تذرعت (بالبلدي «اتلككت») في المقال السابق بالانفجار الذي أغرق حياتنا هذه الأيام بمفردات لغة الخشب المسوس التي من عينة : الإنجاز «التاريخي» و«العالمي» و«الأسطوري» و«الخرافي»..إلخ، لكي أعلن انتفاخي وفخري بإنجازات أمتنا العربية في اجتراح آيات معجزات من الخرافات المستعصية علي عقول أغلب سكان الكوكب الحاليين، وتعهدت أن أتحف حضرات القراء بحكايتين اثنتين فقط من بحر الخرافة الذي أغرق الأمة حتي شواشيها العليا، وحكيت في مقال الثلاثاء حكاية مصرية بدأت وانتهت في 22 دقيقة تاريخية أثناء زيارة الرئيس مبارك التاريخية لكفر الشيخ الأسبوع الماضي.. (ملحوظة : «كفر الشيخ» شيء مختلف بالمرة عن «شرم الشيخ» رغم اشتراكهما في «الشيخ» نفسه). فأما حكاية اليوم الخرافية التاريخية فمن غرب الأمة.. من تونس «الخضراء»، أو هكذا كان لون الحياة في هذا القطر الشقيق الجميل قبل ما يزيد قليلا علي عشرين عاما أمضاها الرئيس زين العابدين بن علي قاعدا بالعافية (كما العافية التي عندنا تماما) علي قلب شعبه الذي لم يفصح لأسباب مفهومة عن لون حياته الآن بعد كل هذه السنين. وأبدأ من المشهد الأخير في تلك الحكاية، أي من مطلع الأسبوع الجاري عندما أيدت محكمة استئناف تونسية حكما كانت إحدي محاكم الجنح قد أصدرته في نوفمبر الماضي وحكمت فيه بالسجن لمدة ستة أشهر علي الكاتب والصحفي المعارض توفيق بن بريك، ليس لأن الزميل لا سمح الله يتحايل علي إلغاء مهنة الصحافة (تقريبا) في تونس، ويقوم بنشر تعليقات ومقالات جسورًا في صحف أجنبية ينتقد فيها نظام الرئيس بن علي ويندد بنجاحه في جعل المواطن التونسي يستنشق بحرية تامة مخبرا واحدا علي الأقل مع كل شهقة تنفس من هواء الوطن، لكن حكم السجن الذي فاز به زميلنا «بن بريك» صدر بحقه لأنه، وهو الرجل المريض الذي لا يكاد يبارح منزله أصلا، عنده هواية أدمنها ولم يفلح المرض في منعه من ممارستها ألا وهي ضرب وبهدلة نسوة لا يعرفهن ولم يسمع بهن أبدا، وقد قامت إحداهن حسب أوراق القضية المفبركة بتقديم شكوي للسلطات أكدت فيها أن الصحفي المعارض ما إن شاهد وجهها الصبوح وهي تتبختر بسيارتها في أحد شوارع العاصمة حتي أشبعها ضربا وركلا وحطم السيارة ثم تناول دواءه ونام علي السرير في بيته مبسوطا قرير العين!! وكانت امرأة فاضلة من الصنف عينه الذي يغري المعارضين التونسيين بضربهن في الطرقات العامة (هكذا من الباب للطاق ودون أي سبب ولا سابق معرفة) فعلت الشيء نفسه مع معارض بارز آخر هو المحامي محمد عبو، فقد تمتع هذا الأخير في العام 2007 بمحاكمة تلامس حدود الخرافة في الهزل والمسخرة انتهت بالحكم عليه بالسجن لمدة سنتين وأربعة أشهر (لاحظ الدقة) بعدما ثبت في حقه اقتراف هواية ضرب النسوة المجاهيل في الشوارع، وليس كتابة مقالات رأي تندد بالممارسات القمعية للنظام والعلاقات التي نسجها سيادته في الخفاء مع العدو الإسرائيلي الشقيق!! الدستور الخميس, 2010-02-04