من الواضح أن قرار ترحيل المغرب لمجموعة من المنصّرين في مارس الماضي، بسبب من التورط في استغلال العمل الاجتماعي الموجه للأطفال اليتامى والمتخلّى عنهم لصالح التنصير، لم يكن فعلا معزولا أو انفعاليا أو ظرفيا استبق رد فعل سكان القرى المجاورة لمنطقة عين اللوح بجوار مدينة مكناس المغربية. ما يدفع لتأكيد الخلاصة السابقة هو سلسلة التطورات التي أعقبت قرار الترحيل، وأهمها توجيه بالمغادرة لما يزيد عن 23 منصّرا أجنبيا في الأسبوع الماضي والرفض الصارم للضغوط التي انخرط فيها أحد أعضاء الكونغرس الذي أعلن عن تنظيم جلسة استماع في الكونغرس الأميركي حول الموضوع أواسط الشهر القادم، وعدم القبول بأي تنازل في الموضوع بحسب ما كشف موقع "كريستيان توداي" الذي صرح له فرانك وولف عضو مجلس النواب عن إحدى مقاطعات فيرجينيا بأن كل حواراته مع المغرب لم تُفضِ إلى نتيجة، وقبل الإعلان عن مواصلة جهود محاصرة التنصير السري وخاصة منه الموجه للأطفال والفقراء في المناطق الجبلية أصدر سبعة آلاف عالم من أعضاء المجالس العلمية بالمغرب بيانا مناهضا للتنصير ومعلنا لتجند لمواجهة تحدياته، كما أعلن عن نداء مكناس للجمعيات المدنية والداعي لاعتماد استراتيجيات أكثر فعالية. مع الإشارة إلى وجود رعاية غير مباشرة من قبل الدولة؛ لإحداث ما سمي بمعهد الدارالبيضاء والخاص بحوار الأديان، كخطوة لفصل موضوع الحرية الدينية بالمغرب عن موضوع تنصير الأطفال الفقراء باعتبار هذا الأخير خرقا جليا للقانون لا علاقة له بموضوع التسامح الديني أو الحريات العقدية. في المقابل تبنت منظمة القلق المسيحي التي تُعنى بقضايا ما يسمى بالاضطهاد هذا الموضوع، وانخرطت في اعتماد استراتيجية خاصة في مواجهة المغرب، تقوم على استغلال الالتزامات الدولية له والمتعلقة بالحرية الدينية والتسامح، وتعبئة البعثات الدبلوماسية الأجنبية في المغرب للتدخل لصالح رعاياها من المنصرين، مع التركيز على السفارة الأميركية التي سبق لها أن صرحت بانشغالها بهذا الملف، لا سيما وأن قانون الحريات الدينية لسنة 1998 الأميركي يرتب مسؤوليات حكومية أميركية لمتابعة ما يقع في هذا المجال، مما يعني أن يتطور الموضوع إلى محور توتر صامت بين المغرب والولاياتالمتحدة، وذلك في ظرفية تعرف مناقشة الميزانية المؤطِّرة للسياسة الخارجية الأميركية والخاصة بسنة 2011 داخل لجنة المخصصات بمجلس النواب، مع وجود احتمالات بأن تتم توظيف قضية الصحراء المغربية للضغط على المغرب للتراجع عن سياسته تجاه المنصرين والتغاضي عن أنشطتهم في البلاد. يثير ما سبق عدداً من الأسئلة حول مدى القدرة على الصمود في مواجهة هذه الضغوط والأدوات المفروض تعبئتها لاحتواء هذه التهديدات، ونتوقف هنا عند بعض منها، وخاصة ما يهم ثلاثة مستويات، أولاً: قضية تعزيز المقاربة الأمنية والإدارية بالضمانات القانونية الحقوقية التي تتيح مواجهة النشاط التنصيري وفق الأطر القانونية وتسمح بالتالي بفك الارتباط بين موضوع ترحيل المنصرين من جهة وضمان الحريات الدينية في البلاد من جهة أخرى، ثانياً: نجد أن هناك حاجة ملحّة لبلورة خطاب فكري قادر على تفكيك المقولات التنصيرية والمروجة عبر عدد من القنوات الفضائية باللغة العربية واللهجات المحلية لدول المنطقة، حيث انتقل هذا الخطاب من الدعاية للعقدية المسيحية إلى التشهير بالإسلام واعتماد مقولات الخطاب المعادي له في الغرب والتي أنتجت حالات من الإسلاموفوبيا، وهذا التحول في الخطاب التنصيري لا علاقة له بثقافة حوار الأديان أو التعايش بينها أو التسامح بين أبنائها، فضلا عن أن التوجه العام في القانون الدولي يتجه نحو إدانة الإسلاموفوبيا باعتبارها خطابا عنصريا. أما المستوى الثالث فيتعلق بتعبئة المغاربة الأميركيين على وجه التحديد للانخراط في دعم علاقات إيجابية بين المغرب وأميركا تقوم على الاحترام المتبادل وتجنب المس بالأمن الروحي والعقدي للمغرب، وهو موقف مطلوب في هذه الظرفية الحرجة لا سيما وأن ولاية فيرجينيا تعرف وجود تجمع مغربي وعربي قوي يتجاوز العشرين ألفاً، لإطلاق حملة تواصل وضغط على عضو الكونغرس فرانك وولف لاحتواء الضغط الذي يقوده في الكونغرس، لا سيما في ظرفية الانتخابات النصفية التي ستقام في الولاياتالمتحدة في نوفمبر القادم. عناصر المستويات المثارة آنفا ليست سوى عناصر أولية تؤكد الحاجة لاعتماد استراتيجية جديدة في المغرب لذلك، وتتيح لباقي دول المنطقة استثمارها خصوصا وأن الجزائر تواجه نفس التحدي وبأشكال أكثر خطورة. العرب القطرية 2010-05-21