لمدة يومين: اضطراب وانقطاع مياه الشرب بهذه المناطق في العاصمة..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    جمعية الأطباء التونسيين في ألمانيا تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير جذري يعيد الاعتبار للطبيب الشاب    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بالألياف البصرية عالية التدفق    في المحمدية :حجز عملة أجنبية مدلسة..وهذه التفاصيل..    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث مغربي: التعامل العاطفي مع السنة غير منهجي
نشر في الفجر نيوز يوم 30 - 03 - 2008

المغرب - بروح واثقة وتجربة وممارسة علمية تناهز عشرين سنة يشدد الدكتور محمد خروبات - أستاذ مغربي متخصص في السنة النبوية - على ضرورة خدمة السنة بمنهجية تتعالى على التعامل العاطفي، بدل الركون إلى كيفية التعامل بها.
ويؤكد الباحث المغربي - صاحب الأطروحة العلمية حول "أبو حاتم الرازي وجهوده في خدمة السنة النبوية"، والتي صدر منها حاليا خمسة أجزاء - أن الحاجة ماسة إلى علم تفسير السنة أسوة بعلم تفسير القرآن، والتفريق بين تاريخ السنة وبنيتها.
ولا يتردد خروبات في انتقاد مجموعة من المؤاخذات في شأن التعامل العاطفي مع السنة، والذي يؤدي إلى التطرف والغلو، وكذلك التعامل العقلاني والاستشراقي الذي يحرق أوراقها، حسب تعبيره.
وفي الحوار قضايا وأفكار من باحث شاب ينافح عن التعامل الإيماني والمنهجي لتجاوز توظيف النصوص والشبهات وعدم السقوط في خانة "لصوص النصوص".
* في كل مناسبة يلح الدكتور محمد خروبات على أن المجتمع الإسلامي في حاجة لخدمة السنة وليس لكيفية التعامل معها، ما تقصدون بهذه الدعوة؟
- "كيف نتعامل مع السنة؟" شعار يرفعه المتخصص وغير المتخصص، وهو لا يعكس إلا حيرة في كيفية التعامل مع القرآن أو السنة.
صحيح أن بعض الشيوخ كتبوا في هذا الموضوع، منهم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، وشخصيا أعرف المغزى الذي هدف إليه من هذا السؤال، وهو استجابة لما هو رائج في الساحة، فهو حفظه الله أراد الإجابة عن وضع قائم.
غير أني أنظر إلى القضية من وجه آخر وأطرح السؤال: كيف نخدم السنة النبوية؟فالسنة اليوم تحتاج إلى الخدمة، وطيلة تاريخها وهي تخدم، رغم أن العقل المسلم توقف عن هذه الخدمة وبدأ يجتر ما قيل، ولم يبدع في أمور منهجية صرفة.
وسؤال: كيف نتعامل مع السنة؟ هو مثيل كيف نتعامل مع الحضارة الغربية؟ وكيف نتعامل مع التراث اليوناني؟ وكلها أسئلة تبعث على نوع من الحيرة.
ومن الصعب على العقل المسلم المتشبع بروح المنهجية الإسلامية والمنطلق من أصوله أن يأتي ويطرح سؤال كيف نتعامل مع السنة وكأنه حل بالمكان بلا زمان.
*وكيف نخدمها إذن؟
- جانب الخدمة هو جانب منهجي؛ لأن السنة النبوية لم تأت في التاريخ كنصوص، وهنا يجب التفريق بين السنة كنصوص والسنة كضوابط وقواعد ومناهج وفهوم. فالنص الحديثي والسنة النبوية شيء، وكيف وصل إلينا وكيف جمع وكيف ضبط هذا شيء آخر زائد على النص.
