من كلمات الحسين بن طلال: ( لأجعلن في كل بيت عراقي عزاءً )……….. حينما مدّت شمس الديمقراطية أشعتها الحمراء على ربوع العراق وثناياه، تبيّن للكثيرين من أبناء الشعب العراقي بأن هذه الأشعة خارقة حارقة, فهي إما أن تحرق الأجساد من شدة حرارتها ولهيبها أو تعمي الأبصار بشراسة أشعتها فوق البنفسجيّة. وهكذا فقد أضحى العراقيون هذا اليوم بين هائم على سطح الطبيعة يبحث عن ملاذ آمن يأمن فيه على نفسه وعلى أهله هربا من لهيب هذه الشمس وضراوتها أو بقي مغلوبا على أمره ليحترق بحرارتها ويكتوي بنارها. أما الذين فقدوا أبصارهم ورؤاهم فقد ضاعوا في ظلام دامس لا يدري مالله صانع بهم أو ولجوا في طريق مسدود ترتاده وحوش كاسرة تنهش في أجسادهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون , وبعد مضي ما يزيد عن سبع سنوات على بزوغ تلك الشمس بدت ملامح الصورة تتكشف وإمارات الحقيقة تتبين , فشمس الديمقراطية الحارقة قد جاءت لتذيب الأواصر وتنثر التناحر فتجعل من الشعب المتماسك الواحد شعبا ممزقا مفككا تائها في فضاء المجهول . تتوضح الأمور شيئا فشيئا وينكشف الغطاء عن الخفايا ويبرز المشروع الأمريكي جليّا ومعلنا عن تفتيت العراق الى دويلات ضعيفة تائهة متباينة الولاء مختلفة التوجه متضادة الأهداف غريبة الرؤى متحاربة وغير متقاربة. جاء الأمريكيون بمشروعهم الديمقراطي المثير للتساؤل والجدل الى العراق وقد كان مبنيا على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية , فأصبح بجدارة بداية النهاية لوحدة العراق وتماسك شعبه وصار خارطة الطريق لتقسيم معوّل عليه ومرتقب. ومن أجل تحضير الساحة الى هذا المشروع وتطبيق بنوده، فقد شرع الأمريكيون بحلّ مؤسسات الدولة الفعالة وتقويض بنيتها التحتية من خلال حل الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي وبعض الوزارات والمؤسسات الهامة في صيرورة الدولة والحفاظ على كيانها. رغم كل ما تعلنه بعض دول الخليج من تصريحات نارية توحي بشدة قلقها وانشغال بالها حول وحدة تراب العراق وسلامة أراضيه , إلاّ أنها في الحقيقة تعمل ضد ما تعلن في هذا الشأن . فنفوذ دول الخليج المتضاربة في سياساتها ينعكس جليّا على واقع الحال وعلى مجمل الأحداث في الساحة العراقية الغارقة في بؤسها وشقائها، حتى أصبحت تصرفات تلك الدول في الشأن العراقي واضحة وجليّة ويتحدث عنها الجميع ولا يمكن إخفاءها أو التغاضي عنها . هذه التدخلات الخارجية الصريحة قد لعبت دورا هاما في تفكيك عرى هذا البلد وأواصر إتصاله وذلك من خلال ولاءات بعض الساسة العراقيين لتلك الدول وتباين رؤى وأفكار هؤلاء الساسة بتباين رؤى وسياسات تلك الدول. وهذا ما قد أحدث شرخا في الصف العراقي الموحد قد أدى و يؤدي في النتيجة الى مناصرة المشروع الأمريكي في هذا الإتجاه بشكل مباشر أو غير مباشر.