ثلاثة سيناريوهات لحل قضية الصحراء الدور الجزائري حاسم وأساسي في تحديد مواقف البوليساريو د. إدريس لكريني تميز تدبير قضية الصحراء لسنوات طويلة بالانفراد والانغلاق؛ مما كان له انعكاسات سلبية علي مسار القضية داخليا وخارجيا؛ قبل أن تبدأ ملامح الانفتاح المحسوب بالظهور في العقد الأخير علي بعض الفاعلين كالبرلمان رغم ضيق الهامش القانوني الذي يؤطر مشاركته في صناعة القرار الخارجي للمغرب؛ والحكومة التي بدت حاضرة بشكل هام في المفاوضات الأخيرة؛ والمجتمع المدني الذي أسهم بتحركاته محليا ودوليا في تفنيد طروحات الخصوم والترويج لمواقف المغرب؛ ومختلف الباحثين الذين أغنوا النقاش بصدد مشروع الحكم الذاتي؛ ناهيك عن الفعاليات والنخب المحلية من خلال إحداث المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء.. الأمر الذي أكد للجبهة وللجزائر وللعالم بأن البوليساريو لا يشكل الممثل الشرعي الوحيد لكل الصحراويين، وبخاصة وأن المجلس يضم في تشكيلته مختلف التنظيمات والأطياف القبلية والسياسية.. الصحراوية من مقاومين وأعضاء جيش التحرير وأعضاء منظمات وأحزاب محلية تاريخية وممثلي هيئات المجتمع المدني وأعضاء سابقين في قيادة البوليساريو وشيوخ القبائل ومنتخبين في البرلمان والمجالس المحلية والإقليمية. وإذا كان البعض قد اعتبر ذلك مؤشرا يعكس الرغبة في توزيع مسؤوليات المأزق الذي وصلت إليه القضية، فإن هذا الانفتاح أملاه أيضا الوعي بأهمية المقاربة الديموقراطية والتشاركية وبالقيمة المضافة التي سيضفيها ذلك علي تعزيز وتمتين مواقف المغرب بصدد القضية. ومما لا شك فيه أن جلوس الطرفين إلي طاولة المفاوضات هو تعبير عن الاقتناع بأهمية وضرورة البحث عن حل للقضية، ومؤشر علي تبدل مجموعة من المعطيات. كما أن رعاية الأممالمتحدة للمفاوضات وحضور بعض الأطراف الدولية والإقليمية فيها من شأنه توفير الشروط اللازمة لتطوير ودفع الأمور إلي الأمام. ورغم بعض المواقف المتشائمة من مستقبل المفاوضات؛ فمن السابق لأوانه القول بفشل هذا الخيار؛ وبخاصة وأن الممارسة الدولية تؤكد أن هذه الوسيلة التقليدية لتسوية المنازعات، تتطلب وقتا طويلا وصبرا جميلا ولقاءات ماراثونية متعددة، من أجل التوصل إلي حلول جذرية للمشكلات العالقة؛ كفيلة ببناء حل عادل ودائم. ويمكن القول أن مستقبل المفاوضات يظل مرهونا بمدي استيعاب أطرافه المباشرة وغير المباشرة لحجم التحديات التي يفرضها استمرار النزاع علي المنطقة المغاربية في زمن التكتلات الدولية الكبري؛ وبخاصة مع تنامي مخاطر الإرهاب الدولي في المنطقة، وظهور ما يسمي ب القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي تراهن علي تعزيز انتشارها في المنطقة؛ كما يظل متوقفا علي مدي قيامها المفاوضات علي أساس حسن النية التي تستحضر مصالح شعوب المنطقة وانتظاراتهم أولا، وانخراط مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في القيام بأدوار إيجابية بعيدا عن التحريض والمعاكسة والحسابات المصلحية الضيقة التي لن تزيد الأمر إلا تأزما. وقد جرت الجولة الثالثة(الأخيرة) من مفاوضات مانهاست في ظروف غلب عليها طابع التوتر؛ فقبيل هذه الجولة - وفي الوقت الذي عبر المغرب فيه عن حسن نيته وإرادته الجادة لإغلاق هذا