآن المجال الثقافي الرئيس لثقافة الخبر ، وتحديدًا الخبر الإعلامي .
وفي ظل الظروف الدولية الزاخرة بالأحداث المتسارعة ؛ ونتيجة لتفرد قوة عظمى بالقوة في العالم لأول مرة في التاريخ الحديث ، وما تفرضه هذه الحالة من التجاوزات في السلوك السياسي والاقتصادي لتلك القوة بحيث إنها تشعر أن في إمكانها الإقدام على أي عمل دون أن تواجه مقاومة ، ولتبرير ذلك فإن الولايات المتحدة الأميريكية في هذه الحقبة من التاريخ الإنساني تؤسس سلوكًا إنسانيًا غير مسبوق من الكذب المنهجي ، فلأول مرة في التاريخ البشري تتصرف الدول مثل الإنسان الهمجي الذي لا يملك جهازًا للقيم ويشعر أنه لا يوجد من يمكنه أن يقف في وجهه،وقديمًا قال صاحب المثل:" مَنْ أَمِنَ العقاب،أساءَ الأدب."
والأخطر من ذلك أن كل من لديه أي اهتمام بالحياة الإنسانية ومعاناة البشر ، ويتابع القضايا الثقافية يدرك بلا أدنى ريب حقيقة:أن العالم يسبح على بحر من الكذب ، وليس الساسة وحدهم هم من يكذبون تنفيذًا لتوجيهات فيلسوف ( الغاية تبرر الوسيلة ) الإيطالي ميكيافللي (1469 1527م)، وكما اعتاد الناس منهم ، ولكن تحت تأثير السلوك التبريري الذي تتناقله وسائل الإعلام ليل نهار وعلى جميع المستويات ، وفي جميع أنحاء المعمورة ، فقد لاحظ الجميع تفشي الكذب حتى على المستوى الشخصي ، والكذب هو الآفة الرئيسة التي تنتج عنها كل الرذائل والموبقات حتى على المستوى الشخصي .
_ فهل نعيش في هذا العصر ثقافة الكذب ؟
مع أن الثقافة في أبسط معانيها هي أرقى حالة من حالات الوعي الإنساني الإبداعي !
_ وما علاقة الخبر بهذا النوع من الثقافة التي تتأسس الآن على الكذب ؟
كذب في السياسة ، كذب في الاقتصاد ، كذب في الحرب ، كذب في السلام ، كذب متواصل في الإعلام بكل أشكاله ، كذب في التربية ، كذب في العلاقات الأسرية ، كذب في علاقات الصداقة .
_ هل نحن واهمون عندما نطالع في كل يوم المقالات والتقارير من كل ناحية وتصريحات المسؤولين على كل المستويات تتفنن في ابتكار أساليب الكذب والتضليل ؟ كيف يطيق هؤلاء وضع رؤوسهم على الوسائد عند النوم وقفلون عيونهم وستسامون للنوم ؟
وهل هم حقًا ينامون ؟ وإذا نامت أجفانهم فهل تنام قلوبهم وضمائرهم ؟
ولكن لم لا ؟ أليس الكل يكذب على الكل وكل طرف يكذب الآخر ؟
وما المخرج من حالة الفوضى الأخلاقية العارمة ؟
وكيف يساهم الخبر في خلق هذه الحالة الغريبة الشاذة في السلوك الإنساني ؟
وهل يكون له دور في عملية إنقاذ البشرية من وهدة الكذب التي تردت فيها عن قصد وسابق إصرار ؟
