الجمعة الرابع عشر من مايو الجاري هو موعد الذكري الثانية والستين لنكبة فلسطين ( 18 مايو 1984م ) وهي ذكري قرار الأممالمتحدة الجائر بتقسيم فلسطين بين الصهاينة والشعب الفلسطيني . لقد زرع العالم الصهاينة رسميا في تلك البقعة المقدسة ومن يومها سري السرطان في تلك الأرض حتي التهمها عن بكرة أبيها تحت غطاء الأممالمتحدة ودعم الغرب وانبطاح العرب واستعداد سلطة عباس لبيع القضية برمتها ودفنها في غياهب النسيان . وقد كانت الذكرى الثانية والستون مناسبة لهرولة بعض القادة لتقديم التهنئة لعصابة اللصوص بما يسمى «ذكرى نشأة إسرائيل». وكانت مناسبة أيضاً لمواصلة السيد محمود عباس مفاوضاته مع العدو الصهيوني وسط استمرار عمليات الاستيطان والتهويد للقدس وما حولها في مشهد إذلال هزلي لمعسكر ما يسمي بالسلام ! وقد بتنا نفاجئ مع كل ذكري للنكبة بنكبة جديدة حتي صارت النكبات ينسي بعضها بعضا فاليوم تواصل السلطة تفريطها في الحقوق الفلسطينية حتي باتت تفرط في كل شيئ بينما تتخندق مع الطرف الصهيوني في حربه علي تيار المقاومة . وقبل عامين انطلق شريان الغاز المصري في ذكر ي النكبة ليسهم في إنعاش الحياة في الكيان الصهيوني ويقدم دعماً جديداً لبقاء الكيان الصهيوني وراحته ورفاهيته بثمن بخس.. فقط دولار ونصف الدولار للوحدة الواحدة من الغاز تصل قيمتها بالسعر العالمي 9 دولارات، أي أن الغاز المصري سيسهم في تغذية 20% من مصادر الكهرباء الصهيونية ، بينما يتواصل حصار الشعب الفلسطيني و بناء الجدار الفولاذي إمعانا في حصار غزة حيث يشرف 1.5 مليون إنسان على الموت جوعاً ومرضاً، ويعيشون حياة بدائية تهدد بإبادتهم جميعاً على يد الحصار الإجرامي ! لقد تعامل الإعلام العربي كعادته مع الذكرى بخمول شديد فمنهم من تجاهلها ، والبعض ذكرها على استحياء والبعض هنأ الصهاينة علي أساس أنها «ذكرى إقامة دولة إسرائيل وفقاً لما يسميه الصهاينة وأتباعهم !». ، والبعض الآخر وقف محايداً!! و إن من يراجع تاريخ القضية الفلسطينية منذ بروزها في بدايات القرن الماضي وحتى اليوم يكتشف بسهولة أن بعض الأيدي العربية الرسمية أسهمت بنصيب وافر في مساعدة الصهاينة على اختراق الأراضي الفلسطينية وتثبيت وجودهم وإقامة كيانهم الغاصب، ثم صناعة سياج يحميه على الحدود عبر اتفاقيات ما يسمَّى بالسلام وان الحال الماثل أمامنا ابلغ من أي مقال ! ففي البدايات الأولى للتسلل الصهيوني لفلسطين في نهاية الثلث الأخير من القرن 19 وبدايات القرن العشرين كانت الأراضي المصرية في العهد الملكي البائد، وخلال الاحتلال الإنجليزي إحدى محطات استقبال وإعداد جموع الصهاينة القادمين من مناطق عدة في العالم، تمهيداً لدخول فلسطين. (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ج1 بتصرف). وعندما صدر وعد «بلفور» بوطن قومي للصهاينة في فلسطين، وهو القرار الذي يعني في ذات الوقت طرد أصحاب الأرض وتشريدهم وإبادتهم، كان الذي أسكت ثورة الفلسطينيين وأطفأ انتفاضة العرب في داخل فلسطين عام 1929 ثم «ثورة العرب الكبرى» عام 1936م، هو تدخل بعض الحكام العرب عبر ندائهم الشهير في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر «تشرين الأول» عام 1936م «..... ندعوكم إلى الإخلاد إلى السكينة، حقناً للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل.....» (محاضرات في تاريخ قضية فلسطين ص 186). ففي يونيو من عام 1946م اجتمع سبعة من الحكام العرب في مدينة «أنشاص» المصرية، وأعلنوا «التمسك باستقلال فلسطين وعروبتها»، ولحق هذا الاجتماع اجتماع للجامعة العربية في مدينة «بلودان السورية»، لكن رئيس مخابرات الجيش البريطاني في الشرق الأوسط «كلايتون» والمدير المساعد للمخابرات البريطانية في فلسطين «برايانس» حضرا الاجتماع الذي لم يستطع أحد من المشاركين فيه الخروج على رغبة بريطانيا بشأن فلسطين، وقرر المجتمعون الإذعان لما طلبته بريطانيا وهو مفاوضة الحكومة البريطانية حول فلسطين، فإن فشلت المفاوضات انتقل النقاش للأمم المتحدة التي كانت جاهزة بقرار تقسيم فلسطين في 14 مايو 1948م، وهو «قرار النكبة» الذي أذعن له العرب؛ بل إن الجامعة العربية لم تتمكن من تنفيذ أحد قراراتها بتقديم مليون جنيه مساعدة للفلسطينيين إذعاناً للإملاءات البريطانية، وهي ذات المواقف التي تتكرر اليوم مع اختلاف الأسماء والتواريخ لكن الضحية ثابتة ولم تتغير وهي " فلسطين وشعبها " .ولله الأمر من قبل ومن بعد !! * كاتب مصري – مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية