'قلت للاعبين إن أطفالنا وأولادنا هم من قد يتوقفون عن اعتباركم أبطالا. إنها أحلام رفاقكم وأصدقائكم ومشجعيكم هي ما قد تكون تحطمت. إنها صورة فرنسا هي التي تأذت' ... هكذا تحدثت وزيرة الرياضة الفرنسية روزيلين باشلو عقب فضيحة المنتخب الفرنسي في مونديال جنوب إفريقيا، قبل أن تضيف بأن 'كارثة أخلاقية' قد حصلت وبأن 'لا شيء سيعود كما كان من قبل'. هذه الفضيحة لم تكن الأداء الكروي غير المقنع للمنتخب بل إبعاد لاعبه نيكولا أنلكا لشتمه المدرب ريمون دومينك وما أعقب ذلك من إضراب اللاعبين عن التدريب تضامنا معه في تمرد غريب من نوعه. هي فضيحة بلا شك... ولكنها قد تكون متوقعة إذا أخذنا في الاعتبار عناصر القضية التي تفاعلت دراميا في لحظة أزمة فأفرزت في النهاية ما أفرزته. عناصر صادف أن وجدت اليوم في المنتخب الفرنسي وفي مناسبة كروية يحبس العالم كل أنفاسه متابعا لها، لكنها مرشحة أن تحدث نفس الأثر وربما أسوأ لو هي تضافرت في مجتمعات أو مؤسسات أو جمعيات أو أحزاب أو نقابات أو غيرها مما يتابعه الناس باهتمام خاص وأحيانا بإعجاب مبالغ فيه. لنرتب معا عناصر هذه الأزمة: قائد مجموعة، هو في هذه الحالة مدرب المنتخب، لا يحظى لا باحترام ولا بحب من يشرف على تدريبهم. هو بالنسبة إلى كثيرين منهم الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. رجل ينظر إليه اللاعبون، وكثير من المعلقين، على أن الأقدار هي التي جاءت به إلى هذا المنصب دون كفاءة خاصة ولا باع طويل في هذه اللعبة. وهو فوق ذلك لا يتمتع لا بسحر خاص ولا بسلاسة في تعاملاته الإنسانية مع الفريق، يعاملهم بجفاء وتعال حمل لاعبين سابقين أشهرهم زين الذين زيدان على ترك الفريق في فترة من الفترات قبل أن يعود إليه لاحقا شعورا بالواجب. ومع ذلك لم يتجرأ أصحاب القرار على إبعاد هذا المدرب وظلوا على عنادهم فتركوه على قلوب لاعبين لا يحترمون قدراته الكروية ولا خصاله الإنسانية. لاعبون هم وحدهم من يصنع الفرجة وليس المدرب، لا أحد يستمع إلى رأيهم مع أنهم هم الأبطال الحقيقيون في المشهد كله. لم يكن يؤرق أصحاب القرار إن كان هؤلاء اللاعبون يحبون مدربهم ويحترمونه أم لا، يتجاوبون معه أم أن جدارا من الجفاء والصد يتسع يوميا بينهم وبينه. لم ير هؤلاء في المنتخب سوى مدربه فاحتفظوا به رغم أنف الجميع فكان أن أضاعوا الفريق وحطموا آمال جماهيره. حتى وزيرة الرياضة الفرنسية لم تجد مفرا وهي تتحدث بتأثر شديد إلى وسائل الإعلام أن تقول إنه بعد العودة إلى فرنسا لا بد أن نستمع إلى كل الأطراف، بمن في ذلك اللاعبون 'الذين قد نكون لم نستمع إليهم بما يكفي'. اعتراف متأخر. جمهور تابع كلا من المدرب واللاعبين في أزماتهم السابقة دونما تدخل أو على الأقل دون أن يسمع الآخرين صوته. أخذت الجمهور الأماني فقال لا يهم اقتناع كفاءة المدرب ولا حب اللاعبين له أو حتى تفاهمهم معه. لا يهم ذلك طالما أننا نرى الكرة تسرح وتمرح في الملعب وتدخل شباك هذا المنافس أو ذاك. لم يكن يخطر ببال هذا الجمهور أن تراكم الاحتقان والعناد في تنفيسه قد يصل بالأمور إلى تطاول لاعب على مدرب وشتمه بأقسى العبارات بذاءة أو عدم تدرب اللاعبين وما يدريك أنهم قد يرفضون يوما ما النزول إلى الملعب مرة واحدة. مؤشر إيجابي واحد يتيم في كل أزمة المنتخب الفرنسي أن لجنة التحقيق أو الفحص التي ستنشأ لاحقا لدراسة حقيقة ما جرى والمسؤول عنه هي لجنة خارجية لأن اللجان الداخلية ليست منزهة عن الهواء أو بعيدة عن التجاذبات. ها هي الكرة تعلمنا جميعا... ربما أكثر مما تمتعنا!!. القدس العربي 6/23/2010