يجمع البشر على اختلاف أديانهم وشرائعهم ومذاهبهم احترامُهم للفضائل المشتركة،وتقديرهم لأصحابها،والداعين إليها والعاملين بها ، والصدق وضده الكذب صفتان تنتميان إلى التكوين الأخلاقي للفرد ، ويتكونان تحت تأثير التربية والتنشئة المبكرة في إطار ما يسود الجماعة من المعايير والأحكام التي يوزن بها السلوك ، وتعمل الأسرة بقوة على غرس العادات التي تشجع هذا السلوك أو ذاك ، ثم تتدخل المدرسة بمفهومها العام ثم المؤسسات الدينية والاجتماعية في عملية التشكيل الأخلاقي للفرد ، وتوفر بيئة المجتمع بقوانينها وتعاليمها وضغوط الأنظمة الاجتماعية عوامل ضبط سلوكي للغالبية العظمى من أفراد الجماعة ، حيث تمثل ردود الفعل التي تثيب وتكافيء كالمدح والاحترام والتقدير والتنويه والإشادة ، أو تلك التي توبخ وتعاقب مثل العزل والنبذ والاستنكار والتوبيخ والتعزير والتشهير أو التجريم قيودًا رادعة في الوعي تحد من الكذب ، وتحبذ السلوك الذي يتصف بالصدق ، وتعمل عمليات الثواب والعقاب منذ الصغر على تشجيع الإنسان على الصدق، وتجنب الكذب ، وعندما يشب الإنسان على سلوك معين فإنه يتصلب ، شأنه شأن العادات والعواطف وخصائص الشخصية الأخرى ، وهذا الحال قاسم مشترك بين بني البشر عامة ، غير أن معايير الصدق والكذب تكون مطلقة في الفكر الديني بحيث لا يسمح إلا بهامش ضيق للرأي الإنساني ، لأن جوهر الإيمان هو الصدق والتصديق ، وانتفاء الإيمان معناه الكذب والتكذيب ، وأهم صفة اتصف بها الأنبياء والمصلحون كان الصدق ، وكل ما واجهوه من المتاعب والمشاكل كان مصدرها تكذيب أقوامهم والمعاندين لهم ، ومن الصدق تنطلق كل الفضائل البناءة والأخلاق الإيجابية ، كما أن الكذب هو أصل الرذائل ، فالسارق عندما يسرق يكون كاذبًا ، وشارب الخمر كذلك ، والزاني والغاش والمختلس والمقصر في العمل العام والخائن والمدلس كل هؤلاء يكونون أثناء تلبسهم بالسلوك السيء في حالة كذب ، وليس الكذب هو عدم قول الحق فقط ، بل مجافاة الحق بقول أو فعل
وأوسع مجال يمارس فيه الصدق والكذب هو مجال الخبر،إذ لا يزال الكلام والقول واللغة وسائل التعبير الأساسية عن الحدث بالخبر ، ولا تزال الإنسانية عامة تستخدم نفس الأدوات التعبيرية في صناعة الأخبار على الرغم من التطور الهائل في الآلات والمعدات ، بل أكاد أجزم أن تأثير الخبر المجرد أي الخبر الذي ينقل باللغة بمعناها الكلاسيكي أقوى بكثير من الخبر الذي تصاحبه وسائل التأثير العاطفي والانفعالي الأخرى ، بسبب التشتت الذي يحدث في عملية الإدراك ، وضعف التركيز الذي تسببه وسائل نقل الخبر المصاحبة .
