خلف قضبان الأسر يواصلون تحديهم للسجان ويعلنون انتصارهم عليه كلما زاد تعسفاً وبطشاً زادت حناجرهم غضباً وهم يصرخون من خلف القضبان ثورة ثورة حتى النصر ، ويكبّرون للوطن ويكبرُ الوطن بهم رجالاً في ميادين النضال عرفناهم يتقدمون الجماهير ويكتبون تاريخ الوطن بشرفٍ وعزةٍ وإباء ، يقتربون أكثر من الحرية كلما اشتدت حلكة الليل وكلما زاد السجان عنجهية قصر عمر المحتل واقتربت ساعة الشمس التي طال انتظارها ولم تأتي بعد . هم الأسرى ، هم حكاية شعب قرر أن يحيا رغم الاحتلال بعزة وكرامة وقد اتخذوا قرارهم بالمواجهة والتحدي ،، هم الطليعة الرافضة للوصاية والانحناء أمام الطغاة العابرون فوق زماننا المنصرفون من عالمنا الى غير رجعه ،،هم نور الطريق الى الثورة و العودة الى الوطن المحلقون في فضاء الحرية كلما ازدادت عتمة الزنزانة وازداد السجن اسوداداً وظن الآخرون الحاقدون أن بوابات الاعتقال مغلقة الى الأبد ، تراهم يخرجون كلما ضاقت علينا بنورهم ووهج البشارة القادم ، يعزفون نشيدنا الوطني على بوابات القدس العتيقة ويرتلون بحناجرهم صلوات الحرية والاستقلال ، يحملوننا على الأكف ونحملهم ونتخطى بعزيمتهم زمن الهزيمة والانكسار نحو النصر والبعث من جديد ، يبحثون فينا وعنا هم نحن ونحن هم ، فلذات أكبادنا يعبرون الى الحرية عبر ظلمات الأسر وسطوة الجلادين وقسوة السلاسل الى الغد القادم لا محالة . يصنعون تاريخنا ببطولاتهم وإشراقه الفجر القادم من عيونهم يسطع بريقاً في عالمنا وفضائنا الحزين المثقل بهموم النكبة والنكسات والهزائم المتتالية وذاكرة البعض المبتورة ، كلما هتفنا لهم ازدادوا عزماً وصلابة يحلقون بنا الى أعالي الكرمل في رحلة العودة ومشوار الرجوع الى الملاذ الأول حيث رائحة الأجداد المحفورة في ذاكرة المكان . خلف قضبان الأسر في المعتقلات والسجون وزنازين المحتل الزائلة ذات يوم ، يقبع أكثر من عشرة الآلاف أسير يكتبون تاريخنا وتاريخ أمتهم ويصنعون أملاً يأخذ طريقه غصباً في معادلات العالم الجديد ، يخرجون من معتقلاتهم ، من النقب الصحراوي وخيام عوفر ، من جلبوع و الرملة وهداريم ، من شطة وعسقلان الى الحياة والحرية الى تل الربيع والرملة وحيفا ، الى بيت الشمس ويافا وعكا وأم الفحم ،، الى زهرة النرجس على مرتفعات الجليل ، ينشرون ثقافة الحب والقيم الإنسانية ويعزفون لحن الحرية ، هم بداية البداية وتعويذة النصر ، هم حضارتنا الأسيرة المسلوبة في غياهب المعتقلات ، وتراثنا المغتصب المصلوب على جدران النكبة،، هم الإرادة المنتصرة على السجن والقيد وسلاسل السجان. طليعة الشعب التي تقدمت الصفوف الأولى ولبت نداء فلسطين حين نادت الرجال لمعارك الدفاع عنها ، هبوا ولبوا ووهبوا حريتهم وأرواحهم ولم يبخلوا على فلسطين ولم يتراجعوا في ذلك الزمن الصعب حيث اشتدت المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي وتصاعدت شراسته وعنجهيته التي أرادت من خلالها لنا الإذعان والخنوع أمام قرارات اغتصاب الأرض واحتلال الوطن ، فما كان من الرجال الرجال إلا أن تدافعوا شرفاً وشهامةً ولبوا نداء فلسطين التي عشقوها فافتدوها بأغلى ما يملكون وقرروا أن ينتصروا بإرادتهم التي لم ولن تنكسر . في يوم الأسير الفلسطيني وأمام هذه القضية العادلة ، وفي ظل هذا الصمت العربي والدولي والعجز الكامل أمام قوات الاحتلال التي لا تلتزم بكل الأعراف الدولية والإنسانية وأخلاقيات الحروب ليس فقط في قضية الأسرى بل في كل القضايا الوطنية ، وحيث أن المفاوضات السلمية طوال السنوات الماضية لم تستطع أن تنهي هذه القضية الأساسية ولم تسفر عن أية نتائج من شأنها الضغط على حكومة الاحتلال فان المطلوب إعطاء هذه القضية مزيداً من المواقف الرسمية من قبل القيادة بالتزامن مع وجود تحرك شعبي واسع وعلى مختلف الأصعدة الدولية والأممية والعربية لإبراز هذه القضية التي يحاول الاحتلال أن يفرض أجندته فيها منذ زمن بعيد .
اليوم وحيث تصادف ذكرى يوم الأسير الفلسطيني وكما في كل عام نحي الذكرى بألم وأمل ودعاؤنا أن يجد الأسرى حريتهم ويتحرروا من معتقلاتهم وسجونهم ، وتسقط سلاسل السجان وقيوده وينهار كيانه العنصري وفكره المبني على التطرف والاحتلال والاستيطان وسلب الكرامة والحرية بقوة إرهاب الدولة التي تمارسه بحق الشعب الفلسطيني ، وفي ظل الوضع السياسي المعقد والوضع الداخلي المؤلم جراء الانقسام واختلاف الرؤى فان المطلوب من القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية توحيد الجهود وتسخيرها كي تحتل قضية الأسرى مكانة عليا على أجندة العمل السياسي والشعبي ونرتقي لمستوى الدفاع عن هذه القضية الإنسانية العادلة