المؤتمر الدولي للسلامة والصحة المهنية بالرياض: وزير الشؤون الاجتماعية يؤكد أنّ "الاستثمار في السلامة المهنية هو استثمار في رأس المال البشري وفي إرساء مستقبل عمل لائق"    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    عاجل/ غارات اسرائيلية عنيفة ضد اليمن    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    المنزه السادس – أريانة : القبض على شخص من أجل السرقة من داخل سيارة وإرجاع المسروق.    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    الحماية المدنية تحذر من خطر اندلاع الحرائق وتدعو الى تجنب هذه الممارسات    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية السلفية
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 03 - 2008


د. حسن حنفي
تعني العلمانية السلفية العلمانية المتوحشة الجذرية التي لا تقبل نقيضها أو أي حوار معها. وعندما تتحول إلى عقيدة بديلة وتعصب مضاد لكل الأيديولوجيات والمذاهب المعارضة ، وعندما تصبح مذهبا مغلقا طاردا. تجمع بين النقيضين ، العلمانية نظريا بمعنى الانفتاح وقبول الرأي الآخر ، وفصل الدين عند الدولة وتحكيم العقل والاعتزاز بحرية الإنسان وبحقوق المواطن ، والسلفية عمليا تعني التعصب والجمود والحرفية والعقائدية والمذهبية والانغلاق ، ورفض الرأي الآخر ، وتأسيس الدولة على العلمانية كدين جديد ، والثبات دون التغيير ، وفرض رأيها على كل الناس ، وإنكار حقوق المواطن في حرية الاختيار وتعددية الآراء. وهو ما يحدث في تركيا هذه الأيام بتصديق البرلمان على سن قانون يسمح بحرية ارتداء الحجاب في الجامعات وقيام العلمانيين ، وهم أقلية في البرلمان ، بتنظيم احتجاج داخله وخارجه ضد قانون وافقت عليه الأغلبية ، مع أن الديموقراطية من ركائز العلمانية ومكوناتها. واعتبرتها خطوة لأسلمة المجتمع ، والتوحيد بين الدين والدولة من جديد ، وهدما لأسس الدولة التركية الجديدة والثورة الكمالية التي قضت على الخلافة العثمانية ، وأقامت بدلا عنها الجمهورية التركية الجديدة على أسس علمانية خالصة.

