خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب، لفت نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الأنظار بخطابه الحميمي حيال الدولة العبرية، ففي محاضرته في جامعة تل أبيب كان الرجل يتحدث كما لو كان مشرداً عاد إلى وطنه الأم بعد غياب طويل. قال لمستمعيه إن الصهيوني لا ينبغي أن يكون يهوديا بالضرورة، بل يمكن أن يكون غير يهودي أيضا، بينما كانت الصحافة الإسرائيلية تحتفل بصديق الدولة العبرية الحميم، مشيرة إلى زوجة ابنه اليهودية «المتدينة»، وعن كيفية مشاركته لها احتفالها بعيد الفصح، ولا ندري ما إذا كان لها أبناء، بحيث يمكن أن يكونوا يهودا أيضا، وبالضرورة صهاينة على مذهب جدهم! لم تكن صفعة نتنياهو للزائر الكبير بالإعلان عن 1600 وحدة استيطانية في مستوطنة قرب القدس كافية لردع الرجل عن إعلان حبه وهيامه، ولم يكن التصريح الناقد الذي وجهه سوى رد فعل «متسرع» لم يلبث أن تجاوزها متفهما الصديق نتنياهو «رجل السلام» الذي أخبره أن الإعلان المذكور لم يكن بعلمه ولا بقراره. ليس جو بايدن وحده هو الصديق الحميم للدولة العبرية في البيت الأبيض، فهناك العزيزة هيلاري كلينتون أيضا التي لا تبخل بإعلان حبها ودعمها (تجلى ذلك أثناء كلمتها أمام مؤتمر ايباك)، وهناك الصهيوني ابن الصهيوني رام إيمانويل كبير موظفي البيت الأبيض، وسواهما كثير، ويبقى لنا العزيز باراك (حسين) أوباما، الذي رحب الكثيرون بخطابه «الناعم»، والذي لم يكن في حقيقته ناعما إلا لمن أحبوه كذلك. لقد تبين الآن لكل ذي بصيرة صحة ما ذهبنا إليه قبل انتخابات الرئاسة الأميركية من أن أوباما كان بالنسبة للدولة العبرية أفضل من المرشح الجمهوري، وبالطبع لأن قدرته على بيع بضاعته على العرب والعالم الإسلامي، بل وعموم العالم الثالث أفضل من منافسه، فيما هو مقيّد بطوائف من الصهاينة في الكونغرس، ناهيك عن أولئك الذين أحاط نفسه بهم داخل الإدارة. لقد بلغ النفوذ الصهيوني داخل الأروقة السياسية في الولاياتالمتحدة حدّاً لم يعد بالإمكان الحديث معه عن ديمقراطي وجمهوري، إذ بات غالبية أعضاء الكونغرس من الحزبين من أنصار الدولة العبرية، كما أكدت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب إثر لقائها نتنياهو، فيما تسلسل أنصارها تبعا لذلك، ومعه سيطرتهم على لوبي الإعلام الذي يحركونه إلى سائر أروقة السياسة داخل البلاد. لولا ذلك ما كان بوسع نتنياهو الاستخفاف به، أعني أوباما ونائبه ووزيرة خارجيته، ومن ثم يستكثر عليهم قرارا هو أقل من عادي يتعلق بتجميد الاستيطان في القدس والضفة الغربية لمدة محدودة للمساعدة في إطلاق المفاوضات، وذلك على نحو يساعد واشنطن في الخروج من المستنقعات التي خلفها له جورج بوش، بخاصة في العراق وأفغانستان. هل يمكن القول إن فريق أوباما على صهيونيته لم يكن يأمل في شيء كهذا؟ كلا بالطبع، وإلا لما ثار بايدن لبعض الوقت بسبب قرار البناء الجديد، وقد رأيناه كيف يتوسل للإسرائيليين عندما قال لهم بالنص: «ما تفعلونه هنا يمس أمن جنودنا الذين يقاتلون في العراق، وفي أفغانستان وباكستان. هذا يعرضنا للخطر ويعرض سلام المنطقة للخطر». من الضروري الإشارة هنا إلى التوتر الذي شاب العلاقة الأميركية الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة (يشمل ذلك جرأة أوباما المحدودة على نتنياهو) كان ضروريا من أجل دفع العرب للتمسك بخيار التفاوض والمراهنة على «إحراج إسرائيل»، بخاصة قبل قمة ليبيا، لكن الأهم هو تبني البنتاغون لنظرية التهدئة في الساحة الفلسطينية خوفا من إشعال المنطقة والتأثير على الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان مصالح أميركا في عموم المنطقة. اللافت في هذه القضية برمتها هو أن العالم كله صار يشعر بضعف الإدارة الأميركية، من أميركا اللاتينية إلى آسيا وإيران وكوريا وتركيا، فضلا عن الصين وروسيا، والعرب وحدهم هم من يتلقون أوامرها بطاعة غريبة. من هنا، فالأزمة تتعلق في جوهرها بهذه الأنظمة، ومن ضمنها السلطة الفلسطينية، وليس بالشعب الفلسطيني، ولا حتى الشعوب العربية الأقرب إلى روح المقاومة والممانعة، وهي في العموم أنظمة لا تبحث سوى عن مصالح نخبها الحاكمة بعيدا عن مصالح الأمة، وإلا لكان بوسعها أن تفرض على نتنياهو وأوباما الكثير من التراجع. نقول ذلك ونحن ندرك أنهم لن يكفوا عن المراهنة على إدارة أوباما وتلقي تعليماتها، لاسيما أن من بينهم من أصبح مقتنعا بأن إيران أخطر بكثير من أميركا وحليفتها العبرية، بل لا بد من مجاملة واشنطن من أجل التخلص من الخطر الإيراني! العرب 2010-03-31