لم أحس ليوم بالرأفة على نظام الحكم في بلادي كما أحس به اليوم، فهذا النظام يبدو أنه فقد تماما بُوصلته، ولم يعد يعلم الوجهة التي يسير فيها، فهو يُلمّح الى قرب تغيير الحكومة، ويُلمّح الى قرب تغيير ميكانيزمات تسيير البلاد، ويُوعز لصحافته بأن تكتب عن هذا التغيير الوشيك، وتتسارع تبعا لذلك وتيرة المضاربة الاعلامية، فيما يسمى، بالتعديل الحكومي في الجزائر، فبعض وسائل الاعلام المحلية، تنبأت باقتران التعديل الحكومي مع موعد انعقاد مجلس الوزراء الأخير الذي ترأسه بوتفليقة، وذهب بعضها الى حد كشف أسماء بعض المرشحين لتولي حقائب وزارية، وتحوّل بذلك النقاش من نقاش حول فساد الحكومة، الى نقاش حول تعديل الحكومة، أي بعبارة أوضح، يحاولون أن يجعلونا نقبل بسياستهم التي تقوم على مبدأ عفا الله عما سلف، وأن التعديل سيفتح لنا أبواب الجنة المنشودة، وأن ما سُرق من خزائن الدولة، سيتم تعويضه بحكامة الحكومة الجديدة، وتسييرها الناجع... سأكون اليوم من بين الرّافضين لأي تعديل حكومي سواء كان كليا أو جزئيا، وأفضل أن يبقى كل الوزراء في مناصبهم، لأن بعضهم أصابته التُّخمة من فرط ما نهب من أموال الشعب، ويقيني أنه سيكون أفضل بكثير من أي وزير سيخلفه، خاصة إذا كان هذا الوزير الجديد، لم يتولّ قط أي حقيبة وزارية في السابق، مكّنته من ملء الحقائب.. إنهم يضحكون على أذقان الشعب بكل تأكيد، فالشعب اليوم، لا يُطالب بأي تعديل، وإنما يُلحّ على محاسبة ومتابعة كل المعتدين على ثرواته، وسيادته، لأن ذلك وحده من سيضمن له أن اللاحق سيكون بحق أفضل من السابق، لأنه إذا جرى تعديل الحكومة دونما مساءلة، فهذا سيشجع اللاحق على استباحة أموال الشعب أكثر من السابق، وستُفتح الساحة للمسؤولين للتسابق على نهب الخزينة العمومية وتجويع وتفقير الشعب. أقول ذلك لأن الفضائح التي هزت العديد من وزاراتنا ومؤسساتنا، لا يمكن لأي مواطن في دولة أخرى أن يصدق بأنها وقعت فعلا، لأن بعض وزرائنا المُحصّنين لم يتم إقلاقهم ولو باستدعاء من أي جهة أمنية أو قضائية، بل ولم يُقلقهم حتى القاضي الأول في البلاد، هذا الأخير الذي وعكس كل التكهنات، وعكس ما يُمليه المنطق، خصص اجتماع مجلس وزرائه الأخير، للإعلان عن تخصيص 288 مليار دولار للمخطط الخماسي 2010-2014 رغم يقينه ويقين كل المتتبعين بأن بعض مشاريع المخطط الخماسي السابق لا تزال تراوح مكانها، وأنها خضعت لعملية تضخيم لتكلفتها، وتحولت الى وعاء لنهب أموال الشعب.. سأكون بكل تأكيد ضد أي تعديل حكومي، لكنني سأكون من الأوائل الذين سيطالبون بإنشاء محكمة شعبية لمقاضاة من نهبوا أموال الجزائر، رغم علمي أن مثل هذه المحاكم ليست لها أي سلطة لتنفيذ أحكامها، لكنني أعلم أن أحكامها ستكون أقوى وأخطر من أحكام أي جهة قضائية، لأنها ستُسجل في سجّل التاريخ، ولن تكون قابلة للطعن من أية جهة كانت...