وهذه كلها قضايا رافقت النص السني في رحلته إلينا، والسؤال المطروح هل المتمسكون بالسنة يعرفون هذه القواعد التي بمقتضاها خلصت السنة لتكون صحيحة أو حسنة أو موضوعة؟ هل هؤلاء أدركوا هذه القواعد وخالطوها؟ هل بحثوا فيها واستوعبوها؟
أما أن يأتي شخص ويأخذ نصا أو نصين ويقول هذه هي السنة، فهذا أعتبره خطأ فادحا في التعامل مع السنة، ورأيي أن السنة النبوية لها معايير منهجية وفنية، ولا ثقة في الذي لا يملك المنهج للتعامل معها ولا يفرق بين بنيتها وتاريخها.
بنية السنة وتاريخها
* يحصل خلط في التفريق بين السنة والحديث والسيرة وبين بنية السنة وتاريخها، كيف السبيل لتوضيح هذه الاختلافات؟
- صحيح جدا أن السنة لها تاريخ ولها بنية، وهذه المسألة كشفت عنها في رسالة صغيرة بعنوان "كشف الخفي في فهم سنة النبي"، استلت من رسالتي حول أبي حاتم الرازي، الذي عاش في القرن الثالث الهجري.
وقد توصلت لأن كل من أراد الحديث عن السنة ينشغل بالقرن الثالث باعتباره عصر التدوين، وهو العصر الذي ظهر فيه البخاري ومسلم وأصحاب كتب السنن، وحقيقة هو أزهى القرون لأن فيه جمعت السنة النبوية.
غير أن كثيرا من الباحثين يأتون إلى القرن الثالث ويسكنون وينطلقون إلى الرابع والخامس.. لكن السؤال كيف كانت هذه السنة التي وصلت إلى عصر التدوين وكيف جاءت؟ فوضع السنة في القرن الأول والثاني ما زالت فيه أمور ضبابية في عقل كثير من المهتمين بالسنة، وهذا ما أعنيه بتاريخ السنة.
أما بنية السنة فهي نصوصها، والفرق بينهما مثل الفرق بين القرآن كسور وآيات أي كمضمون، وكل المسلمين يركزون على بنيته، وبين القرآن كيف جمع وكيف ضبط وكيف وصل؟ فهذا تاريخ القرآن، وهي حقيقة ثانية للقرآن الكريم، والله تعالى ذكر هذا في القرآن: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16: 19]، فذكرت هذه الآية من سورة القيامة ثلاثة علوم: تاريخ القرآن أي جمع القرآن، والقراءات القرآنية، ثم "بيانه" أي علم التفسير.
والشيء نفسه - سبحان الله - بالنسبة للسنة النبوية، فكلما عرفنا تاريخ السنة عرفنا قيمتها، وكلما عرفنا سيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه التفصيل زاد ارتباطنا بهذا النبي المفترى عليه.
فنحن لا نعرف محمدا صلى الله عليه وسلم حق المعرفة، ونحن مطالبون بمعرفته، لأن سؤال الملكين غدا حول من هو نبيك؟ هو سؤال معرفي أي يجب أن تعرف، وهي معرفة منهجية وليست معرفة كمية أو أسطورية معشعشة في عقول كثير من المسلمين، وبعض الباحثين للأسف الشديد.
وكذلك الأمر بالنسبة لسنته صلى الله عليه وسلم، والتي هي ثمرة وجوده، فكيف وصلت إلى القرن الثالث؟ أكيد أنها مرت من القرن الأول والقرن الثاني ثم الثالث.
ورسالتي تمهيد لهذا الموضوع ومحاولة للحم الجسور بين هذه القرون، ورأيي أن أول ما يعرف من السنة هو تاريخها قبل بنيتها، فماذا يعنيني ممن أخذ حديثا من صحيح البخاري أو صحيح مسلم وطار به قائلا: قال رسول الله، وهو لا يعرف كيف وصل هذا الحديث وهل هو صحيح، وعلما أن تاريخ الحديث في سنده، والسند هو التاريخ، وقد كان علماء السنة يسمون الجرح والتعديل بالتاريخ و"الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ" كما كتب الحافظ السيوطي. وهذا الجانب حظي بخدمة جليلة والحمد لل،ه ولذلك لا بد من المعرفة به.
