أجّج قانون حظر بناء المآذن في سويسرا حالة من ضعف الثقة داخل المجتمع الواحد، كما أبرز العديد من الإنقسامات داخل الأحزاب. وبعد مرور ستة أشهر ونيف على هذا التصويت الذي أقرّ الحظر، قامت swissinfo.ch باستطلاع آراء عدد من عُلماء الاجتماع وعلماء السياسة في سويسرا. وكما كان متوقّعا قبل إجراء التصويت الشعبي على مشروع حظر بناء المآذن يوم 29 نوفمبر 2009، لا تزال الأقلام تكتُب ولم يجف حِبرها بعدُ. وعلى الرغم من مُضي ستة أشهر على إقرار القانون بنسبة 57,5٪ من الأصوات، لا يزال يحتدم النقاش والجدل حول القانون وما نتج عنه من آثار سلبية. وفي هذا الخصوص، يرى النائب أندرياس غروس، في تقديمه لكتاب "من الإرتِباك إلى الإستِفزاز"، الذي يرصد تبِعات مبادرة حظر المآذن على حقوق الإنسان وعلى الديمقراطية، أن "هذه أول مبادرة في تاريخ الديمقراطية السويسرية التي تُثير نقاشا بعد إقرارها، أكثر مما كان قبل التصويت عليها". خُطورة انعِدام الثقة وبناءً على ما قاله ساندرو كاتاسا، أستاذ عِلم الاجتماع في جامعة جنيف، فإن إقرار قانون حظر المآذن لم يُحدِث تأثيرا كبيرا على العلاقة اليومية بين السويسريين والأجانب في البلاد، بينما، كما يقول: "لاحظنا زيادة واضحة في انعِدام ثقة الجالية العربية في جنيف بالمؤسسات السويسرية". وبرأيه، يبعث هذا التطوّر على القلق، باعتبار أن انعِدام الثقة داخل المجتمع هو عدو الرِّباط الإجتماعي والتعايُش السِّلمي، بالإضافة إلى أن "الرّكون إلى مبدإ عدم الثِّقة، كما هو حاصِل اليوم في سويسرا، يُساهم في تأجيج الصِّراعات". وبالنسبة لمالوري شنوفلي بوردي، الباحثة في مرصد الأديان في سويسرا، التابع لجامعة لوزان، فإنه من الصعب إدراك حجْم التغيير الذي حصل في علاقة التعايش الاجتماعي في فترة ستّة أشهر، إلا أننا "نلاحظ بأنه لا يزال هنالك تخوّف من المسلمين ولا تزال صورتهم في نظر المجتمع السويسري سلبِية، والذي يقال اليوم هو، إما أن تكون سويسريا أو تكون مُسلما، وليس ثمّة قبول البتَّة لأن يكون المرء مسلما سويسريا". " أخيرا، فتحت الحكومة والأحزاب أعينها على إشكالية الوجود الإسلامي في سويسرا " سيلفيا بير، نائبة الأمين العام لحزب الشعب السويسري إحباط جهود الاندِماج ومن جانب آخر، يُلفت كاتاسا إلى أن الكارثة التي أحدثتها نتيجة التصويت، تتمثل في أن سنين من جهود الإندِماج ذهبت أدراج الرياح بين عشية وضُحاها، ويقول: "لقد لاحظنا أيام السبعينات، نتيجة المبادرات المعادِية للأجانب، كيف أن أعدادا من الشباب الذين شعروا بأن كرامتهم أهِينت، قد رفضوا التقدّم للحصول على جنسية المجتمع الذي يحتقِرهم". ومن هذا المُنطلق، اعتبر كاتاسا أنه من أجل رأب الصَّدع، الذي حصل خاصة في المناطق الريفية الواقعة خارج المدن حيث بلغت معارضة بناء المآذن أوجَها، والتي لن تكون سياسات الإدماج المعتادة كافية فيها، "يستلزم أن تكون هنالك إشارات واضحة ومعتبرة، كاعتماد قوانين لمكافحة التمييز". وبدورها، أضافت مالوري شنوفلي بوردي: "بإمكاننا أن نستمر في سَنّ قوانين الحظْر واحدا تِلو الآخر، ولكن هذا لن يحلّ لنا مشاكل الادماج، خاصة ما يتعلق بالشباب من الجيل الثاني، ولا ننسى أن آخر إحصاء أجري على المستوى الفدرالي في عام 2000، أظهر بأن ثلث المسلمين في سويسرا هُم دون سن 15 سنة". غير أن أصحاب مبادرة حظْر بناء المآذن من ممثلي التيار المحافظ اليميني والمتشدد (حزب الشعب السويسري والإتحاد الديمقراطي الفدرالي) لهم وجهة نظر مخالِفة. فبرأيهم، لا ينتهك حظر المآذن حرية التديُّن