إلى الدكتور المرزوقي: النقل يشترط الصحة والإدعاء يتطلب الدليل (هذا المقال رد على مقال للدكتور المرزوقي، نشر على تونس نيوز في 19 مارس 2008) لقد سبق لي أن اطلعت في الأيام الماضية على مقال صحفي أو تقرير مفاده أن الشيخ القرضاوي قد شن هجوما لاذعا على الدكتور فيصل القاسم وقناة الجزيرة بسبب استضافة وفاء سلطان في برنامج الإتجاه المعاكس، والخبر إلى هنا غير مثير إلى درجة أنني لا أذكر أين اطلعت عليه، ولكن مقال الدكتور المنصف المرزوقي الذي عنونه ب (المدرستان : بين أصحاب الأسئلة وأصحاب الردود) كان مثيرا ومستغربا، وذلك لأن الدكتور المنصف المرزوقي الذي نكن له كل الإحترام فيما يتعلق بمواقفه من الإستبداد السياسي الجاثم على أمتنا ونتفق معه في تشخيصه للوضع التونسي وطريقة التعامل معه لم يكن منصفا في ما كتبه ولم يكن لهجومه على الشيخ القرضاوي من مبرر إلا ما ذكر هو في خاتمة مقاله أو ما ينقمه على الشيخ القرضاوي باعتباره من كبار رموز الصحوة التي تفر إلى المساجد وتحتمي بها من الإستبداد بدل أن تواجهه، حسب رأيه الذي عبر عنه مرارا. ولو افترضنا جدلا بأن الشيخ القرضاوي قد نعت فيصل القاسم بالجاهل وهو ما لم يحصل لكان في مقال الدكتور المرزوقي كثيرا من التحامل والإستنتاجات والمقارنات المبنية على مقدمات خاطئة التي تستوجب الرد والتوضيح، ولكننا نعرض عن هذا صفحا ونعود لأصل الإشكال وهو أن الدكتور المرزوقي قد رمى الشيخ القرضاوي حدسا فما أشوى* وبنى مقاله كله على مقدمة خاطئة فأخطأت تبعا لذلك نتائجه. وبذلك تطابق الدكتور المرزوقي مع ما ذكر في مقاله من أنه "من عادات البشر المستحكمة ايضا ألا نرى من الخط الطويل المتعرج إلا النقطة التي نحن بحاجة إليها لبناء موقف ما ، وآنذاك لا نتردد في اعتبار النقطة هي الخط." بل لم يكن له في رده على الشيخ القرضاوي النقطة التي يبني عليها موقفا ليعتبرها بعد ذلك خطا كاملا! الحق أنني لم أكن أتوقع أن يبني الدكتور المرزوقي رده على فراغ وأن يهاجم بغير دليل وهو رجل العلم و"السؤال" الذي يصف نفسه بأنه " رجل من عشاق الكلمات " وهو ينبؤنا بأنه " مهووس بدقة المصطلحات" ثم يفوته أن مدرسة السؤال التي اعتز بالإنتماء إليها قد تحاصره وتقول له :" من أين أتيت بهذا الخبر؟" و " هل شاهدت برنامج الشريعة والحياة الذي علق فيه الشيخ القرضاوي على استضافة وفاء سلطان ؟" و " وإن كان الأمر قد نقل إليك، فهل تثبّت من صحة النقل قبل أن تصيب قوما بجهالة؟ أم أن مدرسة " السؤال وعلم الناسا" تتساهل في الأخذ بالأخبار دون تثبت؟" لذلك أود أن أقول للدكتور المرزوقي:" إن كنت كتبت ما كتبت بعد اطلاع على البرنامج فتلك مصيبة وإن كنت رددت من غير اطلاع فالمصيبة أعظم، ولا يليق برجل فكر وسياسة وأدب مثلك أن يقع فيما وقعت وأن يظلم وهو الذي يعرف معنى الظلم "دراية" ورواية! يبدو أن المدرسة التي سماها الدكتور تحاملا منه بمدرسة الردود الجاهزة أكثر تثبتا من مدرسة "السؤال وعلم الناسا" لأنها "تفتي" أتباعها، إن جاءهم فاسق بنبأ بوجوب التثبت حتى لا يصيبوا قوما بجهاله فيصبحوا على ما فعلوا نادمين! لذلك وضعت هذه المدرسة قاعدة ذهبية في منهجية البحث العلمي مفادها "إن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدعيا فالدليل"! ورغم سماعي من عدة مصادر موثوقة قاربت التواتر بأن الشيخ القرضاوي لم ينعت الدكتور فيصل القاسم بالجهل فإنني لمّا أردت التعليق لم أكتف بما نقل إليّ وإنما عدت بنفسي إلى تعليق الشيخ القرضاوي على الفيديو في صفحة "اليو توب" وعدت إلى النص المكتوب على الجزيرة نت، وليس فيهما ما نقل الدكتور المرزوقي ولا ما يشبهه أو يقاربه (انظر الرابط**) فاستغربت حقيقة هوس الدكتور بدقة المصطلحات وعشقه للكلمات! بل لقد وجدت الشيخ القرضاوي يلاطف فيصل القاسم بقوله "أنا أعلم أن زميلنا الأخ الدكتور فيصل القاسم اعتذر في الحلقة الثلاثاء التي تلت هذه الحلقة" وفي ختام تعليقه قال "أنا أعيب على الأخ فيصل القاسم اللي بعد ما قالت الكلام ده يقول لها أشكرك شكرا جزيلا، إيه رأيك يا أخ طلعت، تشكرها على إيه؟! على القباحة، على الجرأة العجيبة هذه تشكرها على الجهل؟! وهذا جهل مركب، لأنه في واحد جاهل يعرف أنه جاهل وفي جاهل لا يعلم أنه جاهل هذا يسمونه الجهل المركب". وسيتبين كل من يعود إلى المصدر أن نعت الجهل الوارد في كلام الشيخ القرضاوي مقصود به وفاء سلطان تحديدا، ولا شك عندي في جهلها الذي أعماها حقدا على الإسلام وأهله وثقافتهم ورماها في أحضان "ديمقراطية" بوش الأصغر والصهيونية العالمية، والحمد لله أن أمثالها في أمتنا من الذين يبصقون على أنفسهم إذا وقفوا أمام المرآة وينعتون أنفسهم ب "الدورتي نيقرو" (الأسود القذر) قلة على كثرتهم!! ليس بي رغبة لمشاكسة الدكتور المرزوقي الذي أقف معه على نفس الجبهة المقاومة للإستبداد وقد كنت كثيرا ما أستمتع بكتاباته ويعجبني تميزه في حوراته المباشرة مع الخصوم والمخالفين، من حسن للإصغاء، وعدم مقاطعة، وردود مفحمة! ولكنه في هذا المقال جانب الصواب وتقوّل على الشيخ القرضاوي ما لم يقل ووصفه بما ليس فيه واستعمل أسلوبا ساخرا لا يليق مع أمثال شيخ جليل مثله وعملاق من عمالقة الأمة التي ينتمي إليها الدكتور المرزوقي. كما أعتقد أن هذا النص يسيئ إلى المرزوقي ولا يسيئ إلى القرضاوي! فليس الشيخ القرضاوي ممن يهادن الإستبداد أو ممن يعلّم طلبته الإنزواء في المساجد والسكوت على الظلم وهو الذي سُجن وعُذّب وهو الذي يكرر دائما بصوته الجهوري " يعجبني المرء إذا سيم الخسف أن يقول بملء فيه (لا) "! الشيخ الذي يُحارَب شرقا وغربا لأنه لا يسكت على ظلم أمته ولا يصدر الفتوى حسب الطلب ويرفض الإعتراف بالواقع البائس للأمة حتى لايصادر حق الأجيال القادمة في التحرر! وأما مسألة اعتزاز الدكتور المرزوقي بانتمائه لما سماه "مدرسة السؤال" وحمله على ما سماه "مدرسة الردود" ففيه قدرا من المغالطة لأن