انقلاب قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي.. تسجيل حالة وفاة    تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تركيا: مقتل 20 جنديا في سقوط طائرة عسكرية    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    المؤرخ عبد الجليل التميمي يدعو إلى وضع رؤية جديدة للتعليم    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    اخبار كرة اليد .. قرعة ال«كان» يوم 14 نوفمبر    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    أزمة جديدة تهزّ المشهد الثقافي ... اتحاد الناشرين التونسيين يقاطع معرض الكتاب    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    بنزرت الجنوبية ... 5 جثث آدمية لفظتها الأمواج في عدد من الشواطئ    3 آلاف قضية    وزير الدفاع الوطني: الوضع الأمني مستقر نسبياً مع تحسن ملموس في ظل واقع جيوسياسي معقد    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    عاجل/ قيمة ميزانية وزارة الخارجية لسنة 2026    عاجل/ سياسي جديد يدخل في إضراب جوع    الدعارة في "إسرائيل" تتفشى على الإنترنت    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    الفواكة الجافة : النيّة ولا المحمّصة ؟ شوف شنوّة اللي ينفع صحتك أكثر    11 نوفمبر: العالم يحتفل ب''يوم السناجل''    عاجل: تونس وموريتانيا – 14 ألف تذكرة حاضرة ....كل ما تحب تعرفوا على الماتش!    تونس تتمكن من استقطاب استثمارات أجنبية بأكثر من 2588 مليون دينار إلى أواخر سبتمبر 2025    كونكت: تنظيم جديد لمحمّصي القهوة في تونس    عاجل-شارل نيكول: إجراء أول عملية جراحية روبوتية في تونس على مستوى الجهاز الهضمي    الأخطر منذ بدء الحرب/ شهادات مزلزلة ومروعة لاغتصاب وتعذيب جنسي لأسيرات وأسرى فلسطينيين على يد الاحتلال..    علماء يتوصلون لحل لغز قد يطيل عمر البشر لمئات السنين..    من وسط سبيطار فرحات حشاد: امرأة تتعرض لعملية احتيال غريبة..التفاصيل    عاجل: اقتراح برلماني جديد..السجناء بين 20 و30 سنة قد يؤدون الخدمة العسكرية..شنيا الحكاية؟    رسميا: إستبعاد لامين يامال من منتخب إسبانيا    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    عشرات الضحايا في تفجير يضرب قرب مجمع المحاكم في إسلام آباد    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    النادي الإفريقي: محسن الطرابلسي وفوزي البنزرتي يواصلان المشوار    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنتقام إمرأة...!! قصة بقلم : نبيل عودة
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 04 - 2010