وبعد ذلك نأتي إلى البنية، أي مضامين السنة، وهذه مفاهيم يجب أن نفهمها حق الفهم، لأن السنة سند ومتن، والمتن هو بنيتها، فالمسلمون أحدثوا علم تفسير القرآن لفهمه، والسنة لم تفهم بعد، ولا بد من جمع نصوصها وبيان الناسخ والمنسوخ فيها والمحكم والمتشابه منها، والمكي والمدني منها، وأسباب ورودها، وبصيغة إجمالية فنحن في حاجة إلى علم تفسير السنة أيضا.
* قبل الاستمرار في حديثنا، لو تفضلتم ببيان ملامح عامة عن السنة في القرنين الأول والثاني اللذين تؤكد أن معرفتهما من الأهمية بمكان؟
- الكلام في هذا يطول، ولكن أكتفي بالتوضيح فقط لما قصدته بهذه الإشارة، فالقرن الأول يجب أن نقسمه إلى قسمين: الأول يشمل حياته صلى الله عليه وسلم إلى سنة 11 هجرية أي سنة قبضه صلى الله عليه وسلم، حيث كان هو المتكلم بها والعامل بها، ولم تكن حاجة لمعرفة تاريخها، لأن صاحبها كان حيا.
وعندما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت السنة طورا ثانيا أو هو القسم الثاني من القرن الأول، أي طور الرواية الشفوية للسنة، باعتبار العرب كانوا يحفظون أكثر مما كانوا يكتبون، وكان جيل الصحابة ما يزال ممتدا إلى نهاية القرن الأول، وكانت السنة النبوية في هذه الفترة واضحة تتلألأ، والناس يتكلمون بها رغم وجود بعض الانحرافات الطفيفة، وبعض القيل والقال وكثرة السؤال على وضع السنة، لكن ذلك لم يكن يسبب مشكلا كبيرا للصحابة، إذ كان آخرهم موتا عامر بن الطفيل الذي عاش إلى سنة 106 هجرية، وهنا لا بد أن نذكر أن عمر بن الخطاب هو أول من فكر في جمع السنن، فاستخار الله شهرا ليجمعها ولم يفعل، بينما كان يحيل الناس على القرآن، أما السنة بالنسبة إليه فهي في القلوب والعقول، وهي عملية أكثر منها علمية وقرائية، ولذلك كان العمل بها في عهد عمر والصحابة أمرا معروفا.
وبعد هذا القرن جاء عصر التابعين حيث كثر الانتحال والكذب بشكل ذريع، لكن جاء على رأس هذا القرن عهد عمر بن عبد العزيز، حفيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فجمع السنن، وأرسل رسالة إلى أبي بكر بن حزم قاضي المدينة وطلب منه جمع السنة، وكان محدثا، ثم إلى أبي شهاب الزهري، الذي قام بالأمر وقال مقالة يستصعب فيها الأمر كما قال زيد بن ثابت في جمعه للقرآن تماما، لكنه قام بالأمر.
غير أن عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يدم طويلا ومات معه المشروع، لكن جهود ابن شهاب الزهري، المتوفى سنة 124 هجريا لم تمت، وجاء بعد ذلك إمام المدينة الإمام مالك، فكتب كتابه "الموطأ"، وكان هذا الكتاب كتابا عزيزا، فقد جمع السنة بجانب قبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي مدينته المنورة، ورأى أكثر من سبعين صحابيا، وبعده توالت الإصدارات بعد ذلك، فجاء بعده الإمام الشافعي فكتب كتابه "المسند"، وتوفي رحمه الله في سنة 204 هجريا، ثم دخلت السنة إلى القرن الثالث الهجري.
وهنا يجب أن نعلم جيدا أنه كلما تقدمنا في الزمان جمعنا من السنة أكثر، والمتقدم زمانا لا تنتهي إليه المعارف التي انتهت للمتأخر، فالحافظ ابن حجر في القرن العاشر اطلع على تراث عشرة قرون، وهذه مجرد إشارات فقط.
