الكتاب:حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي.. دراسة للحالة المصرية المؤلف:أحمد منيسي الطبعة:الأولى -2010 م الصفحات:220 صفحة من القطع المتوسط الناشر:مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية- أبو ظبي صَدَر حديثًا عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كتاب للباحث المصري أحمد منيسي تحت عنوان حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي.. دراسة للحالة المصرية. تتناولُ الدراسة حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي من خلال دراسة الحالة المصرية، حيث شهدت مصر تأسيس العديد من حركات التغيير الجديدة التي اختلفت في أطروحاتها السياسية والفكرية وطريقة نشأتِها وسماتها التنظيمية وآليات عملها عن حركات وقوى المعارضة التقليدية في أحزاب المعارضة والتنظيمات السياسية المعارضة المحظورة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان. ويشيرُ الباحث إلى أن تناوله للحالة المصرية يرجع إلى كونها نموذجًا لحركات التغيير الجديدة في الوطن العربي، إلا أن مصر كانت المنطلق لنشأة هذا النمط من الحركات، ومنها انتشر إلى دول عربية عدة، كما أن حركات التغيير الجديدة في مصر تفوق من حيث والنشاط حركات التغيير الجديدة الموجودة في الدول العربية الأخرى، وأضف إلى ذلك أن حركات التغيير الجديدة كان لها تأثيرها الملحوظ في الحالة المصرية. ويقول الباحث: إن الكتاب من خلال فصوله الخمسة يهدف إلى تقديم إجابات محددة عن جملة التساؤلات التي تثيرها ظاهرة حركات التغيير الجديدة، وتتعلق بطبيعة هذه الحركات، والعوامل التي أفرزتها، والدور الذي قامت به في عملية التطوير الديمقراطي، ولأن الكتاب يبحث في الحالة المصرية كنموذج، فإنه يركز على استكشاف وتحليل طبيعة البيئة التي نشأت في ظلها هذه الحركات، وعرض سماتها الرئيسة، وتحديد دورها، وبيان العقبات الرئيسة التي حالت دون تفعيلِه، وأولويات تطوير هذا الدور. حركاتُ التغيير في الوطَن العربي تثيرُ ظاهرة حركات التغيير الجديدة تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعتها، والعوامل التي أفرزتها، ودورها في عملية التطور الديمقراطي، ومن ثَمَّ يبحث الكتاب ظاهرة الحراك السياسي في الوطن العربي مناقشًا مجموعتين من الأسباب التي فجرت ذلك الحراك في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، مبينًا أن المجموعة الأولى تشمل الأسباب الداخلية أي النابعة من سِياق النظم السياسية لهذه الدول، أما المجموعة الثانية فتشمل الأسباب الخارجية أي العوامل التي أثَّرت على النُّظُم السياسية من خارج بيئتها، وتتمحور حول الضغوط والمحفِّزات الخاصة بالبيئة الدولية. وفيما يتعلق باتجاهات ذلك الحراك، يحدد الكاتب قواسم مشتركة تجمعُها؛ مثل المطالبة ببناء مجتمع المواطنة، والدعوة إلى عصرنة الدولة العربية، والمطالبة بتفعِيل وقدرات الواقع العربي. كما يشير إلى تيارين رئيسين، التيار الحداثي المدني والتيار الديني التقليدي، قائلًا إنهما تقاسما ذلك الحراك السياسي في المنطقة العربية. ثم يبحث الكتاب أسباب انتشار حركات التغيير الجديدة العربية، ومنها أن هذه الحركات غيرُ ملزمَة، ولا يتطلب اكتساب عضويتها إجراءات بيروقراطية معقدة، وكونها نقلت فعل الممانعة والاحتجاج من الأطراف النخبوية والحزبية الضيقة إلى الفضاء العام، ومن السمات الرئيسة لهذه الحركات؛ توجهّها نحو تشكيل تحالفات سياسية واسعة، وطبيعتها السلمية متمثلة في اقتصار مطالبها على التغييرات الدستورية والقانونية للنظم السياسية العربية، ثم الاعتماد على أسلوب العمل السياسي المباشر في