نفى سياسي لبناني أن تكون الدعوات الصادرة عن الإدارة الأمريكية من أجل مقاطعة القمة العربية في دمشق تندرج فقط في سياق الضغوط المتلاحقة على سورية والسعي الحثيث لمحاصرتها، وأشار إلى أنها "تعكس موقف واشنطن الثابت من هذه القمم ومحاولاتها المستمرة لمنع انعقادها وضرب كل مظاهر العمل العربي المشترك ومؤسساته". وأوضح الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي معن بشور في تصريح صحفي مكتوب أرسل نسخة منه ل "قدس برس" أن "من يستعيد شريط دورات القمم العربية منذ سنوات، يدرك بوضوح أن السياسة الأمريكية تجاهها قائمة على معادلة بسيطة إنهاء النظام العربي القائم لمصلحة نظام شرق أوسطي بديل يكون الكيان الصهيوني محوره و قائده ومحركه الوحيد"، وقال: "لقد نجحت واشنطن بعد حرب الخليج الأولى عام 1990 1991 في أن تمنع انعقاد أي قمة عربية مكتملة على مدى عشر سنوات حتى جاء انتصار المقاومة في تحرير الجنوب اللبناني في ايار (مايو) 2000 ليعيد صياغة موازين القوى في المنطقة، ثم جاء اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 ايلول/سبتمبر 2000 وما رافقها من هبة شعبية عربية على امتداد الوطن الكبير، نجحت في الضغط على النظام الرسمي العربي، فانعقدت قمة طارئة في القاهرة بعد أسابيع على تلك الانتفاضة لتنعقد بعدها في آذار 2001 قمة عادية في عمان قررت بالإجماع تحويل القمة العربية إلى مؤسسة دائمة وقررت عقدها بشكل دوري". وأشار بشور إلى أن الإدارة الأمريكية أوجدت بديلا سياسيا للقمم العربية ممثلا في مشروع الشرق الأوسط الجديد، وقال: "لقد كان البديل الأمريكي للقمة العربية في تلك الفترة هي تشجيع عقد مؤتمرات "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" التي انعقدت في أكثر من عاصمة عربية بحضور ممثلي الكيان الصهيوني الذين حملوا معهم مشروع بيريز الشهير حول "الشرق الأوسط الجديد"، ولقد توقفت هذه المؤتمرات التطبيعية بعد الاعتراض الشعبي الواسع والممانعة الرسمية لعدد من الدول العربية، فألغيت قمة الدوحة الشرق أوسطية، وعاد الطريق لينفتح مجدداً أمام عودة الحياة إلى النظام الرسمي العربي، لاسيما بعد قمتي اللاذقية و الإسكندرية الثلاثية بين مصر وسوريا والسعودية عام 1996". وذكر بشور أن مسيرة الإدارة الأمريكية مع القمم العربية كانت تهدف دوما إلى إضعاف قراراتها وإفشال أي جهد ممكن لمواجهة التحديات المطروحة وفق رؤية عربية مستقلة، وقال: "على الرغم من محدودية النتائج التي توصلت إليها القمم العربية في عمان عام 2001 وبيروت 2002 وشرم الشيخ 2003 وتونس 2004 والجزائر 2005، والخرطوم 2006، والرياض 2007، بل رغم سلبية هذه النتائج وانكشاف العجز الرسمي العربي الفاضح إزاء بعض القضايا العربية الكبرى كقضية فلسطين وكقضية الحرب على العراق ثم احتلاله، فان الإدارة الأمريكية كانت تبذل جهوداً استثنائية لإفشال هذه القمم إما بالعمل لمنع انعقادها في مواعيدها (كما جرى مع قمة تونس) أو في السعي لتخفيض التمثيل الرسمي فيها (كما حصل مع قمم الجزائر والخرطوم) أو في استخدامها لتمرير قرارات واتجاهات تخدم السياسة الأمريكية في المنطقة لاسيما كمسألة الاعتراف بإفرازات الاحتلال الأمريكي في العراق". واعتبر بشور أن الإدارة الأمريكية اضطرت الآن لكشف أوراقها علناً، و إخراج ما كان يجري في الكواليس إلى وضح النهار، لأنها تشعر ان انعقاد قمة عربية في سورية، وفي هذه الظروف بالذات، وما تمثله سورية تاريخياً من مواقف، وبما يشكله موقعها الجغرافي من إطلالة استراتيجية على قضايا المنطقة الساخنة في فلسطين والعراق ولبنان، سيشكل نكسة مزدوجة للمشروع الإمبراطوري الأمريكي الصهيوني، لأنه يحافظ على أطر العمل العربي المشترك من جهة، كما يترجم سياسياً المتغيرات الحقيقية في الوضع الإقليمي والدولي الناجمة عن صمود غزة ومقاومتها في الأسابيع الماضية، وعن الإنجاز الذي حققه لبنان المقاوم في صيف 2006، وعن تصاعد الارتباك الامريكي في العراق، وعن التململ العالمي المتنامي من سياسة الهيمنة الأمريكية، وبهذا المعنى فان نجاح قمة دمشق سيشكل حداً فاصلاً بين مرحلتين، مرحلة انصياع النظام الرسمي العربي شبه الكامل للإملاءات الأمريكية، ومرحلة بداية التحرر من سياسة الإذعان لإدارة أمريكية يشهد لفشلها مواطنوها داخل بلادها اكثر مما يشهد لهذا الفشل أي شعب آخر، على حد تعبيره.