أما حديث "لا تكتبوا عني إلا القرآن ومن كتب عني شيئا فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج"، فقد ذهب البعض إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة السنة، ورأيي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك، لكنه كان يخشى أن تختلط السنة بالقرآن، وأن يقع المسلمون فيما وقع فيه اليهود والنصارى، حيث اختلط كلام الله بكلام الرسل، ونسبوا الجميع إلى الله تعالى؛ لأن الحديث من التحديث أي حدثوا عني ولا حرج، وقد كان العقل المسلم عقلا إيمانيا، ولم يكن يكذب، وفي الحديث النبوي أن المؤمن لا يكذب، ولهذا حمى الله عز وجل الخبر الإسلامي من "فيروس" الكذب حتى في أمور المزاح.
*فضيلة الدكتور.. لماذا يجد المسلم حديثا صحيحا وآخر موضوعا وضعيفا، ما المعايير التي تراها كفيلة للخروج من هذه الحيرة؟
- صحيح، هذا الأمر أيضا يتعلق بالمنهج كما أسلفت، فعندما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كثر التحديث عنه، وما دام المجتمع الإسلامي مجتمعا غير متجانس، كما أن المنافقين واليهود عاشوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وسورة "المنافقون" نزلت لبيان صفاتهم وبيان وضع المدينة، فما بالك بعد قبضه صلى الله عليه وسلم؟
فقد حصلت حروب الردة، ولم يعط فريق من المسلمين الزكاة لأبي بكر رضي الله عنه، وبالتالي فطبيعي أن يأتي شخص ويفتري على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مجوسي أو منافق.. أو أعرابي، والقرآن الكريم يقول: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:97].
والأعراب عانت منهم الدعوة الإسلامية أيضا، ونقرأ في أخبار السيرة أن الأعرابي كان يجبذ النبي صلى الله عليه وسلم من فوق بغلته ويقول له: أعطني من مال الله؟ والأعرابي يبول في المسجد.
وإيمان الأعراب ضعيف، ولا بد أن ننتظر عقلا يقول: قال رسول الله وهو لم يقل شيئا، وهذا وقع فعلا، بعضه عن قصد، وعن غير قصد، بعضه يأتي وهما ونسيانا وبعضه تعمدا.
وعندما جاء العقل المسلم في عهد التابعين، وجد مئات الألوف من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتساءل أين الصحيح وغير الصحيح فيها؟
وفكر كيف يسل الصحيح من غيره، ووضع لذلك منهجا ومعيارا، وقالوا: الحديث الصحيح "هو ما اتصل سنده بالعدل الضابط عن العدل الضابط حتى يصل إلى المعصوم من غير شذوذ ولا علة"، فكان هذا المعيار بمثابة النظارات التي نظر بها العقل المسلم للحديث الصحيح، وكل ما دخل في هذا الشرط سلوه كما تسل الشعرة من العجين وقالوا حديث صحيح، وإذا خف من جهة الضبط ووهم ناقله بغير تعمد قالوا حديث حسن، مثل أن يريد قول )أنس بن مالك( ويقول (مالك بن أنس(، وهذا ممكن جدا، ومن ذا الذي لا يخطئ؟
لكن الواجب ألا يكون متعمدا، وإذا تعمد أصبح مجروحا ولا تقبل روايته وكان كاذبا ويكون الحديث "موضوعا".
وبعد أن سلوا الصحيح والحسن بقي لديهم الضعيف والموضوع، وقالوا: الضعيف "هو ما لم يتصل سنده" أي منقطع، ويسقط ناقله رجلا أو اثنين من سلسلة الرواية فيصبح معضلا أو معلقا أو مدلسا أو منقطعا.
وهذه الأنواع والتمييز بينها كان كله بهدف خدمة السنة، واليوم العقل المسلم أدخل هذه السنة إلى المختبر وأنصفها وعلل لما رد حديثا إخلاصا للسنة، وما ترك المسلمون شيئا فيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلا وضعوا له اسما عبر التحري والتدقيق، مثل كل مولود يختار له اسم خاص به.