الديمقراطية ليست ثوبا جميلا تلبسه شعوب العالم بين ليلة وضحاها، ولا بضاعة زاهية تشتريها الأمم من أسواق التجارة العالمية، إنما هي تراث وثقافة واسس وأعراف وقيم وأخلاق تتعلمها الشعوب وتتبناها. قد تكون الديمقراطية شرّا على الشعوب حينما يساء إستخدامها أو حينما تطل عليهم دونما تأهب أو تحضير. الديمقراطية في تأريخ الأمم قد أدت الى تفكيك دول متطورة الى دويلات بسبب التباينات اللغوية أو العرقية أو الطائفية. فمن تخونه الذاكرة فليتذكر الماضي القريب وكيف تفككت دول الإتحاد السوفيتي السابق بعد إعلان الديمقراطية وكيف أصبحت تشيكوسلافاكيا دولتين ويوغسلافيا دول عديد. كما أن العديد من دول الغرب المتحضر هي الآن على أبواب التفتت والإنفصال بسبب تباينات قائمة على أسس إجتماعية. فبلجيكا مثلا تمر اليوم بأزمة سياسية خانقة بين السياسيين المتكلمين باللغة الفلمنكية والسياسيين المتكلمين باللغة الفرنسية والتي تحول دون تشكيل حكومة جديدة في هذا البلد. وهذه الأزمة هي في الحقيقة بادرة واشارة هامة الى مغزى سياسي عميق وخطير يحمل بين طياته امارات الإنفصال الكامل بين أبناء الشعب البلجيكي الواحد بسبب تباين أساسه الحقيقي اللغة, والحالة تنطبق تماما على كندا كما أن مطالب أقليم الباسك الأسباني في الإنفصال عن أسبانيا لأسباب عرقية يعرفها المتابعون ومطالب شعب إيرلندا الشمالية في الإنفصال عن بريطانيا بسبب التباين الطائفي ليست غريبة على الأسماع .قد يدرك المرء، على ضوء ذلك، طبيعة الديمقراطية وخصوصياتها وخطورة تطبيقها في مجتمع ما من دون أن تحضر البيئة الملائمة والظروف المناسبة لها. أن شبح تقسيم البلدان قد يكون أمرا واردا في حالة وجود تباين اجتماعي واحد في المجتمع كاللغة أو العرق أو الطائفة , وهذا ما حصل فعلا أو ما سيحصل في المستقبل في مجتمعات ديمقراطية متطورة, فما بالنا في ديمقراطية مستوردة ومفروضة على بلد ناشىء متعب وحزين, بلد غير محضر لبيئة ديمقراطية وغير مؤهل لإستيعابها كالعراق مثلا , حيث تختلط فيه الأعراق وتتباين فيه اللغات وتتعدد به الطوائف والأديان . من يتابع مسيرة الحركة السياسية في العراق منذ اعلان الديمقراطية ولحد الآن سوف يرى ويسمع ويحس بأن صراعا سياسيّا محتدما يدبّ بين صفوف الساسة العراقيين هذا الصراع السياسي المرير لا يقتصر على الكتل السياسية المتناحرة فيما بينها فحسب وانما يتعداه الى صراع داخلي داخل الكتلة السياسية الواحدة, فأن يدل هذا على شيء إنما يدلّ على أنه ليس هنالك مشروعا وطنيا حقيقيا ومشتركا يجمع بين هذه الكتل السياسية المتضاربة ، كما يدل ايضا على تفوق المصالح الطائفية والعرقية والحزبية والفئوية والذاتية على المصلحة الوطنية العامة ووحدة البلاد.أن غياب الحس الوطني وإختفاء النبرة الوحدوية عن مشاريع الأحزاب السياسية القائمة وغياب الثقل التكنوقراطي الخلاق والكفاءة الموجهة والتفكير الناضج عن موازين القوى ومراكز الثقل في دفة الحكم وما حولها سوف يؤدي الى زيادة الطين بلّة والدفع نحو هاوية التشرذم والإنهيار.