تظاهر مئات المسلمين بعد ظهر امس امام مقر البرلمان في كوبنهاغن احتجاجا علي اعادة نشر صحف دنماركية لرسم كاريكاتوري يسيء الي الرسول صلي الله عليه وسلم، وهو الرسم الذي أثار موجة من الاحتجاجات الغاضبة في معظم الدول الاسلامية. المظاهرة جاءت حضارية بكل معني الكلمة، ولم يقدم المشاركون فيها علي اي اعمال شغب، ورفعوا لافتات ترحب بحرية التعبير التي لا تحث علي الحقد والازدراء وتساءلوا عن اسباب تعمد الاساءة الي الاسلام والمسلمين دون غيرهم من ابناء الديانات الاخري. التساؤلات هذه مشروعة، وتعكس حقيقة المشكلة بين المسلمين الاوروبيين والمجتمعات التي يعيشون فيها. فقد اصبح التعدي علي الديانة الاسلامية امرا مشروعا من قبل بعض الجماعات اليمينية العنصرية المتطرفة. فالمسلم بات مشروع ارهاب في نظر معظم الحكومات الغربية، وعليه دائما ان يثبت براءته بكل الطرق والوسائل. الذريعة التي تتخفي خلفها هذه الجماعات العنصرية، وتجد تأييدا مبطنا من مؤسسات سياسية واعلامية كبري، هي حرية التعبير التي تشكل العمود الفقري في القيم الديمقراطية الغربية. ويبدو ان هذه الحرية اصبحت مقترنة بالتهجم علي الاسلام والمسلمين فقط دون غيرهم. القوانين في معظم الدول الغربية تجرم التشكيك بالهولوكوست، أي انكار حدوث المحرقة، كما تحرم التحريض ضد السامية، وواجه كين ليفنغستون عمدة لندن حملة اعلامية كبري لانه شبه احد الصحافيين بحارس نازي، واقتيد الي المحكمة، لانه تصادف ان هذا الصحافي من اتباع الديانة اليهودية. هناك فرق كبير بين حرية التعبير وحرية الاساءة واحتقار الديانات الاخري ومعتنقيها، ولكن يبدو ان زمن الاسلاموفوبيا الذي نعيشه حاليا في الغرب يبيح كل شيء. فمنذ هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) والمسلمون يواجهون ضغوطا علنية تصل في بعض جوانبها الي درجة الارهاب. فيوم امس ندد تقرير صادر عن الاممالمتحدة بتحول العرب والمسلمين في الولاياتالمتحدة هدفا لممارسات عنصرية منذ وقوع هذه الهجمات. واعلنت لجنة القضاء علي التمييز العنصري التابعة للامم المتحدة في تقريرها انها قلقة للغاية من ارتفاع الاستهداف العنصري من قبل الاجهزة الامنية تجاه العرب والمسلمين والمنحدرين من جنوب آسيا واكدت ان الاجراءات المتخذة علي صعيد محاربة الارهاب يجب ان لا تكون عنصرية لجهة العرق واللون والاصل العائلي او الوطني او الاثني . ان مثل هذه الاجراءات العنصرية التي تتخفي خلف لافتات الارهاب لا تتناقض مع قيم الغرب المعلنة في المساواة والتسامح فقط، وانما تساهم في توسيع دائرة العنف والصدامات الدينية والهجمات الارهابية والجماعات المنفذة لها. الحكومات الغربية تتحدث عن فشل الجاليات الاسلامية في الاندماج في مجتمعاتها، وربما يشكل هذا الاستفزاز المستمر والمتصاعد لها في خلق هذه المشكلة، حتي ان بعض المتطرفين المسلمين يرون ان الحكومات الغربية لا تريد حدوث هذا الاندماج الذي تتحدث عنه، وتضغط لدفع المسلمين الي المغادرة الي بلدانهم الاصلية. ومن المؤسف ان الحكومات العربية والاسلامية المستفيدة من هذه الجاليات وتحويلاتها المالية وانفاقها السياحي لا تأخذ موضوع هذه الضغوط بجدية، ولم نسمع ان حكومة عربية او اسلامية اتخذت اجراء دبلوماسيا او اقتصاديا ضد الحكومات المسيئة للاسلام والجاليات الاسلامية في اوروبا، واذا كانت هناك استثناءات فهي قليلة ولا تكاد تذكر. المطلوب الدعوة الي مؤتمر يتحاور فيه ممثلو الجاليات والحكومات الاسلامية مع نظرائهم في الغرب لمناقشة كل هذه المسائل بجدية وندية اما الصمت والتجاهل والبعد عن الحوار فيزيد من تفاقم المشكلة.