ولأن ناقل الخبر أو مبلغه أو ناشره أو أي إنسان يحمل خبرًا من أي نوع وعلى أي مستوى وإلى أي جهة يكون عرضة للصدق أو للكذب ؛ فإن الخبر مسؤولية أخلاقية في المقام الأول ، وأدى التنافس الكبير في مصادر الأخبار إلى التزام معظم هذه المصادر بآداب متابعة ونقل الخبر وإذاعته ، وكأن التقدم العلمي الذي وفق الله إليه بني البشر كان ضمانة إلهية للالتزام بدرجة من الصدق والموضوعية والأمانة ، وهذا والله أعلم ربما يكون من الأصول التي يعتمد عليها التوازن الذي جعله الله ضمانة لحسن سير الحياة في إطار ما قدر الله
وبالإضافة إلى ذلك فإن الآلات التي تستخدم في صناعة الأخبار تتحكم إلى حد كبير في توفير الموضوعية والصدق ، ولا تترك إلا مجالا ضيقًا للكذب يتمثل في توظيف الآلات في تلفيق الأخبار ، أو تلوينها حسب الأهواء أحيانًا ، وكما يحدث في تركيب الصور وصناعة الأصوات ونسبتها إلى غير أصحابها ، ذلك الأمر الذي أتاحه التقدم الكبير في استخدام الحاسب الآلي وبرامجه وعلومه، ولحسن الحظ فإن الاتجاه العام للفكر والحياة الإنسانية حريصان على كل ما هو إيجابي ، وينفران وينبذان كل ما خالف الحق والأعراف
الصدق والكذب في السلوك الإنساني العام معايير تتسم بالثبات ، وعلى المستوى الأخلاقي توجد فواصل قاطعة تميز ما هو حقيقي عما هو زائف ، وتحرص الإنسانية عبر تعاقب أجيالها في التاريخ البشري أن تعلى من معايير الصدق والحق لأنهما ضمانة أكيدة للاستقرار النفسي والاجتماعي،وتؤكد التربية الإنسانية المقصودة في الأسرة وفي النظام التعليمي المدرسي على غرس هذه القيم ورعايتها،بحيث تتحول إلى بناء راسخ ضابط للسلوك العام. وكما يمرض الجسم وتضعف أجهزته،وقد تعجز عن القيام بوظائفها كذلك يمرض جهاز القيم والمعايير ، وتظهر فيه مظاهر الخلل في الأفراد والأمم على حد سواء،وأخطر مظهر لفساد المعايير واضطراب الجهاز الدلالي ما تقوم به وسائل الإعلام وأجهزة المعلومات التي تقع تحت طائلة نفوذ الساسة وخاصة وقت الأزمات ، وحينئذ يظهر الصراع بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين الصدق والكذب ، وغالبًا فإن القوي يستثمر قوته في الترويج لسياساته حتى لو كانت كذبًا صريحًا ، غير أن الحق لا يعدم من الوسائل والأنصار الذين يدافعون عنه ، وهذه العملية سنة جارية في البشر وإليك هذا المثال التطبيقي الذي يثبت هذه المقولات وهو ماجرى في الحرب التي شنتها بريطانيا وأميركا على العراق.
رابعًا : تطبيق على ثقافة الكذب (تطبيق واحد يكفي .)
نبدأ بالحديث عن ثقافة الكذب التي توشك أن تسود حاليًا عملاً بالقاعدة الأصولية : درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، الكشف عن المفسدة والعمل على درئها ودفعها ومحاربتها وفضح أصحابها هو في الحقيقة مصلحة ، ويقتضي العمل بهذه القاعدة أن ننبه إلى هذا النوع من الثقافة الإفسادية التي تنتشر دون أن تثير مجرد استنكار بل أصبحت قاعدة والصدق والإصلاح هما الاستثناء ، وصارت ما يشبه القاعدة تمارس في أعلى المحافل الدولية ، وتنشرها وتتبناها القيادات التي اختلطت لديها المعايير فلا تميز بين ما هو إنساني عام ، وما هو شخصي .