img align="left" src="http://www.alfajrnews.net/images/iupload/nabilaouda.jpg" style="width: 112px; height: 130px;" alt="كانت على فراش الموت ، أعطوها شهرا واحدا كأقصى حد .. فهمت ذلك رغم أن لا أحد يريد أن يعترف أمامها ، بما صار معروفا لديها من الهمس حولها. ما كان يقلقها حقا أن زوجها صار مرتبطا منذ أقعدها المرض قبل نصف سنة ، بفتاة شقراء بجيل ابنه. لم ينتظر وفاتها.. ليدعها على الأقل تودع عالمها بشعور مريح ، بلا هواجس تأكل قلبها . الشعور أنها أصبحت شيئا ينتظرون موته ، شيئا زائدا يثقل على الجميع ،صعب عليها.. حتى الشهر المحدد لها صار ثقيلا على الذين حضنتهم وأعطتهم قلبها وجهدها وراحتها بلا حساب . تقضي معظم يومها مع مساعدة تقوم على خدمتها ، استأجرها زوجها ليريح نفسه أولا.. كثيرا ما بحثت عن دمعة تريحها فلم تجدها. لم تكن تعرف هل تبكي ذاتها أم تبكي خراب عالمها قبل موتها؟ كانت تعلم أن زوجها ليس لوحده في الطبقة الأولى .. ولكن من أين لها القوة لتتحرك وتكشف ما يجري تحت أنفها ؟ ومساعدتها ترفض أن تقول ما يدور في البيت .. دائما تتهرب من الإجابة .. لا تغضب عليها .. هذه وظيفتها. عندما كان زوجها يحضر شقراءه ، كانت تلتزم مساعدتها الطبقة الثانية بحجة التنظيف أو الاستراحة .. كانت تشعر بحسها أولا ، وبتطور قدرة سمعها ثانيا ، بكل حركة تجري في الطابق الأرضي ، كانت تسمع الضحكات المخنوقة ، حسها لا يخطئ. ما كانت تطلبه أن يرحم زوجها أيامها الأخيرة ، أو ربما ساعاتها الأخيرة.. ولكنها تشعر بالغضب من وقاحة تلك الشقراء التي وجدت بشخص زوجها ، أبا وعشيقا في نفس الوقت.. كان قليلا ما يدخل غرفتها .. وإذا دخل فبابتسامة مصطنعة ليسألها عن صحتها: - " إن شاء الله تتحسني " وكأنه يقول لها : - " خلصينا ، موتك رحمة لك ولنا" . أحيانا تفكر بعقابه .. ولكنها لا تعرف كيف تعاقبه دون أن تلحق الضرر بابنهما الوحيد . صارحت ابنها بما يعتلج في صدرها ، حقا تشعر بأنه يحبها ويبكي مصيرها ، ولكنه بما يخص والده له موقف آخر : - " هل تريدينه أن يتمدد مريضا إلى جانبك ؟" شرحت له ما وصلها من صديقاتها وما تلمسه وتحسه وتسمعه داخل بيتها : - " ألا حرمة لبيتي وأنا صاحبته الشرعية حتى اليوم ؟ ليفعل ما يريد خارج منزلي . عندما اموت ليفعل ما يشاء !" فرد بشكل منعها من فتح الحديث معه مرة أخرى: - " أمي ماذا جرى لك ، على ماذا أنت قلقة ؟ .. هل تريدين أن تجري أبي معك .. " ولم يكمل الجملة ، كانت تعرف انه يعني : - " إلى القبر " . تغابت وقالت له : - " لينتظرني حتى أموت على الأقل ، وليفعل ذلك بعيدا عني ودون علمي ، هل كوني مريضة في ايامها الأخيرة يجعلني لا شيء في بيتي ولدى زوجي ؟" وكم تمنت دمعة .. لكن دموعها قد جفت منذ عرفت ما ينتظرها. قبلها ابنها على جبينها وشعرت بدمعة حارة تسقط على جبينها.. وسارع يخفي دموعه ويخرج مسرعا.. تاركا لها عذاباتها وانتظار النهاية التي بدات تشعر ببطء حركتها .. صارت تتمنى ان ينتهي عذابها بسرعة.. كم تتمنى أن ترى حفيدها الأول، ولكن لا يبدو ان الزمن سيمنحها هذه السعادة. قبل أسبوعين سألت ابنها : - " أين وصلت زوجتك ؟" فأجاب : - " إنها في السابع.. " كم تتمنى الموت ، وكم تتمنى أن ترى حفيدها قبل موتها.. ربما الألم الوحيد الذي يعذبها من موتها ، حرمانها من رؤية حفيدها وملاعبته . أما زوجها فلم يكن الأمر يعنيه وكأنه جاء من كوكب آخر.. لا يحدثها بأي موضوع ، وحين سألته عن تجهيزات الحفيد ، التي كانت تتمنى أن تقوم بها ، تبين أن الأمر لا يعنيه كثيرا : - " أمه ستجهز له ما يريد ، أعطيتها شيكا مفتوحا " كل ما يعنيه عشيقته الشقراء التي أعادته مراهقا بجيل الكهولة. لو كان الأمر معكوسا هل كانت تتصرف مثله ، أم تقبر نفسها إلى جانبه ، تقوم على خدمته وحضانته حتى يتمنى أن يطول به المرض رغم ما فيه من آلام رهيبة..؟ لماذا ما يطلب من المرأة لا يطلب من الرجل؟ وماذا تفيدها هذه الأفكار في حالتها الميؤوس منها ؟ ستمحى ذكراها من هذا المنزل.. سينسون أنها كانت أما وزوجة مخلصة وخدامة وجارية وخليلة ... ستصبح مجرد ذكرى لا يتذكرون إلا أيامها الأخيرة المليئة بالعذاب لها ولأهل البيت . سيقولون : - " ربنا أراحها واراحنا " وهي لم تكن تحلم براحة من هذا النوع . على الأقل كانت تريد موتا دون أن تعذبها مشاعر الغيرة.. أو الشعور أنها أصبحت عالة ينتظرون موتها وإقفال صفحة متعبة من حياتهم.. وكأنهم قد تخلصوا من آفة بيئية. أسعدهم ستكون الشقراء.. سيخلو لها الميدان .. ستقلب كل أغراضها وتأخذ ما يعجبها وتلقى بقية أغراضها للقمامة. ما كان يسري عنها قليلا حديثها التلفوني مع صديقاتها ، اللواتي حافظن على مودة وعلاقة ، ولكن زياراتهن باتت قليلة في الفترة الأخيرة ربما بسبب ما يدور في البيت .. كانت لها صورة تحبها كثيرا ، هي وابنها عندما كان في العاشرة من عمره ، وقد عملت منها نسخة مكبرة علقتها أمام السرير منذ تلك الأيام ، كانت تبدو امرأة مكتملة الجمال ، صدرها عريض واسع ، ورقبتها ممتدة ، وقوامها جميل متناسق يشع حيوية وأنوثة. هل ستكون الشقراء بمثل جمالها ؟ آه ما أصعب الأفكار عندما تتخيل زوجها ، الذي تزوجته بعد قصة حب ،تملأها حتى اليوم بالمشاعر الجميلة .. مع شقرائه ، التي وصلها أنها كانت من المتسابقات على لقب ملكة جمال .. كيف وصلها؟ وماذا وجدت به غير أمواله وقدرته على الصرف بلا حساب؟ وفجأة خطرت لها فكرة جهنمية. اتصلت بأحدى صديقاتها .. - ايفلين .. آمل أني لا أزعجك يا روحي .. - إطلاقا .. لا تفكري أبدا انك تزعجيني .. آسفة لم أزرك في الأسبوع الأخير .. ولكني سأزورك بالتأكيد غدا .. أنت دائما على بالنا .. أرجو أن تكوني بخير.. - شكرا يا ايفلين .. أنا متعبة جدا.. ولكن لي طلبا صغير ا.. - تأمري يا روحي.. - لي صورة .. الصورة التي أمام سريري .. مع ابني .. تذكرينها ؟ ... أريد من صديق ابنك الرسام الذي رسم صورة لك ، أن يرسم لي الصورة إياها ،سابقيها هدية لزوجي ... وسأدفع له ما يطلبه . - اتكلي علي .. سأرتب لك الموضوع .. في اليوم التالي حضر الرسام مع ايفلين . نظر إلى الصورة وقال: - سأرسمها لك .. مسألة يومين .. - ولكن لي طلب يا عزيزي.. - تفضلي... - أريدك أن تضيف للصورة عقدا من اللؤلؤ والألماس يغطي كل صدري ، أترك هذا لخيالك البارع .. وكذلك أقراط من الألماس .. واسوارتي ذهب ضخمتين مع الأحجار الكريمة ... ضع في كل يد واحدة .. ولا بأس من إضافة دبوس يأخذ العقل على الفستان في الصدر .. تفنن به .. - هذا سهل .. سأجعل الجواهر تبدو حقيقية يمكن لمسها باليد.. - رائع ... رائع . خذ دفعة على الحساب أخذ مبلغا لم يحلم به .. انزل الصورة ، لفها بشرشف أبيض ، وخرج مسرعا بينما ايفلين تحملق بصديقتها غير قادرة على فهم ما يجري حولها .