الشارع وبين الجماهير. كما يستعرضُ الكاتب مجموعة من النماذج لحركات التغيير الجديدة في الوطن العربي، مثل تجمع إعلان دمشق الذي صدرتْ وثيقته التأسيسية في 16 أكتوبر 2005،، باعتباره امتدادًا لمشاريع سابقة تدعو إلى التحول الديمقراطي مثل بيان ال 99، وغيره وشمل أوسع ائتلاف معارض في تاريخ سوريا المعاصر، إذ ضَمَّ عربًا وكردًا، علمانيين وإسلاميين، يساريين وقوميين وليبراليين... ضمن إطار تحالفي توافق على هدف التغيير الديمقراطي، وشدَّد على ضرورة التوافق على احترام التنوع والاحتكام إلى قواعد الصراع السلمي، وتعزيز مفهوم المواطنة، وفكرة الديمقراطية الحاضنة للجميع، إلا أنه كانت هنالك مجموعة من العوامل قدَّرت له التعثر منذ البداية، أبرزها وجود بعض علامات الاستفهام حول الهوية والأهداف، وطبيعة العلاقة مع الخارج، والتمثيل النخبويّ البعيد عن العمق الشعبي، وضعف وسائل الاتصال والإعلام، وبعض عوامل الانقسام الداخلية. وكذلك هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي تأسست في تونس في ديسمبر 2005، ردًا على حالة الاحتقان السياسي الناتجة عن تعديل الدستور، وضعف احتمال التداوُل السلمي للسلطة، وبعض القوانين المقيدة للحريات، مثل قانون مكافحة الإرهاب وضمت العديد من القوى والتيارات السياسية، مثل الحزب الديمقراطي التقدمي، وحركة النهضة الإسلامية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب العمال الشيوعي، والمؤتمر من أجل الجمهورية، فضلًا عن شخصيات نقابية وحقوقية. وسعت الهيئة منذ إنشائها إلى تحقيق حرية الصحافة والتعبير، وحرية تنظيم الأحزاب والجمعيات، وإطلاق المساجين السياسيين، ومجموعة من المطالب الأخرى، إلا أن الهيئة لم تستطع صياغة برنامج سياسي -فكري، يحدد أولوياتها وهويتها وأسلوب تحرُّكها، وفشلت في إيجاد قاعدة شعبية وخاصة بين قطاعات الشباب، ولم تضم الهيئة قوى معارضة ذات ثقل مثل حركة التجديد، وحزب العمل الوطني. كما يلفتُ الكاتب إلى أنه شهدت المملكة العربية السعودية حراكًا بدأ في العقد الأخير من القرن الماضي، وذلك استجابة لضغوط محلية وإقليمه ودولية، وتصاعدت عرائض المطالبة بالإصلاح السياسي والتحديث المجتمعي، وكان من أهمها: عريضة رجال الأعمال في نوفمبر 1990، والحركة الاحتجاجية النسائية في نوفمبر 1991، ومذكِّرة النصيحة عام 1991. ونتج عن تلك المطالبات صدور ثلاثة قوانين تتعلق بالنظام السياسي للحكم، وتقسيم المناطق، وعضوية مجلس الشورى، ومع بدايات العقد الحالي من هذا القرن تَمَّ تقديم عرائض للإصلاح السياسي مثل: بيان الإصلاح في يناير 2003، وشركاء في الوطن في إبريل 2003، ورؤية لحاضر الوطن ومستقبله، وعريضة الملكِيَّة الدستورية. وبيَّن أن الحراك السياسي السعودي انعكَسَ على النظام الانتخابي للمجالس البلدية، والتوجه نحو الانتخاب الجزئي لأعضاء مجلس الشورى، والعمل على ملف الحريات وحقوق الإنسان، وتأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وبعض الإصلاحات في المناهج التعليمية، وانتشار حركة المدونات على الإنترنت، وإنشاء هيئة البيعة لتنظيم أمر ولاية العهد، واهتمَّ الكاتب في هذا الصدد، بتوصيف اتجاهين رئيسين للتيار الإصلاحي السعودي، هما الإسلاميون المعتدلون، والإصلاحيون الليبراليون. حركاتُ التغيير في مصر أما في مصر، وهي حالة البحث الأساس للكتاب، فيوضح الكاتب أن نشأة حركات التغيير الجديدة في مصر جاءت في ظلّ حِراك اتخذ صورتين: أولاهما نزول طلائع القوى المطالبة بالتغيير إلى الشارع في مشهد غير مألوف للحياة السياسية المصرية، أما الصورة الثانية فهي اضطرار الحزب الحاكم إلى التقدم بمبادرات