أكبر الكاسبين من هجوم صحيفة "الأهرام المسائي" على خالد مشعل وازدرائه وتبكيته وتحقير قضية الأمة العادلة في فلسطين وتركيز التشنيع عليه تحديداً لأنه يتواصل مع خادم الحرمين الشريفين في سياق مبدئي رفيع وكل ما جاء في صحيفة "الأهرام المسائي" في يناير المنصرم في سياق تسريب الوثيقة التي كانت بين الرياض وحركة حماس تحديداً، كان حركة حماس بكل تأكيد، وسيتضح ذلك من خلال عرضنا لإشكاليات وتساؤلات ضخمة واعترافات ضمنية تطال القاهرة أوردتها صحيفة "الأهرام المسائي". ولكننا سنبدأ باستعراض هذه القضية حلقة حلقة، فأول ما يقف عنده المحلل السياسي كيف ولماذا سُرِّبت هذه الوثيقة بين حماس وبين الديوان الملكي السعودي، والمُراسَل هنا هو شخص خادم الحرمين الشريفين، أي القيادة العليا للدولة.. وهذا الإعلان عن وصول الوثيقة إلى جهات غامضة في القاهرة -وهي رسالة من الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الممثل الشرعي المركزي للشعب الفلسطيني المنتخب- كان مباشراً من الصحيفة بكل جرأة دون أن تُجيب أو تتوقف عند أسئلة مهمة عن مصدر إيصال هذه الرسالة هل هي الدبلوماسية المصرية ومن هي الشخصية التي أمدتها من هذه الدبلوماسية الواسعة؟ وهل كانت الرئاسة على علم بهذه الخطوة أم أن إيصال الوثيقة كان عن طريق مخابرات سلطة رام الله، خاصة أن منتديات أبناء الأجهزة الأمنية لأجهزة رام الله ركزت عليها في مواقعها. ولكن حتى لو كانت "الأهرام" قد استلمتها من مخابرات رام الله، فمن غير المتوقع أن تسارع لنشرها دون أن تُخطر الخارجية المصرية أو جهات التواصل بالصحيفة. هنا تبرز قضية غاية في الخطورة في مسألة التجسس على حركة حماس وحراك شخصياتها خاصة مع حدث ضخم وهي عميلة اغتيال الشهيد القائد محمود المبحوح وما أدلت به سلطات الإمارات من وضوح من أن تعقب الشهيد من دمشق حتى وصل دبي عن طريق شبكة معلومات انتهت إلى رصد موقعه وتصفيته بتلك الطريقة الإرهابية لكن ما يعنيا هنا هو علاقة رصد قيادات حماس والمهام التي تترتب عليها ولا يمكن أن نفرز هذا الاعتراف التاريخي من الأهرام المسائي عن هذه الأسئلة الشائكة. القضية الثانية هي الهجوم الكبير والاعتراض الضمني على مجرد الاتصال بين القيادة السعودية وبين كبرى فصائل العمل الفلسطيني، ذلك الهجوم الذي مُلئ بالسخرية الموجهة ضمناً للرياض ولقيادتها وبالذات تقريع الأستاذ أبوالوليد لتضمين خطاباته عبارات احترام وتسجيل مشاعر تجاه العاهل السعودي وتبيين موقف حماس الداعم لحماية حدود المملكة من أي استدراج أو تعدٍ، وموقف حماس المعروف في هويتها العربية وعقيدتها الإسلامية والذي لا يحتاج الشارع العربي إلى دليل عليهما، حيث اعتبرت الصحيفة تلك التعبيرات الراقية والمبدئية هي استجداء لأنها توجه للملك عبدالله تحديداً ولم يُقل ذلك مطلقا حين كانت حماس تستخدم خطاباً رفيعاً مع القاهرة رغم كل مظالم النظام الرسمي وانحيازه للموقف الإسرائيلي في قضية غزة وغيرها. القضية الثالثة كانت الضيق الشديد من الصحيفة والتغطية الإعلامية المرادفة لما سجله الزعيم الفلسطيني الكبير خالد مشعل من حقائق تعهد بتبيين تفصيلها عند لقائه بالملك من موقف حماس من اتفاقية مكة وحرصهم الشديد عليها والتزامهم بها، مشيراً بكل وضوح إلى أن من نقض الاتفاقية هو الطرف الآخر والطرف الذي كان لا يرغب في خروج أي رعاية عن سلطته ولو كانت هذه الرعاية ناجحة كما هو في مكة. ورغم أن هذا الموقف كان واضحا للرأي العام العربي أنّ رام الله بالتنسيق مع أطراف أخرى كانت وراء نقض اتفاق مكة فإنّ تأكيدات خالد مشعل والموقف الضمني للقاهرة الذي أُكد الآن في موقف صحيفة "الأهرام" يعزز للسلطات الرسمية في الرياض قصة نقض هذا الاتفاق والأطراف المعادية له. ***** هذا الاختراق الأمني والتسريب المنظم واستهداف الاتصالات بين المملكة وقيادة حماس والهجوم عليه أنموذج خطير للوضع المتقدم الذي باتت تمارسه دوائر رسمية في القاهرة كاسرة كل البروتوكولات بل الأمن السيادي الحيوي وحرية التواصل الدبلوماسي حين يتخذ الخطاب الإعلامي المتزامن مع الاستيلاء على صورة الرسالة والهجوم على لغة التخاطب مع الملك عبدالله وتقريعها وازدرائها فهي تعتبر فعلا تجاوزاً خطيراً. ولقد تعززت هذه اللغة حين نجح الملك عبدالله في الخروج من المسار القديم المؤزم بين أطراف عربية كانت القاهرة تُصر على أن تُخضعها إلى منظورها الأمني تجاه حماس بحسب ما يخدم المصلحة الإسرائيلية وكانت هذه العواصم ترفض ذلك كما هو الحال في موقف الدوحةودمشق والخرطوم والجزائر، ومع كل تلك المحاولات سُجّل للملك عبدالله قدرته في اختراق تلك الحالة لتوازن وحدوي إضافة إلى كلمته التي توحّد العرب فيها حين حيّا مقاومة غزة وأطفالها في قمة الكويت المثيرة نهاية العدوان. ولكن فيما يبدو واضحا وجلياً أن هذا الطريق للتواصل والوحدة العربية خاصة لإنقاذ غزة بات قطعه وربما تفجيره هدفاً استراتيجياً للأطراف الأخرى المعادية لغزة ولحقوق الشعب الفلسطيني فهل تترك لهم الساحة؟ الجواب عند من يملكه. العرب القطرية 2010-02-03