والحقيقة أن العلمانية تعني أن الدولة لا دين لها. تقوم على القوانين الوضعية والدستور والمواطنة ومساواة الجميع في الحقوق والواجبات. الدين علاقة خاصة بين الإنسان والله ، وليس علاقة عامة بين المواطن والدولة ، عبادات وليس معاملات ، دين وليس دنيا. والعلمانية على هذا النحو دين جديد ، تريد إقامة الدولة عليه. وهو ما يناقض روح العلمانية ، وأن الدولة لا دين لها. علمانية في الظاهر وسلفية في الباطن. فقد استمرت العقلية السلفية عند العلمانيين الأتراك أكثر من استمرارها عند الإصلاحيين في حزب العدالة والتنمية الذي يقبل الرأي الآخر ، ويحتكم إلى المعايير الديموقراطية ، الانتخابات البرلمانية والدستور واحترام الأقلية لرأي الأغلبية. الدولة لها رؤية استراتيجية تعبر عن أمنها القومي طبقا للجغرافيا والتاريخ والموقع وعبقرية المكان ، وليس لها دين واحد بل قد تتعدد فيها الأديان. والدين مثل الأيديولوجيا تعبير عن ذلك.
لقد كانت العلمانية المتوحشة اختيارا طبيعيا لتركيا بعد سقوط الخلافة ، وكرد فعل على ضعفها وفسادها وتخلفها. وكانت أساس قيام الدولة الوطنية التركية الحديثة المستقلة التي استطاعت تحرير الوطن من الاحتلال اليوناني ، وبناء الدولة الوطنية ، بعد أن عجز التيار السلفي عن إنقاذ الخلافة ، وعجز التيار الإصلاحي عن إصلاحها. ومنذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن تغير الشعب التركي. وبرد قانون الفعل ورد الفعل. واستحال تغيير تركيا عن طريق الانقطاع عن الماضي. وظل قابعا في اللاوعي السياسي. فإذا ما ضعفت الدولة الوطنية وتعثر اقتصادها ولم تستطيع الاندماج كلية في النموذج الأوروبي الجديد والتردد في قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي قويت جماعات المعارضة الإسلامية والماركسية والليبرالية. وحدث رد فعل آخر عند أربكان بالعودة إلى اللاوعي الإسلامي الذي لم ينطفئ. وظن الناس أنه يعود إلى خلافة جديدة بعد أن طاف العالم الإسلامي كما فعل محمد نجيب في بدايات الثورة المصرية ، والتفاف الإخوان حوله. فأطاحت به العلمانية التي لم ترض لغيرها أن تكون بديلا لها ، وحرمت عليه العمل بالسياسة لمدة خمس سنوات حتى شاخ الرجل. ثم استطاع حزب العدالة والتنمية أن يستثمر هذا التغيير في رؤيته للإسلام الحضاري الذي يضم الإسلام العقلاني المستنير والإسلام الليبرالي وإسلام العدالة الاجتماعية في آن واحد.
وإذا كانت العلمانية بنت العصر فقد تحجرت وأصبحت عقيدة تتجاوز كل العصور. في حين أن أصبح الإسلام رؤية تتجدد بتجدد العصور. وكان من جراء تحجرها وتجاوزه الزمان والمكان أن سقطت الخلافة كما تسقط العلمانية الآن. إنما الخطورة في كسب المعارك الصورية مثل حرية ارتداء في الجامعات. صحيح أن الحجاب رمز لحضارة ، وعلامة لهوية كما هو الحال في "التشادور" في إيران ولا يزال ضد محاولات الشاه في التغريب ، ولكنه صوري حتى ولو كان مقدمة لرموز أخرى ، وبداية لأسلمة المجتمع. فالحجاب مسألة شخصية ، وزي مثل باقي الأزياء الوطنية. ليس له هذه الأهمية القانونية والتشريعية. لا شأن للدولة به ، سلبا أم إيجابا. هو جزء من الحريات العامة وحق المواطنة.
صحيح أن الرمز يعبر عن واقع ، لا مع ولا ضد ، ولكن الواقع أيضا يعبر عن نفسه في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. هو الواقع المباشر الذي يمس حياة الناس ، سعادتهم وشقاءهم ، وليس مجرد رموز وعلامات صورية. المهم هي معارك الاستقلال الوطني ، ورفض سياسة الأحلاف ، والتفكير في الخروج من حلف شمال الأطلطني بعد أن فقد وظائفه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو ، وغلق القواعد العسكرية الأمريكية مثل قاعدة "انجرليك" التي خرج منها الطيران الأمريكي لضرب العراق بالرغم من رفض تركيا للقوات الأمريكية عبور أراضيها لغزو العراق من الشمال. المعركة هي عثور تركيا على أحلاف من دور الجوار تعبيرا عن أمنها القومي في الشرق ، العراق وإيران والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا ، وفي الجنوب ، مصر والشام ، وفي الشمال روسيا ، وليس في الغرب الأوروبي أو الأمريكي وحده ، والتأكيد على أن جناحها الشرقي الممتد إلى آسيا لا يقل أهمية عن جناحها الغربي الممتد في أوروبا عبر البلقان.

المهم هو الابتعاد عن إسرائيل والاقتراب من العرب ، والعمل المشترك على تحرير القدس. المهم أيضا معارك التنمية والتقدم والتصنيع. وقد سارت في هذا المجال على طريق أندونيسيا وماليزيا. والمهم ثالثا القضايا الاجتماعية في العدالة والمساواة ، والقضاء على البطالة. هذا هو الصراع بين حزب العدالة والتنمية والعلمانية على الأمد الطويل ، ومن الباب العريض وليس من الباب الضيق ، باب الحجاب. هذه هي الأرض المشتركة التي يقف عليها الإسلام والعلمانية والتي تسمح بالكشف عن التماهي بين الإسلام والوطنية ، وبين العلمانية والتغريب. أما أرض الرموز مثل الحجاب فهي سلفية مشتركة في الوعي الإسلامي في حزب العدالة والتنمية وفي اللاوعي السياسي عند العلمانيين. ويتكرر نفس الشيء في كافة أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي. ففي الكويت بدأ مجلس الأمة يناقش ضرورة منع الاختلاط في الجامعات الخاصة بعد أن تأسس جامعة الكويت الوطنية على مبادئ الليبرالية. وإذا كان الاختلاط قد وقع في مراحل التعليم الأولى فكيف يُمنع في المرحلة الجامعية؟ وإلى متى سيظل النظر إلى المرأة كأنثى ، والرجل كذكر وليس كمواطن يطلب العلم بصرف النظر عن جنسه؟ وهل قامت مناقشات مماثلة حول مذابح العرب في فلسطين والعراق واحتلال القدس؟

إن الطريق الثالث الذي يقيم الجسور بين الإسلام والعلمانية كما يفعل حزب العدالة والتنمية في تركيا والمغرب والذي اشتقته ماليزيا وأندونيسيا من قبل هو الذي يساعد على تقوية الجناح الإصلاحي في الحركة الإسلامية ، والعلمانية المستنيرة في مقابل العلمانية المتوحشة. فالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو المعيار. أي الفريقين أقدر على التعامل معه؟ فليست العبرة بالمنطلقات النظرية بل بالنتائج العملية. ليس المقياس هو البدايات بل النهايات.
Date : 12-03-2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.