منذ أن وضعت الخطط لغزو العراق بدأ سيل من الكذب المتعمد متعدد الأغراض والاتجاهات ، ولا يهمنا هنا كذب الساسة واللصوص والطغاة وجندهم ؛ لأن البعض يبرره بأن الحرب خدعة ، وأن المصلحة المادية تبرر كل وسائل هزيمة العدو والظفر بالأهداف التي تضعها قيادة أي بلد الخفية منها والمعلنة ، مع تحفظنا على ذلك ، لكن ما يهمنا هو انهيار معايير العمل الأدبي والإعلامي الذي خضع للساسة في حملات الكذب والتضليل ، وما ذلك إلا بسبب ما يلقيه من ظلال السير في طريق الكذب الذي يوشك أن يكون نهجًا متغلبًا على سياسات الأقوياء ، والأمر لا يزال في بدايته ، وقد جمعت الكثير من المواد الثقافية والأعمال الإعلامية والمقالات التي تفضح هذا النهج المدمر في الحياة الإنسانية المعاصرة ، ومن سيل الكتابات نختار نتائج دراسة أميريكية نشرتها شبكة CNNالإخبارية على موقعها على الإنترنت ، وتغني قراءتها عن سوق الكثير من الأدلة والتحليلات والمطبوعات التي لا تقع تحت حصر ، وعندما نقول نتائج دراسة فقد أحلنا في الخبر إلى أسلوب علمي يحترمه العقل الإنساني وخاصة العقل الأميريكي في تحري الدقة والموضوعية ، يضاف إلى ذلك أن في مصدرية هذه الوثيقة مؤشرًا إنسانيًا مهمًا على أن البشر يميلون إلى الصدق ، وينفرون من الكذب ولو بنشر المعلومات عنه بطريقة محايدة حتى لو احتسبوا ذلك على محاسن الديموقراطية التي يعشقونها ، وتتجلى في ذلك سنة إلهية جارية في الكون أن الحق في النهاية هو الذي ينتصر ، وأن ما يعاند الحقيقة ويصطدم بالقيم الإيجابية التي أمر الله باتباعها يفتضح أمره في النهاية ، فالنصر للحق والصدق والفضيلة ولمن يرضي الله

دراسة: بوش ومعاونوه أدلوا بمئات الإفادات المضللة قادت لغزو العراق
CNN
23 /01 /2008 م 02:08 مساء
كشفت دراسة حديثة أن الرئيس الأمريكي جورج بوش وكبار مستشاريه أدلوا ب 935 إفادة رسمية خاطئة تتعلق بالمخاطر الأمنية التي يمثلها العراق على أمريكا قادت لاحتلاله.
الدراسة - التي صدرت أمس الثلاثاء عن مجموعة صحفية غير ربحية هي مركز الأمانة العامة وصندوق دعم الصحافة المستقلة - وجدت باختصار أن إدارة بوش قادت الأمة إلى حرب على أساس معلومات خاطئة أخذت بالتزايد الأمر الذي أدى إلى بلوغها ذروة العمل العسكري ضد العراق في التاسع عشر من مارس/ آذار 2003.
ووفق الدراسة المستقلة فإن بوش وسبعة مسؤولين رفيعين في إدارته منهم نائبه ديك تشيني ووزير الخارجية السابق كولن باول ومستشارة الأمن القومي حينها وزيرة الخارجية الحالية كوندوليزا رايس أقدموا على الإدلاء بإفادات غير صحيحة بشأن العراق في السنتين اللتين أعقبتا هجمات سبتمبر/ ايلول 2001.وتستند الدراسة البحثية إلى بيانات مجمعة من مصادر أساسية مثل الوثائق الحكومية والخطب الرسمية إضافة إلى مصادر ثانوية وبشكل رئيسي التقارير التي ترد من مؤسسات إعلامية رئيسية.وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكي أدلى ب 232 إفادة خاطئة بشأن العراق وحيازة الرئيس الراحل صدام حسين أسلحة دمار شامل إضافة إلى 28 إفادة خاطئة ربطت بين العراق وتنظيم القاعدة
.وقد دأب بوش على الدفاع بأن الاعتقاد العام في تلك المرحلة كان يشير إلى أن صدام يملك أسلحة دمار شامل، وهو ما أدى إلى مواصلة تصريحات مسؤولين آخرين في إدارته والمؤسسة الاستخبارية الأمريكية وغيرها في دول أخرى منها بريطانيا بهذا الاتجاه.ثم عاد وكرر أنه - رغم الأخطاء الاستخبارية في هذا الشأن - فإن الإطاحة بصدام حسين ونظامه كان أمرا جيدا،ووفق الدراسة فإن كولن باول يأتي بعد بوش في ترتيب المسؤولين الذين أكثروا من الإدلاء بإفادات خاطئة بلغت 244 إفادة تعلقت بأسلحة الدمار الشامل و10 عن العلاقة بين العراق والقاعدة، يتبعه وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد واري فلايشر المتحدث باسم البيت الأبيض حينها برصيد 109 إفادات خاطئة.