سياسية كانت تبدو حتى سنوات قليلة خلتْ مستبعدة بالمطلق. وفي هذا السياق يتعرَّض الكاتب لمراحل الحراك السياسي المصري، لا سيَّما مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية عام 2000، ثم مرحلة ما بعد تعديل المادة الدستورية رقم 76 في عام 2005، وفيما يتعلق بالعوامل الأساس لهذا الحراك، يذكر المؤلّف تجدُّد المجتمع السياسي، وانتعاش المجتمع المدني، والتطورات داخل معسكر المعارضة، وانتفاضة القضاة، وتنامي المطالب الإصلاحية، والتأَزُّم الاقتصادي، ودور الصحف المستقلة والإنترنت، وتراجع أداء النظام، ثم أخيرًا وليس بآخر حركة التدوين السياسي، لم يتناول الكتاب الجمعيَّة الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث تأسست في فبراير عام 2010. والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبة كما يرسم الكتاب خريطة لحركات التغيير الجديدة في مصر، معتبرًا أن أهمها الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي تأسَّست في سبتمبر 2004، وضمَّت قائمة مؤسسيها 300 شخصية سياسية، تنتمي إلى معظم التيارات السياسية وجميع الأجيال، وقد تميَّزَت أطروحاتُها حول الإصلاح السياسي بطابع الشمول والجذرية، ورغم عمرها الزمني القصير فقد استطاعتْ تحقيق إنجازات بارزة؛ إذ انتزعت للمرة الأولى الحق في التنظيم العلني المستقل، وكسرت حاجز الخوف والرهبة إزاء السلطة الحاكمة، ورفعت سقف النقد للنظام السياسي الحاكم، وكثفت ضغطها عليه لتقديم تنازلات مهمة لصالح الديمقراطية، وقدَّمت نموذجًا جديدًا للقوى السياسية المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي من خلال العمل السياسي المباشر والالتحام بالمواطنين، واستطاعت جذب اهتمام النخبة السياسية الوطنية إلى الشأن الداخلي، ونجحت بشكل كبير في نشْر ثقافة الاعتراض والتظاهر، وساهمت في تنشيط مختلف مظاهر الحيوية السياسية والمجتمعية، وجسدت وحدة النسيج الوطني بصورة متقدمة، لكن من إخفاقات الحركة التي اعتمدت منذ ظهورها على شعار: لا للتجديد... لا للتوريث، كونها لم تستطع منع مبارك من نيل ولاية خامسة، كما أن تحركها في الشارع أصبح أقل زخمًا، أما توجُّهها الجديد نحو قضايا بعيدة عن التجديد والتوريث، فقد أثار خلافات داخلها، كما شهدت خلافات أخرى حول الإطار التنظيمي. وإلى جانب كفاية وحركات التغيير الجديدة الأخرى المنبثقة عنها، تأسست الحملة الشعبية من أجل التغيير 2004، والتجمع الوطني للتحول الديمقراطي 2005، والجبهة الوطنية للتغيير 2005، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات 2003... علاوةً على حركات أخرى في الخارج، لكن تبقى حركة كفاية هي الأهمّ على الإطلاق بين حركات التغيير المصرية الجديدة، إذ أظهرت اختلافها عن الأحزاب والقوى السياسية التقليدية؛ على مستوى الخطاب والفكر والهوية السياسية، وعلى مستوى البناء التنظيمي، وأيضًا فيما يتعلق بآليات العمل السياسي المعارض، لكن مستقبلها، كما يتوقع الكاتب، سيبقى محكومًا بقيود الواقع وحدوده الكثيرة، وأخطر من ذلك تباين الأجندات السياسية لمكوناتها الداخلية، وظاهرة الانشقاقات المتنامية في جسمها التنظيمي الرّخْو والمُهلْهَل. وفي نهاية الكتاب يقدِّم الكاتب رؤيةً تقويميَّة إجمالية لدور حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي، وحدود فاعليتها، والعوامل التي حالتْ دون بلوغها ما حقَّقَتْه نظيراتُها في الدول المتحولة إلى الديمقراطية في أوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة، ومستقبل حركات التغيير الجديدة في مصر. الاسلام اليوم الثلاثاء 01 شعبان 1431 الموافق 13 يوليو 2010