الملف الذي عمر طويلا؛ عبر طرحه لمقترح الحكم الذاتي الذي حاول من خلاله المواءمة بين مختلف المصالح (الانفصال والوحدة)؛ حاولت البوليساريو مدعومة من الجزائر ممارسة نوع من التشويش علي مسار المفاوضات وعلي الترحيب الدولي الواسع الذي لاقته المبادرة المغربية؛ حيث بدأت البوليساريو تحرق آخر أوراقها في سياق الهروب إلي الأمام من خلال التهديد بإمكانية العودة إلي العمل المسلح؛ ناهيك عن عقدها لمؤتمرها في المنطقة العازلة بتيفاريتي في خرق واضح لاتفاقيات وقف إطلاق النار التي تشرف عليها الأممالمتحدة؛ وهي تصرفات تبرز إفلاس الطروحات الانفصالية ومدي الاضطراب الذي تعيشه الجبهة التي اختارت قبل ذلك مسار المفاوضات السلمية.. فإذا كانت البوليساريو قد ركزت مرة أخري علي مطلبها التقليدي المرتبط بالاستفتاء وتقرير المصير؛ فقد عمل المفاوض المغربي علي تسليط الضوء علي التحولات الكبري التي شهدتها منطقة الصحراء؛ ومختلف الإصلاحات السياسية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة التي تعزز تطبيق مشروح الحكم الذاتي. وعلي الرغم من إصرار الطرفين علي مواقفهما خلال هذه الجولة أيضا؛ فإن اتفاقهما علي إجراء جولة مقبلة في شهر آذار (مارس) الجاري؛ والتي ستسبقها زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بيتر فان والسوم إلي المنطقة لتذليل الصعاب؛ هو مؤشر علي وعي الطرفين بأهمية التفاوض من جهة وبحجم التحديات التي يطرحها بقاء الأوضاع علي حالها. وقد أصبح مؤكدا لدي المغرب والأممالمتحدة والمجتمع الدولي برمته بأن الدور الجزائري هو حاسم وأساسي في تحديد مواقف البوليساريو؛ ذلك أن البلد المغاربي الذي احتضن الجبهة منذ ظهورها؛ وظف إمكانياته الدبلوماسية والمادية للترويج لطروحاتها والتعتيم علي حقوق المغرب؛ كما أجهض مختلف المبادرات الرامية لحل النزاع؛ سواء تلك التي قادها المجتمع الدولي أو بادر إلي طرحها المغرب. ومن هذا المنطلق فالمفاوضات في حقيقة الأمر ينبغي أن تتم مع الجزائر؛ وقد عبر المغرب غير مرة عن هذا المطلب؛ كما أن العديد من المتتبعين والمهتمين والباحثين وعدد من الدول؛ أصبحوا علي قناعة تامة بأن تسوية الملف بشكل نهائي لن يمر إلا عبر بوابة الجزائر التي تقف بثقلها خلف الجبهة. إن بلورة حل عادل ونهائي للقضية يظل في جانب مهم منه متوقفا علي إبداء الجزائر ومختلف القوي الإقليمية المجاورة لحسن نيتها اتجاه هذه القضية؛ بعيدا عن أي تحريض أو تشويش؛ والسعي إلي دعم أي حل توفيقي ودي بين الطرفين؛ وإتاحة الظروف الملائمة لإجراء مفاوضات بناءة؛ كما علي جبهة البوليساريو من جانبها والتي تدعي تمثيلها لسكان الصحراء أن تتخلص من الوصاية الجزائرية.. وأعتقد أن الموضوعية والمصلحة تقتضيان من الجزائر ترك المفاوضات تجري بشكل تلقائي بعيدا عن أية وصاية أو الدخول مع المغرب في مفاوضات جدية مباشرة بدل ممارسة الوصاية علي الجبهة وتحريكها عن بعد. وأمام استمرار الموقف المعادي للجزائر وتعنت البوليساريو الذي سينعكس حتما علي مسار المفاوضات؛ تبدو ثلاثة سيناريوهات كبري مطروحة في الأفق في حال فشل السبيل التفاوضي؛ فهناك إمكانية بلورة حل تفاوضي يحظي برضي الطرفين؛ في إطار أرضية مشروع الحكم الذاتي الذي لم يشر بتفصيل مدقق إلي الاختصاصات