من المجاهدين الأفغان إلى الجولاني ... «الجهاديون»... خدم للإمبريالية!    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    موفى أكتوبر 2025: العجز التجاري لتونس يبلغ 18435,8مليون دينار    فيديو لقصر يهشمون منزل عمهم و يعتدون على زوجته يثير غضبا ... زوجة العم تروي التفاصيل    مع الشروق : ترامب ... وسياسة الأبواب الخلفية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): اسراء بالطيب تهدي تونس الميدالية الذهبية الثانية    عاجل: النيابة العمومية تأذن بفتح أبحاث تحقيقية ضد ثلاثة محامين    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    عاجل/ الزهروني: "دقبونة" و"ولد العيارية" و"العروسي" في قبضة الامن    قابس: انطلاق فعاليات الصالون الأوّل للتقنيات الزراعية الحديثة والتكنولوجيات المائية    عاجل/ رشق هذا القطار بالحجارة ووقوع اصابات    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    عاجل/ تونس تطرح مناقصة دولية لشراء القمح الصلب والليّن    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    القصرين: 126 ألف شتلة جديدة لتعزيز الغطاء الغابي خلال موسم التشجير 2025-2026    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    الإعلان عن الهيئة المديرة للدورة الجديدة لأيام قرطاج المسرجية    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يطالب بصافرة أجنبية في الكلاسيكو    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    الهند: ارتفاع حصيلة انفجار السيارة إلى 12 قتيلا    أطباء بلا حدود تكشف: الأوضاع الإنسانية بغزة ما تزال مروعة..    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    عاجل: هزة أرضية بقوة 5.36 ريختر تُحسّ بها عاصمة بلد عربي    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    أعضاء مجلسي نواب الشعب والجهات والأقاليم يناقشون مهمة وزارة الشؤون الخارجية    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    المهد الوطني للرصد الجوي: ظهور ضباب محليا كثيف صباح غد الأربعاء    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية السلفية
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 03 - 2008


د. حسن حنفي
تعني العلمانية السلفية العلمانية المتوحشة الجذرية التي لا تقبل نقيضها أو أي حوار معها. وعندما تتحول إلى عقيدة بديلة وتعصب مضاد لكل الأيديولوجيات والمذاهب المعارضة ، وعندما تصبح مذهبا مغلقا طاردا. تجمع بين النقيضين ، العلمانية نظريا بمعنى الانفتاح وقبول الرأي الآخر ، وفصل الدين عند الدولة وتحكيم العقل والاعتزاز بحرية الإنسان وبحقوق المواطن ، والسلفية عمليا تعني التعصب والجمود والحرفية والعقائدية والمذهبية والانغلاق ، ورفض الرأي الآخر ، وتأسيس الدولة على العلمانية كدين جديد ، والثبات دون التغيير ، وفرض رأيها على كل الناس ، وإنكار حقوق المواطن في حرية الاختيار وتعددية الآراء. وهو ما يحدث في تركيا هذه الأيام بتصديق البرلمان على سن قانون يسمح بحرية ارتداء الحجاب في الجامعات وقيام العلمانيين ، وهم أقلية في البرلمان ، بتنظيم احتجاج داخله وخارجه ضد قانون وافقت عليه الأغلبية ، مع أن الديموقراطية من ركائز العلمانية ومكوناتها. واعتبرتها خطوة لأسلمة المجتمع ، والتوحيد بين الدين والدولة من جديد ، وهدما لأسس الدولة التركية الجديدة والثورة الكمالية التي قضت على الخلافة العثمانية ، وأقامت بدلا عنها الجمهورية التركية الجديدة على أسس علمانية خالصة.