أما بول وولفوويتز نائب وزير الدفاع حينها فقد أدلى ب85 إفادة خاطئة، تتبعه رايس برصيد 56 إفادة وتشيني ب48 وسكوت ماكليلان (متحدث باسم البيت الأبيض أيضا) ب14 إفادة خاطئة.وجاء في الدراسة - التي نوهت بتقارير حكومية متعددة استندت لها بشكل لا مجال فيه للجدل - أن العراق كان خاليا من سلاح الدمار الشامل، ولم تكن لديه أية علاقات ذات معنى مع تنظيم القاعدة.وتطالب الدراسة وسائل الإعلام بتحمل مسؤولياتها، مشيرة إلى أن معظم وسائل الإعلام لم تعمل بشكل كافٍ للتحقق من مزاعم الإدارة الأمريكية
واشنطن/ الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)
وتتكشف يومًا بعد يوم حقيقة حجم الكاذيب التلفيقات التي قام بوش وبلير على حياكتها ،تبريرًا للغزو الهمجي للعراق وتدمير مقموات مجتمعه،ونهب ثرواته،وتزييف تاريخه،وانطلاقًا لمرحلة جديدة لتأمين الأمن للكيان اليهودي الغازي لبلاد العرب والمسلمين.

الجدير بالذكر هو أن الإدارة الأميريكية الحالية(إدارة الرئيس الأميريكي جورج بوش الابن 2000م 2008م) ليست هي الوحيدة التي تمارس الكذب ، بل يكاد يكون هذا السلوك سمة سياسية غالبة نتيجة لا لتصاقها بوسائل حفظ المصالح في ظل الأخطار المحدقة نتيجة للصراعات الدولية على الموارد ، ونتيجة لحالة النسبية في مجال الأخلاق والقيم والمعايير وتراجع احترام القيم الإنسانية العامة ، وليس ذلك تبريرًا لهذه الإدارة على ما قامت به وتقوم به من أساليب التضليل بل ملاحظة ضرورية على هامش هذه الحقيقة
إن سلوك الحكومات عادة ، والعلاقات بين الدول تحكمها قوانين وأعراف معترف بها ومعروفة تمامًا في الدبلوماسية العامة ، وقد يكتنف هذه العلاقات بعض التجاوزات والحالات الشاذة ، ولكن سرعان ما تعالج هذه الحالات في ضوء قواعد معترف بها ، أما أن يُؤسس لثقافة سداها ولحمتها الخبر الكاذب فهو الأمر المستحدث والمستهجن على المستوى الإنساني ، والذي صبغ معظم تصرفات هذه الإدارة ، ومعظم من استخدمته في مصادر المعلومات عن قصد أو غير قصد ، ومسؤولية هذه الإدارة مسؤولية عظيمة لخطورة دورها الحالي على مستوى العالم أجمع.
يتبين لنا بهذا لماذا حرمت جميع الشرائع الكذب ؟ ولماذا تنفر منه الفطرة الإنسانية النقية ، ولماذا تلفظ الأرض الكذابين كما ورد في أكثر من موضع من أحداث السيرة النبوية ، ولماذا جاء محمد صلى الله عليه وسلم خيارًا من خيار من خيار ، وجعله ربُّه جل
َّ في علاه النبي الخاتم الذي ختم الله به سلسلة الرسل ، وجعله شهيدًا على البشر ، وجعل أمته شهداء على الناس ؟
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143 إنها رحمة الله التي وسعت كل شىء حتى الكفار والبهائم والجمادات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" يُطبعُ المؤمنُ على الخِلال كلِّها إلا الكذب والخيانة."
وللإيمان تعريفه وأركانه وشروطه ومؤشرته وأدلته وعلاماته ، وليس هو بالأمر العام ، وقصر طبع المؤمن على الخلال كلها ، واستثناء الكذب والخيانة من تلك الخلال هو حد منطقي وجودي لتحديد خصائص المؤمن ، فالكذب والإيمان لا يجتمعان في قلب واحد ، فهل من يعتبر قبل فوات الأوان ؟!
يليه المبحث الثالث : ثقافة الصدق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.