تباينت مواقف الأحزاب المصرية من بيان وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أعربت فيه عن قلقها لاعتقال ناشطين سياسيين يوم الثلاثاء الماضي، والذين طالبوا في مظاهرة سلمية بتعديل الدستور، وإلغاء حالة الطواريء في البلاد. وكان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيليب كراولي قد صرح للصحافيين قائلا "نشعر بالقلق الشديد لاعتقال المصريين في ظل حالة الطوارئ، وعلى الحكومة المصرية احترام حقوق الجميع في التعبير سلميا عن آرائهم السياسية"، مضيفا "يجب أن يتمكن المصريون من المشاركة في العملية السياسية وأن يختاروا أخيرا من يحكم مصر بعد الانتخابات". منظمات حقوقية تضغط وكانت سبع منظمات حقوقية دولية بارزة قد طلبت من وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون يوم أمس الخميس، الضغط على الحكومة المصرية لتعزيز الإصلاح الديمقراطي قبل الانتخابات القادمة، وهي المطالب التي خرج من أجلها المتظاهرون يوم 6 أبريل، والتي ينادي بها الدكتور محمد البرادعي، حتى يتمكن من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. من بين هذه المنظمات معهد كارنيجي للسلام الدولي، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، معهد الشرق الأوسط، مجلس العلاقات الخارجية، منظمة هيومن رايتس ووتش، مبادرة السياسة الخارجية، وفريدوم هاوس. وجاء في الخطاب الذي وجهته هذه المنظمات لوزيرة الخارجية إن مصر تواجه "تغيرات حقيقية في القيادة في المستقبل القريب، وتفتقر إلى عملية سياسية نزيهة وشفافة". كما حذر الخطاب من عواقب وخيمة ستنعكس على العلاقات الأمريكية المصرية، والاستقرار في المنطقة، إذا لم تستجب الحكومة المصرية لمطالب الإصلاح. كما حذر الخطاب من أن سياسة الولاياتالمتحدة في دعم "الأنظمة المستبدة"، يساهم في مزيد من التوتر بين الولاياتالمتحدة والمسلمين. تمرير أمر ما هل كان بيان الخارجية الأمريكية استجابة لمطالب هذه المنظمات؟ أم أنه يقع في صلب سياسة الرئيس أوباما غير واضحة المعالم حتى الآن؟ العلاقات الأمريكية المصرية مرت بفتور ملحوظ، خلال الولاية الثانية للرئيس السابق جورج بوش، بسبب خطابه المتصلب الذي ينادي بفرض الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعادت العلاقات وتحسنت بشكل مضطرد بعد انتخاب الرئيس أوباما، وخاصة بعد خطابه الموجه إلى العالم الإسلامي، من جامعة القاهرة، إلا أن هذه العلاقة مرشحة مرة أخرى للعودة إلى سباتها القديم، خاصة إذا اتخذت الولاياتالمتحدة إجراءات فعالة لإجبار الحكومة المصرية على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. رئيس حزب التجمع المصري، رفعت السعيد يرى في بيان وزارة الخارجية الأمريكية، محاولة من أمريكا للضغط على النظام المصري "لتمرير أمر ما"، مرجحا في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط أن يكون هذا الأمر على صلة بمبادرة أمريكية جديدة للسلام، تحصل فيها إسرائيل على ما لا تستحق. أوضح موقف لأوباما أما رئيس حزب الغد أيمن نور والذي رحب بالبيان معتبرا إياه أوضح موقف تتخذه إدارة أوباما منذ وصولها إلى البيت الأبيض، وقال نور في حديث لإذاعتنا إنه مع بعض الضغوط على الأنظمة الاستبدادية حتى لا تنفرد بشعوبها، وأنها ليست صاحبة القرار الأول والأخير فيما يتصل بقضايا حقوق الإنسان مضيفا: "نحن نرى أن هذا البيان جزء مما يجب أن يحدث فيما يتصل بقضايا حقوق الإنسان، أو الانتهاكات التي نتعرض لها بشكل منتظم، وبشكل منهجي، سواء نتيجة لغياب الإصلاحات الدستورية، أو نتيجة للمواقف العنيفة والخشنة التي تسعى من خلالها السلطة في مصر لإرهاب الناس، والضغط عليهم للتوقف عن المطالبة باستحقاقات ديمقراطية واجبة". الضغط الخارجي له معنى ويرفض نور التفسيرات "التآمرية" لبيان وزارة الخارجية الأمريكية، قائلا "أنا لا أقرأ النوايا. أنا أقرأ المباديء..قد لا تكون لدينا تجارب جيدة مع المواقف الأمريكية التي كثيرا ما تكون وراءها مصالح أكثر من المباديء، ولكن في ظاهر الأمر هذا البيان موقف صحيح في الاتجاه الصحيح، وإذا كانت هناك ضغوط سبق وأن استخدمت في مقايضات سياسية، من أجل تحقيق مصالح آنية ومحدودة، فهذا أمر يجب أن ندينه". ويؤكد نور على وجود بعض التحفظات لديه بشأن عدم ثبات المواقف الأمريكية فيما يتصل بقضايا الحريات وحقوق الإنسان في مصر والعالم العربي، على الأقل في ظل الإدارة الحالية. ويرى نور أن الضغط الداخلي هام جدا، والضغط الخارجي له معنى وقيمة يجب أن لا تهمل مضيفا "في ظل أنظمة لا تهتم أبدا بالرأي العام الداخلي، ولا تهتم بمواقف شعوبها، بقدر اهتمامها بتلك المواقف الخارجية، التي تتحسس كثيرا من وجودها. علينا أن نكون صرحاء، ورقة الضغط الداخلي هي الأساسية، لكن من الهام أن نعرف أن الضغط الخارجي يحدث تأثيرا أكبر". نرفض التدخل الخارجي أما أمينة النقاش، الأمين المساعد لحزب التجمع فرفضت الاعتقالات كما رفضت بيان وزارة الخارجية الأمريكية، وقالت لإذاعتنا "نحن نرفض أي تدخل خارجي أي كان شكله، في شئوننا الداخلية، ونعتبر أنه سيحرف الأنظار عن نضال القوى الديمقراطية المصرية، من أجل توسيع نطاق الحريات". جماعة الإخوان المسلمين رفضت بدورها البيان، وفي لقاء مع إذاعتنا قال الدكتور جمال نصار، المستشار الإعلامي للمرشد العام "نحن غير معنيين بما تصدره الإدارة الأمريكية، ما يعنينا هنا في مصر أن تتاح الحريات للتظاهر السلمي، لكي يعبر كل فصيل سياسي أو مجموعة عنها رأيها بشكل سلمي وطبيعي، ولا نحب ولا نرغب في أن تتدخل أي جهة خارجية في الشأن المصري الداخلي". على صعيد آخر قال الدكتور محمد البرادعي، في اجتماع ضمه يوم أمس مع عدد من المثقفين المصريين إنه تلقى معلومات تفيد أن النظام يسعى لاستدراجه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة وفقا للشروط الحالية، وأكد أن يرفض ذلك لأنه لا يعمل من أجل الرئاسة، وإنما من أجل الإصلاح والتغيير. إذاعة هولندا العالمية