ونحن نعلم أن الإسلام يقوم على الخبر، أي قال الله قال رسول الله، وليست هناك "قال" ثالثة، فقال الله في القرآن الكريم والحديث القدسي، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، والقرآن أمرنا باتباع سنته والأخذ بقوله، وإذا أمرنا أن نلبي وإذا نهانا أن ننتهي ونطيعه في كل ما قال، وهذا أمر قرآني.
ولذلك حظيت الثانية بكثير من الضبط، ولم يكن هذا الضبط والتحري ترفا فكريا أو فلسفة، ولكن اعتبروه شرعا مثل القرآن الكريم، لأن الناس يتعبدون بها وهي دين: "فانظروا عمن تأخذون أمر دينكم" كما قال أحد علماء السنة الكبار.
وبذلك فمسألة ضبط الخبر لم تكن عند أمة من الأمم في التاريخ مثل ما هي عند المسلمين، ولو أن اليهود والنصارى فعلوا هذا لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم.
ولذلك نجد الحضارة الغربية المستمدة من اليونان والرومان خالية من قضية ضبط الخبر، والإعلام اليوم كله كذب وليس فيه تحر، وليقارن هذا الوضع بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] وبهذا التوجيه القرآني، فالمسلم غير ملزم بالعمل بشيء غير صحيح، وما وجد فيه شك وجب عليه التثبت فيه، وهذا من المنهج أيضا، ويبقى ما قيل مجرد ومضات تبين كيف خلصت السنة إلينا.
التعامل المنهجي مع السنة
* ولكن هناك قول بقبول بعض الأحاديث الضعيفة في باب فضائل الأعمال، وليس في التشريع؟
- هنا ننتقل إلى التعامل مع السنة، وهذا التعامل اليوم يتم عبر طرق، وليس كل تعامل يعتبر تعاملا مشروعا وله حجية بالنسبة إلي. لأني أعلم أن هناك من يتعامل مع السنة تعاملا عاطفيا، ويكون ضمن زمرة ممن يعشقون السنة بدون الالتفات إلى شيء آخر وهو تعامل مذموم، لأنه يوقع في الغلو والتطرف، وبالتالي في غمز السنة والإساءة إليها بدون شعور، وقد تجد هذا الإنسان العاطفي يركز على حديث موضوع أو ضعيف أو منسوخ ولا يستجمع الأحاديث الواردة في الموضوع والمصدر الذي يؤخذ منه، فيكون تعامله تعاملا كارثيا مع السنة النبوية، وأنا من هذا الموقع أرد عليه وأنقضه.
والتعامل الثاني هو التعامل العقلاني مع السنة، فقد ظهر جيل جديد من الباحثين، متشبع بروح المناهج الغربية قرأ التراث البرهاني والأرسطي، وحاول إسقاط هذه المناهج على السنة النبوية، فكان هذا المنهج أيضا تعاملا كارثيا، لأنه أحرق أوراقها، وليس في نفس صاحبه ذرة رحمة على السنة النبوية، إلى درجة أنه إذا سمع " قال أبو هريرة.. وقال رسول الله " يشمئز، وعندما يسمع السنة والحديث ينقبض قلبه، وهواه مع منهجه.
والتعامل مع التراث كله بهذا المنهج يحرقه، وهو منهج استشراقي معروف ولا غبار عليه، وهناك جيل جديد من الباحثين أخذ بهذا المنهج دون أن يأخذ قسطا من التأني والبحث لتمحيص أهدافه.
والنقطة الثالثة وهي المهمة عندي، وهي التعامل المنهجي مع السنة، أي الوعي بالمنهج الذي خلصت به السنة النبوية. فعندما يرد مسلم على البخاري وعلى علي بن المديني وعلى أبي حاتم الرازي في مقدمة صحيحه وعلى كل من خالف شرطه بالتقريع والتهجيم، فهذه انتقادات كلها لخدمة السنة من الداخل. وأهل السنة لا يجب أن يشمئزوا من النقد، لأن السنة خلصت بالنقد سنة. والحكم بالصحة والضعف وغيرها من الأحكام إنما جاءت عن طريق التحري والنقد وفق قاعدة "انزلوا الناس منازلهم"، ولذا رتبوا الرجال والمصادر عبر الجرح والتعديل.