بعد أن خرج الرسام استجمعت ايفلين نفسها وسألت: - ماذا تفعلين يا صديقتي؟ منذ متى تحبين الجواهر ؟ - اسمعي يا ايفلين ، أنت أقرب الناس إلي بعد ابني، سأصارحك .. اقسمي أن يبقى ما تسمعيه سرا بيننا ؟ - أقسم .. - زوجي كما يعلم الجميع ، وأنت أيضا ، رغم انك ترفضين الاعتراف أمامي بما تعرفينه ، يخونني مع شقراء بعمر ابنه .. سحرها بأمواله .. أنا سأودع هذا العالم المجنون .. ما هي إلا أسابيع أو أيام .. ولكن تخيلي ، عندما تكتشف الشقراء الصورة ،.وترى الجواهر التي تأخذ العقل.. ستبدأ بالبحث عنها ... أريدها أن تتعذب.. - ولكن لا جواهر لديك ... - هذا هو الأمر .. انه انتقام صغير ليس الا .. وليسامحني الله ... لن تصدق زوجي إنها مجرد صورة واني لم أكن ، رغم أمواله ، أعشق الذهب والجواهر . ستبحث عن جواهري التي في الصورة.. حتى لو ظهر لها كل الأنبياء وأبلغوها بأن الجواهر غير موجودة ، لن تقتنع أني لم أكن أملك الجواهر التي سيلبسني إياها الرسام ... نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي – الناصرة" /كانت على فراش الموت ، أعطوها شهرا واحدا كأقصى حد .. فهمت ذلك رغم أن لا أحد يريد أن يعترف أمامها ، بما صار معروفا لديها من الهمس حولها. ما كان يقلقها حقا أن زوجها صار مرتبطا منذ أقعدها المرض قبل نصف سنة ، بفتاة شقراء بجيل ابنه. لم ينتظر وفاتها.. ليدعها على الأقل تودع عالمها بشعور مريح ، بلا هواجس تأكل قلبها .
الشعور أنها أصبحت شيئا ينتظرون موته ، شيئا زائدا يثقل على الجميع ،صعب عليها.. حتى الشهر المحدد لها صار ثقيلا على الذين حضنتهم وأعطتهم قلبها وجهدها وراحتها بلا حساب .
تقضي معظم يومها مع مساعدة تقوم على خدمتها ، استأجرها زوجها ليريح نفسه أولا.. كثيرا ما بحثت عن دمعة تريحها فلم تجدها. لم تكن تعرف هل تبكي ذاتها أم تبكي خراب عالمها قبل موتها؟
كانت تعلم أن زوجها ليس لوحده في الطبقة الأولى .. ولكن من أين لها القوة لتتحرك وتكشف ما يجري تحت أنفها ؟ ومساعدتها ترفض أن تقول ما يدور في البيت .. دائما تتهرب من الإجابة .. لا تغضب عليها .. هذه وظيفتها.
عندما كان زوجها يحضر شقراءه ، كانت تلتزم مساعدتها الطبقة الثانية بحجة التنظيف أو الاستراحة .. كانت تشعر بحسها أولا ، وبتطور قدرة سمعها ثانيا ، بكل حركة تجري في الطابق الأرضي ، كانت تسمع الضحكات المخنوقة ، حسها لا يخطئ. ما كانت تطلبه أن يرحم زوجها أيامها الأخيرة ، أو ربما ساعاتها الأخيرة.. ولكنها تشعر بالغضب من وقاحة تلك الشقراء التي وجدت بشخص زوجها ، أبا وعشيقا في نفس الوقت..
كان قليلا ما يدخل غرفتها .. وإذا دخل فبابتسامة مصطنعة ليسألها عن صحتها:
- " إن شاء الله تتحسني "
وكأنه يقول لها :
- " خلصينا ، موتك رحمة لك ولنا" .

