حالة من الارتباك والتوتر تعانيها النخبة الفكرية والسياسية في عالمنا العربي ومنذ عقود ، حين تطرح شعارات المواطنة والدولة المدنية وحقوق الإنسان على مستوى الفكر النظري وفي المقابل ممارسات الإقصاء ورفض الآخر بل والانتقال لمربعات أكثر خطورة حيث الانحياز لأنظمة الحكم المستبدة والفاسدة بالدفاع تارة والتبرير تارة والتحريض تارة أخرى ، أزمة تعانيها النخبة العربية حيث الأفول والجمود والانحسار بعدما ظلت ولعقود تسيطر على عقول الجالسين على منصات الحكم ،كما ظلت مصدر الإلهام والإبداع لعدد كبير من جماهير الأمة، لكن وبمرور الزمن تغيرت الحسابات والمبادئ حين صار المبدأ المكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" هو أقصر الطرق وأيسرها لتحقيق الأهداف والغايات والمصالح مواقف وشواهد ** الانحياز للمشروع الصهيوأميركي الذي يدير المنطقة ويدعم شرعية أنظمة الحكم التي تفتقد الشرعية الشعبية بسبب فشلها في تحقيق طموحات الشعوب بل والشرعية القانونية لاعتمادها التزوير في كافة الانتخابات التي أدارتها أو شاركت فيها ** الغلو بل التطرف غير المبرر لدى هذه النخبة حين تطابقت رؤيتها مع الرؤية الصهيونية في موقفها من قضايانا المركزية خاصة فلسطين ** الانحياز لأنظمة الحكم المستبدة تشرعن الاستبداد وتقنن الفساد لدرجة غير مسبوقة تجلت في التعديلات الدستورية التي تمت بكثير من البلدان العربية بهدف احتكار السلطة وتأبيدها بل وتوريثها (مصر واليمن وليبيا والجزائر) وإقصاء المعارضة الإسلامية. ** الانحياز لطبقة رجال الأعمال الذين قفزوا إلى دوائر الحكم وصنع القرار في مرحلة تزاوج السلطة بالثروة مما بات يهدد واقع ومستقبل الشعوب العربية ** التخلي عن روح المناضلة والمقاومة السلمية التي طالما دعت إليها لإصلاح البلاد وانتزاع الحقوق والاكتفاء بعقد الصفقات ** ترويع الرأي العام من الإخوان المسلمين أصحاب المنهج الوسطي السلمي المتدرج وتعمد خلط الأوراق برفع شعار "علينا أن نختار بين الأنظمة المستبدة الفاسدة أو الأصولية الظلامية المدمرة" ** الموقف المعادي لثقافة الأمة وهويتها وظهور أقلام ليست بالقليلة شعارها "أنا أهاجم الإسلام إذاً أنا مثقف ومبدع" ** المطالبة بحذف المواد الدستورية التي تحدد الهوية العربية و الإسلامية لشعوب المنطقة وكذا حذف الآيات القرآنية التي تحويها المناهج التعليمية نتائج ودلالات هذا الطرح من النخبة العربية يؤكد ما ذهبتُ إليه في عدة مقالات سابقة أن هذا التيار لا يريد دولة مدنية لكن المدنية شعاراً مرفوعاً يحمل في طياته مناخاً لا دينياً على المستوى الدستوري والتشريعي والتنفيذي ، تارة باسم المدنية وأخرى باسم المواطنة وثالثة باسم فزاعة الدولة الدينية عموماً ... السجال الفكري والبرامجي مطلوب في مناخ ديمقراطي ومتكافئ ، وبعد ذلك يُترك الخيار للجماهير التي وبغالبية الشواهد لن تختار إلا ما يتفق مع عقيدتها وثقافتها وهويتها والتاريخ خير شاهد. محمد السروجي مدير المركز المصري للدراسات