التي ستخول للسكان، وذلك لإتاحة الفرصة في هذا الصدد لما قد يتم بلورته من معطيات ومقترحات تفصيلية بناءة ستعززه؛ وبخاصة وأن تطبيق هذا المشروع يمكن أن يكون امتدادا لتقرير المصير الذي تركز عليه الجزائر والبوليساريو؛ إذا ما مورس في إطار ديمقراطي وضمن اختصاصات حيوية وهامة.. تنسجم مع واقع الحال الذي تشكل في المنطقة علي امتداد أكثر من ثلاثة عقود. ويجد هذا الرأي أساسه في كون أن العديد من المبادئ التي أقرها القانون الدولي من قبيل عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة.. تطورت ولم تعد بالقداسة والصرامة؛ كما كانت عليه في السابق؛ نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها تطور العلاقات الدولية في العقود الثلاث الأخيرة. وهناك سيناريو آخر مفاده دخول مجلس الأمن علي خط فرض حل علي الطرفين بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة؛ ويبدو من خلال قراءة متأنية للقرارين 1754 و 1783 اللذين أصدرهما المجلس عقب طرح المغرب لمقترحه البناء؛ بأن هذا الأخير الذي عبر عن ارتياحه لهذه المبادرة؛ بدأ يقتنع ويقر بدوره بصعوبة تنفيذ الاستفتاء أو تقرير المصير بالشكل الذي يطرحه الخصوم هناك ارتياحا إزاء هذه المبادرة ويؤكد في مقابل ذلك علي أهمية الخيار التفاوضي؛ في أفق بلورة حل يحظي بقبول الطرفين. ولذلك؛ فأعتقد أن انخراط المغرب في هذه المفاوضات؛ ينبغي ألا يثنيه عن الترويج لمقترحه المرتبط بالحكم الذاتي علي نطاق دولي واسع في أفق حصد مزيد من الترحيب والاستحسان، وبخاصة وأن ردود الفعل الإيجابية نحوه واستيعاب نجاعة مقترحاته ستدفع حتما بمجلس الأمن إلي توصية الأطراف باعتمادها وتبنيها باعتبارها لقيت قبولا ورضا من لدن المجتمع الدولي. وللإشارة فإن تقريرا صدر عن مجموعات الأزمات الدولية في شهر (يونيو) 2007؛ اعتبر أن مجلس الأمن بتبنيه لقراره رقم 1754 الداعي إلي مفاوضات بين الأطراف المعنية؛ يبدو وكأنه نبذ نهائيا خيار تقرير المصير من خلال الاستفتاء واعتمد مقترح الحكم الذاتي؛ المقدمين إلي الأممالمتحدة؛ واعتبر من جهة أخري؛ أن المجلس إذا أبدي في المستقبل ميلا إلي أي من الاقتراحين، فلن تكون النتيجة إلا حلا مفروضا. والأكيد أن سير المجلس في هذا الاتجاه تدعمه رغبة المغرب الحقيقة في طي هذا المشكل من جهة؛ وينسجم إلي حد كبير مع أهداف الأممالمتحدة المرتبطة بالحد من مخاطر العوامل التي تغذي بعض الظواهر الجديدة المهددة للسلم والأمن الدوليين من قبيل الهجرة غير المشروعة والتهريب والإرهاب.. عبر احتواء مناطق التوتر وحسم النزاعات؛ ورغبتها أيضا في بلورة حل لنزاع مزمن سيعزز حتما من مصداقيتها؛ ويعيد ثقة الدول في قدرتها وفعاليتها. أما السيناريو الثالث؛ وفي حالة إصرار الجزائر والبوليساريو علي مواقفهما؛ فهو بقاء الأمور علي حالها وبمخلفاتها وتداعياتها السلبية علي المنطقة برمتها؛ غير أن هذه الوضعية ينبغي أن لا تمنع المغرب من السير قدما في تطبيق مشروعه المرتبط بالحكم الذاتي؛ ضمن مقاربة ديمقراطية تسمح بإشراك فعال للسكان في تدبير مختلف شؤونهم؛ وببلورة تنمية حقيقية تركز علي الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا. أستاذ الحياة السياسية كلية الحقوق مراكش 06/03/2008