أحيانا تفكر بعقابه .. ولكنها لا تعرف كيف تعاقبه دون أن تلحق الضرر بابنهما الوحيد . صارحت ابنها بما يعتلج في صدرها ، حقا تشعر بأنه يحبها ويبكي مصيرها ، ولكنه بما يخص والده له موقف آخر :
- " هل تريدينه أن يتمدد مريضا إلى جانبك ؟"
شرحت له ما وصلها من صديقاتها وما تلمسه وتحسه وتسمعه داخل بيتها :
- " ألا حرمة لبيتي وأنا صاحبته الشرعية حتى اليوم ؟ ليفعل ما يريد خارج منزلي . عندما اموت ليفعل ما يشاء !"
فرد بشكل منعها من فتح الحديث معه مرة أخرى:
- " أمي ماذا جرى لك ، على ماذا أنت قلقة ؟ .. هل تريدين أن تجري أبي معك .. "
ولم يكمل الجملة ، كانت تعرف انه يعني :
- " إلى القبر " .
تغابت وقالت له :
- " لينتظرني حتى أموت على الأقل ، وليفعل ذلك بعيدا عني ودون علمي ، هل كوني مريضة في ايامها الأخيرة يجعلني لا شيء في بيتي ولدى زوجي ؟"
وكم تمنت دمعة .. لكن دموعها قد جفت منذ عرفت ما ينتظرها.
قبلها ابنها على جبينها وشعرت بدمعة حارة تسقط على جبينها.. وسارع يخفي دموعه ويخرج مسرعا.. تاركا لها عذاباتها وانتظار النهاية التي بدات تشعر ببطء حركتها .. صارت تتمنى ان ينتهي عذابها بسرعة..
كم تتمنى أن ترى حفيدها الأول، ولكن لا يبدو ان الزمن سيمنحها هذه السعادة. قبل أسبوعين سألت ابنها :
- " أين وصلت زوجتك ؟"
فأجاب :
- " إنها في السابع.. "
كم تتمنى الموت ، وكم تتمنى أن ترى حفيدها قبل موتها.. ربما الألم الوحيد الذي يعذبها من موتها ، حرمانها من رؤية حفيدها وملاعبته . أما زوجها فلم يكن الأمر يعنيه وكأنه جاء من كوكب آخر.. لا يحدثها بأي موضوع ، وحين سألته عن تجهيزات الحفيد ، التي كانت تتمنى أن تقوم بها ، تبين أن الأمر لا يعنيه كثيرا :
- " أمه ستجهز له ما يريد ، أعطيتها شيكا مفتوحا "
كل ما يعنيه عشيقته الشقراء التي أعادته مراهقا بجيل الكهولة. لو كان الأمر معكوسا هل كانت تتصرف مثله ، أم تقبر نفسها إلى جانبه ، تقوم على خدمته وحضانته حتى يتمنى أن يطول به المرض رغم ما فيه من آلام رهيبة..؟
لماذا ما يطلب من المرأة لا يطلب من الرجل؟
وماذا تفيدها هذه الأفكار في حالتها الميؤوس منها ؟
ستمحى ذكراها من هذا المنزل.. سينسون أنها كانت أما وزوجة مخلصة وخدامة وجارية وخليلة ... ستصبح مجرد ذكرى لا يتذكرون إلا أيامها الأخيرة المليئة بالعذاب لها ولأهل البيت . سيقولون :
- " ربنا أراحها واراحنا "
وهي لم تكن تحلم براحة من هذا النوع . على الأقل كانت تريد موتا دون أن تعذبها مشاعر الغيرة.. أو الشعور أنها أصبحت عالة ينتظرون موتها وإقفال صفحة متعبة من حياتهم.. وكأنهم قد تخلصوا من آفة بيئية.
أسعدهم ستكون الشقراء.. سيخلو لها الميدان .. ستقلب كل أغراضها وتأخذ ما يعجبها وتلقى بقية أغراضها للقمامة.
ما كان يسري عنها قليلا حديثها التلفوني مع صديقاتها ، اللواتي حافظن على مودة وعلاقة ، ولكن زياراتهن باتت قليلة في الفترة الأخيرة ربما بسبب ما يدور في البيت ..