وعندما تكون الرؤية للسنة منهجية تحضر فيها العاطفة بحدود والعقل بحدود..ومن العيب أن نسمع اليوم من يقول: "إن السنة لم يستعمل فيها العقل"، والأصل أن هناك العقل النقلي وهو الذي توفر للسنة، وهناك العقل العقلي الذي وصل عن طريق التراث الأرسطي أي عقل المعقولات، التي انتهى إليها العقل الآخر، والنقل هو الشرع الذي جاء به الوحي.
والسؤال اليوم كيف أزيح العقل عن النقل؟ وهنا أؤكد أن الأصل هو البدء مما انتهى إليه الآخر.
ونحن نجد في تراثنا الإسلامي أن بعد كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للمزي، أُلف تهذيب الكمال، وجاء الحافظ ابن حجر وألف تهذيب التهذيب، فالكل يكمل السابق ويرممه، ولكن اليوم تجد من يريد إزاحة كل شيء والبدء من الصفر، وثقافتنا ليست ثقافة البدء من الصفر، بل الحقيقة وجدت في الماضي، والماضي عندنا مقدس، ويجب أن نرجع إليه ونبحث أين انقطع الخيط لنكمله، أما البدء من الصفر فلا يمكن أن نصل إلى شيء وهذا أسميه "مرض العقول المعاصرة".
* هناك مشاريع فكرية بنيت على بعض الأحاديث الضعيفة، كيف يمكن تصحيح هذا الوضع؟
- دائما الثقافة الإسلامية هي ثقافة بناء والنبوة بناء أيضا :" مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة. قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين "..
فهناك أصول وهناك فروع، وبالتالي الذي أريد البناء عليه يجب أن يكون صحيحا وسليما، وإذا كنت لا أملك القواعد التي أميز بها هل هذا صحيح أو غير صحيح فهو جهل، والجهل أنواع، فهناك جهل مفرد وهو الجاهل الذي يعرف أنه جاهل ويعرف أنه لا يفهم فيأتي ليسأل (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)..
وهناك الجهل المركب وهو الذي يجهل صاحبه ولا يعلم أنه يجهل، والجهل المكعب وهو الذي يجهل ولا يعلم أنه يجهل ويُجَهل من يعلم، فهذا لا يمكن الوصول معه لأي نتيجة.
* لكن فضيلة الدكتور إذا أذنت لي: ما المعايير الصحيحة لبناء مشروع فكري أو سياسي مستمد من السنة النبوية؟
- كل مشروع يجب أن يبنى على القرآن أولا ونص السنة الصحيحة ثانيا، أي البناء على الأصول، لأني بذلك أكون قد أسست، أما إذا أسست مشروعا على روايات واهية، وهذا هو المشكل الحقيقي الذي وقع فيه المستشرقون في دراستهم للتراث الإسلامي مثل "تاريخ القرآن" لتيودور نولدكه، وهو أكبر دراسة عن القرآن الكريم بألمانيا، وقد ترجم إلى العربية نموذجا لهذه الأوهام الاستشراقية، فهو مشروع باطل وما بني على باطل فهو باطل.
واليوم هناك عدة مشاريع منها مشروع "هدم السنة"عبر السينما والمسرح والرسومات والكتابات، وهي تبقى مشاريع باطلة لأنها لم تبن على أصول صحيحة. والحكم بيننا وبين الغرب اليوم هو أن نبني مشاريعنا على أمور صحيحة رغم اختلاف الديانات واللغات والعادات، إذ لا يمكن الاختلاف حول الحقيقة العلمية، فإذا نسبت لأرسطو كلاما يجب أن يكون سليما.
لكن للأسف ينسب لأرسطو ولا يعرف قبره ولا يستطيع أحد أن يشكك في ذلك، بينما قبر الرسول صلى الله عليه وسلم معروف وسنته معروفة ومدينته معروفة والحجاز معروف والقرآن مجموع، ثم يأتي فرد وينسب إليه أشياء لا أصل لها.
علما أن العقل الإسلامي اهتم بكل ما يتصل برسولنا صلى الله عليه وسلم وضبطه، والمكتبات الإسلامية تعتبر أزخر الخزائن بالكتب الموثقة وفي كل المجالات العلمية، وهي ثروة لا توجد عند غيرنا، حيث أغرت هوى المستشرقين، فسال لعابهم على هذا التراث، الذي لا يملكون، فدسوا فيه مناهجهم في رحم الثقافة الإسلامية وأخرجوا أشياء سموها بأسماء توهم بغير حقيقتها وتسمى بالعلمية.
* أكدت وجود نوع من الدس في السنة، ولكن كيف للمسلم أن يستفيد من السنة الصحيحة، خاصة أمام هجمات الإساءة لرسولنا الكريم في الآونة الأخيرة؟
- هذه هي مهمة خدمة السنة، فكل نقد للسنة يجب الترحيب به، وليقولوا قولهم ويجب أن نستمع لهم، فالعقل المسلم قديما استمع لمقالات الجهمية والخوارج والمرجئة والواقفية والزنادقة.
والقرآن الكريم كتاب مناظرة، والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أُمر أن يناظر أصحاب الكتاب: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[آل عمران : 64]، {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة : 111]، وعليه فالشبه تختلف حسب العصور، ويجب أن نستمع إليها لتصحيحه وتجاوز الركون إلى نقاش الذات والصفات والوعد والوعيد، بل تطورت الشبهات اليوم بأشكال أخرى، وأصبحت هناك علمانية وماركسية ووجودية وعولمية مثل تطور الخمر، فالخمرة هي الخمرة وإن تغيرت الكئوس والأكواب، وعلى العقل المسلم أن يدرك هذا ويرصد كل الشبه التي تقع وتروج، ويجرها إلى مختبر البحث لتمحيصها والإجابة عنها. وبذلك يتطور علم السنة.
أما إذا أصبحت الشبهة تدق على المسلم الباب عبر الصحف والعقول والمسلم "هربان"(هاربا) وينجز أحكاما جاهزة أو يرد بفظاظة وقسوة وعاطفة على المخالف، فهذا لن يصل إلى شيء.
والمطلوب هو الإجابة على هذه الشبهات، والأسئلة التي تطرح لتحصين السنة، بل يجب استثمار هذه الأسئلة لخدمة السنة.
وإذا قيل كلام في حديث أو عشرة أحاديث، فلا يجب الرد بالقول" إن فلان وفلان قال وقال وهو كذا وكذا"، لكن المطلوب كتابة رسالة تؤصل المعرفة، وهي سترد لوحدها، أي يجب سد الخلال بطريقة منهجية ومعرفية.
لكن للأسف نجد أن العقل المسلم الاجتهادي التجديدي لم يلب هذه الرغبة، إذ نجد العقول منكفئة ومنعزلة، بينما العقول التي يجب أن تصمت تتكلم.
وأعتبر أن العقول المنكفئة خانت السنة النبوية بسكوتها من حيث تدري أو لا تدري، فإذا قال الآخر إن هذا الحديث ضعيف أقول ها هو القول الصحيح، وإن قالوا هذا حديث ضعيف أدخله إلى المختبر لأثبت أنه صحيح أو حسن وهكذا..
وللأسف الشديد أن الهجمة الأخيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي جزء من هجمة كبرى على الإسلام، أضحت هجمة عقلانية ومنطقية ولها حجج وضوابط، بينما ردودنا ليست فيها القوة العلمية للرد، ولم نكن في مستوى الحدث والتحدي.
وهذا أمر جلي بالنظر إلى وضعنا السياسي الراهن وتشتتنا، إذ لم يعد الخلاف مع ميشال وبول وجاك، بل أصبح مع عبد الله وأحمد وخالد.. أي مع الأقرباء.
