إذا كانت صحيفة المساء تساهم في نقل الحدث الإعلامي المحلي، فإنها أخيرا وجدت نفسها في قلب الحدث تصنعه، علي خلفية تداعيات الحكم القضائي الذي صدر ضدها بتغريمها غرامة مالية باهظة لأربعة من ممثلي النيابة العامة اتهموها بالإساءة إليهم. وفي خضم التضامن الكبير معها من مختلف الهيئات المهنية والحقوقية وشرائح متعددة من القراء، عقدت إدارة الجريدة مساء الاثنين بالدارالبيضاء مؤتمرا صحافيا سلطت فيه الضوء علي خلفيات الحكم الصادر ضدها، وتطرقت مختلف التدخلات إلي التهديدات التي تلاحق الصحافة المستقلة بالمغرب، كما نحت باللائمة علي القضاء المغربي الذي وصفته بعدم الاستقلالية. في هذا الإطار، أثار الصحافيان رشيد نيني وتوفيق بوعشرين (مدير الجريدة ورئيس تحريرها) ملاحظة مفادها أن القاضي الذي كلف بمحاكمة المساء هو نفسه الذي حاكم صحافيين آخرين كعلي المرابط (مدير أسبوعية دومان الموقوفة عن الصدور) وأبو بكر الجامعي (مدير لوجورنال سابقا) ومصطفي العلوي (مدير الأسبوع )، مما جعلهما يتساءلان عما إذا كان القاضي المعني مكلفا بمحاكمة الصحافة والصحافيين. واعتبرا أن ما تعرضت له جريدتهما التي توصف بكونها جريدة كل المغاربة محاكمة سياسية بالأساس وليست قضائية، وأن الهدف منها معاقبة هذه الصحيفة علي خطها التحريري الجريء الذي يفضح الفساد في العديد من مجالات الحياة العامة بالمغرب. وكشفا أن إدارة الجريدة تلقت في مناسبات كثيرة إشارات تفيد بعدم رضا أجهزة متنفذة في الدولة عن ملفات وتقارير متعددة نشرتها حول الأمن والقضاء. وأشار نيني وبوعشرين إلي أن مجموعة من المسؤولين يزعجهم نجاح المساء وسعة انتشارها، لدرجة أنهم حمّلوها مسؤولية عزوف المغاربة عن المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت العام الماضي، حيث لم تتعد نسبة مشاركة المواطنين 37 في المئة. وذكرت إدارة تحرير هذه الصحيفة أنها، منذ صدور الحكم الابتدائي، تتلقي رسائل ومكالمات عديدة من مواطنين كثيرين يعبرون فيها عن استعدادهم للمساهمة في دفع مبلغ الغرامة (حوالي 750 ألف دولار)، وقال توفيق بوعشرين: لو أردنا دفع الغرامة لفتحنا باب الاكتتاب ولكسبنا أكثر، ولدفعنا حتي الغرامة المحكوم بها علي مصطفي العلوي في إشارة إلي التعويض المالي الذي نطقت به محكمة الرباط في قضية مدير جريدة الأسبوع مع إحدي شركات تسيير حظيرة سيارات. غير أن بوعشرين أوضح أن الحكم الصادر ضد المساء يكشف عن نية في التنكيل والانتقام منها وعبرها من الصحافة المستقلة. وتساءل سمير شوقي (مدير عام الجريدة): هل جبر ضرر أربعة ممثلين للنيابة العامة يساوي الضرر الذي يمكن أن يلحق 150 أجيرا يعملون في المساء ويعيلون 150 أسرة؟ وكشف محامي الجريدة مصطفي الرميد (وهو برلماني من حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض) أنه كانت هناك مساع مع أشخاص تفادي ذكرهم بالاسم من أجل الصلح بين أطراف القضية، غير أنها لم تؤد إلي نتيجة. وقال إن الحكم الصادر يفتقر إلي أية صحة قانونية، واصفا القاضي الذي نطق به ب الجلاد ، موضحا أن قضاة آخرين عبروا له عن استغرابهم من ثقل الغرامة المالية. وأثار الصحافي البارز خالد الجامعي ملاحظة مفادها أن أغلب الوزراء المغاربة الحاليين ما ان يأخذوا الكلمة في مناسبة ما حتي يشرعوا في مهاجمة الصحافة المستقلة. وقال: نحن الصحافيين جميعا سجناء لكن في حالة إفراج مؤقت . وألح المتدخلون علي ضرورة وجود قانون صحافة جديد يستجيب لتطلعات الصحافيين المغاربة، كما دعوا إلي إحداث غرف في المحاكم متخصصة بقضايا النشر عوض طرحها في جلسات عامة تضم خليطا من قضايا الجنح والجرائم المختلفة. ودعوا أيضا إلي تزويد القضاة المتخصصين بتكوين قانوني في مجال الصحافة والنشر لمسايرة المستجدات التي يشهدها حقل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات عبر العالم.