[email protected] هذه الجملة بإجدى اللهجات العربية الجميلة، وهي يمكن أن تكون بالتونسية فتكون "يحسب روحو ملك" أو بالجزائرية "حاط روحو مليك" أو بالمصرية "فاكر نفسو ريس" ولكنها تصب كلها في نفس الإطار: علاقة المواطن بحاكمه، وحكمه على ما يحمله هذا الموقع من امتيازات وخصوصيات. ولكنها تلج مواطن التقديس والعصمة إذا تنزلت في أرضنا والتحفت سمائنا، فيصبح حاكم البلاد تلك الشخصية النورانية التي تدور حولها عقارب الزمان ويختلف عليها الليل والنهار، ويصبح جوهر وجود البلاد تاريخا وحاضرا ومستقبلا يتبع وجود الحاكم، فهو الماء والهواء وبدونه العدم والفناء! حتى أنك لو فتحت أي منبر إخباري لأي بلادنا، فسوف ترى أن كل الأخبار تحوم حوله حتى يخيل إليك أن البلاد التي نسكنها والتي لا تشكل إلا قرية بين الدول وذرة في فلاة أصبحت مدار العالم، وشمسا سيارة في فلك يعج بالنجوم والكواكب، ولكن يخيب ظنك سريعا حين تنتقل إلى منبر إخباري آخر لحي آخر من أحيائنا حتى ترى أن المدار تغير وأصبح ينافسه فيه آخرون... قدسية الحاكم عندنا ليست على الورق فحسب ولكنها في الأفعال والمواقف، وحتى يبقى هذا المقال خاطرة لا غير، أعود بالقارئ من حيث بدأت، فهذه الجملة التي عنونت المقال "بحال شي ملك" شكلت لقطة في حوار عجيب وغريب، إذ تروي الأخبار هذه الأيام في إحدى بلاد العرب أن إحدى النساء تقدمت بشكوى ضد زوجها طالبة الطلاق، ولما استفسرها القاضي عن الأسباب، أجابته المسكينة بكل عفوية : أنه دائما في المنزل "بحال شي ملك" [أي كأنه ملك] فما كان من القاضي إلا أن أصدر حكما بسجنها للتو عاما كاملا بدعوى تجرئها على ذكر كلمة مقدسة لا يسمح بالاقتراب منها إلا تهليلا وتكبيرا وانحناء وتقديسا! هذه القصة الغريبة ذات زوايا عديدة للتعليق، منها استقلال القضاء..، ومنها الخوف والرعب الذي يحمله الإطار، قضاة ومتهمين..، ومنها فقدان الحرية..، ومنها هيمنة ثقافة الذل والخنوع...ومنها استشراء عقلية التملق والاستجداء الرخيص، على مقولة "أكثر ملوكية من الملك"..، ومنها اهتزاز منظومة القيم..، وغيرها! وكلها تصب في هذا الكمّ الهائل الذي يشيب له الولدان من أسباب تخلفنا وسقوطنا ومعوقات تقدمنا وتحضرنا، والتي تدور كلها بلا منازع حول قطب جامع وجوهر، بسيط في ذكره، صعب في الإفصاح به... "الاستبداد". لن أتوقف عند هذه الأسباب المعروفة، فقد قتلت هذه المباحث سردا وذكرا وتحليلا ودراسة، وليست هذه القصة وغيرها من القصص والتي ولا شك تجد مثيلاتها في كل شبر من بلادنا الواسعة، إلا من رحم ربك، ليست هذه القصص إلا تذكيرا متكررا يستنهض الهمم و يثير الوعي، بأن شعوبا بأكملها تعيش على الهامش أو في الظلام، هي في واد وحكامها في واد آخر، وأن طريق الإصلاح والتغيير السلمي من أجل الفرد المواطن، والمواطن الإنسان لا يزال طويلا وشاقا ومليئا بالأشواك. 1 أفريل 2008 ملاحظة : يصدر قريبا للدكتور خالد الطراولي كتاب جديد بعنوان "حدّث مواطن قال.." يمكن الحجز بمراسلة هذا العنوان: [email protected] المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net