والنقد لتكميل البناء وليس للهدم، ويضرني ولا يسرني حقيقة عندما أستمع لشبهة من هذه الشبه وأجد الذي يدافع لدحضها غير ملم بالأولويات التي تخوله الدفاع عنها.
الوسائل الحديثة لخدمة السنة
* انتشر استعمال المعلوميات في خدمة السنة، ألا تخشون من تسرب عدم الضبط إلى هذا التوظيف؟
- شخصيا أتعامل مع الأقراص في السنة والأحاديث، وبذلك فكل وسائل التواصل الحديثة من إنترنت ومن فضائيات وأقراص يجب أن تستثمر في خدمة السنة، ولا يمكن سد الباب.
والمطلوب ممن يشرفون على إدخال المعلومات إلى هذا الفضاء الحرص أن تكون العملية صحيحة وسليمة، مثل رقن صحيح البخاري أو مسلم، ومراجعتها. وهناك مواقع تخدم هذا الجانب خدمة جليلة، ولكن يجب أن نحتاط.
*هناك جهود تبذل لتمحيص السنة وغربلتها، كيف تنظر لهذه الخطوات وما ضوابط إنجاح هذه المبادرات؟
- مشكلة التعامل مع التراث لم تبدأ مع السنة فقط، بل كانت مع التراث الإسلامي كله، مع القرآن واللغة العربية والسنة، فهناك عدة مشاريع فكرية مثل مشروع عابد الجابري وعبد الله العروي وحسن حنفي والطيب تزيني، وقد بدأت الشبهات عامة وأصبحت تتخصص، فاستهدف القرآن أولا ثم اللغة العربية ثانيا ثم السنة النبوية، وحصل نوع من التدرج في الاستهداف.
أما استهداف السنة فيجب أن نقرأ كل ما يطرح والإجابة عنه، لأن العلوم الإسلامية علوم صناعة، فإذا رصد النجار عيبا في الطاولة فمن حقه أن يؤكد أن فيها عيبا، بخلاف إذا رصده الإسكافي فلا يمكن الأخذ برأيه.
وهكذا إذا قال الطبيب إن هذا الجسد يحتاج إلى كذا، فأنا آخذ به، وإذا جاء خرافي وقال "خذ هذه العشبة لعلاجه" فلا يجب الأخذ برأيه.
وبهذا النموذج، فليس كل من تحدث في السنة نعتبر كلامه حجة، فهناك معايير وضوابط للكلام في السنة، والعقل الإسلامي اليوم اختلطت أمامه المعايير ولم يعد يميز بين الصحيح والأصح ولا بين الصالح والطالح، وأصبح الإيمان والتقوى إرهابا، وواجبنا اليوم إعادة المعايير السليمة للأذواق السليمة والعقول السليمة لنميز بين ما يصلح وما لا يصلح.
ويجب أن نعترف أن هناك أمورا تقال في السنة وهي صحيحة من لدن العقلانيين، وهم بذلك يستهدفون العاطفيين، والحل الأنجع يكون في الوسط لا إفراط ولا تفريط.
وثقافتنا ثقافة منهجية، فإذا أثبت التصوير الضوئي سرطانا في الجسد فيجب التسليم بذلك، ويجب إعادة النظر في الأدوات، لكن بعض المسلمين يتمسكون بالنصوص وأصبحنا أمام "لصوص النصوص" بطريقة عشوائية بين العقلانيين والعاطفيين ووقعت الضجة بين هؤلاء حول السنة.
فهؤلاء يخاطبون أؤلئك: دجالون، منافقون زنادقة..والآخرون يردون: أصحاب الأصولية والرجعية والتطرف.. وضاعت الرؤية المنهجية في حلبة هذا الصراع بينهما.
وأنا على يقين أن هذا سيضمحل إذا تمت خدمة السنة بإخلاص، لأن هناك عشاق السنة، وهناك أصحاب الصناعة في السنة ويجب تشجيع الفئة الثانية وتكثيرها.

الأحد. مارس. 30, 2008
إسلام أون لاين.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.