كانت لها صورة تحبها كثيرا ، هي وابنها عندما كان في العاشرة من عمره ، وقد عملت منها نسخة مكبرة علقتها أمام السرير منذ تلك الأيام ، كانت تبدو امرأة مكتملة الجمال ، صدرها عريض واسع ، ورقبتها ممتدة ، وقوامها جميل متناسق يشع حيوية وأنوثة.
هل ستكون الشقراء بمثل جمالها ؟
آه ما أصعب الأفكار عندما تتخيل زوجها ، الذي تزوجته بعد قصة حب ،تملأها حتى اليوم بالمشاعر الجميلة .. مع شقرائه ، التي وصلها أنها كانت من المتسابقات على لقب ملكة جمال .. كيف وصلها؟ وماذا وجدت به غير أمواله وقدرته على الصرف بلا حساب؟
وفجأة خطرت لها فكرة جهنمية.
اتصلت بأحدى صديقاتها ..
- ايفلين .. آمل أني لا أزعجك يا روحي ..
- إطلاقا .. لا تفكري أبدا انك تزعجيني .. آسفة لم أزرك في الأسبوع الأخير .. ولكني سأزورك بالتأكيد غدا .. أنت دائما على بالنا .. أرجو أن تكوني بخير..
- شكرا يا ايفلين .. أنا متعبة جدا.. ولكن لي طلبا صغير ا..
- تأمري يا روحي..
- لي صورة .. الصورة التي أمام سريري .. مع ابني .. تذكرينها ؟ ... أريد من صديق ابنك الرسام الذي رسم صورة لك ، أن يرسم لي الصورة إياها ،سابقيها هدية لزوجي ... وسأدفع له ما يطلبه .
- اتكلي علي .. سأرتب لك الموضوع ..
في اليوم التالي حضر الرسام مع ايفلين . نظر إلى الصورة وقال:
- سأرسمها لك .. مسألة يومين ..
- ولكن لي طلب يا عزيزي..
- تفضلي...
- أريدك أن تضيف للصورة عقدا من اللؤلؤ والألماس يغطي كل صدري ، أترك هذا لخيالك البارع .. وكذلك أقراط من الألماس .. واسوارتي ذهب ضخمتين مع الأحجار الكريمة ... ضع في كل يد واحدة .. ولا بأس من إضافة دبوس يأخذ العقل على الفستان في الصدر .. تفنن به ..
- هذا سهل .. سأجعل الجواهر تبدو حقيقية يمكن لمسها باليد..
- رائع ... رائع . خذ دفعة على الحساب
أخذ مبلغا لم يحلم به .. انزل الصورة ، لفها بشرشف أبيض ، وخرج مسرعا بينما ايفلين تحملق بصديقتها غير قادرة على فهم ما يجري حولها .بعد أن خرج الرسام استجمعت ايفلين نفسها وسألت:
- ماذا تفعلين يا صديقتي؟ منذ متى تحبين الجواهر ؟
- اسمعي يا ايفلين ، أنت أقرب الناس إلي بعد ابني، سأصارحك .. اقسمي أن يبقى ما تسمعيه سرا بيننا ؟
- أقسم ..
- زوجي كما يعلم الجميع ، وأنت أيضا ، رغم انك ترفضين الاعتراف أمامي بما تعرفينه ، يخونني مع شقراء بعمر ابنه .. سحرها بأمواله .. أنا سأودع هذا العالم المجنون .. ما هي إلا أسابيع أو أيام .. ولكن تخيلي ، عندما تكتشف الشقراء الصورة ،.وترى الجواهر التي تأخذ العقل.. ستبدأ بالبحث عنها ... أريدها أن تتعذب..
- ولكن لا جواهر لديك ...
- هذا هو الأمر .. انه انتقام صغير ليس الا .. وليسامحني الله ... لن تصدق زوجي إنها مجرد صورة واني لم أكن ، رغم أمواله ، أعشق الذهب والجواهر . ستبحث عن جواهري التي في الصورة.. حتى لو ظهر لها كل الأنبياء وأبلغوها بأن الجواهر غير موجودة ، لن تقتنع أني لم أكن أملك الجواهر التي سيلبسني إياها الرسام ...
نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي – الناصرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.