الإحتلال الأمريكي للعراق بحجة نشر الديمقراطية كان قد وازاه وعاكسه الكثير من ردود الأفعال المتباينة والمتضاربة . فمن الناس من صفق وأستبشر خيرا ولا زال يصفق . ومن الناس من صفق ثم عاد وندم على تصفيقه بعدما اكتشف الحقيقة ومن الناس من تضجر وتذمر.. أو تشدد وتمرد.. أو كابد ثم جاهد... ومنهم من أخترق الصفوف واستل السيوف ليسفك دماء الأبرياء بدم بارد، ومنهم من إنتهز الفرص فأخفى العيوب وملأ الجيوب.وهكذا فكثيرا ما انتصر في ظل عراق التغيير الطالح على الصالح والآفك على الصادق والسارق على المسروق والمستغل على الحريص, ففي ظل هذه الفوضى الخلاّقة والغوغاء الإجتماعية العارمة التي عبدت الطريق أمام قوى داخلية وخارجية, يندفع العراق الى هاوية التفكك والإنقسام. فان كان مجلس الشيوخ الأمريكي وحسب دراساته واستنتاجاته التي جاءت متأخرة بعض الوقت قد أوصى بتقسيم العراق الى ثلاث مناطق فقط فأن بعض المراقبين السياسيين يرون, وفي ظل الأوضاع السائدة اليوم والتخبط الذي يعيشه العراق, بأن نتيجة القسمة التي أجراها هذا المجلس يجب ان تكون ثلاثين وليس ثلاثة .الانتخابات العراقية الأخيرة أفرزت مجموعة من الحقائق الميدانية التي كان يتخوف منها الكثير من الشرفاء في العراق والبلاد العربية والإسلامية. - أسفرت الانتخابات عن فوز)علاوي (ملبية لنداء المحتل خادمة لمخططه الإجرامي اللئيم مع إمكانية استبدال بسيط لبعض الوجوه الجديدة. – لا تختلف الحكومة الجديدة المنبثقة عما سبقها ابتداء من مجلس الحكم والتشكيلات الحكومية التي أعقبته. - سوف يوكل إلى هذه الحكومة مهمة رئيسية تتمثل في التسريع بتكوين الحرس الوطني وقوات الشرطة والمخابرات لتوكل لها، بالتنسيق الكبير مع القوات الأمريكية، مهمات ضرب نسيج واسع من الشعب العراقي بلا رحمة ولا شفقة، كما حدث مثلا في الفلوجة وتلعفر وغيرها من المدن والبلدات ، بحجة القضاء على الإرهاب، وسيكون دور هذه القوات هو ممارسة حرب أهلية مؤطرة رسميا من قوات نظامية ضد أهالي المناطق المعروفة سلفا.– سيترتب عن هذه السياسة المتوقع تنفيذها نتائج وخيمة على مكونات الشعب العراقي، وستكون ردات الفعل غير مسبوقة، وستتجذر أحقاد مريرة بين طوائف وقبائل وأطياف الشعب العراقي، وستتحصن القوات الأمريكية في قواعدها خارج مدن العراق الكبرى بعد فرضها قرار شرعية وجودها من الحكومة الجديدة، ويترك الأمر( المهمة القذرة) إلى سطوة القوات الحكومية غير المتجانسة طائفيا، وتتدخل قوات الاحتلال بنيران قوتها الجوية لتدمير المدن فقط في حالة عجز القوات الحكومية عن السيطرة على موقف ما. – الأكراد، هم مشروع أمريكا المستقبلي على مدى أقل من عشرين سنة، باعتبارهم الحلفاء الأساسيين للمشروع الأمريكي، وستصبح أرض كردستان العراق في وضعيتها الإستراتيجية ساحة لا تختلف كثيرا عن إسرائيل السرطان المتنامي في الجسد العربي و الإسلامي، وعليه فان الدور الخطير المرسوم للمنطقة الكردية ستتوضح أوراقه أكثر أمام العراقيين في المراحل المقبلة. – الوضع الحالي في العراق سيثبت لكل متردد بأن وحدة طوائف وقبائل وأطياف الشعب العراقي ، هي السبيل الوحيد لإفساد الخطة الأمريكية المرسومة والتي لا تطال العراق وحده، بل كل المنطقة العربية وعلى رأسها سوريا . فهل من مجيب ? .