السؤال والرد شقيقان أو نصفان يكمل أحدهما الآخر. وكما قيل "العلم خزانة مفتاحها السؤال، وأن الذي يسأل ينتظر جوابا. ومع ذلك فإذا سلمنا بتقسيم الدكتور المرزوقي الذي صنف الشيخ القرضاوي بأنه رمز من رموز "مدرسة الرد" ثم يقول: "لأنني مع الأسف الشديد مختص في غير العلوم التي تبحر فيها الشيخ ومعرفتي بما يدرّس لا تختلف كثيرا ،على ما اعتقد ، عن معرفته بما أدرّس" فإننا نعتقد أن الدكتور المرزوقي ينتمي هو الآخر إلى "مدرسة الردود" إذا تعلق الأمر بمجال اختصاصه، فعندما يسأله طلبته لابد أنهم يتوقعون منه أن يجيبهم بردّ يفيدهم (وقد يكون الرد أحيانا سؤالا). كما أن مرضاه "يستفتونه" في العلاج الذي يساعدهم وفي نظام الحمية الذي ينفع هذا المرض ويضر ذاك وهو مطالب بالرد والإفادة لأنه هو الطبيب الذي يملك البوصلة التي تشير إلى الصحة كما مَلك القرضاوي البوصلة التي تشير إلى الجنة على حد وصفه. وأما العلاقة بين علم القرضاوي وعلم المرزوقي فلا شك بأن علم القرضاوي بما يدرّس المرزوقي أكثر من علم المرزوقي بما يدرّس القرضاوي وذلك أنه يمكنك أن تكون طبيبا متفوقا في علمك دون أن تكون لك معرفة بالفقه أو بالدين أو أن تكون ذا دين أصلا، وأما الفقيه فلا يمكنه أن يكون فقيها ما لم يجالس الأطباء ويستشيرهم ويستوضحهم في كثير من المسائل التي لها علاقة بالفقه وما أكثرها بل لم يكتف علم الفقه بمجرد الإطلاع على علوم الطب وعقد المؤتمرات التي تجمع علماء الدين بالأطباء بل استدعى الأمر وجود الأطباء الفقهاء، لعل أشهرهم في زماننا الدكتور هيثم خياط الذي جمع علم الطب وعلم الفقه وعلم اللغة. في ختام هذا التعليق آمل أن أكون وضحت للدكتور المرزوقي خطأه في حق الشيخ القرضاوي وأن يكون له من الجرأة الأدبية والأخلاق العلمية ما يحمله على الإعتراف بالخطأ والإعتذار للشيخ الذي يمجد العلم (كل علم يفيد الأمة والإنسانية) ويحث عليه ولا ينسى أن الدكتور القاسم قد اعتذر ( ولا أعتقد أن القاسم ممن يعتذر مكرها)! ويجدر أن أذكره هنا بأن الشيخ القرضاوي قد شارك سابقا في برنامج الإتجاه المعاكس وكان الطرف المقابل له العلماني الشهير أو بالأصح "اللاديني" صادق جلال العظم الذي أصر في ختام الحلقة أن ينوه بسماحة الشيخ وتنوره! ورغم أن الطرفة التي ختم الدكتور بها مقاله هي ما تبادر إلى ذهني منذ قراءة الأسطر الأولى فإنني أدعوه أن لايعمل على إصدار فتوى لقطع لساني لأن لساني الذي نبهه لخطئه ليس مسلطا عليه وإنما على من يستبد به وبي وبجميع شعبنا كما أن الشيخ القرضاوي ليس ممن يتحالف مع أمثال اللواء رؤوف لقطع لسانه ولساني. صابر التونسي *"وحدسا رميت فما أشويت" استعمل هذا التعبير ابن شهيد الأندلسي، و"أشوى" يعني أصاب الأطراف دون المقاتل و "ما أشوى" لم يصب شيئا. ** http://www.youtube.com/watch?v=anOvaQexxJY http://www.aljazeera.net/NR/exeres/84C4419B-AD20-4ED7-8DE1-6C9A7BBA051B.htm المصدر بريد الفجرنيوز