يقول الله عز وجل في الآيتين 13 14 من سورة طه: «وأنا اخترتُكَ فاستمع لما يوحى ہ إنني أنا الله لا إله الا انا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري» وفي تفسير هاتين الآيتين ما روي عن مالك وغيره ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول «أقم الصلاة لذكري». وروي ايضا عن قتادة عن انس بن مالك قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة ، ويغفل عنها ، قال: «كفارتها ان يصليها اذا ذكرها». وورد ايضا في الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه بعض اصحابه ، كانوا ذات ليلة في غزاة ، فناموا في تلك الليلة عن صلاة الصبح ، فما استيقظوا حتى أيقظهم حرّ الشمس. فأمرهم رسول الله ان يسيروا قليلا حتى ارتفعت الشمس ثم امر بلالا فأذن فصلى الناس ركعتين ثم اقام فصلوا الغداة ، وروى في هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «وأقم الصلاة لذكري» ، انظر تفسير القرطبي 11ج ص,180 ان الامر اللافت للنظر هنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط بين اقامة الصلاة عن تذكرها في النهار بعد ان يكون من الناس قد غفلوا او ناموا عنها ، وبين قوله تعالى «وأقم الصلاة لذكري». واني منذ بعض الوقت احاول ان أتلمس بعض وجوه الحكمة في هذا الامر ، وأحاول ان اكتشف العلاقة بين اداء الصلاة عند تذكرها وبين هذه الاية الشريفة. صحيح ان الظاهر يدل علي ان كلمة «لذكري» يمكن ان يفيد عند تذكرك الصلاة أقمها لتذكر الله فيها ، او ليذكرك الله عز وجل في الملأ الاعلى عنده. وعلى هذا تكون كلمة «لذكري» اما مضافة الى فاعلها او الى مفعولها كما يقول النحاة. وهذا امر يسير ، وما أظن ان الله عز وجل يذكر هذه الاية الكريمة ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقوم بها عمليا ، ويصلي بالناس جماعة بُعيد شروق الشمس صلاة الصبح بعد اذان واقامة الا ان الصلاة القائمة صلاة مكتوبة لانها تصلى في وقتها. ثم جاء التقدم العلمي والكشوفات الفلكية ، وانكشفت بعض الحقائق الكونية فإذا بالعلم يثبت ان الصلاة تقام في كل دقيقة او كل ثانية من اوقات العمر الانساني ، بل ان كل الصلوات تقام في آن واحد. ويستطيع كل امرئ بقليل من التدبر والنظر ان يدرك ذلك بسهولة وبخاصة مع تقدم وسائل الاتصال وانتقال المعرفة في انحاء الدنيا كلها في ثوان معدودة. فإذا كنا نحن في الاردن - مثلا - نصلي صلاة الصبح في الساعة الخامسة الا الربع صباحا فإن اناسا غيرنا يصلون في الوقت نفسه صلاة الظهر ، كما هو الحال في ماليزيا واندونيسيا وان اناسا غيرنا وغيرهم يصلون صلاة العشاء لليوم السابق ، علينا كما هو الحال في مشرق امريكا ، وان اناسا هتاك في غرب امريكا يصلون صلاة المغرب او العصر حسب اختلاف الاوقات. وان بعض الاقطار يكون بين مشرقها ومغربها عدة ساعات في التوقيت كأمريكا والصين ، والهند ، وبلاد الشرق الاوسط ، وأقطار الوطن العربي بين مشرقه ومغربه. وعلى هذا فإن صلاة الصبح التي صلاها اناس غفلوا عنها توافق صلاة قائمة للصبح ايضا ، في بعض بلاد الدنيا. فكان الله عز وجل يقول ان الصلاة قائمة لذكري في كل وقت ، وان كل الصلوات قائمة في كل وقت. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نام عن صلاة او نسيها فليصلها اذا ذكرها». فإنه سيجد في ارض الله من يصليها معه حاضرة قائمة. وهذا امر لم يكن قد انكشف لاسيادنا العلماء السابقين ، ثم ان هناك لطيفة اخرى وهي ان الآيات موجهة الى سيدنا موسى عليه السلام. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل بها في حكم شرعي يتعلق بأمته. وهذا يدل على ان الدين واحدا ، وان الصلاة لله واحدة ، لله الواحد ، لا إله الا هو. وان الانبياء جميعا نادوا بدين واحد ، وان سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم الانبياء والمرسلين وفي الآيات حقيقة كبيرة ، وعبرة واضحة وهي ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. ان الصلاة هي غلاف الكون. وهي عبادة الكون كله ، لا تنقطع لحظة واحدة ، ولا ينقطع الانسان عنها لحظة واحدة ، اذا كان يؤمن بالله واليوم الآخر. فالانسان يصلي دائما ، وهو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة. وفي خلال انتظاره لصلاة قادمة بعد ان يؤدي صلاة سابقة ، يكون الملايين غيره في صلاة ، فالصلاة قائمة كل الوقت ، وهي التي جعلها الله عز وجل وسيلة صقل وتطهير واتصال بالله عز وجل. ولذلك هي لا تسقط عن اي انسان مهما كانت ظروفه ، فهو يصلي وفق قدرته وطاقته ونشاطه ، قد يصلي واقفا وهذا الاصل وقد يصلي جالسا او نائما او بحركات رأسه ، او بحركات عينيه ولكنها لا تسقط عنه ابدا. والمرأة التي تضطر الى قطع الصلاة عدة ايام لظروف خاصة ، فهي تقضيها عندما تسترد صحتها. ان الصلاة هي الصلة الوثيقة بين العبد وربه وهي عمود الدين لان الصيام يكون مرة في العام. والزكاة على القادر المستطيع ، والحج عن من يستطيع ، اما الصلاة فلا عذر لامرئ عنها ، لانها هي التي تصنعه وتصقله ، وتقربه الى الله عز وجل ، فهل في هذا بعض الحكمة في قوله عز وجل «وأقم الصلاة لذكري».. والى اللقاء.