والحقيقة أن العلمانية تعني أن الدولة لا دين لها. تقوم على القوانين الوضعية والدستور والمواطنة ومساواة الجميع في الحقوق والواجبات. الدين علاقة خاصة بين الإنسان والله ، وليس علاقة عامة بين المواطن والدولة ، عبادات وليس معاملات ، دين وليس دنيا. والعلمانية على هذا النحو دين جديد ، تريد إقامة الدولة عليه. وهو ما يناقض روح العلمانية ، وأن الدولة لا دين لها. علمانية في الظاهر وسلفية في الباطن. فقد استمرت العقلية السلفية عند العلمانيين الأتراك أكثر من استمرارها عند الإصلاحيين في حزب العدالة والتنمية الذي يقبل الرأي الآخر ، ويحتكم إلى المعايير الديموقراطية ، الانتخابات البرلمانية والدستور واحترام الأقلية لرأي الأغلبية. الدولة لها رؤية استراتيجية تعبر عن أمنها القومي طبقا للجغرافيا والتاريخ والموقع وعبقرية المكان ، وليس لها دين واحد بل قد تتعدد فيها الأديان. والدين مثل الأيديولوجيا تعبير عن ذلك.
لقد كانت العلمانية المتوحشة اختيارا طبيعيا لتركيا بعد سقوط الخلافة ، وكرد فعل على ضعفها وفسادها وتخلفها. وكانت أساس قيام الدولة الوطنية التركية الحديثة المستقلة التي استطاعت تحرير الوطن من الاحتلال اليوناني ، وبناء الدولة الوطنية ، بعد أن عجز التيار السلفي عن إنقاذ الخلافة ، وعجز التيار الإصلاحي عن إصلاحها. ومنذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن تغير الشعب التركي. وبرد قانون الفعل ورد الفعل. واستحال تغيير تركيا عن طريق الانقطاع عن الماضي. وظل قابعا في اللاوعي السياسي. فإذا ما ضعفت الدولة الوطنية وتعثر اقتصادها ولم تستطيع الاندماج كلية في النموذج الأوروبي الجديد والتردد في قبولها عضوا في الاتحاد الأوروبي قويت جماعات المعارضة الإسلامية والماركسية والليبرالية. وحدث رد فعل آخر عند أربكان بالعودة إلى اللاوعي الإسلامي الذي لم ينطفئ. وظن الناس أنه يعود إلى خلافة جديدة بعد أن طاف العالم الإسلامي كما فعل محمد نجيب في بدايات الثورة المصرية ، والتفاف الإخوان حوله. فأطاحت به العلمانية التي لم ترض لغيرها أن تكون بديلا لها ، وحرمت عليه العمل بالسياسة لمدة خمس سنوات حتى شاخ الرجل. ثم استطاع حزب العدالة والتنمية أن يستثمر هذا التغيير في رؤيته للإسلام الحضاري الذي يضم الإسلام العقلاني المستنير والإسلام الليبرالي وإسلام العدالة الاجتماعية في آن واحد.
وإذا كانت العلمانية بنت العصر فقد تحجرت وأصبحت عقيدة تتجاوز كل العصور. في حين أن أصبح الإسلام رؤية تتجدد بتجدد العصور. وكان من جراء تحجرها وتجاوزه الزمان والمكان أن سقطت الخلافة كما تسقط العلمانية الآن. إنما الخطورة في كسب المعارك الصورية مثل حرية ارتداء في الجامعات. صحيح أن الحجاب رمز لحضارة ، وعلامة لهوية كما هو الحال في "التشادور" في إيران ولا يزال ضد محاولات الشاه في التغريب ، ولكنه صوري حتى ولو كان مقدمة لرموز أخرى ، وبداية لأسلمة المجتمع. فالحجاب مسألة شخصية ، وزي مثل باقي الأزياء الوطنية. ليس له هذه الأهمية القانونية والتشريعية. لا شأن للدولة به ، سلبا أم إيجابا. هو جزء من الحريات العامة وحق المواطنة.
صحيح أن الرمز يعبر عن واقع ، لا مع ولا ضد ، ولكن الواقع أيضا يعبر عن نفسه في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. هو الواقع المباشر الذي يمس حياة الناس ، سعادتهم وشقاءهم ، وليس مجرد رموز وعلامات صورية. المهم هي معارك الاستقلال الوطني ، ورفض سياسة الأحلاف ، والتفكير في الخروج من حلف شمال الأطلطني بعد أن فقد وظائفه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو ، وغلق القواعد العسكرية الأمريكية مثل قاعدة "انجرليك" التي خرج منها الطيران الأمريكي لضرب العراق بالرغم من رفض تركيا للقوات الأمريكية عبور أراضيها لغزو العراق من الشمال. المعركة هي عثور تركيا على أحلاف من دور الجوار تعبيرا عن أمنها القومي في الشرق ، العراق وإيران والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا ، وفي الجنوب ، مصر والشام ، وفي الشمال روسيا ، وليس في الغرب الأوروبي أو الأمريكي وحده ، والتأكيد على أن جناحها الشرقي الممتد إلى آسيا لا يقل أهمية عن جناحها الغربي الممتد في أوروبا عبر البلقان.

المهم هو الابتعاد عن إسرائيل والاقتراب من العرب ، والعمل المشترك على تحرير القدس. المهم أيضا معارك التنمية والتقدم والتصنيع. وقد سارت في هذا المجال على طريق أندونيسيا وماليزيا. والمهم ثالثا القضايا الاجتماعية في العدالة والمساواة ، والقضاء على البطالة. هذا هو الصراع بين حزب العدالة والتنمية والعلمانية على الأمد الطويل ، ومن الباب العريض وليس من الباب الضيق ، باب الحجاب. هذه هي الأرض المشتركة التي يقف عليها الإسلام والعلمانية والتي تسمح بالكشف عن التماهي بين الإسلام والوطنية ، وبين العلمانية والتغريب. أما أرض الرموز مثل الحجاب فهي سلفية مشتركة في الوعي الإسلامي في حزب العدالة والتنمية وفي اللاوعي السياسي عند العلمانيين. ويتكرر نفس الشيء في كافة أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي. ففي الكويت بدأ مجلس الأمة يناقش ضرورة منع الاختلاط في الجامعات الخاصة بعد أن تأسس جامعة الكويت الوطنية على مبادئ الليبرالية. وإذا كان الاختلاط قد وقع في مراحل التعليم الأولى فكيف يُمنع في المرحلة الجامعية؟ وإلى متى سيظل النظر إلى المرأة كأنثى ، والرجل كذكر وليس كمواطن يطلب العلم بصرف النظر عن جنسه؟ وهل قامت مناقشات مماثلة حول مذابح العرب في فلسطين والعراق واحتلال القدس؟

إن الطريق الثالث الذي يقيم الجسور بين الإسلام والعلمانية كما يفعل حزب العدالة والتنمية في تركيا والمغرب والذي اشتقته ماليزيا وأندونيسيا من قبل هو الذي يساعد على تقوية الجناح الإصلاحي في الحركة الإسلامية ، والعلمانية المستنيرة في مقابل العلمانية المتوحشة. فالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي هو المعيار. أي الفريقين أقدر على التعامل معه؟ فليست العبرة بالمنطلقات النظرية بل بالنتائج العملية. ليس المقياس هو البدايات بل النهايات.
Date : 12-03-2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.