أبدأ بإبلاغ قرائي الكرام بأن هذا الاستنتاج ليس من عندي ولا هومن عند أي مناوئ للدولة العبرية يريد توريطها بل هواستنتاج لأحد أكبر المفكرين الإستراتيجيين اليهود مزدوجي الجنسية (إسرائيلي — فرنسي) وهوالزميل السيد سامي كوهين مدير البحوث في مركز الدراسات الدولية التابع لمعهد العلوم السياسية بباريس وهومؤلف عشرة كتب قيمة حول العلاقات المثيرة بين فرنسا ودولة إسرائيل منذ عهد الجنرال ديغول وكذلك حول دور الدولة الحديثة في عهد العولمة. وأصدر آخر كتبه هذه الأيام بعنوان ( تساحال الجيش الإسرائيلي أمام امتحان الإرهاب عن مؤسسة لوسوي للنشر 300 صفحة). والرجل بالطبع وبدون أدنى شك مواطن فرنسي — إسرائيلي وذوولاء لما يعتبره وطنه الروحي وكلامه هذا الذي نورد مقتطفات منه يصدر عن انحياز فطري للدولة العبرية ومصالحها. كتب هذا المفكر السياسي لصحيفة (لوموند) الباريسية يوم 8 يناير/جانفي الماضي دراسة قال: إنه استخلصها من المحادثات المكثفة التي أجراها مع كبار القادة والمسؤولين الإسرائيليين أثناء الزيارة التي أداها للدولة العبرية خلال الأسابيع الماضية، فهوإذن ينقل لنا في حرارة الحدث ومن مكنون صانعي السياسات الإسرائيلية أهم المقاربات التي سجلها لديهم حول ما يعتبرونه قضيتهم الأم والأخطر أي الملف النووي الإيراني. وأنا من جهتي اعتبر هذه الدراسة اعترافا ساطعا من رجل خبير وقريب جدا من أصحاب القرار الإسرائيليين بأن الملف النووي الإيراني مطروح اليوم على ما يسمى المجتمع الدولي بشكل مزور، لأن القضية إسرائيلية بالدرجة الأولى وتريد الدعاية اليمينية في الغرب تمريرها على الرأي العام العالمي كأنها قضية شرق أوسطية أوعربية أودولية باستعمال المصطلح المغشوش الذي أصموا به أذاننا وهومصطلح " المجتمع الدولي.."! يقول السيد سامي كوهين: في حالة ما إذا فشلت الدول الخمسة زائد واحد ( الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن مع ألمانيا ) في التوصل إلى حل مع إيران فهل إن إسرائيل سوف تطلق طائراتها الإف 15 والإف 16 لتقصف المفاعلات النووية الإيرانية؟ لتطبيق عقيدة بيغن التي ترى بأن إسرائيل مضطرة إلى منع أي تسلح نووي في المنطقة لأن هذا التسلح يهدد وجود الدولة العبرية. وهي عقيدة نفذتها إسرائيل يوم 7 يونية/جوان 1981 ضد مفاعل أوزيراك في العراق. ورغم أن ناتنياهوكرر القول يوم 21 أبريل 2009 عند إحياء ذكرى المحرقة بأنه متمسك بعقيدة بيغن فإن عزمه على تنفيذها يبقى محل شك بل لعله أوقع نفسه في فخ سياسي لأن مخاطر قصف إيران تفوق مردوده المتوقع. ويحلل كوهين هذه الحقائق بالتفريق بين مدرستين إستراتيجيتين موجودتين اليوم في إسرائيل: ترى المدرسة المتطرفة بأن امتلاك إيران لسلاح نووي مع التشدد الإسلامي وتهديد أحمدي نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود هوخطر حقيقي داهم ويجب ضرب المفاعلات مهما كان الثمن. أما المدرسة الثانية فيسميها الباحث بالعقلانية وهي ترى بأن التسلح النووي الإيراني قادم لا محالة لكنه لا يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. ويمثل هذا التيار وزير الدفاع إيهود باراك. وتشرح هذه المدرسة عقيدتها باستبعاد أن تبادر إيران بضرب إسرائيل لأن قوة الرد الإسرائيلي المؤكد بواسطة الغواصات المحملة بالصواريخ النووية تجعل طهران لا تقدم على هجوم أول. أما سياسيا فيرى إيهود باراك بأن إيران أصبحت قوة إقليمية مؤثرة ويهمها أن تحافظ على هذه الدينامية الصاعدة ولا تعطلها بمواجهة منفردة مع إسرائيل. وحتى " التشنج" اللفظي لأحمدي نجاد فيفسره أصحاب هذه المدرسة بأنه موجه للبلدان العربية جارة إيران حتى لا تعتقد بأن التسلح النووي الإيراني يستهدفها هي. وينتقد سامي كوهين بعض السيناريوهات الإسرائيلية الكارثية التي تتصور ضربة حاسمة وسريعة للمفاعلات الإيرانية فيقول: إن الأمر مختلف تماما عن قصف مفاعل أوزيراك العراقي لأن المفاعلات الإيرانية عديدة وأغلبها يقع تحت الأرض ثم إن إيران استفادت جيدا من درس أوزيراك ويستبعد أن تعرض منشآتها للخطر، فمفاعل العراق كان وحيدا ومعزولا وسهل المنافذ والأهم كان غياب الوعي والحذر من جانب دولة العراق التي كانت عام 1981 منشغلة بحربها ضد إيران. يستخلص كوهين الدراسة بالقول بأن على إسرائيل الاستعداد لحماية شعبها والتخطيط للتعايش مع إيران نووية والبحث عن جسور اتصال معها ولم لا عن جسور تعاون من الصنف الذي انعقد بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة وهوما جنب الإنسانية كوارث حرب ساخنة ومدمرة. لا يفوتني وأنا أعرض هذه الدراسة الحساسة على قرائي العرب أن أسجل بحسرة وخوف غياب أي مخطط عربي مشترك يستشرف المستقبل ويجعل أمتنا مستعدة لأي احتمال بناء على مخططات إيرانية وإسرائيلية وغربية ودولية. فنحن شركاء جغرافيا وحضاريا في هذا الملعب الخطير ولا نفهم كيف ولماذا لا نقوم بأضعف الأيمان أي التشاور والتنسيق! *رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس الشروق القطرية 2010-02-03