كما أنه يعزِّز جهود الاندماج. وتشير سيلفيا بير، نائبة الأمين العام لحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، منوّهة إلى ما تراه من إيجابيات مبادرة حظر المآذن قائلة: "وأخيرا، فتحت الحكومة والأحزاب أعيُنها على إشكالية الوجود الإسلامي في سويسرا". ويبرِّر حزب الشعب اليميني موقِفه المتشدِّد بالخوف من تحوّل المجتمع السويسري إلى الإسلام، ويوعز إلى أن من واجب الحكومة أن لا تسمح بنشوء مجتمع إسلامي مُوازٍ في البلاد يُطبِّق الشريعة ويكون مُتباينا مع القانون المدني السويسري. موقف سياسي منقسِم ومتردِّد بدورِه، ألحظ المحلل السياسي أوسكار ماتزوليني، من مركز بلِّينزونا لرصد الحياة السياسية، إلى أن التصويت كانت له انعكاساته على الصعيد السياسي، حيث "أدّت قضية المآذن إلى حدوث انشقاقات داخل الأحزاب وقد تجاوز الموضوع الإنقسامات التقليدية بين اليمين واليسار، وأدّى إلى بروز الحساسيات المختلفة والمتنافِرة". ويشار إلى أن الدراسة التي سبق أن قام بها معهد العلوم السياسية في جامعة برن، أظهرت وجود انقسام واضح أيضا - وبصفة خاصة - داخل أحزاب الوسط. وأوضح هانز هيرتر، بصفته أحد المشاركين في الدراسة ل swissinfo.ch بأنه: "في الوقت الذي عارضت فيه النُّخبة من الحزب الليبرالي الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي، المبادرة، صوَّتت جمهرة ناخبيهم لصالحها". في المقابل، لفت أوسكار ماتزوليني إلى أن "الواقع الآن، وخِلافا للأسابيع التي سبقت التصويت، تبدو الأحزاب أكثر وعْيا وتفهُّما لمسألة الوجود الإسلامي في سويسرا، وأن هذا الوجود له أثره في السياسة الخارجية، كما قد يؤثر بشكل حسّاس على صورة سويسرا في الخارج". قضية البُرقُع تنتظر أوروبا في ضوء ما تقدّم، لا تبدو مُستغرَبة تلك الحيرة التي تكتنِف قضية البُرقع ولا الجدل الدائر حولها، ومن وجهة نظر أوسكار ماتزوليني، فإن "الحديث عن قضايا الهجرة والأجانب والتجنّس وقوانين اللجوء بشكل عام، مسألة تختلِف تماما عن استهداف فئة دينية بعيْنها وشنّ حملة عليها دون غيرها. فهذه موضة جديدة لم تكُن موجودة فيما خَلا من العقود السابقة". أما بصدد البُرقع، فالقضية أثارها مؤخّرا برلمان كانتون أرغاو الذي قرّر التقدّم بمبادرة باسم الكانتون، تقضي بحظر ارتِداء البرقع في الأماكن العامة في سويسرا. وثمّة محاولات أخرى مُماثلة هي قيْد النظر في كانتونَيْ برن وسولوتورن، وسيتعيّن على أصحاب الشأن اتِّخاذ القرار فيما إذا كانوا سيتقدّمون بمشاريع بهذا الخصوص إلى البرلمان، على غِرار ما حصل في كانتون أرغاو. وجدير بالذكر أن الحكومة تقدّمت في منتصف مايو المنصرم بتوصِية من أجل رفْض الإقتراح الذي تقدّم به النائب عن حزب الشعب أوسكار فرايزينغر، والذي يُطالب فيه بحظر إخفاء الوجه، مستنِدا في ذلك إلى القانون الفدرالي الخاص بالأمن القومي، حيث يرى ضرورة إلزام الجميع بإبداء الوجه، حينما يتقدمون أمام إحدى السلطات الفدرالية أو الكانتونية أو البلدية. وأيا كان الأمر، فإن أوسكار ماتزوليني يعتقِد بأن الجدل الدائر حول النِّقاب في سويسرا يعتمد إلى حدٍّ كبير على تطوّرات الأحداث في أوروبا، ويستطرد قائلا: "إننا في حالة ترقُّب، فأمامنا موقِف واضح اتّخذه كانتون أرغاو، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أمامنا أحداث حاضرة على الساحة الأوروبية، ونحن بصدد معرفة ما ستُسفِر عنه المواقف الأوروبية، خاصة في بلاد مثل فرنسا وإيطاليا، حتى لا نجد أنفسنا مرّة أخرى لوحدنا في الواجهة". 16 يونيو 2010